ﰡ
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ مقابل قوله: ﴿ هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الخ، على عادته سبحانه وتعالى، متى ذكر وصف المؤمنين، يعقبه بذكر ضدهم قوله: ﴿ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي حسناها لهم بأن جعلناها محبوبة لأنفسهم، وهي في الواقع ليست حسنة، وإنما ذلك ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، قال الشاعر: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنقوله: (يتحيرون فيها) أي لتعارض الشيطان وإخبار الرحمن، ولم تكن لهم بصيرة يميزون بها الحسن، من القبح، فأهل الكفر متحيرون في كفرهم لكونهم في ظلمات، ومن المعلوم أن السائر في الظلمات، متحير بخلاف السائر في النور، فأهل الإيمان مصدقون مصممون على اعتقادهم، وأهل الكفر متشككون متحيرون. قوله: ﴿ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ ﴾ أي إن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا، لدوام العذاب في الآخر.
قوله: (حية خفيفة) أي في سرعة الحركة، فلا ينافي عظم جثتها. قوله: (يرجع) أي لم يرجع على عقبه. قوله: ﴿ لاَ تَخَفْ ﴾ (منها) أي لأنك في حضرتي، ومن كان فيها فهو آمن، لا يخطر بباله خوف من شيء. قوله: (لكن) ﴿ مَن ظَلَمَ ﴾ الخ، أشار إلى أن الاستثناء منقطع، و ﴿ مَن ظَلَمَ ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿ فَإِنِّي غَفُورٌ ﴾ خبره. قوله: (أتاه) أي عمله. قوله: (طوق القميص) إنما لم يأمره بإدخالها في كمه، لأنه كان عليه مدرعة قصيرة من صوف لا كم لها، وقيل: لها كم قصيرة. قوله: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ ﴾ جواب لقوله: ﴿ أَدْخِلْ ﴾ قوله: (لها شعاع) أي لمعان وإشراق. قوله: (آية) أشار بذلك إلى أن ﴿ فِي تِسْعِ آيَاتٍ ﴾ في محل نصب متعلق بمحذوف حال أخرى من ضمير ﴿ تَخْرُجْ ﴾، وقد صرح بهذا المحذوف في سورة طه حيث قال هناك:﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ ﴾[طه: ٢٢]، فالمعنى هنا حال كونها آية مندرجة في جملة الآيات التسع. قوله: ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ متعلق بما قدره المفسر، وقوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ الخ، تعليل لذلك المقدر. قوله: ﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا ﴾ أي جاءهم موسى بها، وقوله: ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ اسم فاعل والمراد به المفعول، أطلق اسم الفاعل على المفعول، إشعاراً بأنها لفرط وضوحها وإنارتها كأنها تبصر نفسها. قوله: (أي مضيئة) أي إضاءة معنوية في جميعها، وحسية في بعضها وهو اليد. قوله: ﴿ قَالُواْ هَـٰذَا ﴾ أي ما نشاهده من الخوارق التي أتى بها موسى. قوله: ﴿ وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ﴾ حال من الواو في ﴿ جَحَدُواْ ﴾ ولذا قدر فيه (قد). قوله: (أي تيقنوا) الخ، أشار به إلى أن السين زائدة. قوله: (راجع إلى الجحد) أي على أنه علة له. قوله: ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ ﴿ كَيْفَ ﴾ خبر مقدم لكان، و ﴿ عَاقِبَةُ ﴾ اسمها مؤخر، والجملة في محل نصب على إسقاط الخافض. قوله: (من إهلاكهم) أي بالإغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للعالمين.
وهدرت حمامة عند سليمان فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: سبحان ربي الأعلى، عدد ما في السماوات والأرض. وصاح قمري عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: سبحان ربي العظيم المهيمن. قال كعب: وحدثهم سليمان فقال: الغراب يقول: اللهم العن العشار، والحدأ يقول،: كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والضفدع تقول: سبحان ربي القدوس، والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده، والسرطان يقول: سبحان المذكور بكل مكان، وصاح دراج عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: الرحمن على العرش استوى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الديك إذا صاح قال: اذكروا الله يا غافلون ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" النسر إذا صاح قال: يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت، وإذا صاح العقاب قال: من البعد من الناس راحة. وإذا صاح القنبر قال: إلهي العن مبغض آل محمد. وإذا صاح الخطاف قال: ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ إلى آخرها فيقول ﴿ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ﴾ فيمد بها صوته كما يمد القارئ ". قوله: ﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ ﴾ قال ذلك تحدثاً بنعمة الله، وشكراً على ما أعطاه.
