تفسير سورة الإنسان

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( ١ ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ( ٢ ) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾ [ الإنسان : ١-٣ ].
شرح المفردات : هل : أي قد، حين : أي طائفة محدودة من الزمان، والدهر : الزمان غير المحدود.
المعنى الجملي : أخبر سبحانه أنه قد جاء على الإنسان حين من الزمان لم يكن شيئا يذكر ويعرف، ثم ذكر أن أبناء آدم كانوا نطفا في الأصلاب، ثم علقا، ثم مضغا في الأرحام، ثم أوضح لهم السبيل، وبين لهم طريقي الخير والشر، فمنهم الشاكر ومنهم الكفور.
الإيضاح :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ﴾ أي قد أتى على هذا النوع نوع الإنسان زمن لم يكن موجودا حتى يعرف ويذكر.
قال الفراء وثعلب : المراد أنه كان جسدا مصورا ترابا وطينا لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكورا.
وفي الآية ما يشير إلى ما قاله علماء طبقات الأرض ( الجيولوجيا ) من أن الإنسان لم يوجد على الأرض إلا بعد خلقها بأحقاب طوال، فقد كانت الأرض أولا ملتهبة بعد أن انفصلت من الشمس، ثم أخذت قشرتها تبرد بالتدريج، وأمكن أن ينبت فيها النبات، ثم بعض الطيور، ثم بعض الحيوان الداجن، ثم الإنسان ؛ وقد بينا ذلك عند تفسير قوله تعالى :﴿ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ﴾ [ الحديد : ٤ ] وذكرنا هناك أن الأيام هي الأطوار التي مر عليها خلق السماوات والأرض إلى آخر ما قلنا هناك.
المعنى الجملي : أخبر سبحانه أنه قد جاء على الإنسان حين من الزمان لم يكن شيئا يذكر ويعرف، ثم ذكر أن أبناء آدم كانوا نطفا في الأصلاب، ثم علقا، ثم مضغا في الأرحام، ثم أوضح لهم السبيل، وبين لهم طريقي الخير والشر، فمنهم الشاكر ومنهم الكفور.
شرح المفردات : أمشاج : أي أخلاط واحدها مشج ( بفتحتين ) ومشيج، نبتليه : أي نختبره.
ثم أتبع ذلك بذكر العناصر الداخلة في تكوين الإنسان فقال :
الإيضاح
﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ﴾ أي إنا خلقنا الإنسان من نطفة اختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة، مريدين ابتلاءه واختباره بالتكيف فيما بعد إذا شب وبلغ الحلم. قال الحسن : نختبر شكره في السراء، وصبره في الضراء.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الأمشاج الحمرة في البياض والبياض في الحمرة. وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة، قال الهذلي يصف سهما :
كأن الريش والفُوقَََين منه خلافَ النصل سيط به مشيج
وقال قتادة هي أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما، ثم تكسى العظام لحما كما قال في سورة المؤمنين :﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] الآية.
ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء والامتحان، وهو السمع والبصر فقال :
﴿ فجعلناه سميعا بصيرا ﴾ أي جعلناه كذلك ليتمكن من استماع الآيات ومشاهدة الدلائل والتعقل والتفكر.
وهذه من عالم أشرف من عالم المادة التي هي في أسفل درجات النقص والكمال، إنما نزل إليه من عالم أرقى منها وهو العالم الروحي الإلهي.
فهو إما أن يرجع إلى حب المادة والاستكانة لهذه المشاهدات، وإما أن يتفكر ويجد بالعلم والعمل، ليصل إلى عالم الكمال والجمال، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :﴿ نبتليه فجعلته سميعا بصيرا ﴾.
والخلاصة : نحن نعامله معاملة المختبر له، أيميل إلى أصله الأرضي، فيكون حيوانا نباتيا معدنيا شهوانيا، أم يكون إلهيا معتبرا بالسمع والبصر والفكر، وهي من عوالم أرقى من عالم المادة التي تكون منها.
المعنى الجملي : أخبر سبحانه أنه قد جاء على الإنسان حين من الزمان لم يكن شيئا يذكر ويعرف، ثم ذكر أن أبناء آدم كانوا نطفا في الأصلاب، ثم علقا، ثم مضغا في الأرحام، ثم أوضح لهم السبيل، وبين لهم طريقي الخير والشر، فمنهم الشاكر ومنهم الكفور.
