ﰡ
سورة النمل
مكية
وآياتها ثلاث وتسعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥)شرح الكلمات:
طس: هذا أحد الحروف المقطّعة، يقرأ: طا. سين.
تلك: أي الآيات المؤلفة من هذه الحروف آيات القرآن.
هدى وبشرى: أي أعلام هداية للصراط المستقيم، وبشارة للمهتدين.
زيّنا لهم أعمالهم: أي حببناها إليهم حسب سنتنا فيمن لا يؤمن بالبعث والجزاء.
فهم يعمهون: في ضلال بعيد وحيرة لا تنتهي.
لهم سوء العذاب: أي في الدنيا بالأسر والقتل.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿طس﴾ لقد سبق أن ذكرنا أن السلف كانوا يقولون في مثل هذه الحروف المقطعة: الله أعلم بمراده بذلك، وهذه أسلم، وذكرنا أن هناك فائدة قد تقتنص من
وقوله ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ (١) ﴾ أي المؤلفة من مثل هذه الحروف آيات القرآن ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ (٢) ﴾ أي مبين لكل ما يحتاج إلى بيانه من الحق والشرع في كل شؤون الحياة.
وقوله ﴿هُدىً وَبُشْرَى (٣) لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي هادٍ إلى الصراط المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى السعادة والكمال في الدارين، ﴿وَبُشْرَى﴾ أي بشارة عظمى للمؤمنين أي بالله ولقائه والرسول وما جاء به، ﴿الَّذِينَ (٤) يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ بأدائها في أوقاتها في بيوت الله تعالى مستوفاة الشروط والأركان والواجبات والسنن والآداب ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ عند وجوبها عليهم ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ﴾ أي بالدار الآخرة ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ بوجودها والمصير إليها، وبما فيها من حساب وجزاء.
وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أي بالبعث والجزاء ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي حببناها إليهم حتى يأتوها وهي أعمال شر وفساد، وذلك حسب سنتنا فيمن أنكر البعث وأصبح لا يرهب حسابا ولا يخاف عقابا انغمس في الرذائل والشهوات وأصبح لا يرعوي عن قبيح ﴿فَهُمْ﴾ لذلك ﴿يَعْمَهُونَ﴾ في سلوكهم يتخبطون لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ أي في الدنيا بالأسر والقتل، وهم في الآخرة (٥) هم الأكثر خساراً من سائر أهل النار أي أشد عذابا.
٢- (مبين) إن كان من أبان اللازم فهو بمعنى بان أي: فهو ظاهر واضح بيّن في نفسه وفي هذا تنويه وتشريف له، وإن كان من أبان المتعدي فهو مبيّن لما أريد منه من أركان العقيدة وأنواع العبادات وأحكام الشريعة وآدابها.
٣- هدى وبشرى: حال، والإعراب مقدر أشار إلى القرآن حال كونه هادياً ومبشراً للمؤمنين به العاملين بما فيه من الشرائع والأحكام والآداب والأخلاق.
٤- الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الموصول وصلته وما عطف عليه نعت للمؤمنين وصفٌ لهم بما تضمنه لفظ الهدى، وجملة: ﴿وهم بالآخرة هم يوقنون﴾ معطوفة على صلة الموصول فهي نعت ثانٍ للمؤمنين الذين هدوا بالقرآن.
٥- قوله تعالى: ﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة موقع جواب عن سؤال تقديرهُ: إذا كان القرآن هاديا ومبشراً فما للذين لا يؤمنون بالآخرة لم يهتدوا؟ فالجواب: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّن الله لهم أعمالهم لذا فهم لا يهتدون، وتزيين الأعمال قائم على سنة من سنن الله تعالى وهي أنّ من رفض الحق وآثر الباطل عليه وأصرّ على اختيار الباطل يحرم الهداية فلا يقبلها ممن جاءه بها كالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من هداية الآيات:
١- بيان إعجاز القرآن إذ آياته مؤلفة من مثل طس، وحم وعجز العرب عن تأليف مثله.
٢- بيان كون القرآن، هدى وبشرى للمؤمنين الملتزمين بمتطلبات الإيمان.
٣- إنكار البعث والدار الآخرة يجعل صاحبه شر الخليقة وأسوأ حالا من الكلاب والخنازير.
٤- وجوب قتال الملاحدة وأخذهم أسراً وقتلاً حتى يؤمنوا بالله ولقائه لأنهم خطر على أنفسهم وعلى البشرية سواء.
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١)
شرح الكلمات:
وإنك لتلقى: أي تلقنه وتحفظه وتعلمه.
من لدن حكيم: أي من عند حكيم عليم هو الله جل جلاله.
آنست ناراً: أي أبصرت ناراً من بعد حصل لي بها بعض الأنس.
سآتيكم منه بخبر: أي عن الطريق حيث ضلوا طريقهم إلى مصر في الصحرا.
بشهاب قبس: أي بشعلة نار مقبوسة أي مأخوذة من أصلها.
أن بورك من في النار: أي بارك الله جل جلاله من في النار وهو موسى عليه السلام إذ هو في البقعة المباركة التي نادى الله تعالى موسى منها.
وسبحان الله رب العالمين: أي نزه الرب تعالى نفسه عما لا يليق بجلاله وكماله من صفات المحدثين.
يا موسى إنه أنا الله: أي الحال والشأن أنا الله العزيز الحكيم الذي ناداك وباركك.
تهتز كأنه جان: أي تتحرك بسرعة كأنها حية خفيفة السرعة.
ولم يعقب: أي ولم يرجع إليها خوفا وفزعا منها.
ثم بدل حسنا بعد سوء: أي تاب فعمل صالحا بعد الذي حصل منه من السوء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى (١) الْقُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ يخبر تعالى رسوله بأنّه يلقّن القرآن ويحفظه ويعلمه من لدن حكيم في تدبيره عليم بخلقه وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه.
وقوله تعالى ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى﴾ اذكر لمنكري الوحي والمكذبين بنبوتك إذ قال موسى إلى آخر الحديث، هل مثل هذا يكون بغير التلقي من الله تعالى. والجواب: لا إذاً فأنت رسول الله حقا وصدقاً ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ﴾ امرأته وأولاده ﴿إِنِّي آنَسْتُ (٢) نَاراً﴾ أي أبصرتها مستأنسا بها. ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ (٣) قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٤) ﴾ أي تستدفئون إذ كانوا في ليلة شاتية باردة وقد ضلوا طريقهم.
٢- ﴿إني آنست نارا﴾ أي: أبصرتها من بعد قال الشاعر:
آنست نبأة وأفرز عنها القناص عصرا وقد دنا الإمساءُ
٣- قرأ عاصم ﴿بشهاب قبس﴾ بتنوين شهاب، وقرأ نافع ﴿بشهاب﴾ بلا تنوين مضاف إلى قبس، والإضافة للنوع كثوب خَزٍّ وخاتم فضة.
٤- الاصطلاء: الاستدفاء من البرد، قال الشاعر:
النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه شاتيا فليصطل
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية.
٢- مشروعية السفر بالأهل والولد وجواز خطأ الطريق حتى على الأنبياء والأذكياء.
٣- قيومية الرجل على النساء والأطفال.
٢- أي: خائفا على عادة البشر.
٣- الاستثناء منقطع أي: لكن يخاف من ظلم، ومن ظلم ثم تاب فلا يخاف أيضا فإن الله غفور رحيم.
٤- هذا مقول قول أي: يا موسى لا تخف.
٥- الجملة تعليل للنهي في قوله: ﴿يا موسى لا تخف﴾.
٢- الظلم يسبب الخوف والعقوبة إلا من تاب منه وأصلح فإن الله غفور رحيم.
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)
شرح الكلمات:
في جيبك: أي جيب ثوبك.
من غير سوء: أي برص ونحوه بل هو (البياض) شعاع.
في تسع آيات: أي ضمن تسع آيات مرسلاً بها إلى فرعون.
مبصرة: مضيئة واضحة مشرقة.
وجحدوا بها: أي لم يقروا ولم يعترفوا بها.
واستيقنتها أنفسهم: أي أيقنوا أنها من عند الله.
ظلما وعلوا: أي ردوها لأنهم ظالمون مستكبرون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع موسى في حضرة ربه عز وجل بجانب الطور إنه لما أمره بإلقاء العصا فألقاها فاهتزت وفزع موسى لذلك فولى مدبراً ولم يعقب خائفاً فطمأنه ربه تعالى بأنه لا يخاف لديه المرسلون أمره أن يدخل يده في جيبه فقال ﴿وَأَدْخِلْ (١) يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ أي في جيب القميص ﴿تَخْرُجْ (٢) بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ أي من غير برص بل هو
٢- هذه آية أخرى غير الأولى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- آية اليد هي إحدى الآيات التسع التي أوتي موسى عليه السلام دليلا على وجود الآيات التي كان الله تعالى يؤيد بها رسله فمن أنكرها فقد كفر.
٢- التنديد بالفسق واستحقاق أهله العذاب في الدارين.
٣- الكبر والعلو في الأرض صاحبهما يجحد الحق ولا يقر به وهو يعلم أنه حق.