وكانت تلك النملة عرجاء ذات جناحين، وهي من جملة الحيوانات العشرة التي تدخل الجنة وهي: براق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدهد بلقيس، ونملة سليمان، وعجل إبراهيم، وكبش ولده، وبقرة بني إسرائيل، وكلب أهل الكهف، وحمار العزير، وناقة صالح، وحوت يونس، وروي أن سليمان قال لها: لم حذرت النمل، أخفت من ظلمي؟ أما علمت أني نبي عدل، فلم قلت: ﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾، فقالت النملة: أما سمعت قولي: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ مع أني لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب، خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، ويفتنن في الدنيا، ويشتغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر، فلما تكلمت مع سليمان، مضت مسرعة إلى قومها فقالت: هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله؟ قالوا: وما قدر ما نهدي له؟ والله ما عندنا إلا نبقية واحدة، فقالت: حسنة ائتوني بها، فأتوها بها فحملتها بفيها وانطلقت تجرها، وأمر الله الريح فحملتها وأقبلت تشق الجن والإنس والعلماء والأنبياء على البساط، حتى وقفت بين يديه، ووضعت تلك النبقة من فيها في فيه، وأنشأت تقول: ألم تر أنا نهدي إلى الله ماله وإن كان عنه ذا غنى فهو قابلهولو كان يهدى للجليل بقدره لأقصر البحر عنه يوماً وساحلهولكننا نهدي إلى من نحبه فيرضى بها عنا ويشكر فاعلهوما ذاك إلا من كريم فعاله وإلا فما في ملكنا من يشاكلهفقال لها: بارك الله فيكم، فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله، وأكثر خلق الله، النمل حيوان معروف شديد الإحساس والشم، حتى إنه يشم الشيء من بعيد ويدخر قوته، ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفاً من الإنبات ويفلق حبة الكزبرة أربع فلق، لأنها إذا فقلت فلقتين نبتت، ويأكل في عامه نصف ما جمع، ويستبقي باقيه عدة. قوله: ﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾ فيه وجهان، أحدهما أنه نهي، والثاني أنه جواب الأمر. قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ جملة حالية.
قوله: (بالإفضال على من يكفرها) أي فلا يقطع نعمه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة. قوله: ﴿ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ﴾ معطوف في المعنى على قوله: ﴿ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ﴾ وكلاهما مرتب على قوله: ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ﴾.
قوله: (إلى حالة تنكره إذا رأته) أي فالتنكير إبهام الشيء، بحيث لا يعرف ضد التعريف، ومنه النكرة والمعرفة في اصطلاح النحويين. قوله: ﴿ نَنظُرْ ﴾ هو بجواب الأمر. قوله: (قصد بذلك) الخ، أشار بذلك إلى حكمة التغيير. قوله: (لما قيل إن فيه شيئاً) أي نقصاً، والقائل له: ما ذكر الجن، وقالوا له: إن رجليها كرجلي حمار، وقالوا له أيضاً: إن في ساقيها شعراً لأنهم ظنوا أنه يتزوجها، فكرهوا ذلك لئلا تفشي له أسرار الجن، ولئلا يأتي منها أولاً فيخلفوه في استخدام الجن فيدوم عليهم الذل. قوله: ﴿ قِيلَ ﴾ (لها) القائل سليمان أو مأموره. قوله: ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾ الهمزة للاستفهام، والهاء للتنبيه، والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مجرور بها والجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ عَرْشُكِ ﴾ مبتدأ مؤخر، وفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بحرف الجر وهو الكاف اعتناء بالتنبيه، وكان مقتضاه أن يقال: أكهذا عرشك. قوله: (أي أمثل هذا) أشار بذلك إلى أن الكاف اسم بمعنى مثل، وقولهم لا يفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بشيء من حروف الجر إلا بالكاف معناه ولو صورة، وإن كانت في المعنى اسماً بمعنى مثل. قوله: (وشبهت عليهم) الخ، أي فأتت بهذه العبارة مشاكلة لكلام سليمان، والمشاكلة الإتيان بمثل الكلام السابق وإن لم يتحد الكلامان كقوله تعالى:﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ ﴾[آل عمران: ٥٤].
