تفسير سورة العاديات

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية في قول ابن مسعود وغيره، مدنية في قول ابن عباس، وهي إحدى عشرة آية، وأربعون كلمة، ومائة وثلاثة وستون حرفا.

سورة العاديات
وهي مكية في قول ابن مسعود وغيره مدنية في قول ابن عباس، وهي إحدى عشرة آية وأربعون كلمة ومائة وثلاثة وستون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة العاديات (١٠٠): الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)
قوله عزّ وجلّ: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فيه قولان أحدهما، أنها الإبل في الحج قال عليّ كرم الله وجهه: هي الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وعنه قال كانت أول غزاة في الإسلام بدرا، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزّبير، وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات؟ فعلى هذا القول يكون معنى ضبحها مد أعناقها في السير وأصله من حركة النار في العود. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يعني أن أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها فيضرب الحجر حجرا آخر فيوري النّار، وقيل هي النيران بجمع فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني الإبل تدفع بركبانها يوم النّحر من جمع إلى منى والسنة أن لا يدفع حتى يصبح والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم أشرق ثبير كيما نغير فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً أي هيجن بمكان سيرها غبارا.
[سورة العاديات (١٠٠): الآيات ٥ الى ١١]
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أي وسطن بالنقع جمعا وهو مزدلفة، فوجه القسم على هذا أن الله تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة، وتعريضه بإبل الحج للتّرغيب وفيه تقريع لمن لم يحج بعد القدرة عليه، فإن الكنود هو الكفور، ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك القول الثاني في تفسير والعاديات، قال ابن عباس وجماعة هي الخيل العادية في سبيل الله والضبح صوت أجوافها إذا غدت قال ابن عباس: وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس، والكلب، والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع أو تعب، وهو من قول العرب ضبحته النّار إذا غيرت لونه، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يعني أنها توري النّار بحوافرها إذا سارت في الحجارة، وقيل هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها وقال ابن عباس: هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي باللّيل فيوري أصحابها نارا، ويصنعون طعامهم، وقيل هو مكر الرّجال في الحرب، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصّباح لأن النّاس في غفلة في ذلك الوقت عن الاستعداد، فَأَثَرْنَ بِهِ أي بالمكان نَقْعاً أي غبارا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً أي دخلن به أي بذلك النّقع وهو الغبار، وقيل صرن بعدوهن وسط جمع العدو، وهم الكتيبة وهذا القول في تفسير هذه الآيات أولى بالصّحة، وأشبه بالمعنى، لأن الضبح من صفة
460
الخيل، وكذا إيراء النار بحوافرها، وإثارة الغبار أيضا، وإنما أقسم الله بخيل الغزاة لما فيها من المنافع الدينية، والدنيوية، والأجر، والغنيمة، وتنبيها على فضلها، وفضل رباطها في سبيل الله عزّ وجلّ، ولما ذكر الله تعالى المقسم به ذكر المقسم عليه. فقال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي لكفور وهو جواب القسم قال ابن عباس: الكنود الكفور الجحود لنعمة الله تعالى، وقيل الكنود هو العاصي، وقيل هو الذي يعد المصائب، وينسى النّعم، وقيل هو قليل الخير مأخوذ من الأرض الكنود، وهي التي لا تنبت شيئا، وقال الفضيل بن عياض الكنود:
الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان، وضده الشّكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال أكثر المفسرين: وإن الله على كونه كنود الشّاهد، وقيل الهاء راجعة إلى الإنسان، والمعنى أنه شاهد على نفسه بما صنع وَإِنَّهُ يعني الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ أي المال لَشَدِيدٌ أي لبخيل والمعنى أنه من أجل حب المال لبخيل، وقيل معناه وإنه لحب المال وإيثار الدّنيا لقوي شديد أَفَلا يَعْلَمُ يعني هذا الإنسان إِذا بُعْثِرَ أي أثير وأخرج ما فِي الْقُبُورِ يعني من الموتى وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي ميز وأبرز ما فيها من الخير والشر إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ أي جمع الكناية لأن الإنسان اسم جنس يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ أي عالم والله تعالى خبير بهم في ذلك اليوم، وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم على كفرهم وإنما خص أعمال القلوب بالذّكر في قوله، وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات التي في القلوب لما حصلت أعمال الجوارح والله أعلم.