٤- عاقبة الفساد في الأرض بالمعاصي سوءى، والعياذ بالله تعالى.
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)
٢- ﴿فلما جاءتهم﴾ الخ أوجز بقية القصة وانتقل إلى العبرة بتكذيب فرعون وقومه بالآيات ليعتبر بذلك كفار قريش المكذبون بآيات الله ورسوله.
٣- الخطاب لغير معيّن ويجوز أن يكون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلية له وحملاً له على الصبر من تكذيب قومه له وإصرارهم على الكفر به.
شرح الكلمات:
علمنا: هو علم ما لم يكن لغيرهم كمعرفة لغة الطير إلى جانب علم الشرع كالقضاء ونحوه.
وقالا الحمد لله: أي شكراً له.
على كثير من عباده المؤمنين: أي بالنبوة وتسخير الجن والإنس والشياطين.
وورث سليمان داوود: أي ورث أباه بعد موته في النبوة والملك والعلم دون باقي أولاده.
علمنا منطق الطير: أي فهم أصوات الطير وما تقوله إذا صفرت.
وأوتينا من كل شيء: أوتيه غيرنا من الأنبياء والملوك.
وحشر لسليمان: أي جمع له جنوده من الجن والإنس والطير في مسير له.
فهم يوزعون: أي يساقون ويرد أولهم إلى آخرهم ليسيروا في نظام.
لا يحطمنكم سليمان: أي لا يكسرنكم ويقتلنكم.
وهم لا يشعرون: أي بكم.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص داوود وسليمان عليهما السلام ذكر بعد أن أخبر تعالى أنه يلقن رسوله محمداً ويعلمه من لدنه وهو العليم الحكيم ودلل على ذلك بموجز قصة موسى عليه السلام ثم ذكر دليلاً آخر وهو قصة داوود وسليمان، فقال تعالى ﴿لَقَدْ آتَيْنَا﴾ أي أعطينا داوود وسليمان ﴿عِلْماً﴾ أي الوالد والولد علماً خاصاً كمعرفة منطقة الطير وصنع الدروع وإلانة الحديد زيادة على علم الشرع والقضاء (١)، وقوله تعالى ﴿وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أي شكرا ربهما بقولهما ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أي الشكر لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين بما آتاهما من الخصائص والفواضل. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٤) وأما الآية الثانية (١٥) فقد أخبر تعالى فيها أن سليمان ورث أباه داوود وحده دون باقي أولاده (٢) وذلك في النبوة والملك، لا في الدرهم والدينار والشاة والبعير، لأن الأنبياء لا يورثون فما يتركونه هو صدقة (٣). كما أخبر أن سليمان قال في الناس (٤) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ (٥) الطَّيْر﴾ فما يصفر طير إلا علم ما يقوله في صفيره، وأوتينا من كل شيء أوتيه غيرنا من النبوة والملك والعلم والحكمة ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ أي فضل الله تعالى البين الظاهر. وقوله تعالى ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُه﴾ أي جمع له جنوده ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْر فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ هو إخبار عن مسير كان لسليمان مع جنده ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي جنوده توزع تساق بانتظام. بحيث لا يتقدم بعضها بعضا فيرد دائما أولها إلى آخرها محافظة على النظام في السير، وما زالوا سائرين كذلك حتى أتوا على واد النمل بالشام فقالت نملة من النمل ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ قالت هذا
٢- قيل: إنّ داود كان له تسعة عشر ولداً فورث سليمان من بينهم نبوّته وملكه ولو كان وارثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء والزمن بين سليمان ونبينا كان قرابة ألف وثمانمائة سنة.
٣- قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة" حديث صحيح.
٤- أي في بني إسرائيل قال هذا على جهة الشكر لنعم الله تعالى.
٥- مما يؤثر عن سليمان عليه السلام في معرفة منطق الطير: (لدوا للموت وابنوا للخراب) "لورشان" نوع من الحمام البري أكدر (ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا) "لفاختة" نوع من الحمام البري له طوق (من لا يرحم لا يرحم) "لهدهد" (استغفروا الله يا مذنبين) "لصرد" (قدموا خيرا تجدوه) "لخطافة" (اللهم العن العشار) "للغراب" (كل شيء هالك إلا وجهه) "للحدأة" (من سكت سلم) "للقطاة" (ويل لمن الدنيا همه) "للقطاة" (سبحان ربي القدوس) "للضفدع" (اذكروا الله يا غافلين) "للديك".
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب الشكر على النعم.
٢- وراثة سليمان لداوود لم تكن في المال لأن الأنبياء لا يورثون وإنما كانت في النبوة والملك.
٣- آية تعليم الله تعالى سليمان منطق الطير وتسخير الجن والشياطين له.
٤- فضل النمل على كثير من المخلوقات ظهر في نصح النملة لأخواتها وشفقتها عليهن.
٥- ذكاء النمل وفطنته مما أضحك سليمان متعجبا منه.
٦- وجوب الشكر عند مشاهدة النعمة ورؤية الفضل من الله عز وجل.
٧- تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا الحديث لا يتأتى له إلا بالوحي الإلهي.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ
٢- الوزع: الكف عما لا يراد، والوازع: الذي يكف غيره عما لا ينبغي، وفعله: وزع يزع وزعا، فإذا زيدت فيه همزة السلب فقيل: أوزع أي: أزال الوزع الذي هو الكف، فقوله في الآية: ﴿فهم يوزعون﴾ أي يكفون أفراد القوات عن التقدم والتأخر حتى يكون السير منتظما. وقوله: ﴿أوزعني أن أشكر نعمتك﴾ أي: أبعد عني ما يمنعني من شكرك على نعمك. فصار أوزعني كألهمني وأغرني.
٣- قال تعالى: ﴿لئن شكرتم لزيدنكم﴾ وقال بعضهم: النعمة وحشيّة قيدوها بالشكر فإنها إذا شكرت قرّت وإذا كفرت فرّت، وقال آخر: من لم يشكر النعمة فقد عرضها لزوالها ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها.
شرح الكلمات:
وتفقد الطير: أي تعهدها ونظر فيها.
مالي لا أرى الهدهد: أعرض لي ما منعني من رؤيته أم كان من الغائبين؟
لأعذبنه عذابا شديدا: أي بنف ريشه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوام.
بسلطان مبين: أي بحجة واضحة على عذره في غيبته.
فمكث غير بعيد: أي قليلا من الزمن وجاء سليمان متواضعا.
أحطت بما لم تحط به: أي اطلعت على ما لم تطلع عليه.
وجئتك من سبأ: سبأ قبيلة من قبائل اليمن.
إني وجدت امرأة: هي بلقيس الملكة.
ولها عرش عظيم: أي سرير كبير.
فصدهم عن السبيل: أي طريق الحق والهدى.
ألا يسجدوا لله: أصلها أن يسجدوا أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله.
وزيدت فيها "لا" وأدغمت فيها النون فصارت ألا نظيرها لئلا
يعلم أهل الكتاب من آخر سورة الحديد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصص سليمان عليه السلام قوله تعالى ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ (١) ﴾ أي تفقد سليمان جنده من الطير طالبا الهدهد لأمر عنّ له أي ظهر وهو يتهيأ لرحلة هامة، فلم يجده فقال ما أخبر تعالى به عنه: ﴿مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ (٢) ﴾ ألعارض عرض لي فلم أره، ﴿أَمْ (٣) كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ أي بل كان من الغائبين، ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾ بأن ينتف ريشه ويتركه للهوام تأكله فلا يمتنع منها ﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ بقطع حلقومه، ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ أي بحجة واضحة على سبب غيبته. قوله تعالى الآية (٢١) ﴿فَمَكَثَ﴾ أي الهدهد ﴿غَيْرَ (٤) بَعِيدٍ﴾ أي زمنا قليلا، وجاء فقال في تواضع رافعا عنقه مرخيا ذنبه وجناحيه ﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي اطلعت على ما لم تطلع عليه ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ (٥) بِنَبَأٍ يَقِينٍ﴾ وسبأ قبيلة من قبائل اليمن، والنبأ اليقين الخبر الصادق الذي لا شك فيه. وأخذ يبين محتوى الخبر فقال ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً﴾ هي بلقيس ﴿تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أسباب القوة ومظاهر الملك، ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ أي سرير ملكها الذي تجلس عليه وصفه بالعظمة لأنه مرصع بالجواهر والذهب، وقوله ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ أخبر أولا عن أحوالهم الدنيوية وأخبر ثانيا عن أحوالهم الدينية وقوله ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي الباطلة الشركية ﴿فَصَدَّهُمْ﴾ بذلك ﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾ أي سبيل الهدى والحق فهم لذلك لا يهتدون لأن يسجدوا (٦) لله الذي يخرج الخبء (٧) أي المخبوء فهو
٢- من خواص الهدهد أنه يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع عُلم أن به ماء، ونهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتله مع ثلاثة وهي: (الضفدع، والنحل، والصرد) خرجه أبو داود وصححه. ونهى عن قتل النمل إلا أن يضّر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل.
٣- (أم) هي المنقطعة التي بمعنى: بل، ولا تخلو من معنى الاستفهام إذ التقدير: بل أكان من الغائبين.