شرح المفردات : السبيل : الطريق، أي بنصب الدلائل وإنزال الآيات.
الإيضاح :
ثم ذكر أنه بعد أن ركبه وأعطاه الحواس الظاهرة والباطنة بين له سبيل الهدى وسبيل الضلال فقال :
﴿ إنا هديناه السبيل ﴾ أي فأعطيناه السمع والبصر والفؤاد، ونصبنا له الدلائل في الأنفس والآفاق، لتكون مسرحا لفكره، ومغنما لعقله.
ثم بين أن الناس انقسموا في ذلك فريقين فقال :
﴿ إما شاكرا وإما كفورا ﴾ أي فبعض اهتدى وعرف حق النعمة فشكر، وبعض أعرض فكفر.
وإجمال ذلك : إنا هديناه السبيل ليتميز شكره من كفره، وطاعته من معصيته.
ونحو الآية قوله :﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾ [ هود : ٧ ] وقوله :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾ [ محمد : ٣١ ].
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها ).
﴿ إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ( ٤ ) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ( ٥ ) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ( ٦ ) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ( ٧ ) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( ٨ ) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ( ٩ ) إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ( ١٠ ) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ( ١١ ) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ﴾ [ الإنسان : ٤-١٢ ].
شرح المفردات : أعتدنا : أي هيأنا وأعددنا، والأغلال : واحدها غل ( بالضم ) وهو القيد، والسعير : النار الموقدة.
*** /م*
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه هدى الإنسان لطريق الخير وطريق الشر في قوله :﴿ إنا هديناه السبيل ﴾ ثم أردفه ببيان أن الناس انقسموا في ذلك فريقين : فريق وفقه الله واهتدى وشكر، وفريق أضله الله وكفر ؛ أعقب ذلك بما أعده لكل منهما يوم القيامة، فأعد للأولين جنات ونعيما، فهم يشربون الخمر ( وهي ألذ شراب لديهم ) ممزوجة بماء عذب زلال، طيب الرائحة، تأتيهم إلى غرفهم متى شاؤوا وكيف أرادوا، ويلبسون الحرير ويجلسون على الأرائك لا يرون فيها حرا ولا قرا، ثم ذكر ما أعدوه في الدنيا لنيلهم هذا الثواب العظيم، فبين أنهم يطعمون الطعام للفقراء البائسين واليتامى والأسارى، ويؤدون ما وجب عليهم لربهم، ويخافون عذاب يوم القيامة.
وأعد للآخرين سلاسل وقيودا ونارا تشوي الوجوه والأجسام.
الإيضاح :﴿ إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا ﴾ أي إنا هيأنا لمن كفروا بنعمتنا وخالفوا أمرنا- سلاسل بها يقادون إلى الجحيم، وأغلالا بها تشد أيديهم إلى أعناقهم كما يفعل بالمجرمين في الدنيا، ونارا بها يحرقون.
ونحو الآية قوله :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ( ٧١ ) في الحميم ثم في النار يسجرون ﴾ [ غافر : ٧١- ٧٢ ].
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : والأبرار : واحدهم بر. قال في الصحاح : جمع البر الأبرار، وجمع البار البررة، والأبرار هم أهل الطاعة والإخلاص والصدق. وقال قتادة : هم الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، وقيل هم الصادقون في إيمانهم، المطيعون لربهم، الذين سمت همتهم عن المحقرات، فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة، والكأس : هي الإناء الذي فيه الشراب، وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو المراد كما قال أبو نواس :
وكأس شربت على لذة *** وأخرى تداويت منها بها
وقال عمرو بن كلثوم :
صبنت الكأس عنا أم عمرو *** وكان الكأس مجراها اليمينا
والمزاج : ما يمزج به كالحزام لما يحزم، أي يكون شوبها وخلطها بماء الكافور كما قال :
كأن سبيئة من بيت رأس *** يكون مزاجها عسل وماء
وجعلت كالكافور لما فيه من البياض وطيب الرائحة والبرودة، بها : أي منها، يفجرونها : أي يجرونها إلى منازلهم وقصورهم حيث شاؤوا
*** وبعد أن ذكر ما أعده للكافرين بين ما أعده للشاكرين من شراب شهي ولباس بهي فقال :
الإيضاح :
﴿ إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافروا* عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ﴾ أي إن الذين بروا بطاعتهم ربهم فأدوا فرائضه واجتنبوا معاصيه- يشربون من خمر كان مزاج ما فيها من الشراب كالكافور طيب رائحة وبردا وبياضا.
وهذا المزاج من عين يشرب منها عباد الله المتقون وهم في غرف الجنات، يسوقونها إليهم سوقا سهلا إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاؤون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يحبون وصوله إليه.
قال مجاهد : يقودونها حيث شاؤوا، وتتبعهم حيث مالوا.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : والأبرار : واحدهم بر. قال في الصحاح : جمع البر الأبرار، وجمع البار البررة، والأبرار هم أهل الطاعة والإخلاص والصدق. وقال قتادة : هم الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، وقيل هم الصادقون في إيمانهم، المطيعون لربهم، الذين سمت همتهم عن المحقرات، فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة، والكأس : هي الإناء الذي فيه الشراب، وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو المراد كما قال أبو نواس :
وكأس شربت على لذة *** وأخرى تداويت منها بها
وقال عمرو بن كلثوم :
صبنت الكأس عنا أم عمرو *** وكان الكأس مجراها اليمينا
والمزاج : ما يمزج به كالحزام لما يحزم، أي يكون شوبها وخلطها بماء الكافور كما قال :
كأن سبيئة من بيت رأس *** يكون مزاجها عسل وماء
وجعلت كالكافور لما فيه من البياض وطيب الرائحة والبرودة، بها : أي منها، يفجرونها : أي يجرونها إلى منازلهم وقصورهم حيث شاؤوا
*** الإيضاح :
﴿ إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافروا* عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ﴾ أي إن الذين بروا بطاعتهم ربهم فأدوا فرائضه واجتنبوا معاصيه- يشربون من خمر كان مزاج ما فيها من الشراب كالكافور طيب رائحة وبردا وبياضا.
وهذا المزاج من عين يشرب منها عباد الله المتقون وهم في غرف الجنات، يسوقونها إليهم سوقا سهلا إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاؤون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يحبون وصوله إليه.
قال مجاهد : يقودونها حيث شاؤوا، وتتبعهم حيث مالوا.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : يوفون بالنذر : أي يؤدون ما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات، شره : أي شدائده، مستطيرا : أي فاشيا منتشرا في الأقطار من قولهم : استطار الحريق والفجر إذا انتشر.
ثم ذكر ما لأجله استحقوا الكرامة فقال :
*** الإيضاح :
( ١ ) ﴿ يوفون بالنذر ﴾ أي يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، ومن أوفى بما أوجبه على نفسه فهو على الوفاء بما أوجبه الله عليه أولى.
وقصارى ذلك : إنهم يؤدونه ما أوجبه الله عليهم بأصل الشرع، وبما أوجبوه على أنفسهم بالنذر.
( ٢ ) ﴿ ويخافون يوما كان شره مستطيرا ﴾ أي ويتركون المحرمات التي نهاهم ربهم عنها خيفة سوء الحساب يوم المعاد، حين يستطير العذاب ويفشو بين الناس إلا من رحم الله.
*** /م٤
الإيضاح :
( ٣ ) ﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ﴾ أي ويطعمون الطعام وهم في محبة له وشغف به- المسكين العاجز عن الاكتساب، واليتيم : الذي مات كاسبه، والأسير : المأخوذ من قومه، المملوكة رقبته، الذي لا يملك لنفسه قوة ولا حيلة.
والمراد من إطعام الطعام الإحسان إلى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه كان، وإنما خص الطعام لكونه أشرف أنواع الإحسان، لا جرم أن عبر به عن جميع وجوه المنافع.
ونحو الآية قوله :﴿ فلا اقتحم العقبة ( ١١ ) وما أدراك ما العقبة ( ١٢ ) فك رقبة ( ١٣ ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( ١٤ ) يتيما ذا مقربة ( ١٥ ) أو مسكينا ذا متربة ﴾ [ البلد : ١١- ١٦ ].
وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء حتى كان آخر ما أوصى به أن جعل يقول :( الصلاة وما ملكت أيمانكم ).
*** /م٤
وبعد أن ذكر أن الأبرار يحسنون إلى هؤلاء المحتاجين بين أن لهم في ذلك غرضين :( ١ ) رضا الله عنهم، وإلى ذلك أشار بقوله :
الإيضاح :
﴿ إنما نطعمكم لوجه الله ﴾ فلا نمن عليكم ولا نتوقع منكم مكافأة ولا غيرها مما ينقص الأجر، وقد كانت عائشة رضي الله عنها تبعث الصدقة إلى أهل بيت من البيوت ثم تسأل المبعوث، فإن ذكر دعاء دعت بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله.