قوله: (قال سليمان) أي تحدثاً بنعمة الله. قوله: ﴿ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ﴾ أي العلم بالله وصفاته من قبل أن تؤتى هي العلم بما ذكر، وكنا مسلمين من قبل أن تسلم، فنحن أسبق منها علماً وإسلاماً. قوله: ﴿ وَصَدَّهَا ﴾ أي منعها، وقوله: ﴿ مَا كَانَت ﴾ فاعل صد، والمعنى منعها عن عبادة الله الذي كانت تعبد من دون الله وهو الشمس. قوله: ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ بكسر إن في قراءة العامة استئناف، وقرئ شذوذاً بفتحها على إسقاط حرف التعليل. قوله: ﴿ قِيلَ لَهَا ﴾ (أيضاً) أي كما قيل نكروا لها عرشها. قوله: (هو سطح) وقيل الصرح القصر أو صحن الدار. قوله: (من زجاج أبيض) أي وهو المسمى بالبلور. قوله: (اصطنعه سليمان) أي أمر الشياطين به، فحفروا حفيرة كالصهريج، وأجروا فيها الماء، ووضعوا فيها سمكاً وضفدعاً وغيرهما من حيوانات البحر، وجعلوا سقفها زجاجاً شفافاً، فصار الماء و ما فيه يرى من هذا الزجاج، فمن لم يكن عالماً به، يظن أنه ماء مكشوف يخاض فيه مع أنه ليس كذلك. قوله: (لما قيل له) القائل ذلك الجن. قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ ﴾ أي أبصرته. قوله: ﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ أي على عادة من أراد خوض الماء، قيل لما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق، فلما لم يكن لها بد من امتثال الأمر، سلمت وكشفت عن ساقيها. قوله: (لتخوضه) أي لأجل أن تصل إلى سليمان. قوله: (فرأى ساقيها) إلخ، أي فلما علم ذلك صرف بصره عنها. قوله: ﴿ مُّمَرَّدٌ ﴾ صفة أولى لصرح، وقوله: ﴿ مِّن قَوارِيرَ ﴾ صفة ثانية جمع قارورة. قوله: (مملس) ومنه الأمرد لملاسة وجهه أي نعومته الشعر به. قوله: (بعبادة غيرك) أي وهو الشمس. قوله: ﴿ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ حال من التاء في ﴿ أَسْلَمْتُ ﴾ كما أشار لذلك بقوله: (كائنة) والمعنى أسلمت حالة كوني مصاحبة له في الدين، ولا يصح أن يكون متعلقاً بأسلمت، لأنه يوهم أنها متحدة معه في الإسلام في زمن واحد. قوله: (فعملت له الشياطين النورة) أي بعد أن سأل الإنس عما يزيل الشعر، فقالوا له: يحلق بالموسى، فقالت: لم يمس الحديد جسمي، فكره سليمان الموسى وقال إنها تقطع ساقيها، فسأل الجن فقالوا لا ندري، فسأل الشياطين فقالوا: نحتال لك حتى يكون جسدها كالفضة البيضاء، فاتخذوا النورة والحمام، فكانت النورة والحمام من يومئذ. قوله: (فتزوجها) أي وولدت منه ولداً وسمته داود، ومات في حياة أبيه، وبقيت معه إلى أن مات وهذا أحد قولين، وقيل إنها لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلاً من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت: ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال، وقد كان لي من قومي الملك والسلطان؟ قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله، قالت: إن كان ولا بد، فزوجني ذا تبع ملك همدان، فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا سليمان زوبعة ملك الجن وقال له: اعمل لذي تبع ما استعملك فيه، فلم يزل يعمل له ما أراد، إلى أن مات سليمان، وحال الحول ولم يعلم الجن موته، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته: يا معشر الجن، إن سليمان قد مات فارفعوا أيديكم، فرفعوا أيديهم وتفرقوا. قوله: (وأقرها على ملكها) أي وأمر الجن فبنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم يرَ الناس مثلها في الارتفاع والحسن. قوله: (ويقيم عندها ثلاثة أيام) أي وكان يبكر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام. قوله: (روي أنه ملك) أي أعطي الملك. قوله: (فسبحان من لا انقضاء لدوام ملكه) أي فما سواه يفنى، وهو الباقي بلا زوال، قال العارف: ما آدم في الكون وما إبليس ما مالك سليمان وما بلقيسالكل إشارة وأنت المعنى يا من هو للقلوب مغناطيسفالأكوان جميعها إشارات دالة على المقصود بالذات وهو الواحد القهار.
قوله: (بينها وبين الياء) أي فتقرأ متوسطة بين الهمزة والياء والقراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ مُدْبِرِينَ ﴾ أي معرضين. قوله: ﴿ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ ﴾ ضمنه معنى الصرف فعداه بعن. قوله: ﴿ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ أي من سبق في علم الله أنه يكون مؤمناً ومن هنا قولهم لولا السابقة ما كانت اللاحقة.