٤- أي: مكث في غيابه زمنا غير بعيد أو في مكان غير بعيد.
٥- اسم رجل و: غبشمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لقب بسبأ لأنه أول من سبى في غزوه، وأطلق هنا سبأ على ديار قبيلة سبأ لأن من ابتدائية أي لابتداء الأمكنة غالبا.
٦- ﴿ألا يسجدوا﴾ أصلها أن لا يسجدوا فأدغمت أن في لا النافية فصارت ألا، والمضارع منصوب بأن المدغمة في لا، ولذا تعيّن تقدير لام جر يتعلق بـ ﴿فصدهم عن السبيل﴾ أي: زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم لأجل أن لا يسجدوا. وما في التفسير من التقدير أوضح أيضا.
٧- الخبء: مصدر خبأ الشيء: إذا أخفاه، أطلق على اسم المفعول أي: المخبوء من اجل المبالغة في الإخفاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية استعراض الجيوش وتفقد أحوال الرعية.
٢- مشروعية التعزير لمن خالف أمر السلطان بلا عذر شرعي.
٣- مشروعية اتخاذ طائرات الاستكشاف ودراسة جغرافية العالم.
٤- تحقيق قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة إذ لم يلبثوا أن غلب عليهم سليمان.
٥- بيان أن هناك من كانوا يعبدون الشمس إذ سجودهم لها عبادة.
٦- بيان أن الأحق بالعبادة هو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
٧- مشروعية السجود لمن تلا هذه الآية أو استمع إلى تلاوتها: ﴿اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (: ٢٨) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)
سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين: أي بعد اختبارنا لك.
فألقه إليهم: أي إلى رجال القصر وهم في مجلس الحكم.
ثم تول عنهم: أي تنح جانبا متواريا مستترا عنهم.
فانظر ماذا يرجعون: أي ماذا يقوله بعضهم لبعض في شأن الكتاب.
يا أيها الملأ: أي يا أشراف البلاد وأعيانها وأهل الحل والعقد فيها.
ألقي إلي كتاب كريم: أي ألقاه في حجرها الهدهد.
ألا تعلوا علي: أي لا تتكبروا انقيادا للنفس والهوى.
وائتوني مسلمين: أي منقادين خاضعين.
معنى الآيات:
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ (١) ﴾ أي قال سليمان للهدهد بعد أن أدلى الهدد بحجته (٢) على غيبته سننظر باختبارنا لك ﴿أَصَدَقْتَ﴾ فيما ادعيت وقلت ﴿أَمْ كُنْتَ (٣) مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أي من جملتهم. وبدأ اختباره فكتب كتابا وختمه وقال له ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي (٤) هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي تنح جانبا مختفيا عنهم ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ من القول في شأن الكتاب أي ما يقول بعضهم لبعض في شأنه، وفعلاً ذهب الهدهد بالكتاب ودخل القصر من كوة فيه وألقى الكتاب في حجر الملكة بلقيس فارتاعت له وقرأته ثم قالت ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ﴾ مخاطبة أشراف قومها ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ وصفته بالكرم لما حواه من عبارات كريمة، ولأنه مختوم وختم الكتاب كرمه ونصّ الكتاب كالتالي [من عبد الله سليمان بن داوود إلى
٢- في الآية دليل على أن الحاكم يجب عليه أن يقبل عذر المواطن ويدرأ العقوبة عنه بظاهر حاله وباطن عذره، وفي الصحيح: "ليس أحد أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل" وللحاكم أن يمتحن المواطن المعتذر حتى يعرف عذره.
٣- ﴿أم كنت﴾ بمعنى: أنت
٤- في الآية دليل على وجوب إرسال الكتب إلى المشركين ودعوتهم إلى الإسلام وتبليغهم دعوة الله عز وجل، وقد كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قيصر وكسرى والمقوقس وغيرهم.
ومضمونه ما ذكرته الملكة بقولها: ﴿إِنَّهُ مِنْ (١) سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ومعنى إنه من سليمان أي صادر منه وأنه مكتوب مرسل بسم الله الرحمن الرحيم أي بإذنه وشرعه ألا تعلوا علي أي لا تتكبروا على الحق فإني بسم الله أطلبكم وأئتوني مسلمين أي خاضعين منقادين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الاختبار وإجراء التحقيق مع المتهم.
٢- مشروعية استخدام السلطان أفراد رعيته لكفاية المستخدم.
٣- مشروعية إرسال العيون للتعرف على أحوال العدو وما يدور عنده.
٤- مشروعية كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في الرسائل والكتب الهامة (٢) ذات البال لدلالتها على توحيد الله
تعالى وأنه رحمن رحيم، وأن الكاتب يكتب بإذن الله تعالى له بذلك.
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (٣٣) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)
٢- روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كرد السلام ولا يسقط إلا من عذر لا سيما إذا سلّم صاحب الكتاب فإن ردّ السلام واجب بلا خلاف.
أفتوني في أمري: بينوا لي فيه وجه الصواب، وما هو الواجب اتخاذه إزاءه.
ما كنت قاطعة أمرا: أي قاضيته.
حتى تشهدون: أي تحضروني وتبدوا رأيكم فيه.
وأولوا بأس شديد: أي أصحاب قوة هائلة مادية وأصحاب بأس شديد في الحروب.
إذا دخلوا قرية: أي مدينة وعاصمة ملك.
أفسدوها: أي خربوها إذا دخلوها عنوة بدون مصالحة.
وكذلك يفعلون: أي وكالذي ذكرت لكم يفعل مرسلو هذا الكتاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم عن حديث قصر الملكة بلقيس وها هي ذي تقول لرجال دولتها ما حكاه تعالى عنها بقوله ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي (١) فِي أَمْرِي﴾ أي أشيروا علي بما ترونه صالحا ﴿مَا كُنْتُ قَاطِعَةً (٢) أَمْراً﴾ أي قاضية باتّةً فيه ﴿حَتَّى (٣) تَشْهَدُونِ﴾ أي تحضروني وتبدوا فيه وجهة نظركم. فأجابها رجالها بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ﴾ عسكرية من سلاح وعتاد وخبرة ﴿وَأُولُو بَأْسٍ (٤) شَدِيدٍ﴾ عند خوضنا المعارك ﴿وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي (٥) مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ به فأمري ننفّذ إنا طوع يديك.
فأجابتهم بما حكاه الله تعالى عنها ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً﴾ أي مدينة عنوة بدون صلح. ﴿أَفْسَدُوهَا﴾ أي خربوا معالمها وبدلوا وغيروا فيها، ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ بضربهم وإهانتهم وخلعهم من مناصبهم. ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أصحاب هذا الكتاب ﴿يَفْعَلُونَ﴾ ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ (٦) بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ أي الذين نرسلهم من
٢- ﴿قاطعة أمرا﴾ عاملة عملا لا تردد فيه بالعزم على أن تجيب به سليمان.
٣- حذفت ياء المتكلم منه تخفيفا، وحذفت نون الرفع للناصب وبقيت نون الوقاية والمراد من شهودهم: موافقتهم لها على ما تعزم عليه إزء الكتاب.
٤- البأس: الشدة على العدو، ومنه ﴿وحين البأس﴾ أي: في مواقع القتال في جوابهم هذا تصريح بأنهم مستعدون للحرب دفاعا عن مملكتهم.
٥- فوّضوا الأمر إليها لثقتهم بأصالة رأيها وخبرتها السياسية.
٦- دبرت أن تتفادى الحرب بطريقة المصانعة والتزلف إلى سليمان بالهدية مصحوبة بكتاب ووفد، وعلى ضوء عودة الوفد تتصرف في الأمر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ الشورى في الحكم.
٢- مشروعية إبداء الرأي بصدق ونزاهة ثم ترك الأمر لأهله.
٣- مشروعية إعداد العدة وتوفير السلاح وتدرب الرجال على حمله واستعماله.
٤- دخول العدو المحارب الغالب البلاد عنوة ذو خطورة فلذا يتلافى الأمر بالمصالحة.
٥- بيان حسن سياسة الملكة بلقيس وفطنتها وذكائها ولذا ورثت عرش أبيها.
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (٣٧) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
شرح الكلمات:
فلما جاء سليمان: أي رسول الملكة يحمل الهدية ومعه أتباعه.
بهديتكم (١) تفرحون: لحبكم للدنيا ورغتبكم في زخارفها.
ارجع إليهم: أي بما أتيت به من الهدية.
بجنود لا قبل لهم بها: أي لا طاقة لهم بقتالها.
ولنخرجنهم منها: أي من مدينتهم سبأ المسماة باسم رجل يقال له سبأ.
أذلة وهم صاغرون: أي إن لم يأتوني مسلمين أي منقادين خاضعين.
قبل أن يأتوني مسلمين: فإنّ لي أخذه قبل مجيئهم مسلمين لا بعده.
قال عفريب من الجن: أي جني قوي إذ القوي الشديد من الجن يقال له عفريت.
قبل أن تقوم من مقامك: أي من مجلس قضائك وهو من الصبح إلى الظهر.
وإني عليه لقوي أمين: أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر وغيرها.