461
﴿ فالموريات قدحاً ﴾ يعني أن أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها فيضرب الحجر حجراً آخر فيوري النّار، وقيل هي النيران بجمع.
﴿ فالمغيرات صبحاً ﴾ يعني الإبل تدفع بركبانها يوم النّحر من جمع إلى منى، والسنة أن لا يدفع حتى يصبح، والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم : أشرق ثبير كيما نغير.
﴿ فأثرن به نقعاً ﴾ أي هيجن بمكان سيرها غباراً.
﴿ فوسطن به جمعاً ﴾ أي وسطن بالنقع جمعاً، وهو مزدلفة، فوجه القسم على هذا أن الله تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة، وتعريضه بإبل الحج للتّرغيب، وفيه تقريع لمن لم يحج بعد القدرة عليه، فإن الكنود هو الكفور، ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك القول الثاني في تفسير ( والعاديات )، قال ابن عباس وجماعة : هي الخيل العادية في سبيل الله، والضبح صوت أجوافها إذا غدت. قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس، والكلب، والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع أو تعب، وهو من قول العرب : ضبحته النّار إذا غيرت لونه، ﴿ فالموريات قدحاً ﴾[ العاديات : ٢ ] يعني أنها توري النّار بحوافرها إذا سارت في الحجارة، وقيل : هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها. وقال ابن عباس : هي الخيل تغزو في سبيل الله، ثم تأوي باللّيل فيوري أصحابها ناراً، ويصنعون طعامهم، وقيل : هو مكر الرّجال في الحرب، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك، ﴿ فالمغيرات صبحاً ﴾[ العاديات : ٣ ] يعني الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصّباح ؛ لأن النّاس في غفلة في ذلك الوقت عن الاستعداد، ﴿ فأثرن به ﴾[ العاديات : ٤ ] أي بالمكان. ﴿ نقعاً ﴾[ العاديات : ٤ ] أي غباراً. ﴿ فوسطن به جمعاً ﴾ أي دخلن به، أي بذلك النّقع، وهو الغبار. وقيل : صرن بعدوهن وسط جمع العدو، وهم الكتيبة، وهذا القول في تفسير هذه الآيات أولى بالصّحة، وأشبه بالمعنى ؛ لأن الضبح من صفة الخيل، وكذا إيراء النار بحوافرها، وإثارة الغبار أيضاً، وإنما أقسم الله بخيل الغزاة لما فيها من المنافع الدينية، والدنيوية، والأجر، والغنيمة، وتنبيهاً على فضلها، وفضل رباطها في سبيل الله عزّ وجلّ، ولما ذكر الله تعالى المقسم به ذكر المقسم عليه.
فقال تعالى :﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾ أي لكفور، وهو جواب القسم. قال ابن عباس : الكنود الكفور الجحود لنعمة الله تعالى. وقيل : الكنود هو العاصي. وقيل : هو الذي يعد المصائب، وينسى النّعم. وقيل : هو قليل الخير، مأخوذ من الأرض الكنود، وهي التي لا تنبت شيئاً. وقال الفضيل بن عياض : الكنود : الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان، وضده الشّكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة.
﴿ وإنه على ذلك لشهيد ﴾ قال أكثر المفسرين : وإن الله على كونه كنود الشّاهد، وقيل : الهاء راجعة إلى الإنسان، والمعنى أنه شاهد على نفسه بما صنع.
﴿ وإنه ﴾ يعني الإنسان ﴿ لحب الخير ﴾ أي المال ﴿ لشديد ﴾ أي لبخيل، والمعنى أنه من أجل حب المال لبخيل، وقيل : معناه وإنه لحب المال وإيثار الدّنيا لقوي شديد.
﴿ أفلا يعلم ﴾ يعني هذا الإنسان ﴿ إذا بعثر ﴾ أي أثير وأخرج ﴿ ما في القبور ﴾ يعني من الموتى.
﴿ وحصل ما في الصدور ﴾ أي ميز وأبرز ما فيها من الخير والشر.
﴿ إن ربهم بهم ﴾ أي جمع الكناية ؛ لأن الإنسان اسم جنس ﴿ يومئذ لخبير ﴾ أي عالم، والله تعالى خبير بهم في ذلك اليوم، وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم على كفرهم، وإنما خص أعمال القلوب بالذّكر في قوله، ﴿ وحصل ما في الصّدور ﴾ ؛ لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات التي في القلوب لما حصلت أعمال الجوارح. والله أعلم.
Icon