قوله: (النفخة الأولى) أي وتسمى نفخة الصعق، ونفخة الفزع فعبر عنها بالفزع، وفي سورة الزمر بالصعق، قال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾[الزمر: ٦٨] الخ، فعند حصولها يموت كل حي ما عدا ما استثنى، وأما النفخة الثانية فعندها يحيا كل من كان ميتا، فالنفخة اثنتان وبينهما أربعون سنة، وقيل إنها ثلاث: نفخة الزلزلة وذلك حين تسير الجبال وترتج الأرض بأهلها، ونفخة الموت، ونفخة الإحياء، والقول الأولى هو المشهور، والصحيح في الصور أنه قرن من نور خلقه الله وأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر بالنفخة، وعظم كل دائرة فيه كعرض السماء والأرض، ويسمى بالبوق في لغة اليمن. قوله: (من إسرافيل) أي وهو أحد الرؤساء الأربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. قوله: ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي من كل من كان حياً في ذلك الوقت. قوله: (أي خافوا الخوف المفضي إلى الموت) أي استمر بهم الخوف إلى أن ماتوا به. قوله: (والتعبير بالماضي) الخ، جواب عما يقال: إن الفزع مستقبل فلم عبر بالماضي؟ فأجاب بأنه لتحققه نزل منزلة الواقع، لأن الماضي والحال والاستقبال بالنسبة لعلمه تعالى واحد، لتعلق العلم به. قوله: (أي جبريل) الخ، أي فهؤلاء الأربعة لا يموتون عند النفخة الأولى، بخلاف باقي الملائكة، وإنما يموتون بين النفختين، ويحيون قبل الثانية. قوله: (وعن ابن عباس هم الشهداء) وقيل أهل الجنة من الحور العين والولدان وخزنة الجنة والنار، وقيل: موسى، وقيل جميع الأنبياء. قوله: (إذ هم أحياء) أي حياة برزخية لا تزول ولا تحول، ولكن ليست كحياة الدنيا. قوله: (أي كلهم) أي المخلوقات من صعق ومن لم يصعق. قوله: (بصيغة الفعل) أي الماضي، فيقرأ بفتح الهمزة مقصورة وتاء مفتوحة وواو ساكنة. قوله: (واسم الفاعل) أي فيقرأ بعد الهمزة وضم التاء وسكون الواو، وأصله آتون له، حذفت باللام للتخفيف والنون للإضافة، والقراءتان سبعيتان. قوله: (صاغرين) أي أذلاء لهيبة الله تعالى، فيشمل الطائع والعاصي، وليس المراد ذل المعاصي، والمعنى أن إسرافيل حين ينفخ في الصور النفخة الثانية التي بها يكون إحياء الخلق، يأتي كل إنسان ذليلاً لهيبة الله تعالى. قوله: ﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ ﴾ عطف على قوله: ﴿ يُنفَخُ ﴾.
قوله: (وقت النفخة) أي الثانية، لأن تبديل الأرض وتسيير الجبال وتسوية الأرض، إنما يكون بعد النفخة الثانية، كما يشهد به قوله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾[طه: ١٠٥] الآية، وقوله تعالى:﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ ﴾[ابراهيم: ٤٨] الآية. قوله: (لعظمها) أي وذلك لأن الأجرام الكبار، إذا تحركت مرة واحدة، لا تكاد تبصر حركتها. قوله: (المطر) الصواب إبقاء اللفظ على ظاهره، لأن تفسير السحاب بالمطر لم يقله أحد، ولعل الباء سقطت من قلم المصنف، والأصل من السحاب بالمطر. قوله: (حتى تقع) أي الجبال على الأرض. قوله: (مبسوسة) أي مفتتة كالرمل السائل. قوله: (كالعهن) أي الصوف المنفوش. قوله: (مؤكد لمضمون الجملة قبله) أي لأن ما تقدم من نفخ الصور وتسيير الجبال وغير ذلك، إنما هو من صنع الله لا غيره. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ أي وضعه في محله على أكمل حالاته. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي لا إله إلا الله) إنما حمله على هذا التفسير ذكر المقابل، لأن الكب في النار ليس بمطلق سيئة، بل إنما يكون بالكفر وهو يقابل الإيمان، وحينئذٍ فأل في الحسنة للعهد، أي الحسنة المعهودة وهي كلمة التوحيد، وقيل الحسنة كل عمل خير من صلاة وزكاة وصدقة وغير ذلك من وجوه البر.