وقال الذي عنده علم من الكتاب: أي سليمان عليه السلام.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع سليمان وملكة سبأ إنه لما بعثت بهديتها تختبر بها سليمان هل هو رجل دنيا يقبل المال أو رجل دين، لتتصرف على ضوء ما تعرف من اتجاه سليمان عليه السلام، فلما جاء سليمان، جاءه سفير الملكة ومعه رجال يحملون الهدية قال لهم ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: ﴿قَالَ أَتُمِدُّونَنِ (٢) بِمَالٍ؟ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ آتاني النبوة والعلم والحكم والملك فهو خير مما آتاكم من المال ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ (٣) تَفْرَحُونَ﴾ وذلك لحبكم الدنيا ورغبتكم في زخارفها. وقال لرسول الملكة ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾ أي بما أتيت به من الهدية، وعلمهم أنهم إن لم يأتوا إلي مسلمين ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا (٤) ﴾ أي لا قدرة لهم على قتالهم، ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا﴾ أي من مدينتهم سبأ ﴿أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أي خاضعون منقادون. ثم قال سليمان عليه السلام لأشراف دولته
٢- أي: أتزيدونني إلى ما تشاهدونه من أموالي، والاستفهام للإنكار وقرأ الجمهور: ﴿أتمدونني﴾ بنونين. وقرأ بعضٌ بنون واحدة مشددة.
٣- (بل) للاضراب الانتقالي من الإنكار عليهم إلى ردّ هديتهم إليهم.
٤- الضمير في (بها) عائد على الجنود والضمير في (منها) عائد إلى مدينتهم وهي مأرب أو سبأ على مراحل قليلة من صنعاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- أهل الآخرة لا يفرحون بالدنيا، وأهل الدنيا لا يفرحون بالآخرة.
٢- استعمال أسلوب الإرهاب والتخويف مع القدرة على إنفاذه مع العدو أليق.
٣- تقرير أن سليمان كان يستخدم الجن وأنهم يخدمونه في أصعب الأمور.
٤- استجابة الله تعالى لسليمان فأحضر له العرش من مسافة شهرين أي من اليمن إلى الشام قبل ارتداد طرف
الناظر إذا فتح عينه ينظر.
٥- وجوب رد الفضل إلى أهله فسليمان قال ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ والجهال يقولون بثورتنا الخلاقة، وأبطالنا
البواسل.
٦- وجوب الشكر، وعائدته تعود على الشاكر فقط، ولكرم الله تعالى قد لا يسلب النعمة فور عدم شكرها
وذلك لحلمه تعالى وكرمه.
٢- قال القرطبي: "جمهور المفسرين: أن الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن بريخا وقيل: هو سليمان عليه السلام، بقرينة قوله: هذا من فضل ربي، قال ابن عطية وقالت فرقة وهو سليمان عليه السلام. والمخاطبة في هذا التأويل للعفريب لما قال أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وكأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على وجه التحقير أنا آتيك به... الخ. قيل: يا حي يا قيوم: هو الاسم الأعظم.
٣- الشكر: قيد النعمة الموجودة وبه تنال النعمة المفقودة.
شرح الكلمات:
قال نكروا لها عرشها: أي غيروا هيأته وشكله حتى لا يعرف إلا بصعوبة.
أتهتدي: أي إلى معرفته.
أهكذا عرشك: شبهوا عليها إذ لو قالوا هذا عرشك لقالت نعم.
قالت كأنه هو: فشبّهت عليه فقالت كأنه هو.
وصدها ما كانت تعبد من دون الله: أي صرفها عن عبادة الله مع علمها وذكائها ما كانت تعبد من دون الله.
ادخلي الصرح: أي بهو الصرح إذ الصرح القصر العالي وفي بهوه بركة ماء كبيرة مغطاة بسقف زجاجي يرى وكأنه ماء.
فكشفت عن ساقيها: ظانة أنها تدخل ماء تمشي عليه فرفعت ثيابها.
حسبته لجة: أي من ماء غمر يجري.
صرح ممرد من قوارير: أي مملس من زجاج.
ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ لقد خرجت هي في موكبها الملكي بعد أن أحتاطت لعرشها أيّما احتياط. إلا أن العرش وصل قبلها بدعوة الذي عنده علم من الكتاب، وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو الضعف (١) فأمر رجاله أن يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه حتى لا يعرف إلا بصعوبة كما قال عليه السلام ﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ إلى معرفته ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ لضعف عقولهم. فلما جاءت ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا (٢) عَرْشُكِ﴾ فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير، إذ المفروض أن يقال لها هذا عرشك ومن هنا فطنت لتشبيههم ﴿فقَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ إذ لو قالت: هو لقالوا كيف يكون هو والمسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء ودهاء ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ (٣) مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ فحمد الله وأثنى عليه ضمن العبارة التي قالها. وقوله ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ اتباعا لقومها إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله. ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها وهو ما كان عليه قومها، وجلس سليمان في بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها أسماك كثيرة وللماء موج، وسقف البركة مملس من زجاج، ومع سليمان جنوده من الإنس والجن يحوطون به ويحفون من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح (٤) لأن سليمان الملك يدعوها ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ ماء ﴿وَكَشَفَتْ (٥) عَنْ سَاقَيْهَا﴾ فقال لها سليمان ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ﴾ أي مملّس ﴿مِنْ قَوَارِيرَ﴾ زجاجية وهنا وقد بهرها الموقف وعرفت أنها كانت ضالة وظالمة نطقت قائلة ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وبهذا أصبحت مسلمة صالحة. ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً
٢- الاستفهام للتقرير مع الاختبار وهو المقصود.
٣- اختلف هل قول: ﴿وأوتينا العلم﴾ من قول سليمان أو أحد رجالاته أو هو من قول بلقيس، والراجح أنه من قول سليمان عليه السلام.
٤- (الصرح) البناء العالي: تقدم أن الجن هم الذين قالوا لسليمان إن رجل بلقيس رجل حمار وطلبوا اختبارها وهم الذين صنعوا بركة الماء في بهو الصرح.
٥- ذكر القرطبي هنا حكايات أكثرها منقول عن أهل الكتاب منها: أن الجن أول من صنعوا النورة لإزالة شعر الجسم، وأن سليمان عليه السلام أول من صنع الحمامات، وهذا يرفع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر قولين أحدهما أن سليمان نزوج بلقيس وآخر: لم يتزوجها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- جواز اختبار الأفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية.
٢- بيان حصافة عقل بلقيس ولذا أسلمت ظهر ذلك في قولها ﴿كأنه هو﴾
٣- مضار التقليد وما يترتب عليه من التنكير للعقل والمنطق.
٤- حرمة كشف المرأة ساقيها حتى لو كانت كافرة فكيف بها إذا كانت مسلمة.
٥- فضيلة الائتساء بالصالحين كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها ﴿وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩)
شرح الكلمات:
أن اعبدوا الله: أي بأن اعبدوا الله.
فريقان يختصمون: أي طائفتان مؤمنة موحدة وكافرة مشركة يختصمون.
تستعجلون بالسيئة: أي تطالبون بالعذاب قبل الرحمة.
قالوا اطيرنا بك: أي تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين.
قال طائركم عند الله: أي ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند الله علمه.
بل أنتم قوم تفتنون: أي تختبرون بالخير والشر.
تسعة رهط: أي تسعة رجال ظلمة.
تقاسموا بالله: أي تحالفوا بالله أي طلب كل واحد من الثاني أن يحلف له.
لنبيتنه وأهله: أي لنقتلنه والمؤمنين به ليلا.
ما شهدنا مهلك أهله: أي ما حضرنا قتله ولا قتل أهله.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ هذا بداية قصص صالح عليه السلام مع قومه ثمود لما ذكر تعالى قصص سليمان مع بلقيس ذكر قصص صالح مع ثمود وذلك تقريراً لنبوة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووضع المشركين من قريش أمام أحداث تاريخية تمثل حالهم مع نبيهم لعلهم يذكرون فيؤمنوا قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ﴾ أي قبيلة ثمود ﴿أَخَاهُمْ﴾ أي في النسب ﴿صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا﴾ أي قال لهم اعبدوا الله أي وحدوه ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾ موحدون ومشركون ﴿يَخْتَصِمُونَ (١) ﴾ فريق يدعو إلى عبادة الله وحده وفريق يدعو إلى عبادة الأوثان مع الله وشأن التعارض أن يحدث التخاصم كل فريق يريد أن يخصم الفريق الآخر. وطالبوا صالحا بالآيات ﴿وَقَالُوا ائتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ أي من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَادِقِينَ﴾ في أنك رسول إلينا مثل الرسل فرد عليهم وقال ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ (٢) بِالسَّيِّئَةِ﴾ أي تطالبونني بعذابكم ﴿قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ فالمفروض أن تطالبوا بالحسنة التي هي الرحمة لا السيئة التي هي العذاب. إن كفركم ومعاصيكم هي سبيل عذابكم، كما أن إيمانكم وطاعتكم هي سبيل نجاتكم وسعادتكم فبادروا بالإيمان والطاعة طلبا لحسنة الدنيا والآخرة. إنكم بكفركم ومعاصيكم تستعجلون عذابكم ﴿لَوْلا (٣) ﴾ أي هلا
٢- الاستفهام إنكاري، و (السيئة كالحسنة) صفة لمحذوف، والتقدير لم تستعجلون بالحال السيئة قبل الحال الحسنة؟
٣- (هلا) أداة تحضيض حضهم نبيهم على التوبة بالاستغفار والاقلاع عن الشرك والمعاصي رجاء أن يرحمهم الله تعالى فلا يعذبهم في الدنيا ولا في الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- تقرير حقيقة أن الصراع بين الحق والباطل لا ينتهي إلا بانتهاء الباطل.