ثم أكد هذا ووضحه بقوله :
﴿ لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ﴾ أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها، ولا أن تشكرونا لدى الناس ؛ قال مجاهد وسعيد بن جبير : أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب.
خوف يوم القيامة، وإلى ذلك أشار بقوله :﴿ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ﴾
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : عبوسا : أي تعبس فيه الوجوه، قمطريرا : أي شديد العبوس، تقول العرب يوم قمطرير وقماطر، وأنشد الفراء :
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا *** عليكم إذ...........................
الإيضاح :
﴿ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ﴾ أي إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربنا ويتلقانا بلطفه في ذلك اليوم العبوس القمطرير.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

المفردات : وقاهم : أي دفع عنهم، لقاهم : أي أعطاهم، نضرة : أي حبورا. قال الحسن ومجاهد : نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم.
*** وبعد أن حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعة لغرضين : طلب رضا الله، والخوف من يوم القيامة- بين أنه أعطاهم الغرضين فأشار إلى الثاني بقوله :
﴿ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ﴾ أي فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شر ذلك اليوم العبوس بما كانوا يعملون مما يرضي ربهم عنهم.
وأشار إلى الأول بقوله :
﴿ ولقاهم نضرة وسرورا ﴾ أي وأعطاهم نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم ونحو الآية قوله :﴿ وجوه يومئذ مسفرة ( ٣٨ ) ضاحكة مستبشرة ﴾ [ عبس : ٣٨- ٣٩ ].
وقد جرت العادة أن القلب إذا سر استنار الوجه. قال كعب بن مالك : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه- الحديث.
*** /م٤
﴿ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ﴾ أي وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري بستانا فيه مأكول هني، وحريرا منه ملبس بهي، ونحو الآية. قوله :﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ [ الحج : ٢٣ ].
﴿ متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( ١٣ ) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ( ١٤ ) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ( ١٥ ) قواريرا من فضة قدروها تقديرا ( ١٦ ) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( ١٧ ) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( ١٨ )* ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( ١٩ ) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( ٢٠ ) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلّوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( ٢١ ) إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ﴾ [ الإنسان : ١٣-٢٢ ].
شرح المفردات : الأرائك : واحدتها أريكة، وهو السرير في الحجلة ( الناموسية ) والزمهرير : البرد الشديد.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

المعنى الجملي : بعد أن ذكر طعام أهل الجنة ولباسهم- أردفه وصف مساكنهم، ثم وصف شرابهم وأوانيه وسقاته، ثم أعاد الكلام مرة أخرى بذكر ما تفضل به عليهم من فاخر اللباس والحلي، ثم ألمع إلى أن هذا كان جزاء لهم على ما عملوا، وما زكوا به أنفسهم من جميل الخصال، وبديع الخلال.
الإيضاح :﴿ متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ﴾ أي متكئين في الجنة على السرر في الحجال، ليس لديهم حر مزعج ولا بدر مؤلم، بل جو واحد معتدل دائم سرمدي، فهم لا يبغون عنها حولا.
والخلاصة : إنهم لا يرون في الجنة حر الشمس، ولا برد الزمهرير، ومنه قول الأعشى :
منعمة طفلة كالمها *** لم تر شمسا ولا زمهريرا
وفي الحديث :( هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر ).
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : دانية : أي قريبة : ظلالها : أي ظلال أشجارها، وذللت : أي سخرت ثمارها وسهل أخذها وتناولها، والقطوف : الثمار، واحدها قطف ( بكسر القاف.
﴿ ودانية عليهم ضلالها ﴾ أي إن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار، مظلة عليهم زيادة في نعيمهم.
﴿ وذللت قطوفها تذليلا ﴾ أي سخرت للقائم والقاعد والمتكئ، قال مجاهد : إن قام ارتفعت منه بقدر، وإن قعد تدلت له حتى ينالها، وكذلك إذا اضطجع، لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك.
وعن البراء بن عازب قال : إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاؤوا.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : وآنية : واحدها إناء، وهو ما يوضع فيه الشراب، والأكواب : واحدها كوب، وهو كوز لا عروة له، والقوارير : واحدتها قارورة، وهي إناء رقيق من الزجاج، قدروها تقديرا : أي قدرها السقاة على قدر رَيّ شاربها.
وبعد أن وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم- وصف شرابهم وأوانيه فقال :
﴿ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا* قواريرا من فضة قدروها تقديرا ﴾ أي يدير عليهم خدمهم كؤوس الشراب والأكواب من الفضة.
وقد تكونت وهي جامعة لصفاء الزجاجة وشفيفها، وبياض الفضة ولينها، وقد قدرها لهم السقاة الذين يطوفون عليهم للسقيا على قدر كفايتهم وريهم، وذلك ألذ لهم وأخف عليهم، فهي ليست بالملأى التي تفيض، ولا بالناقصة التي تغيض.
والخلاصة : إن آنية أهل الجنة من فضة بيضاء في صفاء الزجاج، فيرى ما في باطنها من ظاهرها.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال :" ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة ". ولا منافاة بين كون الأواني من الفضة، وبين كونها من الذهب كما ذكر في قوله :﴿ يطاف عليهم بصحاف من ذهب ﴾ [ الزخرف : ٧١ ] لأنهم تارة يسقون بهذه، وتارة يسقون بتلك.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : وآنية : واحدها إناء، وهو ما يوضع فيه الشراب، والأكواب : واحدها كوب، وهو كوز لا عروة له، والقوارير : واحدتها قارورة، وهي إناء رقيق من الزجاج، قدروها تقديرا : أي قدرها السقاة على قدر رَيّ شاربها.
﴿ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا* قواريرا من فضة قدروها تقديرا ﴾ أي يدير عليهم خدمهم كؤوس الشراب والأكواب من الفضة.
وقد تكونت وهي جامعة لصفاء الزجاجة وشفيفها، وبياض الفضة ولينها، وقد قدرها لهم السقاة الذين يطوفون عليهم للسقيا على قدر كفايتهم وريهم، وذلك ألذ لهم وأخف عليهم، فهي ليست بالملأى التي تفيض، ولا بالناقصة التي تغيض.
والخلاصة : إن آنية أهل الجنة من فضة بيضاء في صفاء الزجاج، فيرى ما في باطنها من ظاهرها.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال :" ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة ". ولا منافاة بين كون الأواني من الفضة، وبين كونها من الذهب كما ذكر في قوله :﴿ يطاف عليهم بصحاف من ذهب ﴾ [ الزخرف : ٧١ ] لأنهم تارة يسقون بهذه، وتارة يسقون بتلك.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : كأسا : أي خمرا، والزنجبيل : نبت في أرض عمان وهو عروق تسري في الأرض وليس بشجر، ومنه ما يأتي من بلاد الزنج والصين وهو الأجود، قاله أبو حنيفة الدينَوَري، وكانت العرب تحبه في الشراب، لأنه يحدث لذعا في اللسان إذا مزج بالشراب، قال الأعشى :
كأن القرنفل والزنجبيل باتا بفيها وأريا مشورا.
وبعد أن وصف أواني مشروبهم وصف المشروب نفسه فقال :
﴿ ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ﴾ أي ويسقى الأبرار في الجنة خمر ممزوجة بالزنجبيل، وقد كانوا يحبون ذلك ويستطيبونه، كما قال المسيب بن علس يصف رضاب امرأة :
*** وكأن طعم الزنجبيل به *** إذ ذقته ملاقة الخمر
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات :
والسلسبيل : الشراب اللذيذ، تقول العرب : هذا شراب سلسل وسلسال وسلسبيل : أي طيب الطعم لذيذه، وتسلسل الماء في الحلق : جرى، .
﴿ عينا فيها تسمى سلسبيلا ﴾ أي ويسقون من عين في الجنة غاية في السلاسة وسهولة الانحدار في الحلق، قال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل، إلا في القرآن، وكأن العين إنما سميت بذلك لسلاستها وسهولة مساغها اه، ومنه قول حسان بن ثابت :
يسقون من ورد البريص عليهم كأسا يصفق بالرحيق السلسل
وقال مقاتل : هو عين يتسلسل عليهم ماؤها في مجالسهم كيف شاؤوا اه.
وهذا كله ما هو إلا أسماء لما هو شبيه بما في الدنيا، وهناك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فالمعاني غير ما نعهد، والألفاظ لمجرد تخيل شيء مما نراه كما قال ابن عباس.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : مخلدون : أي دائمون على البهاء والحسن لا يهرمون ولا يتغيرون.
ثم ذكر أوصاف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب فقال :
﴿ ويطوف عليهم ولدان مخلدون ﴾ أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة يأتون على ما هم عليه : من الشباب والطراوة والنضارة، لا يهرمون ولا يتغيرون ولا تضعف أجسامهم عن الخدمة.
﴿ إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ﴾ أي إذا رأيت هؤلاء الولدان خلتهم لحسن ألوانهم، ونضارة وجوههم وانتشارهم في قضاء حوائج سادتهم- كأنهم اللؤلؤ المنثور " واللؤلؤ المنثور أجمل في النظر من اللؤلؤ المنظوم " ولأنهم إذا كانوا كذلك كانوا سراعا في الخدمة.
وعن المأمون أنه قال ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من الذهب، وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ، ونظر إليه فاستحسن ذلك المنظر : لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث قال :
كأن صغلى وكبرا من قواقعها حصباء در على أرض من الذهب
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات :
والسلسبيل : ثمّ : أي هناك.
ولما ذكر نعيم أهل الجنة مما تقدم ذكر أن هناك أمورا أعلى وأعظم من ذلك فقال :
﴿ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ﴾ أي وإذا نظرت في الجنة رأيت نعيما عظيما وملكا كبيرا لا يحيط به الوصف.
وقد اختلفوا في المراد من هذا الملك الكبير، فقيل إن أدناهم منزلة من ينظر ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه، وقيل هو استئذان الملائكة عليهم، فلا يدخلون إلا بإذنهم، وقيل هو الملك الدائم الذي لا زوال له.
ولم يجيء في الأخبار الصحيحة ما يفسر هذا الملك الكبير، فأولى بنا أن نؤمن به ونترك تفصيله إلى علام الغيوب.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات :
والسلسبيل : والسندس : ما رق من الديباج، والإستبرق : ما غلظ منه، والأساور : واحدها سوار.
وبعد أن وصف شرابهم وآنيته وما هم فيه من النعيم، وصف ملابسهم فقال :
﴿ عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ﴾ أي إن لباس أهل الجنة في الجنة الحرير، ومنه سندس، وهو رفيع الديباج للقمصان والغلائل ونحوها مما يلي أبدانهم، وإستبرق : وهو غليظ الديباج لامعه مما يلي الظاهر كما هو المعهود في لباس الدنيا.
وبعدئذ ذكر حليهم فقال :
﴿ وحلّوا أساور من فضة ﴾ أي وقد حلّوا أساور من فضة، وجاء هنا :﴿ من فضة ﴾ وفي سورة فاطر :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ﴾ [ الكهف : ٣١ ] لأنهم قد يجمعون بينهما، أو يلبسون الذهب تارة والفضة أخرى.
وقال سعيد بن المسيب : لا أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة ؛ واحدة من ذهب، وأخرى من فضة، وثالثة من لؤلؤ.
والتحلي مما يختلف باختلاف العادات والطبائع، ونشأة الآخرة غير هذه النشأة، ومن المشاهد في الدنيا أن بعض الملوك يتحلون بأعضادهم وعلى تيجانهم وعلى صدورهم ببعض أنواع الحلى، ولا يرون في ذلك بأسا لمكان الإلف والعادة ؛ فلا يبعد أن يكون من طباع أهل الجنة في الجنة حب التحلي دائما.
ثم ذكر أنهم يسقون شرابا آخر يفوق النوعين السابقين، وهما ما يمزج بالكافور وما يمزج بالزنجبيل فقال :
﴿ وسقاهم ربهم شرابا طهورا ﴾ أي وسقاهم ربهم غير ما سلف شرابا يطهر شاربه من الميل إلى اللذات الحسية، والركون إلى ما سوى الحق، فيتجرد لمطالعة جماله، والتلذذ بلقائه، وهذا منتهى درجات الصديقين.
قال أبو قلابة : يؤتون بالطعام والشراب، فإذا كان في آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور، فيشربون فتطهر بذلك بطونهم، ويفيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك.
ولم يذكر الكتاب ما يبين نوع ذلك الشراب، فلندع أمره إلى الله ونؤمن به كما أخبر به في كتابه.
آياتها إحدى وثلاثون
مدنية، نزلت بعد سورة الرحمن.
وصلتها بما قبلها : أنه ذكر في السابقة الأهوال التي يلقها الفجار يوم القيامة، وذكر في هذه ما يلقاه الأبرار من النعيم المقيم في تلك الدار.


بسم الله الرحمن الرحيم

وبعد أن شرح أحوال السعداء وما يلقونه من وافر النعيم الذي يتجلى في مشربهم وملبسهم ومسكنهم ؛ بين أن هذا جزاء لهم على ما قدموا من صالح الأعمال، وما زكوا به أنفسهم من صفات الكمال فقال :
﴿ إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ﴾ أي ويقال لهؤلاء الأبرار حينئذ : إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم تعملون من الصالحات، وكان عملكم فيها مشكورا، حمدكم عليه ربكم ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة.
والغرض من ذكر هذا القول لهم زيادة سرورهم، فإنه إذا قيل للمعاقب : هذا بعملك الرديء ازداد غمه وألم قلبه، وإذا قيل للمثاب : هذا بطاعتك وعملك الحسن، ازداد سروره وكان تهنئة له :
ونحو الآية قوله :﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ﴾ [ الحاقة : ٢٤ ] وقوله :﴿ ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ].
﴿ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( ٢٣ ) فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( ٢٤ ) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ( ٢٥ ) ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ( ٢٦ ) إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ( ٢٧ ) نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ( ٢٨ ) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( ٢٩ ) وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ( ٣٠ ) يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ﴾ [ الإنسان : ٢٣-٣١ ].
شرح المفردات : نزلنا عليك القرآن تنزيلا : أي أنزلناه عليك مفرقا منجما.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
الإيضاح :﴿ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ﴾ أي إنا أنزلنا عليك القرآن مفرقا منجما في مدى ثلاث وعشرين سنة ؛ ليكون أسهل لحفظه وتفهمه ودراسته، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجدّ في الكون، فتكون تثبيتا لإيمان المؤمنين، وزيادة في تقوى المتقين.
وقد يكون المعنى : نزلنا عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون، ويراد من ذلك تثبيت قلب رسوله صلى الله عليه وسلم وشرح صدره، وأن الذي أنزل عليه وحي لا كهانة ولا سحر، وبذا تزول الوحشة من قول الكفار : إنه كهانة أو سحر.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
شرح المفردات : حكم ربك : هو تأخير نصرك على الكفار إلى حين، والآثم : هو الفاجر المجاهر بالمعاصي، والكفور : هو المشرك المجاهر بكفره.
﴿ فاصبر لحكم ربك ﴾ أي فاصبر لما ابتلاك به ربك وامتحنك به من تأخير نصرك على المشركين، ومقاساة الشدائد في تبليغ رسالته ووحيه الذي أنزله عليك، فإن لذلك عاقبة حميدة، وغاية يثلج لها فؤادك.
﴿ ولا تطع منهم آثما أو كفورا ﴾ أي ولا تطع كلا من مرتكب الإثم والمتجاوز الحد في الكفر، فإذا قال لك الآثم كعتبة بن ربيعة : اترك الصلاة وأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بلا مهر، أو قال لك الكفور الوليد بن المغيرة : أنا أعطيك من المال حتى ترضى إذا رجعت عن هذا الأمر، فلا تطع واحدا منهما ولا من غيرهما، فقد أعددنا لك النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة.
وقصارى ذلك : لا تتبع أحدا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم، ولا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر، وهذا ما يفهم من قولك : لا تطع الظالم – من أن المعنى- لا تتبعه في الظلم إذا دعاك إليه.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن طاعة الآثم والكفور وهو لا يطيع واحدا منهما، إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد، لما ركب في طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق الله وإرشاده لكان أحق الناس بذلك هو الرسول المعصوم، ومن ثم وجب على كل مسلم أن يرغب إلى الله ويتضرع إليه في أن يصونه عن اتباع الشهوات، ويعصمه عن ارتكاب المحرمات، لينجو من الآفات، ويسلم من الزلات، ليلقى ربه أبيض الصحائف من السيئات.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
شرح المفردات : بكفره، بكرة وأصيلا : أي أول النهار وآخره، والمراد بذلك جميع الأوقات.
﴿ واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ﴾ أي ودم على ذكره في جميع الأوقات بقلبك ولسانك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
شرح المفردات : اسجد : أي صل، سبحه : أي تهجد، .
﴿ ومن الليل فاسجد له ﴾ أي وصل بعض الليل كصلاة المغرب والعشاء.
﴿ وسبحه ليلا طويلا ﴾ أي وتهجد له طائفة من الليل، ونحو هذا ما جاء في قوله :﴿ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ] وقوله :﴿ يا أيها المزمل ( ١ ) قم الليل إلا قليلا ( ٢ ) نصفه أو انقص منه قليلا ( ٣ ) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ﴾ [ المزمل : ١-٤ ].
ثم قال منكرا على الكفار وأشباههم حب الدنيا والإقبال عليها، وترك الآخرة وراءهم ظهريا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
شرح المفردات : وراءهم : أي أمامهم.
﴿ إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ﴾ أي إن هؤلاء المشركين بالله يحبون الدنيا وتعجبهم زينتها، وينهمكون في لذتها الفانية، ويدعون خلف ظهورهم العمل لليوم الآخر ومالهم فيه النجاة من أهواله وشدائده.
والخلاصة : لا تطع الكافرين واشتغل بالعبادة، لأن هؤلاء تركوا الآخرة للدنيا، فاترك أنت الدنيا وأهلها للآخرة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
شرح المفردات : شددنا أسرهم : أي أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق، بدلنا أمثالهم : أي أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق.
ثم نعى عليهم تركهم للعبادة، وغفلتهم عن طاعة بارئهم وموجدهم من العدم فقال :
﴿ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ﴾ أي كيف يغفلون عنا ونحن الذين خلقناهم، وأحكمنا ربط مفاصلهم بالعروق والأعصاب، أفبعد هذا نتركهم سدى ؟.
ثم توعدهم وهددهم فقال :
﴿ وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ﴾ أي وإذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.
ونحو الآية قوله :﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا ﴾ [ النساء : ١٣٣ ] وقوله :﴿ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( ١٦ ) وما ذلك على الله بعزيز ﴾ [ فاطر : ١٦-١٧ ] وقوله :﴿ على أن نبدل أمثالكم ﴾ [ الواقعة : ٦١ ].
وقد جرت سنة الله بأن يزيل ما لا يصلح للرقي من خلقه، فهو يهلك هؤلاء ويبدل أمثالهم فيجعلهم مكانهم، كما هي قاعدة بقاء الصلاح والأصلح، وإهلاك ما لا يصلح للبقاء.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
وبعد أن ذكر أحوال السعداء والأشقياء أرشد إلى أن في هذا الذكر تذكرة وموعظة للخلق، وفوائد جمة لمن ألقى سمعه، وأحضر قلبه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه، فقال :
﴿ إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ أي إن هذه السورة بما فيها من ترتيب بديع، ونسق عجيب، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب، تذكرة للمتأملين، وتبصرة للمستبصرين، فمن شاء الخير لنفسه في الدنيا والآخرة، فليتقرب إلى ربه بالطاعة، ويتبع ما أمره به، وينته عما نهاه عنه، ليحظى بثوابه، ويبتعد عن عقابه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله ﴾ أي وما تشاؤون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة ولا تقدرون على تحصيلها إلا إذا وفقكم الله لاكتسابها، وأعدّكم لنيلها، إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب، وإنما التأثير والخلق لمشيئة الله عز وجل، فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير، ولا تدفع شرا، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة، ويؤجر على قصد الخير كما في حديث :( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ).
﴿ إن الله كان عليما حكيما ﴾ أي إن الله عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له، ويقيض له أسبابها، ومن هو أهل للغواية، فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أحوال الآخرة وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء، إرشادا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب أردف ذلك ذكر أحوال الدنيا، وقدّم أحوال الطيعين، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على أحوال المتمردين والمشركين :
وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالة لوحشته، وتقوية لقلبه، حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربه وهو على أتم ما يكون سرورا ونشاطا.
﴿ يدخل من يشاء في رحمته ﴾ فيهديه ويوفقه للطاعة بحسب استعداده.
﴿ والظالمين أعد لهم عذابا أليما ﴾ أي والذين ظلموا أنفسهم فماتوا على شركهم، أعد لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا، هو عذاب جهنم وبئس المصير.
نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار، والمقربين الأخيار، ويجعل سعينا مشكورا لديه.
Icon