هي مدنية، نزلت بعد سورة النساء.
ووجه مناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر فيما سلف جزاء المؤمنين والكافرين، بين هنا وقت ذلك الجزاء وعلاماته.
سبب نزول هذه السورة :
كان الكفار كثيرا ما يسألون عن يوم الحساب فيقولون :﴿ أيان يوم القيامة ﴾ [ القيامة : ٦ ] ويقولون :﴿ متى هذا الوعد ؟ ﴾ [ يونس : ٤٨ ] وما أشبه ذلك، فذكر لهم في هذه السورة علامات ذلك فحسب، ليعلموا أنه لا سبيل إلى تعيين ذلك اليوم الذي يعرض الناس فيه على ربهم لعقاب المذنبين وثواب المؤمنين.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح المفردات : الزلزلة : الحركة الشديدة مع اضطراب.الإيضاح :﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ﴾ أي إذا اضطربت الأرض وتحركت حركة شديدة.
ونحو الآية قوله :﴿ إذا رجت الأرض رجا ﴾ [ الواقعة : ٤ ]، وقوله :﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾ [ الحج : ١ ].
وفي ذلك إيماء إلى شدة الحال يومئذ، ولفت لأنظار الكافرين إلى أن يتدبروا الأمر ويعتبروا، وكان يقال لهم : إذا كان الجماد يضطرب لهول هذا اليوم، فهل لكم أن تستيقظوا من غفلتكم، وترجعوا عن عنادكم ؟
﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ﴾ أي وأخرجت الأرض ما في جوفها من الكنوز والدفائن والأموات، فإنها لشدة اضطرابها يثور باطنها ويقذف ما فيه.
ونحو الآية قوله :﴿ وإذا الأرض مدت ( ٣ ) وألقت ما فيها وتخلت ﴾ [ الانشقاق : ٣-٤ ].
ومثال هذا ما نراه في حياتنا الدنيا من جبال النار الثائرة ( البراكين ) كما حدث في إيطاليا سنة ١٩٠٩م من ثوران بركان ويزوف وابتلاعه مدينة مسينا ولم يبق من أهلها ديارا ولا نافخ نار.
ثم بين سبب ما يرى فقال :
﴿ بأن ربك أوحى لها ﴾ أي إن ما يكون للأرض يومئذ إنما هو بأمر إلهي خاص، فيقول لها : كوني خرابا، كما قال لها حين بدء النشأة الأولى : كوني أرضا، وإنما سمى ذلك وحيا ؛ لأنه أتى على خلاف ما عهد منذ نشأة الأرض، قاله الأستاذ الإمام.
﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ﴾ أي يوم يقع الخراب العظيم لهذا العالم الأرضي، ويظهر ذلك الكون الجديد كون الحياة الأخرى، يصدر الناس متفرقين متمايزين، فلا يكون محسن في طريق واحد مع مسيء، ولا مطيع مع عاص، ليريهم الله جزاء ما قدمت أيديهم، ويجنوا ثمر ما غرسته أيمانهم.
ثم فصل ذلك بقوله :
﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾ أي فمن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغر فإنه يجد جزاءه، ومن يعمل الشر ولو قليلا يجد جزاءه، لا فرق بين المؤمن والكافر.
وحسنات الكافرين لا تخلصهم من عذاب الكفر فهم به خالدون في الشقاء، وما نطق من الآيات بحبوط أعمال الكافرين وأنها لا تنفعهم، فالمراد به أنها لا تنجيهم من عذاب الكفر وإن خففت عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم من السيئات الأخرى، أما عذاب الكفر فلا يخفف عنهم منه شيء، يرشد إلى ذلك قوله تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ]. فقوله :﴿ فلا تظلم نفس شيئا ﴾ صريح في أن المؤمن والكافر في ذلك سواء. وأن كلا يوفى يوم القيامة جزاءه، وقد ورد أن حاتما يخفف عنه لكرمه، وأن أبا لهب يخفف عنه لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تلخيص ما قاله الأستاذ الإمام في تفسير الآية.