٣- حرمة التشاؤم والتيامن كذلك، ولم يجز الشارع إلا التفاؤل لا غير.
٤- العمل بمعاصي الله تعالى هو الفساد في الأرض، والعمل بطاعته هو الإصلاح في الأرض.
٥- تقرير أن المشركين يؤمنون بالله ولذا يحلفون به، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام لشركهم في عبادة الله تعالى
غيره من مخلوقاته.
٢- الأرض: أرض ثمود وأل فيها: للعهد والرهط: العدد من الثلاثة إلى العشر كالنفر ومن بين هؤلاء: قُدار بن سالف: عاقر الناقة.
شرح الكلمات:
ومكروا مكرا: أي دبروا طريقة خفية لقتل صالح والمؤمنين.
ومكرنا مكرا: أي ودبرنا طريقة خفية لنجاة صالح والمؤمنين وإهلاك الظالمين.
وهم لا يشعرون: بأنا ندبر لهم طريق هلاكهم.
بيوتهم خاوية: أي فارغة ليس فيها أحد.
بما ظلموا: أي بسبب ظلمهم وهو الشرك والمعاصي.
لآية: أي عبرة.
وأنجينا الذين آمنوا: أي صالحا والمؤمنين.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً﴾ (١) هذا نهاية قصص صالح مع ثمود تقدم أن تسعة رهط من قوم صالح تقاسموا على تبييت صالح والمؤمنين وقتلهم ليلا ليحولوا في نظرهم دون وقوع العذاب الذي واعدهم به صالح وأنه نازل بهم بعد ثلاثة أيام، وهذا مكرهم وطريقة تنفيذه أنهم أتوا صالحا وهو يصلي في مسجد له تحت الجبل فسقطت عليهم صخرة من الجبل فأهلتكهم أجمعين وهكذا مكر الله بهم وهم لا يشعرون به، ثم أهلك الله القوم كلهم
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٤) ﴾ يريد صالحاً والمؤمنين الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً وبصالح نبياً ورسولاً. وكانوا طوال حياتهم يتقون عقاب الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
٢- تقرير أن ديار الظالمين مآلها الخراب فالظلم يذر الديار بلا قع.
٣- تقرير أن الإيمان والتقوى هما سبب النجاة لأن ولاية الله للعبد تتم بهما.
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥)
شرح الكلمات:
ولوطا: أي واذكر لقومك لوطاً إذ قال لقومه.
٢- قرئ (إنا) بكسر الهمزة على الاستئناف البياني، وقرئ: (أنا) بفتح الهمزة، فمن فتح الهمزة لا يحسن له الوقف على مكرهم، ومن كسر الهمزة جاز له الوقف على مكرهم.
٣- بيوتهم المنحوتة من الجبال ما زالت إلى اليوم، وقد وقفنا عليها وهي عجب في فن البناء والنحت.
٤- زيادة كان في قوله: ﴿وكانوا يتقون﴾ للدلالة على أنهم كانوا متمكنين من التقوى التي هي فعل المأمور واجتناب الشرك المنهي عنه من اعتقاد وقول وعمل وصفة.
الفاحشة: أي الخصلة القبيحة الشديدة القبح وهي اللواط.
وأنتم تبصرون: أذ كانوا يأتونها في أنديتهم عيانا بلا ستر ولا حجاب.
قوم تجهلون: أي قبح ما تأتون وما يترتب عليه من خزي وعذاب.
معنى الآياتين:
هذا بداية قصص لوط عليه السلام مع قومه اللوطيين فقال تعالى ﴿وَلُوطاً (١) ﴾ أي واذكر كما ذكرت صالحا وقومه اذكر لوطاً ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ (٢) ﴾ منكراً عليهم موبخا مؤنبا لهم على فعلتهم الشنعاء ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أي قبحها وشناعتها ببصائركم وبأبصاركم حيث كانوا يأتونها علناً وعياناً وهم ينظرون وقوله ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ (٣) الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ أي لا للعفة والإحصان ولا للولد والإنجاب بل لقضاء الشهوة البهيمية فشأنكم شأن البهائم لا غير. وفي نفس الوقت آذيتم نساءكم حيث تركتم إتيانهن فهضمتم حقوقهن. وقوله تعالى ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٤) ﴾ أي قال لهم لوط عليه السلام أي ما كان ذلك الشر والفساد منكم إلا لأنكم قوم سوء جهلة بما يجب عليكم لربكم من الإيمان والطاعة وما يترتب على الكفر والعصيان من العقاب والعذاب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان ما كان عليه قوم لوط من الفساد والهبوط العقلي والخلقي.
٢- تحريم فاحشة اللواط وأنها أقبح شيء وأن فاعلها أحط من البهائم.
٣- بيان أن الجهل بالله تعالى وما يجب له من الطاعة، وبما لديه من عذاب وما عنده من نعيم مقيم هو سبب كل
شر في الأرض وفساد. ولذا كان الطريق إلى إصلاح البشر هو
٢- هم أهل سدوم وعمورية.
٣- أعاد ذكرها لفرط قبحها وشناعتها، والاستفهام للإنكار والتقبيح لفعلتهم الشنعاء.
٤- ﴿تجهلون﴾ : إمّا أمر التحريم أو العقوبة، ووصفهم بالجهل، وهو اسم جامع لأحوال أفن الرأي وقساوة القلب وعماه، ووصفهم في الأعراف بالإسراف وذلك نظراً إلى تعدد مواقف الوعظ والإرشاد.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)
شرح الكلمات:
فما كان جواب قومه: أي لم يكن لهم من جواب إلا قولهم أخرجوا.
آل لوط: هم لوط عليه السلام وامرأته المؤمنة وابنتاه.
من قريتكم: أي مدينتكم سَدوم.
يتطهرون: أي يتنزهون عن الأقذار والأوساخ.
قدرناها من الغابرين: أي حكمنا عليها أن تكون من الهالكين.
فساء مطر المنذرين: أي قبح مطر المنذرين من أهل الجرائم أنه حجارة من سجيل.
معنى الآيات:
هذه بقية قصص لوط عليه السلام إنه بعد أن أنكر لوط عليه السلام على قومه فاحشة اللواط وأنَّبَهم عليها، وقبّح فعلهم لها أجابوه مهددين له بالطرد والإبعاد من القرية كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ أي لم يكن لهم من جواب يردون به على لوط عليه السلام ﴿إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم﴾ أي إلا قولهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾. وعللوا لقولهم هذا بقولهم ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ (١) يَتَطَهَّرُون﴾. أي يتنزهون عن الفواحش. قالوا هذا تهكماً، لا إقراراً منهم على أن الفاحشة قذر يجب التنزه عنه. ولما بلغ بهم الحد إلى تهديد نبي الله لوط عليه السلام بالطرد والسخرية منه أهلكهم الله تعالى وأنجى لوطاً وأهله إلا إحدى امرأتيه وكانت عجوزا كافرة وهو معنى قوله تعالى في الآية (٥٧) ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٢) ﴾ حكمنا ببقائها مع الكافرين لتهلك معهم. وقوله تعالى في الآية (٥٨) ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً﴾ هو بيان لكيفية إهلاك قوم لوط بأن
٢- ﴿من الغابرين﴾ قال ابن كثير: أي من الهالكين مع قومها لأنها كانت ردءًا على دينهم وعلى طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة، فكانت تدل قومها على ضيفان لوط ليأتوا إليهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة أن الظلمة إذا أعيتهم الحجج والبراهين يفزعون إلى القوة.
٢- بيان سنة أن المرء إذا أدْمن على قبح قول أو عمل يصبح غير قبيح عنده.
٣- سنة إنجاء الله أولياءه وإهلاكه أعداءه بعد إصرار المنذَرين على الكفر والمعاصي.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ
شرح الكلمات:
اصطفى: أي اختارهم لحمل رسالته وإبلاغ دعوته.
آلله خير: أي لمن يعبده.
حدائق ذات بهجة: أي بساتين ذات منظر حسن لخضرتها وأزهارها.
يعدلون: أي بربهم غيره من الأصنام والأوثان.
جعل الأرض قراراً: أي قارة ثابتة لا تتحرك ولا تضطرب بسكانها.
وجعل خلالها أنهاراً: أي جعل الأنهار العذبة تتخللها للشرب والسقي.
وجعل لها رواسي: أي جبالاً أرساها بها حتى لا تتحرك ولا تميل.
بين البحرين حاجزا: أي فاصلاً لا يختلط أحدهما بالآخر.
ويكشف السوء: أي الضر، المرض وغيره.
قليلا ما تذكرون: أي ما تتعظون إلا قليلا.
بُشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بين يدي المطر إذ الرياح تتقدم ثم باقي المطر.
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده: أي يبدؤه في الأرحام، ثم يعيده يوم القيامة.
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين: أي حجتكم إن كنتم صادقين أن مع الله إلها آخر فعل ما ذكر.
معنى الآيات:
لما أخبر الله تعالى رسوله بإهلاك المجرمين ونجاة المؤمنين أمر تعالى رسوله أن يحمده على ذلك تعليماً له ولأمته إذا تجددت لهم نعمة أن يحمدوا الله تعالى عليها ليكون ذلك من شكرها قال تعالى ﴿قُلِ الْحَمْدُ (١) لِلَّهِ﴾ أي الوصف بالجميل لله استحقاقا.
وقوله تعالى: ﴿آللَّهُ (٣) خَيْرٌ أَمَّا (٤) يُشْرِكُونَ﴾ أي آالله الخالق الرازق المدبر القوي المنتقم من أعدائه المكرم لأوليائه؛ عبادته خير لمن يعبده بها أم عبادة من يشركون. فقوله ﴿أَمَّنْ (٥) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أي لحاجتكم إليه غسلا وشربا وسقيا ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ﴾ أي بساتين محدقة بالجدران والحواجز ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ أي حسن وجمال، ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ أي لم يكن في استطاعتكم أن تنبتوا شجرها ﴿أَإِلَهٌ (٦) مَعَ اللهِ﴾ لا والله ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ أي يشركون بربهم أصناما ويسوّونها به في العبادات. وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً (٧) ﴾ أي قارة ثابتة لا تتحرك بسكانها ولا تضطرب بهم فيهلكوا. ﴿وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً﴾ أي فيما بينها. ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ أي جبالاً تثبتها، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ﴾ العذب والملح ﴿حَاجِزاً﴾ (٨) حتى لا يختلط الملح بالعذب فيفسده.
﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ؟﴾ والجواب: لا والله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ ولو علموا لما أشركوا
٢- قال بعضهم: الذين اصطفوا هم أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: هم الصحابة ورد هذا بما هو الحق وهو (أن الذين اصطفوا) هم: رسل الله عليهم السلام وفي الآية تعليم أدب رفيع وهو أن من افتتح كلامه مذكرا أو واعظا أو معلما دارسا يفتتح كلامه بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣- (آالله) الاستفهام تقريري وهو إلجاء المخاطب إلى الإقرار، وخير هنا: ليست بمعنى أفضل، إذ لا خير البتة في آلهة المشركين وإنما من باب إيهام الخصم بأنه يعترف له بما يعتقده من خير في إلهه، حتى يصغي ويسمع ويتأمل عَلّه يهتدي أو هو مثل قول الشاعر:
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
٤- (أمّا) أصلها: أم المعادلة للهمزة وما: الموصولية أدغمت فيها أم فصارت أمّا والعائد محذوف تقديره: تشركونها، أي آلهتهم بالله تعالى.
٥- (أم) المنقطعة بمعنى بل للإضراب الانتقالي من الاستفهام التهكمي للاستفهام التقريري أي: الذي خلق السموات وما عطف عليها خير وأحق بالعبادة.
٦- هذا استئناف كالنتيجة للكلام قبلها لأن إثبات الخلق والرزق لله تعالى بدليل لا يسعهم إلا الإقرار به ينتج أنه لا إله معه، والاستفهام إنكاري أي: إنكار وجود إله مع الله الخالق الرازق والجواب: لا إله مع الله.
٧- القرار: مصدر قرّ يقرّ قرارا الشيء: إذا سكن وثبت، وصفت الأرض بالقرار مبالغة في سكونها وثباتها حيث لا تتحرك ولا تضطرب بأهلها على مدى الحياة في حين أنها سابحة في الفضاء متحركة في كل لحظة فسبحان الله العلي القدير العزيز الحكيم.
٨- إنّ هذا الحاجز ليس جسما غير الماء إنما هو تفاوت الثقل النسبي لاختلاف أجزاء الماء المركب منها الماء المالح والماء العذب، فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسماً آخر فاصلا بينهما.
وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ في الليل بالنجوم وفي النهار بالعلامات الدالة والهادية إلى مقاصدكم ﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي من يثير الرياح ويرسلها تتقدم المطر وتبشر به؟ لا أحد غير الله إذاً.. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ﴾. والجواب: لا، لا.. الله وحده الإله الحق وما عداه فباطل.
وقوله تعالى: ﴿تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين أصناما لا تبدئ ولا تعيد ولا تخلق ولا ترزق ولا تعطي ولا تمنع. وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ﴾ أي نطفاً في الأرحام، ثم بعد حياته يميته، ثم يعيده وهو معنى ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾.
﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ﴾ بالمطر ﴿وَالْأَرْضِ﴾ بالنبات. والجواب: الله إذاً ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ﴾ والجواب: لا، لا وإن قلتم هناك آلهة مع الله ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أي حججكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن غير الله يفعل شيئاً مما ذكرفي هذا السياق الكريم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب حمد الله وشكره عند تجدد الشكر، والحمد لله رأس الشكر.
٢- مشروعية السلام عند ذكر الأنبياء عليهم السلام فمن ذكر أحدهم قال عليه السلام.
٣- التنديد بالشرك والمشركين.
٤- تقرير التوحيد بأدلتة الباهرة العديدة.
٥- تقرير البعث الآخر وإثباتها بالاستنباط من الأدلة المذكورة.
٦- لا يثبت الأحكام إلا بالأدلة النقلية والعقلية.
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ
٢- الاستفهام توبيخي إنكاري أي: إنكار أن يكون مع الله إله آخر لما قام على ذلك من الأدلة والحجج المذكورة، وإله مرفوع بما تعلق به الظرف أو بإضمار يفعل ذلك أي: أإله مع الله يفعل ذلك.
شرح الكلمات:
من في السموات والأرض: الملائكة والناس.
الغيب إلا الله: أي ما غاب عنهم ومن ذلك متى قيام الساعة إلا الله فإنه يعلمه.
أيَّان يبعثون: أي متى يبعثون.
بل ادّارك علمهم في الآخرة: أي تلاحق وهو ما منهم أحد إلا يظن فقط فلا علم لهم بالآخرة بالمرة.
بل هم منها عمون: أي في عمى كامل لا يبصرون شيئا من حقائقها.
أئنا لمخرجون: أي أحياء من قبورنا.
لقد وعدنا هذا: أي البعث أحياء من القبور.
أساطير الأولين: أي أكاذيبهم التي سطروها في كتبهم.
كيف كان عاقبة المجرمين: أي المكذبين بالبعث كانت دمارا وهلاكاً وديارهم الخاوية شاهدة بذلك.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾ لما سأل المشركون من قريش النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الساعة أمره تعالى أن يجيبهم بهذا الجواب ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ﴾ الخ.. والساعة من جملة الغيب بل هي أعظمه. ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من الملائكة ﴿وَالْأَرْضِ﴾ من الناس ﴿إِلَّا (١) اللهُ﴾ أي لكن
وقوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ (١) عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ قرئ ﴿بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ أي بلغ حقيقته يوم القيامة إذ يصبح الإيمان بها الذي كان غيبا شهادة ولكن لا ينفع صاحبه يومئذ. وقرئ ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ أي علم المشركين بالآخرة. أي تلاحق وأدرك بعضه بعضا وهو أنه لا علم لهم بها بالمرة. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٢) ﴾ أي لا يرون شيئا من دلائلها، ولا حقائقها بالمرة ويدل على هذا ما أخبر به تعالى عنهم من أنهم لا يؤمنون بالساعة بالمرة قي قوله ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا (٣) كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ أي من قبورنا أحياء. والاستفهام للإنكار الشديد ويؤكدون إنكارهم هذا بقولهم:
﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل أن يعدنا محمد. ﴿إِنْ هَذَا﴾ أي الوعد بالبعث والجزاء ﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي أكاذيبهم وحكاياتهم التي يسطرونها في الكتب ويقرأونها على الناس. وقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق (٦٩) ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي قل لهم يا رسولنا سيروا في الأرض جنوبا أو شمالا أو (٤) غربا ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي أهلكناهم لما كذبوا بالبعث كما كذبتم، فالقادر على خلقهم ثم إماتتهم قادر قطعا على بعثهم وإحيائهم لمحاسبتهم وجزائهم بكسبهم. فالبعث إذاً ضروري لا ينكره ذو عقل راجح أبدا.
٢- (عمون) أصلها: عميون: حذفت الياء وضمت الميم تخفيفا، والمفرد عم.
٣- قرأ نافع: (إذا كنا) بدون همزة استفهام، وبتسهيل همزة أينا، وقرأ حفص بهمزتين محققتين أإذا وإئنا.
٤- جنوبا حيث ديار عاد، وشمالا حيث ديار ثمود، وغربا حيث مدين والمؤتفكات.
من هداية الآيات:
١- حصر علم الغيب في الرب تبارك وتعالى. فمن ادعى أنه يعلم ما في غد فقد كذب (١).
٢- تساوي علم أهل السماء والأرض في الجهل بوقت الساعة.
٣- المكذبون بيوم القيامة سيوقنون به في الآخرة ولكن لا ينفعهم ذلك.
٤- إهلاك الله الأمم المكذبة بالبعث بعد خلقهم ورزقهم دليل على قدرته تعالى على بعثهم لحسابهم وجزائهم.
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)
شرح الكلمات:
ولا تحزن عليهم الآية: المراد به تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مما يمكرون: أي بك إذ حاولوا قتله ولم يفلحوا.
متى هذا الوعد: أي بعذابنا.
بعض الذي تستعجلون: وقد حصل لهم في بدر.
إن الله لذو فضل على الناس: أي في خلقهم ورزقهم وحفظهم وعدم إنزال العذاب بهم.
ما تكن صدورهم: أي ما تخفيه وتستره صدروهم.
وما من غائبة: أي ما من حادثة غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين هو اللوح المحفوظ مدونة فيه مكتوبة.
ما زال السياق في دعوة المشركين إلى التوحيد والإيمان بالنبوة والبعث الآخر ولقد تقدم تقرير كل من عقيدة التوحيد بأدلة لا ترد، وكذا تقرير عقيدة البعث والجزاء ولكن المشركين ما زالوا يعارضون ويمانعون بل ويمكرون فلذا نهى الله تعالى رسوله عن الحزن على المشركين في عدم إيمانهم كما نهاه عن ضيق (١) صدره مما يمكرون (٢) ويكيدون له ولدعوة الحق التي يدعو إليها. هذا ما دلت عليه الآية الآولى (٧٠) وأما الآية الثانية والثالثة فإنه تعالى يخبر رسوله بما يقول أعداؤه ويلقنه الجواب. فقال تعالى: (٧١) ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى (٣) هَذَا الْوَعْدُ﴾ - أي بالعذاب - ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين﴾ – فيما تقولون وتعدون- ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي اقترب (٤) منكم ودنا وهو ما حصل لهم في بدر من الأسر والقتل هذا ما دلت عليه الآيتان (٧١و٧٢). وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ (٥) ﴾ مؤمنهم وكافرهم إذ خلقهم ورزقهم وعافاهم ولم يهلكهم بذنوبهم ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ﴾ فها هم أؤلاء يستعجلون العذاب ويطالبون به ومع هذا يمهلهم لعلهم يتوبون، وهذا أعظم فضل. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ (٦) وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي لا يخفى عليه من أمرهم شيء وسيحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها وفي هذا تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعيد لهم وتهديد وقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ (٧) فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾. وهو اللوح المحفوظ أي إن علم ربك أحاط بكل شيء ولا يعزب عنه شيء وهذا مظهر من مظاهر العلم الإلهي المستلزم للبعث والجزاء، إذ لو قل علمه بالخلق لكان من الجائز أن يترك بعضا لا يبعثهم ولا يحاسبهم ولا يجزيهم.
٢- ومن أعظم مكرهم به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكمهم الجائر بقتله في مكة لولا أن الله أنجاه منهم.
٣- الاستفهام للإنكار والاستبعاد، والآية نزلت في المستهزئين الذين هلكوا ببدر.
٤- هذا تفسير لـ (ردف لكم) يقال: ردفه وأردفه: إذا تبعه كتبعه واتبعه وردفه وردف له بمعنى قال الشاعر:
عاد السواد بياضا في مفارقه لا مرحبا ببياض الشيب إذا ردف
والشاهد في ردف وأردف: إذا تبع، وقال آخر:
إذا الجوزاء أردفت الثريّا ظننت بآل فاطمة الظنونا
٥- في إدرار الرزق وتأخير العقوبة.
٦- قرئ: تكّن من كنّ الشيء يكنّه إذا ستره، وقرأ الجهمور (تكن) من أكن الشيء إذا ستره أيضا.
٧- قال الحسن: الغائبة هنا: القيامة، وهو حق ولكن اللفظ عام إذ هو يشمل كل غيب وهو ما غاب عن الخلق في الأرض أو في السماء، فالله تعالى يعلمه وكيف لا، وقد كتبه في كتاب المقادير والغائبة: اسم للشيء الغائب والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية كالتاء في الفاتحة، والعاقبة، والمراد ما غاب عن علم الناس، واشتقاقه من الغيب ضد الحضور.
من هداية الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه يعاني شدة من ظلم المشركين وإعراضهم.
٢- بيان تعنت المشركين وعنادهم.
٣- تحقق وعد الله للمشركين حيث نزل بهم بعض العذاب الذي يستعجلون.
٤- بيان فضل الله تعالى على الناس مع ترك أكثرهم لشكره سبحانه وتعالى.
٥- بيان إحاطة علم الله بكل شيء.
٦- إثبات وتقرير كتاب المقادير، وهو اللوح المحفوظ.
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)
شرح الكلمات:
يقص على بني إسرائيل: أي يذكر أثناء آياته كثيرا مما اختلف فيه بنو إسرائيل.
لهدى ورحمة للمؤمنين: أي به تتم هداية المؤمنين ورحمتهم.
يقضي بينهم بحكمه: أي يحكم بين بني إسرائيل بحكمه العادل.
وهو العزيز العليم: الغالب على أمره، العليم بخلقه.
فتوكل على الله: أي ثق فيه وفوّض أمرك إليه.
إنّك لا تسمع الموتى: أي لو أردت أن تسمعهم لأنهم موتى.
إذا ولوا مدبرين: أي إذا رجعوا مدبرين عنك غير ملتفتين إليك.
إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا: أي ما تسمع إلا من يؤمن بآيات الله.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ (١) هَذَا الْقُرْآنَ﴾ الكريم الذي أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾ المعاصرين لنزوله ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ كاختلافهم في عيسى عليه السلام ووالدته إذ غلا فيهما البعض وأفرطوا فألهّوهما وفرط فيهما البعض فقالوا في عيسى ساحر، وفي مريم عاهرة لعنهم الله، وكاختلافهم في صفات الله تعالى وفي حقيقة المعاد، وكاختلافهم في مسائل شرعية وأخرى تاريخية. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدىً (٢) وَرَحْمَةٌ﴾ أي وإن القرآن الكريم لهدى، أي لهادٍ لمن آمن به إلى سبيل السلام ورحمة شاملة ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٣) به، العاملين بما فيه من الشرائع والآداب والأخلاق. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ أي أيها الرسول ﴿يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أي بين الناس من وثنيين وأهل كتاب يوم القيامة بحكمه (٤) العادل الرحيم، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي ينفذ حكمه فيمن حكم له أو عليه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بالمحقين من المبطلين من عباده فلذا يكون حكمه أعدل وأرحم ولذا ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى (٥) اللهِ﴾ أيها الرسول بالثقة فيه وتفويض أمرك إليه فإنه كافيك. وقوله: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ أي إنك يا رسولنا على الدين الحق الذي هو الإسلام وخصومك على الباطل فالعاقبة الحسنى لك، لا محالة. وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ والكفار موتى بعدم وجود روح الإيمان في أجسامهم والميت
٢- هذا التوكيد بإن في المواطن الثلاثة: (إن هذا القرآن) و (إنه لهدى) (إن ربك يقضي) تطلبه الابتداء من جهة وشأن الاخبار من جهة أخرى. لأن عادة الإنسان إذا أخبر بخبر ذي شأن يتساءل في نفسه عن صحته وعدمها فيتعين التأكيد له.
٣- خصّ المؤمنون بالذكر دون الكافرين لأنهم هم المنتفعون به.
٤- جائز أن يكون المراد من الحكم: الحكمة، أي: يحكم بينهم بالحكمة التي تضع كل شيء في موضعه فلا يحدث حيف ولا جور. وإطلاق الحكم على الحكمة كثير في القرآن منه: (وآتيناه الحكم صبيا) ويجوز أن يكون الحكم على ظاهره أو يحكم بينهم بحكمه المعروف بالعدل والنزاهة من الحيف والجور والخطأ.
٥- الفاء تفريعية أي: فبناء على عزة الله وعلمه فتوكل عليه ولا تخف فإنه لعزته وعلمه لا يضيعك ولا يهمل شأنك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- شرف القرآن وفضله.
٢- لن ينتهي خلاف اليهود والنصارى إلا بالإسلام فإذا أسلموا اهتدوا للحق وانتهى كل خلاف بينهم.
٣- كل خلاف بين الناس اليوم سيحكم الله تعالى بين أهله يوم القيامة بحكمه العادل ويوفي كلا ما له أو عليه وهو العزيز العليم.
٤- الكفار أموات لخلو أبدانهم من روح الإيمان فلذا هم لا يسمعون الهدى ولا يبصرون الآيات مهما كانت واضحات.
فعلى داعيهم أن يعرف هذا فيهم وليصبر على دعوتهم ودعاويهم.
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤)
شرح الكلمات:
وقع القول عليهم: أي حق عليهم العذاب.
دابة من الأرض: حيوان يدب على الأرض لم يرد وصفها في حديث صحيح يعول عليه ويقال به (١).
تكلم الناس: بلسان يفهمونه لأنها آية من الآيات.
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون: أي بسب أن الناس أصبحوا لا يؤمنو بآيات الله وشرائعه أي كفروا فيبلون بهذه الدابة.
ويوم نحشر: أي اذكر يوم نحشر أي نجمع.
من كل أمة فوجا: أي طائفة وهم الرؤساء المتبوعون في الدنيا.
فهم يوزعون: أي يجمعون برد أولهم على آخرهم.
حتى إذا جاءوا: أي الموقف مكان الحساب.
وقع القول عليهم: أي حق عليهم العذاب.
بما ظلموا: أي بسبب الظلم الذي هو شركهم بالله تعالى.
فهم لا ينطقون: أي لا حجة لهم.
والنهار مبصرا: أي يبصر فيه من أجل التصرف في الأعمال.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي حق العذاب على الكافرين حيث لم يبق في
٢- أي: بشركهم إذ الشرك أعظم أنواع الظلم وهو الموجب لدخول النار والخلود فيها.
٣- الاستفهام هنا للتعجب من حالهم كيف لا يبصرون آيات الله في الكون فتهديهم إلى توحيد الله تعالى.
من هداية الآيات:
١- تأكيد آية الدابة والتي تخرج من صدع من الصفا وقد وجد الصدع الآن فيما يبدو وهي الأنفاق التي فتحت
في جبل الصفا وأصبحت طرقاً عظيمة للحجاج، وعما قريب تخرج، وذلك يوم لا يبقى من يأمر بالمعروف ولا من ينهى عن المنكر فيحق العذاب على الكافرين.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر وصف لها.
٣- ويل لرؤساء الضلالة والشر والشرك والباطل إذ يؤتى بهم ويسألون.
٤- في آية الليل والنهار ما يدل بوضوح على عقيدة البعث الآخر والحساب والجزاء.
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠)
شرح الكلمات:
ويوم ينفخ في الصور: أي يوم ينفخ إسرافيل في البوق نفخة الفزع والفناء والقيام من القبور.
وكل أتوه داخرين: أي وكل من أهل السماء والأرض أتوا الله عز وجل داخرين أي أذلاء صاغرين.
وترى الجبال تحسبها جامدة: أي تظنها في نظر العين جامدة.
وهي تمر مرّ السحاب: وذلك لسرعة تسييرها.
فله خير منها: أي الجنة.
ومن جاء بالسيئة: أي الشرك والمعاصي فله النار يكب وجهه فيها.
وهم من فزع يومئذ آمنون: أي أصحاب حسنات التوحيد والعمل الصالح آمنون من فزع هول يوم القيامة.
ومن جاء بالسئية فكبت: أي جاء بالسيئة كالشرك وأكل الربا، وقتل النفس، فكبت وجوههم في النار والعياذ بالله أي ألقوا فيها على وجوههم.
هل تجزون إلا ما كنتم تعملون: أي ما تجزون إلا بعملكم، ولا تجزون بعمل غيركم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر أحداث القيامة تقريراً لعقيدة البعث والجزاء التي هي الباعث على الاستقامة في الحياة. فقال تعالى ﴿وَيَوْمَ (١) يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ أي ونفخ إسرافيل بإذن ربه في الصور الذي هو القرن أو البوق ﴿فَفَزِعَ (٢) مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ﴾ وهي نفخة الفزع فتفزع لها الخلائق إلا من استثنى الله تعالى وهم الشهداء فلا يفزعون وهي نفخة الفناء أيضاً إذ بها يفنى كل شيء، وقوله تعالى ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ (٣) ﴾ أي أتوا الله تعالى ﴿دَاخِرِينَ﴾ أي صاغرين ذليلين أتوه إلى المحشر وساحة فصل القضاء وقوله ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ أي لا تتحرك وهي في نفس الواقع تسير (٤) سير السحاب ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي أوثق صنعه (٥) وأحكمه ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ وسيجزيكم أيها الناس بحسب علمه ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ وهي الإيمان والعمل الصالح ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ ألا وهي الجنة ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ وهي الشرك والمعاصي ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ فذلك
٢- للفزع معنيان، كلاهما صالح لدلالة هذا اللفظ عليه، الأول: الفزع: بمعنى الإسراع: لنداء الداعي، والثاني الخوف والهلع.
٣- قرأ حفص (وكل أتوه) بالفعل الماضي، وقرأ نافع (آتوه) باسم الفاعل أي: آتون إليه جمع آت.
٤- قيل: إن قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) هو خطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة أطلعه الله فيه على سر من أسرار الكون ولم يبح به لعجز الناس عن إداركه في ذلك الزمن وحقيقته: أن الأرض تدور حول الشمس دورة في كل يوم وليلة، ودروتها هي تسير معها الجبال فيها قطعاً فيرى المرء الجبال يحسبها جامدة وهي تمر مع الأرض مر السحاب والمرور غير السير فالسير يوم الفناء أما المرور يقال: مرّ بفلان يحمله معه ولا يقال سار به. ورشح ها المعنى قوله بعدُ: ﴿صنع الله الذي أتقن كل شيء﴾.
٥- الصنع مصدر صنع الشيء يصنعه صنعا.
وقوله تعالى: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ (١) إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي لا تجزون إلا ما كنتم تعملونه في الدنيا من خير وشر وقد تم الجزاء بمقتضى ذلك فقوم دخلوا الجنة وآخرون كبت وجوههم في النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيد البعث والجزاء بذكر أحداثها مفصلة.
٢- بيان كيفية خراب العوالم وفناء الأكوان.
٣- فضل الشهداء حيث لا يحزنهم الفزع الأكبر وهم آمنون.
٤- تقرير مبدأ الجزاء وهو الحسنة والسيئة، حسنة التوحيد وسيئة الشرك.
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
شرح الكلمات:
هذه البلدة: أي مكة المكرمة والإضافة للتشريف.
الذي حرمها: أي الله الذي حرم مكة فلا يختلى خلاها ولا ينفّر صيدها ولا يقاتل فيها.
من المسلمين: المؤمنين المنقادين له ظاهرا وباطناً وهم أشرف الخلق.
وأن أتلو القرآن: أي أمرني أن أقرأ القرآن إنذاراً وتعليماً وتعبّداً.
وما ربك بغافل عما يعملون: أي وما ربك أيها الرسول بغافل عما يعمل الناس وسيجزيهم بعملهم.
معنى الآيات:
إنه بعد ذلك العرض الهائل لأحداث القيامة والذي المفروض فيه أن يؤمن كل من شاهده ولكن القوم ما آمن أكثرهم ومن هنا ناسب بيان موقف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أنه عبد مأمور بعبادة ربه لا غير، ربه الذي هو رب هذه البلدة الذي (١) حرمها فلا يقاتل فيها ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن يعرفها، وله كل شيء خلقاً وملكاً وتصرفاً فليس لغيره معه شيء في العوالم كلها علويّها وسلفيّها وقوله: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي وأمرني ربي أكون في جملة المسلمين أي المنقادين لله والخاضعين له وهم صالحو عباده من الأنبياء والمرسيلين. وقوله: ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾ أي وأمرني أن أتلو القرآن تلاوةَ إنذارٍ وتعليم وتعبداً وتقرباً إليه تعالى وبعد تلاوتي فمن اهتدى عليها فعرف طريق الهدى وسلكه فنتائج الهداية وعائدها عائد عليه هو الذي ينتفع بها. ومن ضل فلم يقبل الهدى وأقام على ضلالته فليس علي هدايته لأن ربي قال لي قل لمن ضل ﴿إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ لا من واهبي الإيمان والهداية إنما يهب الهداية ويمن بها الله الذي بيده كل شيء ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ وأمرني أن أحمده على كل ما وهبني من نعم لا تعد ولا تحصى ومن أجلِّها إكرامه لي بالرسالة التي شرفني بها على سائر الناس فالحمد لله والمنة له وقوله ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِه (٢) ِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ أي وأعلم هؤلاء المشركين أن الله ربي سيريكم آياته في مستقبل أيامكم وقد أراهم أول آية في بدر وثاني آية في الفتح وآخر آية عند الموت يوم تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وتقول لهم "ذوقوا عذاب الحريق" وقوله تعالى ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٣) ﴾ أي وما ربك الذي أكرمك وفضلك أيها الرسول ﴿بغافل عما تعملون﴾ أيها الناس مؤمنين وكافرين وصالحين وفاسدين وسيجزي كلاً بعمله وذلك يوم ترجعون إليه ففي الآية وعد ووعيد.
٢- أي: في أنفسكم وفي غيركم كما قال تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾ من سورة فصلت.
٣- قرأ نافع وحفص والجمهور بتاء الخطاب، وقرأ غيرهم بياء الغيبة.
١-بيان وظيفة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنها عبادة الله والإسلام له، وتلاوة القرآن إنذار اً وإعذاراً وتعليما وتعبداً به وتقرباً إلى منزله عز وجل.
٢- بيان وتقرير حرمة مكة المكرمة والحرم.
٣-الندب إلى حمد الله تعالى على نعمة الظاهرةوالباطنة ولا سيما عند تجدد النعمة وعند ذكرها.
٤-بيان أن عوائد الكسب عائد على الكاسب خيراً كانت أو شراً.
٥- بيان معجزة القرآن الكريم إذ ما علم به المشركين أنهم سيرونها قد رأوه فعلاً وهو غيب، فظهر كما أخبر.
مكية
وآياتها ثمان وثمانون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥)