وآياتها ثلاث وتسعون
كلماتها : ١١٠٩. حروفها ٤٦٩٩
ﰡ
﴿ طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين١ ﴾
﴿ طس ﴾ يقول جماعة من العلماء : هي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وقال آخرون : بل نلتمس منها ما يتعظ به، فمنهم من رأى أن كل حرف من الحروف المقطعة التي جاءت في أوائل السور مثل( حم )، ( ألم )، تشير إلى اسم من أسماء الله الحسنى، فالطاء من( لطيف ) والسين من ( سميع )، ومنهم من يرى أنها إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب إذ تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم، ليكون عجزهم عن مضاهاته أبلغ في البرهان على أنه كلام اللطيف الخبير السميع البصير، تلك الآيات التي نوحيها إليك حكيمة نزلت من حكيم، وينتظمها والسور التي تضمها فرقان يتلى ويقرأ، وكتاب مدون مسطر، وهو المقروء على الحقيقة، والمبين المظهر لما جمع الله فيه من حكم وأحكام، وخبر ووعد، ويقين ومصير. [ القرآن والكتاب اسمان يصلح لكل منهما أن يجعل معرفة وأن يجعل صفة ]١.
مما كتب أبو جعفر الطبري :.. عن ابن عباس أن قوله﴿ طس ﴾ قسم أقسمه الله.. ﴿ كتاب مبين ﴾ يقول يبين لمن تدبره وفكر فيه بفهم أنه من عند الله أنزله إليك لم تتخرصه أنت ولم تتقوله ولا أحد سواك من خلق الله.. اه
الآيات هادية تدل على الرشد، ويزرع الله بها النور في القلب ويشرح بها الصدر، وتبشر بكريم الثواب للمصدقين بما يجب التصديق به، المتمين للصلاة المؤدين لها على وجهها، ويعطون الزكاة لأربابها المستحقين لها، وهم الذين رسخ يقينهم بلقاء ربنا وجزائه، [ وفيه أن المهتدي بالقرآن حقيقة هو الذي يكون موقنا بأحوال المعاد ]١.
يبين الذكر الحكيم أن المكذب بالبعث يعيش للخوض والمتاع، ولا ينشرح صدرا بالحق ولا بالرشاد، ولا يتعظ بما في كلمات الله التامات( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا. وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا )١هؤلاء زينت لهم أعمالهم، وزين لهم الشيطان قبائحهم، فهم ينحدرون في الغي والشطط، وربما يكون المعنى : زينا لهم طريق الاستقامة وبينا لهم حسنه وثوابه فأبوا إلا العمى والعكوف على العوج والكفر، هؤلاء الذين أبعدوا في الزيغ والضلال يعملون في عاجلهم ما يسوؤهم، ويوم الجزاء لا أحد أشد منهم خسرانا لأنفسهم وأهليهم، ذلك وعد الله الذي لا يخلف :( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى )٢( وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى )٣.
٢ سورة طه. الآية ١٢٤..
٣ سورة طه. الآية ١٢٧..
توكيد لصدق الفرقان وعزة شأنه وأنه وحي يعلمك إياه موحيه- تبارك اسمه- ويلقنك آياته ويلقيها عليك من لا تفوته الحكمة في أمر من الأمور، فقوله فصل وحكمه عدل، والله يقول الحق.
[ وفي تفخيمهما تفخيم لشأن القرآن، وتنصيص على علو طبقته عليه الصلاة والسلام في معرفته والإحاطة بما فيه من الجلائل والدقائق، والحكمة- كما قال الراغب- : من الله عز وجل معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان : معرفة الموجودات، وفعل الخيرات... ]١
شروع في التذكير بجانب من قصة موسى عليه السلام، وفيها تسلية لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم- كما صبر إخوانه من أولي العزم- على تكذيب قومه، وليعلم أن الذين يكذبون الوحي والرسل يعلمون أنه الحق من ربهم، ولكن ينكرون الحق بغيا واستكبارا، كما أن في القصة تخويفا ونذيرا للمفسدين من مشركي مكة أن يحل بهم ما أنزله الله بالمفسدين من قبلهم- فرعون وملئه- إذ جاءهم موسى بالعلامات والمعجزات، والدلائل الواضحات، فقالوا هذا سحر مبين فأغرقهم الله أجمعين، وبدأت أنباء موسى كليم الله- عليه الصلوات والتسليم- في هذه السورة بالحديث عن كلام الله تعالى لرسوله موسى ليلة أن كان يسير بأهله خارجا من مدين فلما شارف وادي طوى في ليلة باردة مظلمة، فكأنه خاف الحيدة عن الطريق، فتراءت له نار بجانب جبل الطور، فقال عليه السلام لزوجته : إني أبصرت نارا وإني ذاهب لأستعلم من المستوقدين حال الطريق، أو أجيء لك منها﴿ بشهاب ﴾ يستضاء به- والشهاب كل ذي نور، نحو الكوكب، والعود الموقد-﴿ قبس ﴾ ما يقتبس من النار من نحو جمر وما أشبه لكي تستدفئوا بها، والصلاة الدنو من النار لتسخين البدن وتدفئته، والسين تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لا محالة.
[ وإذا أريد بالشهاب أنه هو القبس أو أنه نعت له فالصواب في الشهاب التنوين، لأن الصحيح في كلام العرب ترك إضافة الاسم إلى نعته وإلى نفسه.. ]١.
فلما اقترب موسى من النار نودي : البركات الكثيرة والخير العظيم لمن في النار ومن حول النار، وتنزه المعبود بحق ولي الخلائق ومصلحها.
[ ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا في الموضعين أي من في مكان النار ومن حول مكانها... واستغنى بعضهم عن تقدير المضاف بجعل الظرفية مجازا عن القرب التام.. ]١ نقل ابن كثير عن ابن عباس وغيره : لم تكن نارا وإنما كانت نورا، تتوهج اه.
يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن :.. وقول ثالث قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير : قدس من في النار وهو الله سبحانه وتعالى، عنى به نفسه تقدس وتعالى. قال ابن عباس ومحمد بن كعب : النار نور الله عز وجل، نادى الله موسى وهو في النور، وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا، وهذا لأن الله تعالى ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار لا أنه يتحيز في جهة :( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.. )٢ لا أنه يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به وجود الفاعل.. قلت : ومما يدل على صحة قول ابن عباس ما أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه واللفظ له عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة﴿ أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ﴾... قال أبو عبيد : يقال السبحات إنها جلال وجهه.. وقوله :" لو كشفها " يعني لو رفع الحجاب عن أعينهم ولم يثبتهم لرؤيته لاحترقوا.. اه٣
٢ سورة الزخرف. من الآية ٨٤..
٣ الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي. جـ ١٣ ص ١٥٨، ١٥٩. طبعة دار الكتب المصرية..
وكلم المولى- سبحانه- عبده موسى، وناداه : يا موسى إن الحال والشأن- كما قال القرطبي : والصحيح أنها كناية عن الأمر والشأن- أنا المعبود بحق، القاهر فوق الخلق، الفعال لكل ما أريده بإحسان وإتقان، وكان أول أمر الله تعالى إليه أن يرمي العصا التي كانت بيده ويطرحها، فما إن سقطت من يمينه حتى قلبها ربنا القدير حية تتحرك، فلما أبصرها موسى تتحرك بشدة اضطراب تراجع وفر موليها ظهره، ولم يرجع على عقبه بعد نفوره وفراره منها، فنودي : يا موسى ! لا تخف مطلقا- على تنزيل الفعل منزلة اللازم- أو : لا تخف من غيري- حية أو غيرها- فإن الشأن أنه لا ينبغي للرسل أن يخافوا حين يتنزل عليهم وحي القوي القدير، [ وهذا إما لمجرد الإيناس دون إرادة حقيقة النهي، وإما للنهي عن منشأ الخوف وهو الظن أن ذلك لأمر أريد وقوعه به ]١لكن من أذنب من غير الأنبياء ثم أناب إلي فإني عظيم الغفران والستر والصفح عمن أقلع عن ذنبه ورجع إلى ما فيه مرضاة ربه، وإني واسع الرحمة، فلا أعذب المستغفرين ولا أدع التوابين بل أرضى عن الذين حسنت توبتهم(.. فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات.. )٢(.. إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )٣.
٢ سورة الفرقان. من الآية ٧٠..
٣ سورة البقرة. من الآية ٢٢٢..
وكأن الواو عطفت على محذوف تقديره : فعاد موسى، وعادت العصا سيرتها الأولى، وأمر أن يأخذها، وأمر أن يدخل يده في جيب قميصه- فتحة الثوب مما حول العنق، ومدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر- فخرجت بيضاء دون علة برص أو نحوه، لتكون معجزة من تسع معجزات أوتيها : الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص الأموال، ونقص الثمرات، فهذه مع العصا واليد مكملات للتسع لتكون برهان صدق موسى في أنه رسول الله إلى فرعون وقومه، إنهم جمع خارج عن سنن الحق والهدى، فلما ظهرت لهم حجج الله على يد موسى بينة واضحة يبصرها كل ذي عينين قالوا : إن الذي نراه سحر واضح، وتخييل ليست له من حقيقة، وأظهروا تكذيبهم بها مع علمهم اليقيني أنها حق من عند الله، فكان المراء والجحود ظلما للبرهان، واستكبارا عن الإيمان، فحل بهم عاجل الخسران، وكذلك ننزله بأهل البهتان والفساد والطغيان، في كل زمان ومكان، ويوم القيامة يردون إلى أقبح العذاب وأشد الهوان. [ انظر ذلك بعين قلبك وتدبر فيه، الخطاب له والمراد غيره ]١.
وكأن الواو عطفت على محذوف تقديره : فعاد موسى، وعادت العصا سيرتها الأولى، وأمر أن يأخذها، وأمر أن يدخل يده في جيب قميصه- فتحة الثوب مما حول العنق، ومدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر- فخرجت بيضاء دون علة برص أو نحوه، لتكون معجزة من تسع معجزات أوتيها : الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص الأموال، ونقص الثمرات، فهذه مع العصا واليد مكملات للتسع لتكون برهان صدق موسى في أنه رسول الله إلى فرعون وقومه، إنهم جمع خارج عن سنن الحق والهدى، فلما ظهرت لهم حجج الله على يد موسى بينة واضحة يبصرها كل ذي عينين قالوا : إن الذي نراه سحر واضح، وتخييل ليست له من حقيقة، وأظهروا تكذيبهم بها مع علمهم اليقيني أنها حق من عند الله، فكان المراء والجحود ظلما للبرهان، واستكبارا عن الإيمان، فحل بهم عاجل الخسران، وكذلك ننزله بأهل البهتان والفساد والطغيان، في كل زمان ومكان، ويوم القيامة يردون إلى أقبح العذاب وأشد الهوان. [ انظر ذلك بعين قلبك وتدبر فيه، الخطاب له والمراد غيره ]١.
وكأن الواو عطفت على محذوف تقديره : فعاد موسى، وعادت العصا سيرتها الأولى، وأمر أن يأخذها، وأمر أن يدخل يده في جيب قميصه- فتحة الثوب مما حول العنق، ومدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر- فخرجت بيضاء دون علة برص أو نحوه، لتكون معجزة من تسع معجزات أوتيها : الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص الأموال، ونقص الثمرات، فهذه مع العصا واليد مكملات للتسع لتكون برهان صدق موسى في أنه رسول الله إلى فرعون وقومه، إنهم جمع خارج عن سنن الحق والهدى، فلما ظهرت لهم حجج الله على يد موسى بينة واضحة يبصرها كل ذي عينين قالوا : إن الذي نراه سحر واضح، وتخييل ليست له من حقيقة، وأظهروا تكذيبهم بها مع علمهم اليقيني أنها حق من عند الله، فكان المراء والجحود ظلما للبرهان، واستكبارا عن الإيمان، فحل بهم عاجل الخسران، وكذلك ننزله بأهل البهتان والفساد والطغيان، في كل زمان ومكان، ويوم القيامة يردون إلى أقبح العذاب وأشد الهوان. [ انظر ذلك بعين قلبك وتدبر فيه، الخطاب له والمراد غيره ]١.
أعطى المولى الكريم الوهاب داود وسليمان- عبديه ورسوليه- علما كثيرا عظيما، علم السماء فيما تنزل عليهما من وحي الله العليم وكلماته- وما أقدس هذا العلم وأصدقه- وعلم قيادة النفوس وتدبير شئون الحكم والسلطان والملك كالذي امتن الله تعالى عليهما به في قوله- تبارك اسمه- :).. وكلا آتينا حكما وعلما.. ( ١، كما علم- سبحانه- داود الصناعة الثقيلة والحربية :)وعلمناه صنعة لبوس٢لكم لتحصنكم٣من بأسكم٤.. ( ٥ )أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ( ٦، وحمدا الله المنعم وشكراه أن فضلهما بما آتاهما٧على كثير من العباد المؤمنين، وإنها لعبرة ألا يشغل العطاء مهما تعاظم عن الثناء على الوهاب- جل ثناؤه- فهذان الرسولان الملكان العالمان الحكيمان لم يزدهما الإنعام إلا خضوعا للكبير المتعال، شديد المحال، ذي العزة والجلال، وأورث الله تعالى سليمان النبوة بعد أبيه )ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب( ٨ وتحدث بآلاء الله عليه، وما علمه مع علم النبوة والسياسة من فهم لغة الطير والهوام والجن، كما منحه العزيز الوهاب ملكا لا يناله أحد من العالمين، أليس فضلا مبينا أن يملكه القوي القدير عتاة الجن ومردتهم ؟ :).. ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. ( ٩ )والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد( ١٠ ) ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين( ١١ وجمع لسليمان جنوده من كل قبيل : الإنس والجن والطير- فهم يكفون١٢ عن الشرود أو يرد أولهم على آخرهم، حتى إذا مروا على واد فيه نمل نادت نملة- بلغة فهمها الله سبحانه سليمان وصاحت في طائفتها وقبيلها من النمل أن ادخلوا إلى سكنكم حتى لا يكسركم ويطأكم سليمان وجنود سليمان على غير شعور منهم ولا قصد إلى تحطيمكم، فسر سليمان عليه السلام من اشتهار أمر عدله ورأفته بين الخلائق، فهذه النملة تقر أن سليمان وجنده لا يروعون آمنا، ولا يؤذون مخلوقا بغير ما اكتسب، ولا يعمدون إلى بريء بمهلكة، إلا أن يقع ذلك منهم عفوا ودون شعور، وتبسم ضاحكا من قول النملة هذا، وسأل الله أن يعينه على شكر ما أنعم به عليه وعلى أبويه، وأن يلهمه ذلك، ويكفه عن البطر الذي يصرف عن شكر المنعم، ودعا مولاه أن يدخله برحمته مع العباد الصالحين، المكرمين في الدنيا ويوم الدين.
روى مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ". يقول القرطبي : وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. اه١٣.
٢ اللبوس عند العرب: السلاح كله، ولعل المراد به الدروع..
٣ لتحرزكم وتحميكم..
٤ حربكم..
٥ سورة الأنبياء. من الآية ٨٠..
٦ سورة سبأ. من الآية ١١.)سابغات)دروعا وافيات)وقدر في السرد)ضع المسامير في الحلق بقدر يحقق تماسكها..
٧ يقول صاحب روح المعاني: وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله، حيث شكرا على العلم، وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم، وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم.. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم.. أنا عالم اهـ أقول: ويمكن أن يشار إلى مثل هذا عند تفسير الآية الكريمة رقم ١٦، والتي ختمت بقول الحق تقدست أسماؤه:﴿إن هذا لهو الفضل المبين﴾. المؤلف..
٨ سورة ص. الآية ٣٠..
٩ سورة سبأ. من الآية ١٢، ومن الآية١٣..
١٠ سورة ص. الآيتان: ٣٧، ٣٨..
١١ سورة الأنبياء. الآية ٨٢..
١٢ يقول القرطبي:﴿يوزعون﴾ معناه: يرد أولهم على آخرهم.. والوازع في الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم..
١٣ الجامع لأحكام القرآن جـ ١٣. ص ١٧٣. وقد أطال- رحمه الله- وشاركه كثير من المفسرين في ذكر أمور تتعلق بالنملة: ما اسمها؟ ما حجمها؟ ما جنسها؟ هل كانت ذكرا أم أنثى؟ حتى أوردوا أنها كانت عرجاء، وبعضهم قال: كانت في حجم الذئاب، بل نقلوا أن للحيوانات كلها أفهاما وعقولا، وقال الأستاذ أبو المظفر: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم.. لكن من طريف ما أورد أن النملة حاجت سليمان عليه السلام، وحملت إليه نبقة هدية وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للجليل بقدره | لقصر عنه البحر يوما وساحله |
ولكننا نهدي إلى من نحبه | فيرضى به عنا ويشكر فاعله |
وما ذاك إلا من كريم فعاله | وإلا فما في ملكنا ما يشاكله |
أعطى المولى الكريم الوهاب داود وسليمان- عبديه ورسوليه- علما كثيرا عظيما، علم السماء فيما تنزل عليهما من وحي الله العليم وكلماته- وما أقدس هذا العلم وأصدقه- وعلم قيادة النفوس وتدبير شئون الحكم والسلطان والملك كالذي امتن الله تعالى عليهما به في قوله- تبارك اسمه- :).. وكلا آتينا حكما وعلما.. ( ١، كما علم- سبحانه- داود الصناعة الثقيلة والحربية :)وعلمناه صنعة لبوس٢لكم لتحصنكم٣من بأسكم٤.. ( ٥ )أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ( ٦، وحمدا الله المنعم وشكراه أن فضلهما بما آتاهما٧على كثير من العباد المؤمنين، وإنها لعبرة ألا يشغل العطاء مهما تعاظم عن الثناء على الوهاب- جل ثناؤه- فهذان الرسولان الملكان العالمان الحكيمان لم يزدهما الإنعام إلا خضوعا للكبير المتعال، شديد المحال، ذي العزة والجلال، وأورث الله تعالى سليمان النبوة بعد أبيه )ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب( ٨ وتحدث بآلاء الله عليه، وما علمه مع علم النبوة والسياسة من فهم لغة الطير والهوام والجن، كما منحه العزيز الوهاب ملكا لا يناله أحد من العالمين، أليس فضلا مبينا أن يملكه القوي القدير عتاة الجن ومردتهم ؟ :).. ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. ( ٩ )والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد( ١٠ ) ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين( ١١ وجمع لسليمان جنوده من كل قبيل : الإنس والجن والطير- فهم يكفون١٢ عن الشرود أو يرد أولهم على آخرهم، حتى إذا مروا على واد فيه نمل نادت نملة- بلغة فهمها الله سبحانه سليمان وصاحت في طائفتها وقبيلها من النمل أن ادخلوا إلى سكنكم حتى لا يكسركم ويطأكم سليمان وجنود سليمان على غير شعور منهم ولا قصد إلى تحطيمكم، فسر سليمان عليه السلام من اشتهار أمر عدله ورأفته بين الخلائق، فهذه النملة تقر أن سليمان وجنده لا يروعون آمنا، ولا يؤذون مخلوقا بغير ما اكتسب، ولا يعمدون إلى بريء بمهلكة، إلا أن يقع ذلك منهم عفوا ودون شعور، وتبسم ضاحكا من قول النملة هذا، وسأل الله أن يعينه على شكر ما أنعم به عليه وعلى أبويه، وأن يلهمه ذلك، ويكفه عن البطر الذي يصرف عن شكر المنعم، ودعا مولاه أن يدخله برحمته مع العباد الصالحين، المكرمين في الدنيا ويوم الدين.
روى مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ". يقول القرطبي : وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. اه١٣.
٢ اللبوس عند العرب: السلاح كله، ولعل المراد به الدروع..
٣ لتحرزكم وتحميكم..
٤ حربكم..
٥ سورة الأنبياء. من الآية ٨٠..
٦ سورة سبأ. من الآية ١١.)سابغات)دروعا وافيات)وقدر في السرد)ضع المسامير في الحلق بقدر يحقق تماسكها..
٧ يقول صاحب روح المعاني: وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله، حيث شكرا على العلم، وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم، وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم.. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم.. أنا عالم اهـ أقول: ويمكن أن يشار إلى مثل هذا عند تفسير الآية الكريمة رقم ١٦، والتي ختمت بقول الحق تقدست أسماؤه:﴿إن هذا لهو الفضل المبين﴾. المؤلف..
٨ سورة ص. الآية ٣٠..
٩ سورة سبأ. من الآية ١٢، ومن الآية١٣..
١٠ سورة ص. الآيتان: ٣٧، ٣٨..
١١ سورة الأنبياء. الآية ٨٢..
١٢ يقول القرطبي:﴿يوزعون﴾ معناه: يرد أولهم على آخرهم.. والوازع في الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم..
١٣ الجامع لأحكام القرآن جـ ١٣. ص ١٧٣. وقد أطال- رحمه الله- وشاركه كثير من المفسرين في ذكر أمور تتعلق بالنملة: ما اسمها؟ ما حجمها؟ ما جنسها؟ هل كانت ذكرا أم أنثى؟ حتى أوردوا أنها كانت عرجاء، وبعضهم قال: كانت في حجم الذئاب، بل نقلوا أن للحيوانات كلها أفهاما وعقولا، وقال الأستاذ أبو المظفر: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم.. لكن من طريف ما أورد أن النملة حاجت سليمان عليه السلام، وحملت إليه نبقة هدية وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للجليل بقدره | لقصر عنه البحر يوما وساحله |
ولكننا نهدي إلى من نحبه | فيرضى به عنا ويشكر فاعله |
وما ذاك إلا من كريم فعاله | وإلا فما في ملكنا ما يشاكله |
أعطى المولى الكريم الوهاب داود وسليمان- عبديه ورسوليه- علما كثيرا عظيما، علم السماء فيما تنزل عليهما من وحي الله العليم وكلماته- وما أقدس هذا العلم وأصدقه- وعلم قيادة النفوس وتدبير شئون الحكم والسلطان والملك كالذي امتن الله تعالى عليهما به في قوله- تبارك اسمه- :).. وكلا آتينا حكما وعلما.. ( ١، كما علم- سبحانه- داود الصناعة الثقيلة والحربية :)وعلمناه صنعة لبوس٢لكم لتحصنكم٣من بأسكم٤.. ( ٥ )أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ( ٦، وحمدا الله المنعم وشكراه أن فضلهما بما آتاهما٧على كثير من العباد المؤمنين، وإنها لعبرة ألا يشغل العطاء مهما تعاظم عن الثناء على الوهاب- جل ثناؤه- فهذان الرسولان الملكان العالمان الحكيمان لم يزدهما الإنعام إلا خضوعا للكبير المتعال، شديد المحال، ذي العزة والجلال، وأورث الله تعالى سليمان النبوة بعد أبيه )ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب( ٨ وتحدث بآلاء الله عليه، وما علمه مع علم النبوة والسياسة من فهم لغة الطير والهوام والجن، كما منحه العزيز الوهاب ملكا لا يناله أحد من العالمين، أليس فضلا مبينا أن يملكه القوي القدير عتاة الجن ومردتهم ؟ :).. ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. ( ٩ )والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد( ١٠ ) ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين( ١١ وجمع لسليمان جنوده من كل قبيل : الإنس والجن والطير- فهم يكفون١٢ عن الشرود أو يرد أولهم على آخرهم، حتى إذا مروا على واد فيه نمل نادت نملة- بلغة فهمها الله سبحانه سليمان وصاحت في طائفتها وقبيلها من النمل أن ادخلوا إلى سكنكم حتى لا يكسركم ويطأكم سليمان وجنود سليمان على غير شعور منهم ولا قصد إلى تحطيمكم، فسر سليمان عليه السلام من اشتهار أمر عدله ورأفته بين الخلائق، فهذه النملة تقر أن سليمان وجنده لا يروعون آمنا، ولا يؤذون مخلوقا بغير ما اكتسب، ولا يعمدون إلى بريء بمهلكة، إلا أن يقع ذلك منهم عفوا ودون شعور، وتبسم ضاحكا من قول النملة هذا، وسأل الله أن يعينه على شكر ما أنعم به عليه وعلى أبويه، وأن يلهمه ذلك، ويكفه عن البطر الذي يصرف عن شكر المنعم، ودعا مولاه أن يدخله برحمته مع العباد الصالحين، المكرمين في الدنيا ويوم الدين.
روى مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ". يقول القرطبي : وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. اه١٣.
٢ اللبوس عند العرب: السلاح كله، ولعل المراد به الدروع..
٣ لتحرزكم وتحميكم..
٤ حربكم..
٥ سورة الأنبياء. من الآية ٨٠..
٦ سورة سبأ. من الآية ١١.)سابغات)دروعا وافيات)وقدر في السرد)ضع المسامير في الحلق بقدر يحقق تماسكها..
٧ يقول صاحب روح المعاني: وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله، حيث شكرا على العلم، وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم، وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم.. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم.. أنا عالم اهـ أقول: ويمكن أن يشار إلى مثل هذا عند تفسير الآية الكريمة رقم ١٦، والتي ختمت بقول الحق تقدست أسماؤه:﴿إن هذا لهو الفضل المبين﴾. المؤلف..
٨ سورة ص. الآية ٣٠..
٩ سورة سبأ. من الآية ١٢، ومن الآية١٣..
١٠ سورة ص. الآيتان: ٣٧، ٣٨..
١١ سورة الأنبياء. الآية ٨٢..
١٢ يقول القرطبي:﴿يوزعون﴾ معناه: يرد أولهم على آخرهم.. والوازع في الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم..
١٣ الجامع لأحكام القرآن جـ ١٣. ص ١٧٣. وقد أطال- رحمه الله- وشاركه كثير من المفسرين في ذكر أمور تتعلق بالنملة: ما اسمها؟ ما حجمها؟ ما جنسها؟ هل كانت ذكرا أم أنثى؟ حتى أوردوا أنها كانت عرجاء، وبعضهم قال: كانت في حجم الذئاب، بل نقلوا أن للحيوانات كلها أفهاما وعقولا، وقال الأستاذ أبو المظفر: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم.. لكن من طريف ما أورد أن النملة حاجت سليمان عليه السلام، وحملت إليه نبقة هدية وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للجليل بقدره | لقصر عنه البحر يوما وساحله |
ولكننا نهدي إلى من نحبه | فيرضى به عنا ويشكر فاعله |
وما ذاك إلا من كريم فعاله | وإلا فما في ملكنا ما يشاكله |
أعطى المولى الكريم الوهاب داود وسليمان- عبديه ورسوليه- علما كثيرا عظيما، علم السماء فيما تنزل عليهما من وحي الله العليم وكلماته- وما أقدس هذا العلم وأصدقه- وعلم قيادة النفوس وتدبير شئون الحكم والسلطان والملك كالذي امتن الله تعالى عليهما به في قوله- تبارك اسمه- :).. وكلا آتينا حكما وعلما.. ( ١، كما علم- سبحانه- داود الصناعة الثقيلة والحربية :)وعلمناه صنعة لبوس٢لكم لتحصنكم٣من بأسكم٤.. ( ٥ )أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ( ٦، وحمدا الله المنعم وشكراه أن فضلهما بما آتاهما٧على كثير من العباد المؤمنين، وإنها لعبرة ألا يشغل العطاء مهما تعاظم عن الثناء على الوهاب- جل ثناؤه- فهذان الرسولان الملكان العالمان الحكيمان لم يزدهما الإنعام إلا خضوعا للكبير المتعال، شديد المحال، ذي العزة والجلال، وأورث الله تعالى سليمان النبوة بعد أبيه )ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب( ٨ وتحدث بآلاء الله عليه، وما علمه مع علم النبوة والسياسة من فهم لغة الطير والهوام والجن، كما منحه العزيز الوهاب ملكا لا يناله أحد من العالمين، أليس فضلا مبينا أن يملكه القوي القدير عتاة الجن ومردتهم ؟ :).. ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. ( ٩ )والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد( ١٠ ) ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين( ١١ وجمع لسليمان جنوده من كل قبيل : الإنس والجن والطير- فهم يكفون١٢ عن الشرود أو يرد أولهم على آخرهم، حتى إذا مروا على واد فيه نمل نادت نملة- بلغة فهمها الله سبحانه سليمان وصاحت في طائفتها وقبيلها من النمل أن ادخلوا إلى سكنكم حتى لا يكسركم ويطأكم سليمان وجنود سليمان على غير شعور منهم ولا قصد إلى تحطيمكم، فسر سليمان عليه السلام من اشتهار أمر عدله ورأفته بين الخلائق، فهذه النملة تقر أن سليمان وجنده لا يروعون آمنا، ولا يؤذون مخلوقا بغير ما اكتسب، ولا يعمدون إلى بريء بمهلكة، إلا أن يقع ذلك منهم عفوا ودون شعور، وتبسم ضاحكا من قول النملة هذا، وسأل الله أن يعينه على شكر ما أنعم به عليه وعلى أبويه، وأن يلهمه ذلك، ويكفه عن البطر الذي يصرف عن شكر المنعم، ودعا مولاه أن يدخله برحمته مع العباد الصالحين، المكرمين في الدنيا ويوم الدين.
روى مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ". يقول القرطبي : وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. اه١٣.
٢ اللبوس عند العرب: السلاح كله، ولعل المراد به الدروع..
٣ لتحرزكم وتحميكم..
٤ حربكم..
٥ سورة الأنبياء. من الآية ٨٠..
٦ سورة سبأ. من الآية ١١.)سابغات)دروعا وافيات)وقدر في السرد)ضع المسامير في الحلق بقدر يحقق تماسكها..
٧ يقول صاحب روح المعاني: وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله، حيث شكرا على العلم، وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم، وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم.. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم.. أنا عالم اهـ أقول: ويمكن أن يشار إلى مثل هذا عند تفسير الآية الكريمة رقم ١٦، والتي ختمت بقول الحق تقدست أسماؤه:﴿إن هذا لهو الفضل المبين﴾. المؤلف..
٨ سورة ص. الآية ٣٠..
٩ سورة سبأ. من الآية ١٢، ومن الآية١٣..
١٠ سورة ص. الآيتان: ٣٧، ٣٨..
١١ سورة الأنبياء. الآية ٨٢..
١٢ يقول القرطبي:﴿يوزعون﴾ معناه: يرد أولهم على آخرهم.. والوازع في الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم..
١٣ الجامع لأحكام القرآن جـ ١٣. ص ١٧٣. وقد أطال- رحمه الله- وشاركه كثير من المفسرين في ذكر أمور تتعلق بالنملة: ما اسمها؟ ما حجمها؟ ما جنسها؟ هل كانت ذكرا أم أنثى؟ حتى أوردوا أنها كانت عرجاء، وبعضهم قال: كانت في حجم الذئاب، بل نقلوا أن للحيوانات كلها أفهاما وعقولا، وقال الأستاذ أبو المظفر: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم.. لكن من طريف ما أورد أن النملة حاجت سليمان عليه السلام، وحملت إليه نبقة هدية وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للجليل بقدره | لقصر عنه البحر يوما وساحله |
ولكننا نهدي إلى من نحبه | فيرضى به عنا ويشكر فاعله |
وما ذاك إلا من كريم فعاله | وإلا فما في ملكنا ما يشاكله |
أعطى المولى الكريم الوهاب داود وسليمان- عبديه ورسوليه- علما كثيرا عظيما، علم السماء فيما تنزل عليهما من وحي الله العليم وكلماته- وما أقدس هذا العلم وأصدقه- وعلم قيادة النفوس وتدبير شئون الحكم والسلطان والملك كالذي امتن الله تعالى عليهما به في قوله- تبارك اسمه- :).. وكلا آتينا حكما وعلما.. ( ١، كما علم- سبحانه- داود الصناعة الثقيلة والحربية :)وعلمناه صنعة لبوس٢لكم لتحصنكم٣من بأسكم٤.. ( ٥ )أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ( ٦، وحمدا الله المنعم وشكراه أن فضلهما بما آتاهما٧على كثير من العباد المؤمنين، وإنها لعبرة ألا يشغل العطاء مهما تعاظم عن الثناء على الوهاب- جل ثناؤه- فهذان الرسولان الملكان العالمان الحكيمان لم يزدهما الإنعام إلا خضوعا للكبير المتعال، شديد المحال، ذي العزة والجلال، وأورث الله تعالى سليمان النبوة بعد أبيه )ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب( ٨ وتحدث بآلاء الله عليه، وما علمه مع علم النبوة والسياسة من فهم لغة الطير والهوام والجن، كما منحه العزيز الوهاب ملكا لا يناله أحد من العالمين، أليس فضلا مبينا أن يملكه القوي القدير عتاة الجن ومردتهم ؟ :).. ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. ( ٩ )والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد( ١٠ ) ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين( ١١ وجمع لسليمان جنوده من كل قبيل : الإنس والجن والطير- فهم يكفون١٢ عن الشرود أو يرد أولهم على آخرهم، حتى إذا مروا على واد فيه نمل نادت نملة- بلغة فهمها الله سبحانه سليمان وصاحت في طائفتها وقبيلها من النمل أن ادخلوا إلى سكنكم حتى لا يكسركم ويطأكم سليمان وجنود سليمان على غير شعور منهم ولا قصد إلى تحطيمكم، فسر سليمان عليه السلام من اشتهار أمر عدله ورأفته بين الخلائق، فهذه النملة تقر أن سليمان وجنده لا يروعون آمنا، ولا يؤذون مخلوقا بغير ما اكتسب، ولا يعمدون إلى بريء بمهلكة، إلا أن يقع ذلك منهم عفوا ودون شعور، وتبسم ضاحكا من قول النملة هذا، وسأل الله أن يعينه على شكر ما أنعم به عليه وعلى أبويه، وأن يلهمه ذلك، ويكفه عن البطر الذي يصرف عن شكر المنعم، ودعا مولاه أن يدخله برحمته مع العباد الصالحين، المكرمين في الدنيا ويوم الدين.
روى مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ". يقول القرطبي : وعلى هذا فليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك، ولا أحد من خلقه أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بقتل وضرب على المقدار، فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت لك وسلطت عليها، فإذا آذاك أبيح لك قتله. اه١٣.
٢ اللبوس عند العرب: السلاح كله، ولعل المراد به الدروع..
٣ لتحرزكم وتحميكم..
٤ حربكم..
٥ سورة الأنبياء. من الآية ٨٠..
٦ سورة سبأ. من الآية ١١.)سابغات)دروعا وافيات)وقدر في السرد)ضع المسامير في الحلق بقدر يحقق تماسكها..
٧ يقول صاحب روح المعاني: وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله، حيث شكرا على العلم، وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم، وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم.. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم.. أنا عالم اهـ أقول: ويمكن أن يشار إلى مثل هذا عند تفسير الآية الكريمة رقم ١٦، والتي ختمت بقول الحق تقدست أسماؤه:﴿إن هذا لهو الفضل المبين﴾. المؤلف..
٨ سورة ص. الآية ٣٠..
٩ سورة سبأ. من الآية ١٢، ومن الآية١٣..
١٠ سورة ص. الآيتان: ٣٧، ٣٨..
١١ سورة الأنبياء. الآية ٨٢..
١٢ يقول القرطبي:﴿يوزعون﴾ معناه: يرد أولهم على آخرهم.. والوازع في الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم..
١٣ الجامع لأحكام القرآن جـ ١٣. ص ١٧٣. وقد أطال- رحمه الله- وشاركه كثير من المفسرين في ذكر أمور تتعلق بالنملة: ما اسمها؟ ما حجمها؟ ما جنسها؟ هل كانت ذكرا أم أنثى؟ حتى أوردوا أنها كانت عرجاء، وبعضهم قال: كانت في حجم الذئاب، بل نقلوا أن للحيوانات كلها أفهاما وعقولا، وقال الأستاذ أبو المظفر: ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم.. لكن من طريف ما أورد أن النملة حاجت سليمان عليه السلام، وحملت إليه نبقة هدية وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله | وإن عنه ذا غنى فهو قابله |
ولو كان يهدى للجليل بقدره | لقصر عنه البحر يوما وساحله |
ولكننا نهدي إلى من نحبه | فيرضى به عنا ويشكر فاعله |
وما ذاك إلا من كريم فعاله | وإلا فما في ملكنا ما يشاكله |
وسط هذا الحشد من أصناف الجند، توجه سليمان لتعرف أحوال الطير، أو لمح نقصان بعضها، فراح يتطلب حقيقة ما غاب عنه، فقال : هل حال بيني وبين رؤية الهدهد حائل- اتهم نفسه هضما لها وتواضعا، ومبالغة في النصفة- أم هو قد تغيب ؟ فإذا كان كذلك فلا منجا له من العقوبة الشديدة أو الذبح إلا بأن يجيئني بحجة بينة على عذره في غيبته، [ ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان، وأدخل هذا في سلكهما للتقابل... ومآل كلامه عليه السلام ! ليكونن أحد الأمور، على معنى : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما، ف﴿ أو ﴾ في الموضعين للترديد ]١.
مما نقل ابن كثير : قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض.. فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره﴿ فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾، حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج.. فقال له : قف يا ابن عباس ! غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي... قال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر.. اه. [ الثانية :- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ؟ ؟ فكيف بعظام الملك ؟ !.. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان ؟ ! ]٢، فلم يتأخر الهدهد إلا زمنا قريبا غير بعيد ثم مثل بين يدي سليمان عليه السلام فقال له : علمت ما لم تعلم من الأمر، وأتيتك من بلاد سبأ باليمن بخبر عظيم، صادق ويقين، إني وجدتهم ملكوا امرأة منهم، أعطيت كل ما تحتاجه المملكة، وأجلسوها على عرش واسع، وسرير عظيم، ووجدتها وقومها يعبدون الكواكب ويسجدون للشمس بدلا من سجودهم لله الحق، مبدع الخلق، وحسن لهم الشيطان ما هم فيه من الوثنية والخبال، فردهم عن طريق توحيد المولى ذي الجلال، فهم لا تنشرح صدورهم لتقديس الكبير المتعال !
[ وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك : إذا تحقق ذلك وتيقنه... العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال :" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه، ونقل عن محمد بن جرير الطبرى أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك كسبيل التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. ]٣
يقول الألوسي : وفي قوله تعالى :﴿ أحطت ﴾ الخ٤ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة : إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها، وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه، فبطلان كلامهم في غاية الظهور، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري، فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول لا أدري، فقال الإمام علي كرم الله تعالى وجهه : بلى والله ! هذا مكان من يقول لا أدري، وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له ! يعني به الله عز وجل.. اه.
٢ مما أورد القرطبي..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ هكذا أوردها، ولو أكملها أو حتى أورد[الآية] كما يفعل البعض لكان ذلك أقرب إلى تقديس ما حقه التقديس، هكذا يبدو لي، والله أعلم بالصواب..
وسط هذا الحشد من أصناف الجند، توجه سليمان لتعرف أحوال الطير، أو لمح نقصان بعضها، فراح يتطلب حقيقة ما غاب عنه، فقال : هل حال بيني وبين رؤية الهدهد حائل- اتهم نفسه هضما لها وتواضعا، ومبالغة في النصفة- أم هو قد تغيب ؟ فإذا كان كذلك فلا منجا له من العقوبة الشديدة أو الذبح إلا بأن يجيئني بحجة بينة على عذره في غيبته، [ ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان، وأدخل هذا في سلكهما للتقابل... ومآل كلامه عليه السلام ! ليكونن أحد الأمور، على معنى : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما، ف﴿ أو ﴾ في الموضعين للترديد ]١.
مما نقل ابن كثير : قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض.. فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره﴿ فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾، حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج.. فقال له : قف يا ابن عباس ! غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي... قال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر.. اه. [ الثانية :- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ؟ ؟ فكيف بعظام الملك ؟ !.. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان ؟ ! ]٢، فلم يتأخر الهدهد إلا زمنا قريبا غير بعيد ثم مثل بين يدي سليمان عليه السلام فقال له : علمت ما لم تعلم من الأمر، وأتيتك من بلاد سبأ باليمن بخبر عظيم، صادق ويقين، إني وجدتهم ملكوا امرأة منهم، أعطيت كل ما تحتاجه المملكة، وأجلسوها على عرش واسع، وسرير عظيم، ووجدتها وقومها يعبدون الكواكب ويسجدون للشمس بدلا من سجودهم لله الحق، مبدع الخلق، وحسن لهم الشيطان ما هم فيه من الوثنية والخبال، فردهم عن طريق توحيد المولى ذي الجلال، فهم لا تنشرح صدورهم لتقديس الكبير المتعال !
[ وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك : إذا تحقق ذلك وتيقنه... العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال :" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه، ونقل عن محمد بن جرير الطبرى أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك كسبيل التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. ]٣
يقول الألوسي : وفي قوله تعالى :﴿ أحطت ﴾ الخ٤ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة : إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها، وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه، فبطلان كلامهم في غاية الظهور، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري، فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول لا أدري، فقال الإمام علي كرم الله تعالى وجهه : بلى والله ! هذا مكان من يقول لا أدري، وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له ! يعني به الله عز وجل.. اه.
٢ مما أورد القرطبي..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ هكذا أوردها، ولو أكملها أو حتى أورد[الآية] كما يفعل البعض لكان ذلك أقرب إلى تقديس ما حقه التقديس، هكذا يبدو لي، والله أعلم بالصواب..
وسط هذا الحشد من أصناف الجند، توجه سليمان لتعرف أحوال الطير، أو لمح نقصان بعضها، فراح يتطلب حقيقة ما غاب عنه، فقال : هل حال بيني وبين رؤية الهدهد حائل- اتهم نفسه هضما لها وتواضعا، ومبالغة في النصفة- أم هو قد تغيب ؟ فإذا كان كذلك فلا منجا له من العقوبة الشديدة أو الذبح إلا بأن يجيئني بحجة بينة على عذره في غيبته، [ ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان، وأدخل هذا في سلكهما للتقابل... ومآل كلامه عليه السلام ! ليكونن أحد الأمور، على معنى : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما، ف﴿ أو ﴾ في الموضعين للترديد ]١.
مما نقل ابن كثير : قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض.. فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره﴿ فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾، حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج.. فقال له : قف يا ابن عباس ! غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي... قال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر.. اه. [ الثانية :- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ؟ ؟ فكيف بعظام الملك ؟ !.. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان ؟ ! ]٢، فلم يتأخر الهدهد إلا زمنا قريبا غير بعيد ثم مثل بين يدي سليمان عليه السلام فقال له : علمت ما لم تعلم من الأمر، وأتيتك من بلاد سبأ باليمن بخبر عظيم، صادق ويقين، إني وجدتهم ملكوا امرأة منهم، أعطيت كل ما تحتاجه المملكة، وأجلسوها على عرش واسع، وسرير عظيم، ووجدتها وقومها يعبدون الكواكب ويسجدون للشمس بدلا من سجودهم لله الحق، مبدع الخلق، وحسن لهم الشيطان ما هم فيه من الوثنية والخبال، فردهم عن طريق توحيد المولى ذي الجلال، فهم لا تنشرح صدورهم لتقديس الكبير المتعال !
[ وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك : إذا تحقق ذلك وتيقنه... العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال :" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه، ونقل عن محمد بن جرير الطبرى أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك كسبيل التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. ]٣
يقول الألوسي : وفي قوله تعالى :﴿ أحطت ﴾ الخ٤ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة : إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها، وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه، فبطلان كلامهم في غاية الظهور، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري، فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول لا أدري، فقال الإمام علي كرم الله تعالى وجهه : بلى والله ! هذا مكان من يقول لا أدري، وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له ! يعني به الله عز وجل.. اه.
٢ مما أورد القرطبي..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ هكذا أوردها، ولو أكملها أو حتى أورد[الآية] كما يفعل البعض لكان ذلك أقرب إلى تقديس ما حقه التقديس، هكذا يبدو لي، والله أعلم بالصواب..
وسط هذا الحشد من أصناف الجند، توجه سليمان لتعرف أحوال الطير، أو لمح نقصان بعضها، فراح يتطلب حقيقة ما غاب عنه، فقال : هل حال بيني وبين رؤية الهدهد حائل- اتهم نفسه هضما لها وتواضعا، ومبالغة في النصفة- أم هو قد تغيب ؟ فإذا كان كذلك فلا منجا له من العقوبة الشديدة أو الذبح إلا بأن يجيئني بحجة بينة على عذره في غيبته، [ ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان، وأدخل هذا في سلكهما للتقابل... ومآل كلامه عليه السلام ! ليكونن أحد الأمور، على معنى : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما، ف﴿ أو ﴾ في الموضعين للترديد ]١.
مما نقل ابن كثير : قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض.. فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره﴿ فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾، حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج.. فقال له : قف يا ابن عباس ! غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي... قال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر.. اه. [ الثانية :- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ؟ ؟ فكيف بعظام الملك ؟ !.. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان ؟ ! ]٢، فلم يتأخر الهدهد إلا زمنا قريبا غير بعيد ثم مثل بين يدي سليمان عليه السلام فقال له : علمت ما لم تعلم من الأمر، وأتيتك من بلاد سبأ باليمن بخبر عظيم، صادق ويقين، إني وجدتهم ملكوا امرأة منهم، أعطيت كل ما تحتاجه المملكة، وأجلسوها على عرش واسع، وسرير عظيم، ووجدتها وقومها يعبدون الكواكب ويسجدون للشمس بدلا من سجودهم لله الحق، مبدع الخلق، وحسن لهم الشيطان ما هم فيه من الوثنية والخبال، فردهم عن طريق توحيد المولى ذي الجلال، فهم لا تنشرح صدورهم لتقديس الكبير المتعال !
[ وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك : إذا تحقق ذلك وتيقنه... العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال :" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه، ونقل عن محمد بن جرير الطبرى أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك كسبيل التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. ]٣
يقول الألوسي : وفي قوله تعالى :﴿ أحطت ﴾ الخ٤ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة : إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها، وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه، فبطلان كلامهم في غاية الظهور، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري، فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول لا أدري، فقال الإمام علي كرم الله تعالى وجهه : بلى والله ! هذا مكان من يقول لا أدري، وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له ! يعني به الله عز وجل.. اه.
٢ مما أورد القرطبي..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ هكذا أوردها، ولو أكملها أو حتى أورد[الآية] كما يفعل البعض لكان ذلك أقرب إلى تقديس ما حقه التقديس، هكذا يبدو لي، والله أعلم بالصواب..
وسط هذا الحشد من أصناف الجند، توجه سليمان لتعرف أحوال الطير، أو لمح نقصان بعضها، فراح يتطلب حقيقة ما غاب عنه، فقال : هل حال بيني وبين رؤية الهدهد حائل- اتهم نفسه هضما لها وتواضعا، ومبالغة في النصفة- أم هو قد تغيب ؟ فإذا كان كذلك فلا منجا له من العقوبة الشديدة أو الذبح إلا بأن يجيئني بحجة بينة على عذره في غيبته، [ ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان، وأدخل هذا في سلكهما للتقابل... ومآل كلامه عليه السلام ! ليكونن أحد الأمور، على معنى : إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما، ف﴿ أو ﴾ في الموضعين للترديد ]١.
مما نقل ابن كثير : قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض.. فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره﴿ فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾، حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج.. فقال له : قف يا ابن عباس ! غلبت اليوم ! قال : ولم ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي... قال له : ويحك ! إنه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر.. اه. [ الثانية :- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ؟ ؟ فكيف بعظام الملك ؟ !.. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان ؟ ! ]٢، فلم يتأخر الهدهد إلا زمنا قريبا غير بعيد ثم مثل بين يدي سليمان عليه السلام فقال له : علمت ما لم تعلم من الأمر، وأتيتك من بلاد سبأ باليمن بخبر عظيم، صادق ويقين، إني وجدتهم ملكوا امرأة منهم، أعطيت كل ما تحتاجه المملكة، وأجلسوها على عرش واسع، وسرير عظيم، ووجدتها وقومها يعبدون الكواكب ويسجدون للشمس بدلا من سجودهم لله الحق، مبدع الخلق، وحسن لهم الشيطان ما هم فيه من الوثنية والخبال، فردهم عن طريق توحيد المولى ذي الجلال، فهم لا تنشرح صدورهم لتقديس الكبير المتعال !
[ وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك : إذا تحقق ذلك وتيقنه... العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال :" لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه، ونقل عن محمد بن جرير الطبرى أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك كسبيل التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. ]٣
يقول الألوسي : وفي قوله تعالى :﴿ أحطت ﴾ الخ٤ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة : إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها، وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه، فبطلان كلامهم في غاية الظهور، وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري، فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول لا أدري، فقال الإمام علي كرم الله تعالى وجهه : بلى والله ! هذا مكان من يقول لا أدري، وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له ! يعني به الله عز وجل.. اه.
٢ مما أورد القرطبي..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ هكذا أوردها، ولو أكملها أو حتى أورد[الآية] كما يفعل البعض لكان ذلك أقرب إلى تقديس ما حقه التقديس، هكذا يبدو لي، والله أعلم بالصواب..
كأن هذه الآية الكريمة الخامسة والعشرين تتمة- ما حكاه القرآن عن الهدهد، وربما يكون المعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن طريق الحق والهدى والتوحيد، لئلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء من السماء من قطرها وأرزاقها وخزائن علمها، ويخرج خبء الأرض من نحو نبتها وكنوزها وأقواتها، ويعلم- وهو الخبير- ما يخفي الخلائق، وما يظهرون، وما يستسرون به وما يجهرون، هو المعبود بحق لا يستحق سواه أن يعبد فهو مالك العرش العظيم، الذي أحاط سلطانه بكل العوالم، وهو- جل علاه- الموجد لها، المدبر لأمرها، قبل سليمان عليه السلام عذر الهدهد، لكنه أراد أن يمتحن ويطلب الانتهاء إلى ما أخبر، والاطمئنان إلى جلية الأمر، [ دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، ... وفي الصحيح :" ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل "، فقال للهدهد ليحصل علم ما غاب عنه من ذلك : سنتأمل ونتفكر ونستوثق بالتجربة ثبوت صدق ما قلت، أو عدم صدقه، احمل كتابي هذا، وطر به إلى بلقيس وقومها، فألق الكتاب إلى ملكتهم، وتنح عنها قليلا لكن لتكن على مقربة منهم لتعرف رجع القول فيهم، وكيف يرد بعضهم على بعض في هذا الشأن، وجمع الضمير لأن المقصود تبليغ ما فيه للقوم- وقال الزمخشري : فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم إحداهما ؟ قلت : هي واجبة فيهما جميعا، لأن مواضع السجدة : إما أمر بها، أو مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود، والأخرى ذم للتارك
كأن هذه الآية الكريمة الخامسة والعشرين تتمة- ما حكاه القرآن عن الهدهد، وربما يكون المعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن طريق الحق والهدى والتوحيد، لئلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء من السماء من قطرها وأرزاقها وخزائن علمها، ويخرج خبء الأرض من نحو نبتها وكنوزها وأقواتها، ويعلم- وهو الخبير- ما يخفي الخلائق، وما يظهرون، وما يستسرون به وما يجهرون، هو المعبود بحق لا يستحق سواه أن يعبد فهو مالك العرش العظيم، الذي أحاط سلطانه بكل العوالم، وهو- جل علاه- الموجد لها، المدبر لأمرها، قبل سليمان عليه السلام عذر الهدهد، لكنه أراد أن يمتحن ويطلب الانتهاء إلى ما أخبر، والاطمئنان إلى جلية الأمر، [ دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم،... وفي الصحيح :" ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل "، فقال للهدهد ليحصل علم ما غاب عنه من ذلك : سنتأمل ونتفكر ونستوثق بالتجربة ثبوت صدق ما قلت، أو عدم صدقه، احمل كتابي هذا، وطر به إلى بلقيس وقومها، فألق الكتاب إلى ملكتهم، وتنح عنها قليلا لكن لتكن على مقربة منهم لتعرف رجع القول فيهم، وكيف يرد بعضهم على بعض في هذا الشأن، وجمع الضمير لأن المقصود تبليغ ما فيه للقوم- وقال الزمخشري : فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم إحداهما ؟ قلت : هي واجبة فيهما جميعا، لأن مواضع السجدة : إما أمر بها، أو مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود، والأخرى ذم للتارك
كأن هذه الآية الكريمة الخامسة والعشرين تتمة- ما حكاه القرآن عن الهدهد، وربما يكون المعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن طريق الحق والهدى والتوحيد، لئلا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء من السماء من قطرها وأرزاقها وخزائن علمها، ويخرج خبء الأرض من نحو نبتها وكنوزها وأقواتها، ويعلم- وهو الخبير- ما يخفي الخلائق، وما يظهرون، وما يستسرون به وما يجهرون، هو المعبود بحق لا يستحق سواه أن يعبد فهو مالك العرش العظيم، الذي أحاط سلطانه بكل العوالم، وهو- جل علاه- الموجد لها، المدبر لأمرها، قبل سليمان عليه السلام عذر الهدهد، لكنه أراد أن يمتحن ويطلب الانتهاء إلى ما أخبر، والاطمئنان إلى جلية الأمر، [ دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم،... وفي الصحيح :" ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل "، فقال للهدهد ليحصل علم ما غاب عنه من ذلك : سنتأمل ونتفكر ونستوثق بالتجربة ثبوت صدق ما قلت، أو عدم صدقه، احمل كتابي هذا، وطر به إلى بلقيس وقومها، فألق الكتاب إلى ملكتهم، وتنح عنها قليلا لكن لتكن على مقربة منهم لتعرف رجع القول فيهم، وكيف يرد بعضهم على بعض في هذا الشأن، وجمع الضمير لأن المقصود تبليغ ما فيه للقوم- وقال الزمخشري : فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم إحداهما ؟ قلت : هي واجبة فيهما جميعا، لأن مواضع السجدة : إما أمر بها، أو مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود، والأخرى ذم للتارك
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
فاستجاب الهدهد لأمر مولاه سليمان، وحمل الكتاب إلى بلقيس وقومها، فلما وصلها ألقاه إليها ففتحته وقرأت ما فيه فأكبرته، إما لإحساسها أنه من ملك، أو لكرمه وحسن ما فيه، أو لأنه كان مختوما، إنه من سليمان، وإن ما فيه : بسم الله الرحمان الرحيم، أي لا تتكبروا علي كما فعل المكابرون المغترون، وتعالوا إلي منقادين لما جاء من ربنا من وحي، [ وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهى عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجزة برسالة الهدهد ]١، وأتبعت حديثها عن الكتاب بطلب الرأي والمشورة من أشراف قومها ورؤسائهم، والإفتاء بالإشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير، وقد تكون جوابا في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل، ولعلها أرادت باستشارتهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوا ويقوموا معها، وأكدت أنها لن تقطع أمرا يتصل بالملك إلا بحضورهم، ووفق آرائهم، فأجابوها : نحن رجال حرب ونزال، ولسنا بأصحاب فكر وجدال، ومنك نتلقى الأوامر فقرري ما ترين، ووجهي إلينا ما شئت من أمر، قال الحسن البصري- رحمه الله- فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها، فلما قالوا ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا، فقالت لهم : إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلي وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا. اه، ثم عدلت إلى المصالحة والمصانعة فقالت : وإني سأرسل إلى سليمان بهدية حتى أتبين أملك هو ؟ أم رسول ؟ قال قتادة رحمه الله : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس.. قالت لقومها : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه٢.
٢ نقل هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
وأقبل وفد بلقيس على نبي الله تعالى سليمان عليه السلام يحمل نفائس الهدايا وطرائفها، فلما وصلوا إليه أنكر عليهم تكلف الإهداء، والمصانعة بالمال بدلا من الاهتداء- إذ كان كتابه عليه السلام إليها وإلى قومها :﴿ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴾ فكأنها عمدت إلى بذل المال طمعا في أن يتركها نبي الله على العلو والملك والشرك والضلال، ولهذا قالت لقومها ما حكاه القرآن من قيلها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية.. ﴾ نكرت الهدية لبيان أنها عظيمة، وهيهات ! فإن الداعي إلى الله لا يشغله عرض الحياة، وهل مثل سليمان في حاجة إلى من يزيده مالا على ما أوتي ؟ كلا ! فإن الغني الوهاب قد أعطاه من خيري الدين والدنيا، فليرجع المعجبون بزخارف باطلة بزخرفهم وباطلهم، وليفرحوا بتفاخرهم وتكاثرهم، ثم رد رسولها ومن معه وما كان يحمل معه لينذرهم عاقبة الركون إلى السلطان، والنكوص عن الإيمان، فنغزوهم بجنود لا يستطيعون دفعها، ولا الوقوف لها، ولنطردنهم من أرض أبطرتهم، ولنسلبنهم أنفة غرتهم، حتى لا يدركوا إلا الذل والانكسار، فلما ارتد رسلها إليها بهديتها، وإنذار سليمان بخزيها وهزيمتها، لم تجد إلا السمع والطاعة، واستنفرت قومها وجندها لتسير إلى سليمان مسلمة مستسلمة، فلما علم سليمان بمسيرها قال لكبراء جنده : أيكم يحضر لي عرش بلقيس قبل أن تجيء وقومها طائعين منقادين، أو داخلين في الإسلام ؟ قال مارد من الجن أنا أحضره إليك قبل أن تنتهي جلستك هذه، وقبل أن ينفض جمعك الذي يقاعدك الساعة، ولن يعجزني استحضاره، ولن ينقص منه شيء، فكأنه عليه السلام أراد أعجل من ذلك- ربما لأنه يريد أن تكون حجة وآية من الله وبرهانا على صدق نبوته، فتزداد بلقيس وقومها حين وصولها ثقة في رسالته عليه السلام بما تشاهد من آيات الإعجاز والإكرام لهذا النبي الملك عليه الصلاة والسلام- فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أستحضره قبل أن تغمض عينك، وحضر عرش بلقيس بتيسير ربنا الذي إذا شاء جعل الصعب سهلا.
وأقبل وفد بلقيس على نبي الله تعالى سليمان عليه السلام يحمل نفائس الهدايا وطرائفها، فلما وصلوا إليه أنكر عليهم تكلف الإهداء، والمصانعة بالمال بدلا من الاهتداء- إذ كان كتابه عليه السلام إليها وإلى قومها :﴿ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴾ فكأنها عمدت إلى بذل المال طمعا في أن يتركها نبي الله على العلو والملك والشرك والضلال، ولهذا قالت لقومها ما حكاه القرآن من قيلها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية.. ﴾ نكرت الهدية لبيان أنها عظيمة، وهيهات ! فإن الداعي إلى الله لا يشغله عرض الحياة، وهل مثل سليمان في حاجة إلى من يزيده مالا على ما أوتي ؟ كلا ! فإن الغني الوهاب قد أعطاه من خيري الدين والدنيا، فليرجع المعجبون بزخارف باطلة بزخرفهم وباطلهم، وليفرحوا بتفاخرهم وتكاثرهم، ثم رد رسولها ومن معه وما كان يحمل معه لينذرهم عاقبة الركون إلى السلطان، والنكوص عن الإيمان، فنغزوهم بجنود لا يستطيعون دفعها، ولا الوقوف لها، ولنطردنهم من أرض أبطرتهم، ولنسلبنهم أنفة غرتهم، حتى لا يدركوا إلا الذل والانكسار، فلما ارتد رسلها إليها بهديتها، وإنذار سليمان بخزيها وهزيمتها، لم تجد إلا السمع والطاعة، واستنفرت قومها وجندها لتسير إلى سليمان مسلمة مستسلمة، فلما علم سليمان بمسيرها قال لكبراء جنده : أيكم يحضر لي عرش بلقيس قبل أن تجيء وقومها طائعين منقادين، أو داخلين في الإسلام ؟ قال مارد من الجن أنا أحضره إليك قبل أن تنتهي جلستك هذه، وقبل أن ينفض جمعك الذي يقاعدك الساعة، ولن يعجزني استحضاره، ولن ينقص منه شيء، فكأنه عليه السلام أراد أعجل من ذلك- ربما لأنه يريد أن تكون حجة وآية من الله وبرهانا على صدق نبوته، فتزداد بلقيس وقومها حين وصولها ثقة في رسالته عليه السلام بما تشاهد من آيات الإعجاز والإكرام لهذا النبي الملك عليه الصلاة والسلام- فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أستحضره قبل أن تغمض عينك، وحضر عرش بلقيس بتيسير ربنا الذي إذا شاء جعل الصعب سهلا.
وأقبل وفد بلقيس على نبي الله تعالى سليمان عليه السلام يحمل نفائس الهدايا وطرائفها، فلما وصلوا إليه أنكر عليهم تكلف الإهداء، والمصانعة بالمال بدلا من الاهتداء- إذ كان كتابه عليه السلام إليها وإلى قومها :﴿ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴾ فكأنها عمدت إلى بذل المال طمعا في أن يتركها نبي الله على العلو والملك والشرك والضلال، ولهذا قالت لقومها ما حكاه القرآن من قيلها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية.. ﴾ نكرت الهدية لبيان أنها عظيمة، وهيهات ! فإن الداعي إلى الله لا يشغله عرض الحياة، وهل مثل سليمان في حاجة إلى من يزيده مالا على ما أوتي ؟ كلا ! فإن الغني الوهاب قد أعطاه من خيري الدين والدنيا، فليرجع المعجبون بزخارف باطلة بزخرفهم وباطلهم، وليفرحوا بتفاخرهم وتكاثرهم، ثم رد رسولها ومن معه وما كان يحمل معه لينذرهم عاقبة الركون إلى السلطان، والنكوص عن الإيمان، فنغزوهم بجنود لا يستطيعون دفعها، ولا الوقوف لها، ولنطردنهم من أرض أبطرتهم، ولنسلبنهم أنفة غرتهم، حتى لا يدركوا إلا الذل والانكسار، فلما ارتد رسلها إليها بهديتها، وإنذار سليمان بخزيها وهزيمتها، لم تجد إلا السمع والطاعة، واستنفرت قومها وجندها لتسير إلى سليمان مسلمة مستسلمة، فلما علم سليمان بمسيرها قال لكبراء جنده : أيكم يحضر لي عرش بلقيس قبل أن تجيء وقومها طائعين منقادين، أو داخلين في الإسلام ؟ قال مارد من الجن أنا أحضره إليك قبل أن تنتهي جلستك هذه، وقبل أن ينفض جمعك الذي يقاعدك الساعة، ولن يعجزني استحضاره، ولن ينقص منه شيء، فكأنه عليه السلام أراد أعجل من ذلك- ربما لأنه يريد أن تكون حجة وآية من الله وبرهانا على صدق نبوته، فتزداد بلقيس وقومها حين وصولها ثقة في رسالته عليه السلام بما تشاهد من آيات الإعجاز والإكرام لهذا النبي الملك عليه الصلاة والسلام- فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أستحضره قبل أن تغمض عينك، وحضر عرش بلقيس بتيسير ربنا الذي إذا شاء جعل الصعب سهلا.
وأقبل وفد بلقيس على نبي الله تعالى سليمان عليه السلام يحمل نفائس الهدايا وطرائفها، فلما وصلوا إليه أنكر عليهم تكلف الإهداء، والمصانعة بالمال بدلا من الاهتداء- إذ كان كتابه عليه السلام إليها وإلى قومها :﴿ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴾ فكأنها عمدت إلى بذل المال طمعا في أن يتركها نبي الله على العلو والملك والشرك والضلال، ولهذا قالت لقومها ما حكاه القرآن من قيلها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية.. ﴾ نكرت الهدية لبيان أنها عظيمة، وهيهات ! فإن الداعي إلى الله لا يشغله عرض الحياة، وهل مثل سليمان في حاجة إلى من يزيده مالا على ما أوتي ؟ كلا ! فإن الغني الوهاب قد أعطاه من خيري الدين والدنيا، فليرجع المعجبون بزخارف باطلة بزخرفهم وباطلهم، وليفرحوا بتفاخرهم وتكاثرهم، ثم رد رسولها ومن معه وما كان يحمل معه لينذرهم عاقبة الركون إلى السلطان، والنكوص عن الإيمان، فنغزوهم بجنود لا يستطيعون دفعها، ولا الوقوف لها، ولنطردنهم من أرض أبطرتهم، ولنسلبنهم أنفة غرتهم، حتى لا يدركوا إلا الذل والانكسار، فلما ارتد رسلها إليها بهديتها، وإنذار سليمان بخزيها وهزيمتها، لم تجد إلا السمع والطاعة، واستنفرت قومها وجندها لتسير إلى سليمان مسلمة مستسلمة، فلما علم سليمان بمسيرها قال لكبراء جنده : أيكم يحضر لي عرش بلقيس قبل أن تجيء وقومها طائعين منقادين، أو داخلين في الإسلام ؟ قال مارد من الجن أنا أحضره إليك قبل أن تنتهي جلستك هذه، وقبل أن ينفض جمعك الذي يقاعدك الساعة، ولن يعجزني استحضاره، ولن ينقص منه شيء، فكأنه عليه السلام أراد أعجل من ذلك- ربما لأنه يريد أن تكون حجة وآية من الله وبرهانا على صدق نبوته، فتزداد بلقيس وقومها حين وصولها ثقة في رسالته عليه السلام بما تشاهد من آيات الإعجاز والإكرام لهذا النبي الملك عليه الصلاة والسلام- فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أستحضره قبل أن تغمض عينك، وحضر عرش بلقيس بتيسير ربنا الذي إذا شاء جعل الصعب سهلا.
وأقبل وفد بلقيس على نبي الله تعالى سليمان عليه السلام يحمل نفائس الهدايا وطرائفها، فلما وصلوا إليه أنكر عليهم تكلف الإهداء، والمصانعة بالمال بدلا من الاهتداء- إذ كان كتابه عليه السلام إليها وإلى قومها :﴿ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ﴾ فكأنها عمدت إلى بذل المال طمعا في أن يتركها نبي الله على العلو والملك والشرك والضلال، ولهذا قالت لقومها ما حكاه القرآن من قيلها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية.. ﴾ نكرت الهدية لبيان أنها عظيمة، وهيهات ! فإن الداعي إلى الله لا يشغله عرض الحياة، وهل مثل سليمان في حاجة إلى من يزيده مالا على ما أوتي ؟ كلا ! فإن الغني الوهاب قد أعطاه من خيري الدين والدنيا، فليرجع المعجبون بزخارف باطلة بزخرفهم وباطلهم، وليفرحوا بتفاخرهم وتكاثرهم، ثم رد رسولها ومن معه وما كان يحمل معه لينذرهم عاقبة الركون إلى السلطان، والنكوص عن الإيمان، فنغزوهم بجنود لا يستطيعون دفعها، ولا الوقوف لها، ولنطردنهم من أرض أبطرتهم، ولنسلبنهم أنفة غرتهم، حتى لا يدركوا إلا الذل والانكسار، فلما ارتد رسلها إليها بهديتها، وإنذار سليمان بخزيها وهزيمتها، لم تجد إلا السمع والطاعة، واستنفرت قومها وجندها لتسير إلى سليمان مسلمة مستسلمة، فلما علم سليمان بمسيرها قال لكبراء جنده : أيكم يحضر لي عرش بلقيس قبل أن تجيء وقومها طائعين منقادين، أو داخلين في الإسلام ؟ قال مارد من الجن أنا أحضره إليك قبل أن تنتهي جلستك هذه، وقبل أن ينفض جمعك الذي يقاعدك الساعة، ولن يعجزني استحضاره، ولن ينقص منه شيء، فكأنه عليه السلام أراد أعجل من ذلك- ربما لأنه يريد أن تكون حجة وآية من الله وبرهانا على صدق نبوته، فتزداد بلقيس وقومها حين وصولها ثقة في رسالته عليه السلام بما تشاهد من آيات الإعجاز والإكرام لهذا النبي الملك عليه الصلاة والسلام- فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أستحضره قبل أن تغمض عينك، وحضر عرش بلقيس بتيسير ربنا الذي إذا شاء جعل الصعب سهلا.
فلما رأى سليمان عرش الملكة بلقيس بين يديه لم يستخفه حول، ولا ركن إلى شيء مما أوتي، ولكن كان العبد الشكور الذكور، فأقر بالنعمة للمنعم جل علاه، وذكر وذكّر بسنن الله، وأنه يبتلي بالشر والخير فتنة﴿ ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾ والمولى الغني الحميد لن يزيد ملكه شكر الشاكرين، بل الربح والمزيد للحامدين، مصداقا لوعد رب العالمين ).. لئن شكرتم لأزيدنكم.. (، ثم أمر سليمان من عنده من الجند أن يغيروا شيئا من صفات عرش بلقيس حتى إذا ما جاءت جربنا مدى استنارة عقلها، واهتداء قلبها، وأقبلت بلقيس بأتباعها، فلما مرت بهذا العرش الذي بدلت أشكاله وأحواله سئلت : أهذا يشبه عرشك ؟ فأجابت : كأنه عرشي، فأناب سليمان العبد الأواب- كثير الرجوع إلى ربه عز وجل موصول القلب به- وأثنى على الله تعالى شاكرا أنعمه، غير آمن مكره، مستيقنا من حكمة مولاه ) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. ( ١معتزا بما هدي إليه من الدين الحق وعلم اليقين
٣
٢ سورة الواقعة. الآيتان ١٠، ١١..
٣ ما بين العلامتين [ ] مما أورد ابن جرير..
فلما رأى سليمان عرش الملكة بلقيس بين يديه لم يستخفه حول، ولا ركن إلى شيء مما أوتي، ولكن كان العبد الشكور الذكور، فأقر بالنعمة للمنعم جل علاه، وذكر وذكّر بسنن الله، وأنه يبتلي بالشر والخير فتنة﴿ ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾ والمولى الغني الحميد لن يزيد ملكه شكر الشاكرين، بل الربح والمزيد للحامدين، مصداقا لوعد رب العالمين ).. لئن شكرتم لأزيدنكم.. (، ثم أمر سليمان من عنده من الجند أن يغيروا شيئا من صفات عرش بلقيس حتى إذا ما جاءت جربنا مدى استنارة عقلها، واهتداء قلبها، وأقبلت بلقيس بأتباعها، فلما مرت بهذا العرش الذي بدلت أشكاله وأحواله سئلت : أهذا يشبه عرشك ؟ فأجابت : كأنه عرشي، فأناب سليمان العبد الأواب- كثير الرجوع إلى ربه عز وجل موصول القلب به- وأثنى على الله تعالى شاكرا أنعمه، غير آمن مكره، مستيقنا من حكمة مولاه ) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. ( ١معتزا بما هدي إليه من الدين الحق وعلم اليقين
وكان لسليمان قصر أجرى الماء تحته وجعل أرضه من زجاج، فأمر بوضع كرسيه في هذا القصر، وجلس على الكرسي، وقيل لبلقيس : ادخلي الصرح[ ليريها ملكا هو أعز من ملكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانها ]١ فظنت أن سليمان يريد أن يقتلها غرقا، لا تشك أنه ماء تخوضه، فقال لها سليمان :﴿ إنه صرح ممرد من قوارير.. ﴾ بناء ومنزل رصفت أرضه وفرشت بألواح تشف عما تحتها، فاعترفت بخطئها، ورجعت عن غيها، وأنابت إلى ربها، وأعلنت إسلامها، وأقرت باتباع نبيها، والدخول في دين الله الذي بعثه ربه وارتضاه.
نقل كثير من المفسرين غرائب حول هذه القصة الكريمة، وأطالوا في سرد عجائب لا برهان على ثبوتها، أفاضوا في الحديث عن النملة، عن اسمها، وحجمها، وجنسها، حتى أوردوا أنها كانت عرجاء ! وبعضهم قال : كانت في حجم الذناب، ولعل من الطريف ما نقله القرطبي عن حجاج النملة لسليمان، وحملها إليه نبقة هدية، وتقديمها إليه مع أبيات شعرية، وكذا الحال بالنسبة إلى الهدهد، وشاركه كثير من أصحاب التفاسير المشهورة، بل نقل أنها توجهت إلى سليمان في اثنى عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت كل قيل مائة ألف[ ص ٢٠٢ ج ١٣ الجامع لأحكام القرآن ] ثم أورد ذلك مرة أخرى في ص ٢١٢٢، وبعضهم أورد خلافا : هل حج سليمان عليه السلام ؟ وكم من الشياه والبقر والإبل كان يقرب كل يوم ؟ ! وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح وأنفع وأبلغ ولله الحمد والمنة٣.
﴿ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون٣٥ قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون٣٦ ﴾.
بعث الله تعالى إلى قبيلة ثمود نبيا منهم هو صالح عليه السلام، وكانوا يسكنون الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى- وما زالت مدائن صالح خاوية البيوت المنحوتة في الجبال إلى يومنا هذا- دعاهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، كما بينت ذلك آية أخرى :).. قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.. ( ٤ فآمنت طائفة، وسرعان ما انبرى لهم الكبراء المكابرون الكافرون يخاصمونهم ) قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون( ٥، وكان من استعجالهم السيئة بدلا من طلب الحسنة أن تحدوا نبيهم ).. وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين( ٦، فاستنكر عليهم رسولهم أن يتعجلوا البلاء، ويستحبوا العمى على الهدى، ويطيعوا دعاة الفساد والبغي، ويبطروا بما أوتوا، بدلا من تقوى الله وشكر نعمته وطلب عافيته، فهلا طلبتم إلى الله القوي القدير الغفور الشكور أن يستر عليكم ذنوبكم، وأن يعفو عن آثامكم، رجاء الصفح عن أوزاركم، لينجيكم من خزي الدنيا، ويعظم ثوابكم في الآخرة ؟ !
٢ يراجع من شاء[الجامع لأحكام القرآن] جـ ١٣ ص ١٦٩ وما بعدها، وروح المعاني جـ ١٩ ص ١٧٣ وما بعدها، وجامع البيان، جـ ١٩ من ص ٨٧..
٣ ذهب إلى هذا صاحب تفسير القرآن العظيم..
٤ سورة هود. من الآية ٦١..
٥ سورة الأعراف. الآيتان: ٧٥، ٧٦..
٦ سورة الأعراف. من الآية٧٧..
من جهلهم ظنوا السوء بنبيهم وبربهم، وتطيروا من دعوة نبيهم لهم، وقالوا :.. ما نرى في وجهك ولا في وجوه أتباعك بشرى بخير يصيبنا، وأصل الطيرة : أن يزجر المتطير طيرا، فإن أخذت يمينا تفاءل، وإن اتجهت في طيرانها ناحية الشمال تطير وتوقع النحس والشؤم.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الطيرة، والتنفير من الركون إليها، أو التسليم بصحتها فضلا عن التأثر بها١، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا طيرة وخيرها الفأل " قالوا : وما الفأل ؟ قال :" الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم "..
فرد صالح على قومه مقالتهم المتطيرة به وبمن معه قائلا : كل ما ينتظركم ويحل بكم وتترقبون يأتيكم به الله وحده، والذي أدعوكم إليه ليس مما تسوء عاقبته، وإنما أنتم الذين فتنكم الشيطان من توحيد ربكم وطاعته، وزين لكم سوء عملكم فرأيتموه حسنا، وحسبتم أن ما متعتم به سيخلدكم، ولكن هيهات ! )أتتركون في ما هاهنا آمنين. في جنات وعيون. وزرع ونخل طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين( ٢.
٢ سورة الشعراء. الآيات من: ١٤٦ إلى ١٤٩..
كان في مدينة صالح تسعة من أكابر مجرميها وطغاتها، أمعنوا في الإفساد وتمحضوا له، ولم يسلكوا طريق عمل خير أبدا، انبعث هؤلاء الأشقياء يواثقون على العدوان، ويتعاونون على الإثم، ويتواصون بالغدر.
قال بعضهم لبعض : أعطوا العهد والميثاق واحلفوا بالله لنهاجمن صالحا وأتباعه- خفية- نقتلهم تحت جنح الظلام، فإذا أصبحوا مقتولين قلنا لرهط صالح وعصبته- الذين لهم ولاية دمه، والذين قد يأخذوننا بالثأر- ما حضرنا ولا ندري من قتله وقتل أصحابه.
والأهلية : أهلية الدين، والبيات : مباغتة العدو ليلا، والمهلك : الهلاك، كقوله تعالى :) إليه مرجعكم( ١ أي رجوعكم.
ودبروا أمرهم، وأحكموا وأبرموا كيدهم واحتيالهم في خفاء، ولكن كادهم الله وخيب ظنهم فما نالوا من صالح نبيهم- عليه السلام- والذين معه منالا، بل نجى الله برحمته صالحا والذين آمنوا معه، وحاق المكر السيء بأهل الكيد.
قال بعضهم لبعض : أعطوا العهد والميثاق واحلفوا بالله لنهاجمن صالحا وأتباعه- خفية- نقتلهم تحت جنح الظلام، فإذا أصبحوا مقتولين قلنا لرهط صالح وعصبته- الذين لهم ولاية دمه، والذين قد يأخذوننا بالثأر- ما حضرنا ولا ندري من قتله وقتل أصحابه.
والأهلية : أهلية الدين، والبيات : مباغتة العدو ليلا، والمهلك : الهلاك، كقوله تعالى :) إليه مرجعكم( ١ أي رجوعكم.
ودبروا أمرهم، وأحكموا وأبرموا كيدهم واحتيالهم في خفاء، ولكن كادهم الله وخيب ظنهم فما نالوا من صالح نبيهم- عليه السلام- والذين معه منالا، بل نجى الله برحمته صالحا والذين آمنوا معه، وحاق المكر السيء بأهل الكيد.
تأمل وتدبر يا من يتأتى منك التدبر كيف جازاهم الله تعالى على مكرهم واحتيالهم وتدبيرهم، وعلى غدرهم وهمهم بقتل نبيهم وأخيارهم، فكان عاقبة الذين أساءوا السوآى، وأهلك الله التسعة الأشقياء وأهلك سائر قومهم الكافرين، وخرب القوي العزيز بيوت الظالمين، إحقاقا للحق ونصرة للموقنين، وعلامة على قدرته وبأسه وبطشته، يذكر بها ويعتبر أهل الفهم والعلم، وصدق الله العظيم :)وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين. فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون. فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين( ١، حل بهم بلاء، وداهمتهم صيحة فقتلوا جميعا، وخلت منهم مساكنهم، وأقفرت دورهم، وأنجى ربنا البر الرحيم عباده المؤمنين المتقين، فلم يهلكهم مع المهلكين، رأفة منه سبحانه بالمصدقين المطيعين، جاء في آية أخرى :)فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز( ٢.
٢ سورة هود. الآية ٦٦..
تأمل وتدبر يا من يتأتى منك التدبر كيف جازاهم الله تعالى على مكرهم واحتيالهم وتدبيرهم، وعلى غدرهم وهمهم بقتل نبيهم وأخيارهم، فكان عاقبة الذين أساءوا السوآى، وأهلك الله التسعة الأشقياء وأهلك سائر قومهم الكافرين، وخرب القوي العزيز بيوت الظالمين، إحقاقا للحق ونصرة للموقنين، وعلامة على قدرته وبأسه وبطشته، يذكر بها ويعتبر أهل الفهم والعلم، وصدق الله العظيم :)وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين. فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون. فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين( ١، حل بهم بلاء، وداهمتهم صيحة فقتلوا جميعا، وخلت منهم مساكنهم، وأقفرت دورهم، وأنجى ربنا البر الرحيم عباده المؤمنين المتقين، فلم يهلكهم مع المهلكين، رأفة منه سبحانه بالمصدقين المطيعين، جاء في آية أخرى :)فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز( ٢.
٢ سورة هود. الآية ٦٦..
تأمل وتدبر يا من يتأتى منك التدبر كيف جازاهم الله تعالى على مكرهم واحتيالهم وتدبيرهم، وعلى غدرهم وهمهم بقتل نبيهم وأخيارهم، فكان عاقبة الذين أساءوا السوآى، وأهلك الله التسعة الأشقياء وأهلك سائر قومهم الكافرين، وخرب القوي العزيز بيوت الظالمين، إحقاقا للحق ونصرة للموقنين، وعلامة على قدرته وبأسه وبطشته، يذكر بها ويعتبر أهل الفهم والعلم، وصدق الله العظيم :)وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين. فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون. فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين( ١، حل بهم بلاء، وداهمتهم صيحة فقتلوا جميعا، وخلت منهم مساكنهم، وأقفرت دورهم، وأنجى ربنا البر الرحيم عباده المؤمنين المتقين، فلم يهلكهم مع المهلكين، رأفة منه سبحانه بالمصدقين المطيعين، جاء في آية أخرى :)فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز( ٢.
٢ سورة هود. الآية ٦٦..
﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون٥٤ أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون٥٥ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون٥٦ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين٥٧ وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين٥٨ ﴾
في قصص المرسلين عبرة، وفي بيان عاقبة المجرمين مثل وذكرى، فكل عاقل متدبر ألقى السمع إلى كتاب الله تعالى وتدبر آياته يتعلم من أنباء النبيين ما يقوي يقينه، ويثبته على ما جاء من ربه، ويحبب إليه أن يقتدي بالمهتدين ليفوز بمرضاة رب العالمين، كما يعينه العلم بمصير الفاسقين على نهي النفس عن هواها، وزجرها عن الفسوق و العصيان من قبل أن يريدها ويهلكها، فكأن المولى سبحانه ينادي نبيه صلى الله عليه وسلم أن اذكر لوطا إذ وعظ قومه، وأنكر عليهم فسادهم، واستعلانهم بأخس أنواع الفحش والنكر، وأن يتراءوا على هذا الجرم الذي ينزل بهم إلى أسفل الدركات ثم لا يستترون بخطئهم الكبير الذي ما سبقهم به أحد من العالمين، ولكن يقترفونه جهارا ينظر بعضهم إلى بعض، وقد بين القرآن الكريم في سورة أخرى أن هذا الاستعلان يزيد فاحشتهم مقتا وسوءا :)أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر.. ( ١.
ولوط عليه السلام قريب لنبي الله تعالى وخليله إبراهيم عليه وعلى نبينا والمرسلين أفضل الصلوات والتسليم، قالوا كان ابن عمه أو ابن أخيه، وهو الرجل الذي آمن بإبراهيم قبل أن يرتحل من محلة قومه بالعراق إلى البلاد المباركة حول بيت المقدس، يقول الله سبحانه )فآمن له لوط.. ( ٢ ويقول تبارك اسمه :( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين( ٣ وفي حياة إبراهيم عليه السلام وبعد هجرتهما أرسل المولى سبحانه نبيه لوطا عليه السلام إلى قوم كانوا يسكنون مدينة سدوم وأعمالها وهي بأرض الغور على مشارف الجبال المحيطة بالقدس، وبعد تدمير تلك القرى وهاتيك المدن صارت بحيرة منتنة ولعلها المعروفة الآن بالبحر الميت
٢ سورة العنكبوت. من الآية ٢٦..
٣ سورة الأنبياء. الآية ٧١..
﴿ من دون النساء ﴾ بدلا من الاستمتاع بما أحل الله لكم من النساء.
﴿ تجهلون ﴾ ترتكبون الجهالة والسفاهة.
﴿ أئتكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ﴾ نفرهم رسول الله تعالى إليهم من هذه الفاحشة الشنعاء المتراكب قبحها فعلا وتركا، فإتيان الرجال قبيح عقلا وشرعا وطبعا، وترك الاستمتاع بالمرأة الحلال قبيح كذلك عقلا وشرعا وطبعا، ولعل هذا من حكمة الله تعالى في إفراد كل جانب من هذين الجانبين بالذكر في آيتين كريمتين متتابعتين، يقول الله تبارك وتعالى :)أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون( ١، حتى لقد قال بعض المفسرين : فسدت طباعهم وانتكست فطرهم حتى كان الواحد منهم لا يشتهي امرأته إلا أن يستمتع بها في دبرها دون قبلها الذي هو محل المتعة التي أذن الله للأزواج بها، يقول صاحب روح المعاني : تثنية للإنكار وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام، وتحلية الجملة بحرفي التوكيد للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية لتربية التقبيح أو بيان اختصاصه ببني آدم، وتعليل الإتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محلها.. ﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾.. الجهل بمعنى السفاهة والمجون، بل أنتم قوم سفهاء وماجنون..
﴿ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ﴾ قال : مجاهد يقولون ذلك استهزاء، وقال قتادة : عابوهم والله بغير عيب بأنهم يتطهرون من أعمال السوء، وكانت لهم ردود ردوا بها دعوة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فمرة يقولون وقد هبوا سراعا يريدون فعل الفاحشة بأضيافه في بيته :).. أولم ننهك عن العالمين( ١، ومرة يقولون :).. لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين( ٢ وثالثة يقولون :).. ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين( ٣، )ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر( ٤، لكن لما كانت القصة قد جاءت موجزة هاهنا كما أوردت في سورة الأعراف بينت الآيات الكريمة ردا واحدا مما ردوا به- والظاهر أن هذا الجواب صدر عنهم في المرة الأخيرة من مراتب مواعظه عليه السلام بالأمر والنهي، لا أنه لم يصدر عنهم كلام آخر غيره
٢ سورة الشعراء. من الآية ١٦٧..
٣ سورة العنكبوت. من الآية ٢٩..
٤ سورة القمر.. الآية ٣٦..
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ وأمطرنا عليهم مطرا ﴾ جمهور المفسرين على أن الله تعالى أمطر من كان خارج مدن قوم لوط مطرا غير معهود، وإلى ذلك يشير قول الحق سبحانه :)إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر( ١ فجمع لهم المنتقم الجبار بين تنكيس مدنهم، ورميهم بالحجارة المحماة، ﴿ فساء مطر المنذرين ﴾ فبئس المطر مطر الذين أنذرهم وحذرهم ربهم فلم يحذروا فأخذهم الله نكال الآخرة والأولى، يقول الحق سبحانه :)فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل( ٢، ويقول تبارك اسمه :)فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد( ٣.
٢ سورة الحجر. الآيتان ٧٣، ٧٤..
٣ سورة هود. الآيتان ٨٢، ٨٣..
﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون ٥٩ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون٦٠ أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون٦١ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون٦٢ أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون٦٣ أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين٦٤ ﴾
لكأن هذا الأمر من الله العلي الحكيم للنبي الكريم- وهو القدوة والأسوة الحسنة- تقدمة لما سيسوقه من السلطان والبرهان والحجة على أن مولانا هو المعبود بحق دون سواه، ليكون في ذلك البيان لأهل الإيمان أن كل أمر ذي بال يبدأ بحمد الله والسلام والصلاة على رسل الله والصفوة المختارة من خلقه- ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة، وفي مفتتح كل خطبة.. -١، وقد جاء هذا البيان في آيات أخرى كريمة :)سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين( ٢﴿ آلله خير أم ما يشركون ﴾ استفهام بالهمزة كأنه : أألله، ثم قلبت همزة الاستفهام مدا و﴿ خير ﴾ قد لا يراد بها التفضيل، وإنما إثبات الخيرية في الله تبارك وتعالى وتثبيت هذا اليقين، وإبطال ما يخالفه، [ ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته عز وجل، وتسفيه آرائهم، والتهكم بهم، إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به سبحانه شائبة خير، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض... ، وقيل : الخيرية فيما يتعلق بها، وفي الكلام حذف في موضعين والتقدير : أعبادة الله تعالى خير أم عبادة ما يشركون... وأيا ما كان فضمير الغائب لقريش ونحوهم من المشركين... وفي بعض الآثار أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ]٣.
٢ سورة الصافات. الآيات. ١٨٠، ١٨١، ١٨٢..
٣ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
﴿ حدائق ﴾ بساتين أحطتموها، وأحدقت بها الأسوار.
﴿ ذات بهجة ﴾ صاحبة منظر حسن، يبهج من رآه، فيسر نفسه وخاطره.
﴿ يعدلون ﴾ يميلون عن الحق والقصد، أو يعدلون بالله تعالى غيره..
﴿ أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله ﴾ أمن فطر السموات ورفع سمكها وأغطش ليلها، وسخر شمسها وقمرها ونجومها، وبسط الأرض وقدر فيها أقواتها، وبث فيها من كل دابة، وأنزل من السحاب الذي يكون جهة السماء مطرا وغوثا ورحمة وماء مباركا يسقيكم منه وأنعامكم، ويروي بلادكم، فتنفلق الحبة والنواة عن بساتين تسر أعين الناظرين، وتحف بالأسوار فينتفع بها ويتفكه بثمرها- أمن خلق ذلك الخلق العظيم كمن لم يخلق ؟ ! أإله معه فعل ذلك ؟ ! أيحق لعاقل أن يعبد سواه ؟ ! قال أبو حاتم، تقديره : آلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض ؟ ! - وفيه معنى التوبيخ لهم، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم-١.
)ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم( ٢، )ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله.. ( ٣، يقول صاحب تفسير القرآن العظيم : أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق.. اه قال الفراء : الحديقة : البستان المحظر عليه حائط، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان.. اه وقال الراغب : هي قطعة من الأرض ذات ماء سميت حديقة تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها. اه وفي البحر : البستان سواء أحاط به جدار أم لا، ﴿ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ﴾ أي : ما صح وما أمكن أن توجدوا شجرها فضلا عن خلق ثمرها، - إذ هم عجزة عن مثلها، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود، قلت : وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن، وهو قول مجاهد، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم :" قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة " رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله عز وجل " فذكره، فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع وهذا واضح، وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به، وقد قال ابن عباس للذي سأله أن يصنع الصور : إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له، أخرجه مسلم أيضا.. -٤.
﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾ يعدلون ويميلون عن الحق فيجحدون ويشركون، ويعدلون عن طريق الرشد وينحرفون عنه إلى سبل الغنى، ونسب إلى ابن زيد : من العدل بمعنى المساواة، أي يساوون به غيره تعالى من آلهتهم
٢ سورة الزخرف. الآية ٩..
٣ سورة العنكبوت. من الآية ٦٣..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ خلالها ﴾ وسطها وبين جنباتها.
﴿ رواسي ﴾ جبالا ثوابت راسية ومرسية.
﴿ حاجزا ﴾ مانعا، فلا هذا يغير ذاك، ولا ذاك يغير هذا.
﴿ أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ﴾ استفهام يراد به الإنكار[ وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر داخل في الإلزام بجهة من الجهات.. ]١، الله تعالى بحكمته جعل الأرض مستقرا بحيث يستقر عليها ما شاء ربنا من خلق، يقول العلماء : والجعل إن كان تصييرا فالمنصوبان مفعولان، وإلا فالثاني حال مقدرة، وجعل سبحانه أواسط الأرض أنهارا تجري بالماء العذب فيحيا بسببه الإنسان والحيوان والنبات، بل وتهتز به الأرض وتربو، وجعل لصلاح أمر أرضكم التي تسكنونها وتستقرون عليها وتنتفعون بها جبالا ترسيها لئلا تضطرب بمن عليها وتميل، بل ومن أعالي الجبال يبدأ جريان الأنهار، وفي أصولها يختزن ماء العيون، وعلى سفوحها يحتشد النبات والمرعى، أو يستودع بين الصخور ما شاء الله تعالى من كنوز ومعادن.
﴿ وجعل بين البحرين حاجزا ﴾ مانعا من الممازجة، عن الضحاك : العذب والملح، فلا هذا يغير ذاك، ولا ذاك يغير هذا- أي جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا مانعا يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا، فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس، والمقصود منها أن تكون عذبة زلالا يسقي الحيوان والنبات والثمار منها، والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كل جانب والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء بريحها، كما قال تعالى :)وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا( ٢-٣، -﴿ أإله مع الله ﴾ أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع ؟ ﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية-٤.
٢ سورة الفرقان. الآية ٥٣..
٣ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٤ مقتبس من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ يكشف السوء ﴾ يزيل الضر والجور.
﴿ تذكرون ﴾ تتذكرون.
﴿ أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ﴾ أمن يستجيب دعوة المكروب ويفرج ضيقه وهمه، ويكشف الضر، ويدفع البلاء كمن عبدهم المشركون من دون ربنا القريب المجيب، ولقد ساق القرآن البرهان على ضلال وسفاهة عباد الأوثان، ومما جاء في ذلك قول الحق سبحانه :)إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم.. ( ١، )وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه.. ( ٢، و﴿ المضطر ﴾ صاحب الضرورة المكروب، والذي لا حول له ولا قوة، ﴿ ويكشف السوء ﴾ ويذهب الضر، ويرفع الجور، ﴿ ويجعلكم خلفاء الأرض ﴾- أي يخلف قرنا بقرن قبلهم، وخلفا لسلف، كما قال تعالى :)إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية يوم آخرين }٣ وقال تعالى :( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض.. ( ٤... أي أمة بعد أمة وجيلا بعد جيل وقوما بعد قوم، ولو يشاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد... لا يميت أحدا حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الأرض، وتضيق عليهم معايشهم... أإله مع الله يقدر على ذلك، أو : أإله مع الله بعد هذا ؟ ! وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك، وحده لا شريك له ؟ ! ﴿ قليلا ما تذكرون ﴾ أي ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم-٥
٢ سورة الإسراء. من الآية ٦٧..
٣ سورة الأنعام. من الآية ١٣٣..
٤ سورة الأنعام. من الآية. ١٦٥..
٥ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
﴿ بشرا بين يدي رحمته ﴾ مبشرات قدام المطر وقبيل نزوله.
﴿ أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ﴾ أمن جعل لنا سبلا وطرقا، وجعل لنا عليها معالم برا وبحرا كمن ليس كذلك ؟ لا يستويان، بل الله الهادي إلى سواء الطريق ) وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر.. ( ١ ولقد امتن سبحانه علينا بما وضع لنا مما يرشدنا إلى طريقنا الذي نسلكه إذا داهمتنا الظلمات، فيقول سبحانه :)... وسبلا لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون( ٢، وجاء في آية كريمة أخرى :)وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.. ( ٣.
﴿ ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ﴾ ومن غير الله تعالى يجري الرياح قدام المطر، [ ﴿ أإله مع الله ﴾ يفعل ذلك ويعينه عليه، ﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾ من دونه ]٤، مما جاء في جامع البيان : لله العلو والرفعة عن شرككم الذي تشركون وعبادتكم معه ما تعبدون اه.
٢ سورة النحل. من الآية ١٥ والآية ١٦..
٣ سورة الأنعام. من الآية٩٧..
٤ ما بين العلامتين[ ] من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ﴾ من الذي أنشأ الخلق وفطرهم فسيجيبون بأنه الله، وقد شهدت بذلك آيات الكتاب الحق )ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون( ١، ﴿ ثم يعيده ﴾ الله دون سواه ينشئ النشأة الآخرة ).. كما بدأكم تعودون( ٢، ولقد أقام القرآن الحجة البالغة على المرتابين في البعث إذ جاء شقي منهم يجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنزل الوحي يبطل فريته، ويدفع مريته :)وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون. أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. ﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾٣، ﴿ ومن يرزقكم من السماء والأرض ﴾ من الذي جعل لأرزاق العباد أسبابا علوية وأخرى سفلية ؟ السماء والشمس والهواء والرياح والمطر، والجبال والعيون والأنهار والزروع والثمار والمعادن والحيوان كل ذلك سخره المولى لنا تفضلا منه وكرما، والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير ).. إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.. ( ٤، ﴿ أإله مع الله ﴾ فعل هذا ؟ هل هناك إله آخر موجود معه يعاونه في الخلق والرزق والبدء والإعادة ؟ ! حاشا ! ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾ أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطالبهم بالإتيان بسلطان أو دليل أو حجة على أن لله شريكا، أو أن أحدا صنع شيئا من هذه الأشياء غير الله جل علاه ! مما أورد صاحب جامع البيان :﴿ من ﴾ التي في﴿ أمن ﴾... بمعنى الذي لا بمعنى الاستفهام، وذلك لأن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام. اه.
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٩..
٣ سورة يس. الآيات: من ٧٨ إلى ٨٣..
٤ سورة العنكبوت. من الآية ١٧..
الآيات الكريمة من أول الآية ٥٩ :﴿ قل الحمد لله.. ﴾ وحتى القول الحكيم :﴿ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾ بينت الدليل بعد الدليل، والحجة تلو الحجة على عظيم قدرة الله تعالى، وتوحيده بالخلق والرزق، والولاية والتدبير، وهذه بينت ما استأثر الخبير البصير بعلمه مما يغيب عن المخلوقين، وسفهت ضلال المرتابين في البعث، المكذبين بالآخرة، أمر الله تعالى نبيه أن يقول لجاحدي اليوم الآخر، أومن يسألون : متى الساعة ؟ يقول لهؤلاء وهؤلاء لا يعلم أحد ممن في السموات وفي الأرض من ملك مقرب أو نبي مرسل أو من سائر ما عداهما الغيب١، لكن المولى المعبود بحق سبحانه وحده يعلم الغيب والشهادة، ما يغيب وما يشاهد، ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ وما يدري أحد سوى الله متى يكون البعث وتكون القيامة وأحوالها وأهوالها.
[ واعترض حديث الاتصال بأنه يلزم عليه التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد وهو أمر مذموم، فقد أخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله "، وأجيب بأن ذلك مما يذم إذا صدر من البشر، أما إذا صدر منه تعالى فلا يذم، على أن كونه مما يذم إذا صدر من البشر مطلقا ممنوع، فقد روى البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان من كان الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما " الحديث... والغيب في الأصل مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين، واستعمل في الشيء الغائب الذي لم تنصب له قرينة، وكون ذلك غيبا باعتباره بالناس ونحوهم، لا بالله عز وجل، فإنه سبحانه لا يغيب عنه تعالى شيء... واختار بعضهم الاستغراق، أي : لا يعلم من في السموات والأرض كل غيب إلا الله، فإنه سبحانه يعلم كل غيب... واعترض بأنه يلزم أن يكون من أهل السموات والأرض من يعلم بعض الغيوب، وظاهر كلام كثير من الأجلة يأبى ذلك، ويؤيده ما أخرجه الشيخان.. من حديث مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بما يكون في غد- وفي بعض الروايات- يعلم ما غد فقد أعظم على الله تعالى الفرية، والله تعالى يقول :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. ﴾، وجوز بعضهم أن يكون منهم من يعلم بعض الغيوب.... ولعل الحق أن يقال : إن علم الغيب المنفي عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص لذاته أي بلا واسطة في ثبوته له.... لم يجيء في القرآن الكريم نسبة علم الغيوب إلى غيره تعالى أصلا، وجاء الإظهار على الغيب لمن ارتضى سبحانه من رسول.. ]٢
٢ ما بين العلامتين[ ] مما جاء في روح المعاني، وقد أسهب في هذا البحث، فمن أراد المزيد فليراجع جـ ٢٠ من ص ٩ إلى ص ١٢..
﴿ عمون ﴾ عمى البصائر عن إدراك الحق واليقين.
﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة ﴾ إضراب عن عدم شعورهم بموعد بعثهم إلى أنهم تدارك وتساقط وفنى وتتابع اضمحلال علمهم بمجيء الآخرة حتى غاب عنهم التصديق بمجيئها- فهو ترق عن وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش-١[ وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم أضرب عن ذلك قائلا : إنهم لا يعلمون القيامة فضلا عن وقتها ]٢، ﴿ بل هم في شك منها ﴾ ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون، فمرة يقولون : تكون، ومرة يقولون : لا تكون ! عاشوا دنياهم لا يستيقنون بأنهم مبعوثون، ولهذا يقال لهم يوم الحسرة :)هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون( ٣ ).. بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا( ٤ )وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. ( ٥، ﴿ بل هم منها عمون ﴾ )زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا.. ( ٦ )وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين( ٧ فهم في عماية من حلولها، و﴿ عمون ﴾ واحدها : عمو، فهم من العلم بقيامها والبرهان على ذلك عمون، عمى المدارك والبصائر،
٢ ما بين العلامتين[ ] مما نقل صاحب غرائب القرآن..
٣ سورة الصافات. الآية ٢١..
٤ سورة الكهف من الآية ٤٨..
٥ سورة سبأ. من الآية ٣..
٦ سورة التغابن. من الآية٧..
٧ سورة الأنعام. الآية ٢٩..
﴿ مخرجون ﴾ مبعوثون من القبور أحياء، تشقق الأرض عنا سراعا ؟ !
﴿ أساطير ﴾ خرافات وحكايات مختلفة :
﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون. لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾ وما كان حجة هؤلاء الذين لو لم يكن لهم من غي إلا إنكار القيامة لاستوجبوا بذلك الكفر، لم تكن لهم حجة في التكذيب بالبعث إلا قولهم : أليس من المستبعد ومن المستحيل أن تعود العظام النخرة والأجسام البالية واللحوم التي تحللت حتى عادت ترابا أليس بعيدا أن تحيا هذه الرمم، وتخرج من أجداثها وحفرها وقبورها ! هذا كلام قيل لنا، وقيل لآبائنا من قبلنا، وما هو إلا خرافات الأولين، وقصصهم الوهمي سطر ودون يتناقله خلف عن سلف- لعنوا بما قالوا :) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن.. ( ١ )أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. ( ٢ ).. فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا( ٣.
٢ سورة يس. من الآية ٨١..
٣ سورة الإسراء. من الآية ٥١..
﴿ مخرجون ﴾ مبعوثون من القبور أحياء، تشقق الأرض عنا سراعا ؟ !
﴿ أساطير ﴾ خرافات وحكايات مختلفة :
﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون. لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾ وما كان حجة هؤلاء الذين لو لم يكن لهم من غي إلا إنكار القيامة لاستوجبوا بذلك الكفر، لم تكن لهم حجة في التكذيب بالبعث إلا قولهم : أليس من المستبعد ومن المستحيل أن تعود العظام النخرة والأجسام البالية واللحوم التي تحللت حتى عادت ترابا أليس بعيدا أن تحيا هذه الرمم، وتخرج من أجداثها وحفرها وقبورها ! هذا كلام قيل لنا، وقيل لآبائنا من قبلنا، وما هو إلا خرافات الأولين، وقصصهم الوهمي سطر ودون يتناقله خلف عن سلف- لعنوا بما قالوا :) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن.. ( ١ )أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. ( ٢ ).. فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا( ٣.
٢ سورة يس. من الآية ٨١..
٣ سورة الإسراء. من الآية ٥١..
المنكرون للآخرة، المكذبون بالبعث، استبعدوا الإحياء بعد الإماتة، وجحدوا القيامة، ووصفوا ما جاء من حقيقة إتيانها، ووجوب الإيمان بها بأنه خرافات الأولين، فهم بذلك قد كذبوا المرسلين، فما من نبي بعث إلا بالدعوة إلى اليقين في الله تعالى والحذر من بئيس جزائه لمن كذب بلقائه، ) لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( ١ )وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط( ٢، فأمر الله تعالى خاتم أنبيائه أن يأمر هؤلاء بالسير في الأرض والتنقل في أرجائها ومناكبها ليطالعوا آثار الذين أعرضوا عما جاءتهم به رسلهم من الصدق والوعد الحق، فأحل الله تعالى بهم نكالا عاجلا، وبأسا ما يزال أثره مائلا، ) فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر.. ( ٣
٢ سورة هود. الآية ٨٤..
٣ سورة الزمر. من الآية ٢٦..
﴿ مما يمكرون ﴾ من مكرهم وكيدهم.
﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾ سلى الله تعالى نبيه إذ اشتد أسفه على ضلالهم وكفرهم حتى كاد الهم يقضي عليه، فناداه مولاه :)لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين( ١، وكرر نداءه الكريم :)فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا( ٢ ).. فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.. ( ٣، ولا تكن في حرج صدر مما يحتالون ويدبرون في خبث من رد ما جئت به والصد عنه- فإن الله مؤيدك وناصرك ومظهر دينك على من خالفه وعانده في المشارق والمغارب-٤.
[ يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المكذبين ما جئتهم به من الأنباء من عند ربك : سيروا في الأرض فانظروا إلى ديار من كان قبلكم من المكذبين رسل الله ومساكنهم كيف هي ؟ ألم يخربها الله ويهلك أهلها تكذيبهم رسلهم، وردهم عليهم نصائحهم، فخلت منهم الديار، وتعفت منهم الرسوم والآثار، فإن ذلك كان عاقبة إجرامهم، وذلك سنة ربكم في كل من سلك سبيلهم في تكذيب رسل ربهم، والله فاعل ذلك بكم إن أنتم لم تبادروا والإنابة من كفركم وتكذيبكم رسول ربكم ]٥
٢ سورة الكهف. الآية ٦..
٣ سورة فاطر. من الآية ٨..
٤ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٥ ما بين العلامتين[ ] من جامع البيان..
﴿ إن كنتم صادقين ﴾ يريدون النبي والمؤمنين.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ ويقولون مستهزئين بك وبمن معك، طاعنين في صدقكم، مستعجلين ما خوفتهم به من حلول مقت الله ونقمته بهم : في أي وقت يأتي ما وعدتمونا به من نزول البأس والبطشة، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله :)ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين( ١ ومن قبلهم قال قوم شعيب لنبيهم :)فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين( ٢ وقال قوم نوح لرسولهم :).. يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين( ٣
٢ سورة الشعراء. الآية ١٨٧..
٣ سورة هود. من الآية ٣٢..
﴿ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ﴾ قل لهم قد يكون لحقكم ووصل إليكم بعض الذي تطلبونه من العذاب، واقترب لكم ودنا منكم، وأزف، كما قال الله تعالى :)يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين( ١ وقال تبارك اسمه :)اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون( ٢، ﴿ وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾إن مولاك لصاحب أفضال وإنعام على الناس ).. وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم.. ( ٣ إنهم يخالفون عن أمره، ويستهزئون برسله، ويكذبون بوعده، وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم، ويحلم عليهم ويمهلهم ويؤخر عقوبتهم، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على هذه الآلاء الفاضلة والنعم السابغة التي لا يعدها عاد، ولا يحدها حاد
٢ سورة الأنبياء. الآية ١..
٣ سورة الرعد. من الآية ٦..
﴿ لا يشكرون ﴾ لا يشكرونه سبحانه على إفضاله وإنعامه عليهم.
﴿ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ﴾ إن ربك لمحيط علمه بكل ما يسرون، وما يبدونه ويظهرون، فمهما عملوا في خلوة أو جلوة، ومهما قالوا في إعلان أو إسرار، فإن ربك يرى ويسمع ويكتب ما يقولون وما يفعلون وما يبيتون )سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار( ١ وهو مجازيهم على كل ذلك
﴿ كتاب مبين ﴾ كتاب موضح، وهو اللوح المحفوظ.
﴿ وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾ كل ما يكون- ومن جملته فسوق هؤلاء ومروقهم، وشرورهم وفجورهم- مسطور في لوح محفوظ، وما عملوه من عمل فإن ملائكتنا تسطره وتكتبه وتنسخه ) أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون. أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون( ١ )هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون( ٢- على أن﴿ غائبة ﴾ صفة غلبت في هذا المعنى، فكثر عدم إجرائها على الموصوف ودلالتها على الثبوت وإن لم تنقل إلى الاسمية.. فتاؤها ليست للتأنيث، إذ لم يلاحظ لها موصوف تجري عليه.. فهي تاء مبالغة.. وعن ابن عباس.. ما من شيء في السماء والأرض سرا وعلانية إلا يعلمه سبحانه وتعالى.. وذهب أبو حيان إلى أنه رضي الله تعالى عنه اعتبر في الآية حذف أحد المتقابلين اكتفاء بالآخر، وكلامه رضي الله تعالى عنه محتمل لذلك، ويحتمل أن ذكر العلانية في بيان المعنى لأن من علم السر علم العلانية من باب أولى-٣.
٢ سورة الجاثية. الآية ٢٩..
٣ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي رحمه الله..
﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون٧٦ وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ٧٧ إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم٧٨ فتوكل على الله إنك على الحق المبين٧٩ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين٨٠ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون٨١ ﴾
الآيات المباركات التي سبقت بينت البرهان على جلال الله، وعلى المبدأ والمعاد، وهذه بينت هداية الكتاب المجيد إلى سنن الرشاد والدلالة على الحق الذي كتمه وحرفه الإسرائيليون مما جاءت به رسلهم، فهذا القرآن الحكيم يسجل على بني إسرائيل أكثر ما اختلفوا فيه، ويبين وجه الصدق فيما بدلوه من التوراة والإنجيل، وما أخفوه منهما ليقطع عذرهم، ويكشف زورهم، فهو يعلمنا الكثير مما خالفوا فيه الوحي الإلهي، ودلنا على القول الفصل، والحكم العدل-﴿ أكثر الذي هم فيه يختلفون ﴾ أكثر ما تجدد واستمر اختلافهم فيه-١ لقد افتروا على ربنا الكبير المتعال أعظم الفرى )وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.. ( ٢ )وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون.
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون( ٣، واختلفوا في المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، فمن قائل : هو الله- ).. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا( ٤ ومن قائل : ثالث ثلاثة، وقد أكذبهم القرآن العظيم فقال- وقوله الحق- :)لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم. ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام.. ( ٥ إلى أن يقول :).. أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا.. ( ٦ )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا.. ( ٧ ).. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم.. ( ٨ )وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد.. ( ٩، كلما اختلفوا في مريم عليها السلام، فمن قائل صديقة، ومن قائل عليها بهتانا وإثما عظيما، فبين الكتاب الحكيم رفعة قدرها في آيات محكمات، منها :)وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين( ١٠ حتى اختلفوا في مآكلهم ومطاعمهم، ونزل الوحي بالحق فقال الله سبحانه :) كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.. ( ١١
٢ سورة المائدة. من الآية ٦٤..
٣ سورة التوبة. الآيتان: ٣٠، ٣١..
٤ سورة الإسراء. من الآية ٤٣..
٥ سورة المائدة. الآيتان: ٧٣، ٧٤، ومن الآية ٧٥..
٦ سورة المائدة. من الآية ٧٦..
٧ سورة المائدة. من الآية ١٧..
٨ سورة المائدة. من الآية ٧٢..
٩ سورة النحل. من الآية ٥١..
١٠ سورة آل عمران. الآية٤٢..
١١ سورة آل عمران. من الآية ٩٣..
﴿ العليم ﴾ المحيط علما بكل شيء.
﴿ إن ربك يقضي بينهم بحكمه ﴾ وسيفصل الله تعالى بين المؤمنين وبين الناس، وسيقضي بين الذين اهتدوا بالكتاب والذين اختلفوا فيه، وبين الإسرائيليين وبعضهم، وبينهم وبين غيرهم- [ فيجازي المحق والمبطل، وقيل : يقضي بينهم في الدنيا فيظهر ما حرفوه، ﴿ وهو العزيز ﴾ المنيع الغالب الذي لا يرد أمره ﴿ العليم ﴾ الذي لا يخفى عليه شيء ]١، ﴿ بحكمه ﴾ قيل أي بحكمته جل شأنه... وقيل : المراد بالحكم المحكوم به إطلاقا للمصدر على اسم المفعول، والمراد بالمحكوم به الحق والعدل، وعلى الوجهين لم يبق المعنى المصدري والداعي لذلك أن﴿ يقضي ﴾ بمعنى : يحكم، فلو بقي الحكم على المعنى المصدري لصار الكلام نحو قولك : زيد يضرب بضربه، وهو لا يقال مثله في كلام عربي... وقيل عليه : ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته، كإضافته إلى ضمير المفعول في :).. وسعى لها سعيها.. ( ٢ إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد-، ٣
٢ من سورة الإسراء. من الآية ١٩..
٣ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ فتوكل ﴾ فاتخذ الله تعالى وكيلا، وفوض إليه الأمور.
﴿ المبين ﴾ البين، أو الفاصل بين المحق والمبطل.
﴿ فتوكل على الله ﴾ ففوض إلى المعبود بحق كل الأمور واتخذه وكيلا، واعتمد عليه فإنه مؤيدك، ومظهر دينك على الدين كله، كما هو سنن المرسلين عليهم صلوات رب العالمين :)وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين( ١﴿ إنك على الحق المبين ﴾ تثبيت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه، ، وتوكيد لصدق ما جاءهم، ووضوح حجتهم، فحقهم بين ظاهر لا خفاء به، وهو مبين الرشد من الغي، والراشدين من الغاوين، ﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ﴾ أي عدم استجابتهم لك ليس لخفاء البر فيما دعوتهم إليه، ولكن لهمود أرواحهم والوقر الذي ضرب على آذانهم، وتأبيهم عن إحياء أرواحهم بما أتيتهم به، وإغلاق مسامعهم نفورا عن الإصغاء إليه :)وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب.. ( ٢، ).. وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا( ٣ )أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي.. ( ٤ ).. لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها.. ( ٥، مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : مسألة- وقد احتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية ؛ فنظرت في الأمر بقياس عقلي، ووقفت مع هذه الآية ؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :" ما أنتم بأسمع منهم " قال ابن عطية : فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين، قلت : روى البخاري رضي الله عنه حدثني عبد الله بن محمد، سمع روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث- وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال- فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه، قالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفير الركي، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله رسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قال : فقال عمر : يا رسول الله ! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ".. اه.
٢ سورة فصلت. من الآية ٥..
٣ سورة الإسراء. من الآية ٤٦..
٤ سورة الزخرف. من الآية ٤٠..
٥ سورة الأعراف. من الآية ١٧٩..
﴿ العمي ﴾ فاقدي الأبصار.
﴿ ولوا ﴾ فروا، وأسرعوا.
﴿ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ﴾ وما أنت بصارف من عميت بصائرهم عن ضلالتهم وحيرتهم وغوايتهم، كما قال الله تعالى له في آيات أخر :)أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( ١ ).. فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ( ٢، ﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾ ما تسمع إسماعا ينفع صاحبه إلا من بقي في قلوبهم أثر حياة، وفي بصائرهم قبس من إدراك :)إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد( ٣ ).. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد( ٤ فهؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى، وتنفعهم الذكرى فإذا هم مبصرون، وبآيات ربهم يصدقون ويستيقنون، - وجوز أن يراد بالآيات : المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يده عليه الصلاة والسلام، الشاملة للآيات التنزيلية والتكوينية، وأن يراد بها الآيات التكوينية فقط، والإيمان بها : التصديق بكونها آيات الله تعالى وليست من السحر، وإذا أريد بالإسماع النافع على هذا إسماع الآيات التنزيلية ليؤتى بما تضمنته من الاعتقادات والأعمال كان الكلام أبعد وأبعد من أن يكون فيه شبه تحصيل الحاصل.. -٥﴿ فهم مسلمون ﴾ فهم منقادون لهدي آياته، مخلصون.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٠٤..
٣ سورة ق. الآية ٣٧..
٤ سورة ق. من الآية ٤٥..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ دابة ﴾ حيوان يدب على وجه الأرض من غير الإنسان.
﴿ من الأرض ﴾ قد يكون المراد أنها تخلق بالتولد كالحشرات، لا بالتوالد كسائر الحيوانات.
﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون٨٢ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون٨٣ حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون٨٤ ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون٨٥ ألم يروا أنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون٨٦ ﴾
عندما يحين الوقت الذي علم الله أنه لن تتفتح قلوب بعده للإسلام والهدي، وقضى ربنا أنه لن تقبل بعد توبة ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وأزف واقترب موعد ذهاب الكون وقيام الساعة، تجيء أماراتها وعلاماتها، ومنها أن تنشق الأرض عن دابة وبهيمة ينطقها المولى القدير الذي أنطق كل شيء- بأمره وإرادته- وتخبر الناس أن الجاحدين في شك من اقتدار الملك المهيمن وصدق وعده، وتردد في قبول آياته وعلامات لقائه، فحقت كلمة ربنا أن لن يؤمن إلا من قد آمن، وفي ذلك يقول القرآن الكريم :).. يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.. ( ١ وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية بما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها )لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض "، أورد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- بسنده- من ثلاث طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما : خروج هذه الدابة حين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، كما نقل عن ابن عطية : إذا لم يعرفوا معروفا ولم ينكروا منكرا.. اه.
ويقول الحسن النيسابوري :﴿ وإذا وقع القول ﴾ أي دنا وشارف أن يحصل مؤداه ومفهومه ﴿ عليهم ﴾ وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب.. اه، نقل صاحب جامع البيان، وصاحب الجامع لأحكام القرآن وصاحب تفسير القرآن العظيم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة٢، وقديما ذهب البعض إلى أن هذه الدابة ربما تكون إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر، ورد عليهم أبو العباس القرطبي بما حاصله : إن هذا يؤدي إلى أن الدابة ليست آية خاصة خارقة للعادة، وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر، الفاضل العالم، الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان، أو بالعالم، أو بالإمام، إلى أن يسمى بدابة، وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء.. اه، أقول : وفي ذلك صرف للقرآن الكريم عن ظاهره، ومجافاة للحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال :" ما تذاكرون " ؟ قالوا : نذكر الساعة، قال : " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات[ فذكر ] الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزل عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس من محشرهم ".
﴿ تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ﴾ تخبرهم أن الكافر والفاجر يجادل في الحق بعد ما تبين، ويرتاب ويشك فيما يصنع الله من دلائل عجيبة- منها خروج الدابة- وإنما جاء فيما حكاه القرآن :﴿ بآياتنا ﴾ أي بآيات ربنا، فحذف المضاف، أو سبب الإضافة اختصاصها بالله، كما يقول بعض خاصة الملك : خيلنا وبلادنا، وإنما هي خيل مولاه وبلاده، ولله المثل الأعلى، وبعد أن نقل صاحب روح المعاني أخبارا في صفة الدابة ليس فيها خبر واحد يصلح للاعتضاد ولا للاستشهاد، وأفاض في ذلك بما يقارب ألف كلمة قال : وفي البحر أنهم اختلفوا في ماهيتها وشكلها ومحل خروجها، وعدد خروجها، ومقدار ما يخرج منها، وما تفعل بالناس، وما الذي تخرج به ؟ اختلافا مضطربا، معارضا بعضه بعضا فطرحنا ذكره لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله اه، وهو كلام حق، وأنا إنما نقلت بعض ذلك دفعا لشهوة من يحب الاطلاع على شيء من أخبارها صدقا كان أو كذبا.. ومن الأخبار في هذا الباب ما صححه الحاكم، وتصحيحه محكوم عليه بين المحدثين بعدم الاعتبار، وقصارى ما أقول في هذه الدابة أنها دابة عظيمة ذات قوائم ليست من نوع الإنسان أصلا، يخرجها الله تعالى آخر الزمان من الأرض.. اه.
٢ ومما جاء فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام،! تنفض عن رأسها التراب،! فارفض الناس عنها شتى ومعا، وتثبت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب، ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان الآن تصلي؟! فيقبل عليها فتسمه في وجهه، ثم تنطلق، ويشترك الناس في الأموال ويصطلحون في الأمصار، يعرف المؤمن من الكافر، حتى إن المؤمن ليقول: يا كافر! اقضني حقي، وحتى إن الكافر ليقول: يا مؤمن اقضني حقي"..
﴿ فوجا ﴾ جماعة.
﴿ يوزعون ﴾ يدفعون ويساقون، أو يحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا.
﴿ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون ﴾ أي : واذكر يا محمد للناس شيئا من أهوال اليوم الآخر وأحواله، فسنجمع يوم الفصل من كل أمة من أمم الأنبياء عليهم السلام ومن أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة١ مكذبة بآياتنا التنزيلية وآياتنا التكوينية، ويوقفون حتى يجمع أولهم على آخرهم، يحبسون حتى يوقفوا بين يدي الله كل طائفة بإمامها
٢ سورة المؤمنون. الآيات: ١٠٦، ١٠٧، ١٠٨..
﴿ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ﴾ ألم يعلموا، ويروا بمداركهم وبصائرهم أن المولى البر الرحيم خلق الليل، وهيأ لنا في أسباب السكون والراحة والاستقرار والنوم، فيحملهم ذلك على شكر النعمة، وتقديس المنعم، والإذعان لجلاله، وإفراده بالتعظيم والتأليه دون سواه، ﴿ والنهار مبصرا ﴾ ومن فضله ورحمته أن جعل النهار مضيئا، لنبصر بما فيه من ضياء طرق التقلب في المعاش، والسعي على الأرزاق، والنهوض بما عهد الله إلينا من أمانات، ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ إن في اختلاف الليل والنهار، وتعاقبهما، واختصاص كل منهما بما قضت به سنن المولى الحكيم لعلامات عظيمة ودلالات بينة، تزيد المؤمنين إيمانا، والمهتدين هدى، وتفتح بصائر المتدبرين على أن ربنا هو الحق المبين، وأننا إليه صائرون، وبين يديه موقوفون، وعلى أعمالنا محاسبون، ، وبسعينا مجزيون.
﴿ ففزع ﴾ فخاف خوفا شديدا، أو : فأسرع وأجاب النداء.
﴿ أتوه ﴾ جاءوه. ﴿ داخرين ﴾ أذلاء، صاغرين.
﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين٨٧ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون٨٨ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون٨٩ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون٩٠ ﴾.
﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ﴾ قد تكون هذه الآية الكريمة معطوفة على قول الله سبحانه :﴿ ويوم نحشر من كل أمة فوجا.. ﴾، وقد تكون منصوبة بفعل محذوف تقديره : واذكر، أو : وذكرهم يوم ينفخ.. ، والصور : قرن أو بوق- كالمزمار- ينفخ فيه ملك بإذن الله يوم تقوم الساعة، - والصحيح في الصور أنه قرن١ من نور ينفخ فيه إسرافيل، قال مجاهد : كهيئة البوق-٢[ وقيل : في الكلام استعارة تمثيلية، شبه هيئة انبعاث الموتى من القبور إلى المحشر إذا نودي بالقيام بهيئة قيام جيش نفخ لهم في المزمار المعروف وسيرهم إلى محل عين لهم، والأول قول الأكثرين- وعليه المعول-... وارتكاب التأويل يجعل الكلام من باب التمثيل ظاهر في إنكار أن يكون هناك صور حقيقية، وهو خلاف ما نطقت به الأحاديث الصحيحة، وقد قال أبو الهيثم... من أنكر أن يكون الصور قرنا فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان ]٣.
قال مجاهد : هما صيحتان : أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله.. اه، مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم عن الإمام مسلم بن الحجاج بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :".. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا- قال- وأول من يسمعه رجل يلوط٤ حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله- أو قال ينزل الله- مطرا كأنه الطل- أو قال الظل، شعبة الشاك- فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسئولون ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق " وقوله : ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، الليت هو صفحة العنق، أي أمال عنقه ليستمعه من السماء جيدا.. اه.
﴿ إلا من شاء الله ﴾ يفزع الخلائق حتى لتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، ).. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد( ٥ : إلا من رضي المولى عنهم، واصطفاهم لولايته ومحبته وكرامته، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فإنهم لا يخافون ولا يحزنون، وعد الله لا يخلف وعده، فقد جاءتهم من ربنا البشرى )لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون( ٦، وقد أطال٧ كثير من المفسرين في ذكر الخلاف حول النفخ في الصور، كم عدده ؟، وهل نفخة الصعق التي بينتها الآية الكريمة التي في سورة الزمر هي مكملة الثلاث ؟ أم هي نفختان ؟، وأيه واحدة منها هذه التي بينتها الآية التي نحن بصدد تفسيرها ؟ ومن هم المستثنون ؟ أهم الأنبياء ؟ أم الملائكة ؟ أم الشهداء، أم طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين ؟ أم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ؟ - وقيل : الحور العين، وقيل : هم المؤمنون، لأن الله تعالى قال عقيب هذه :﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ﴾٨، ﴿ وكل أتوه داخرين ﴾ كل من قضى الله تعالى أن يبعثهم ويحشرهم يجيئون إلى الموقف مطيعين، لا يتخلف عن ذلك أحد، كما قال المولى- تبارك اسمه- :) إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا( ٩
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن، وذكر القرطبي أن الأمم مجمعة على ذلك..
٣ مما أورده الألوسي..
٤ يلوط حوض إبله: يدهنه ويطينه ويغطي شقوقه..
٥ سورة الحج. من الآية ٢..
٦ سورة الأنبياء الآية ١٠٣..
٧ حتى لقد أورد الألوسي في هذا الشأن ثلاث صفحات، ضمت قريبا من ألف وخمسمائة كلمة..
٨ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٩ سورة مريم. الآيات ٩٣، ٩٤، ٩٥..
﴿ تمر مر السحاب ﴾ تسير سيرا سريعا كأنها السحاب.
﴿ أتقن ﴾ أحسن، وأحكم.
﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾- ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه، فأول الصفات الاندكاك، وذلك قبل الزلزلة ثم تصير كالعهن المنفوش وذلك إذا صارت السماء كالمهل، وقد جمع الله بينهما فقال :( يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن( ١، والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن، والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها.. ترفعها على وجه الأرض فتظهر شعاعا في الهواء كأنها غبار، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة، وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح.. والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب-٢.
﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴾ هذا الإنشاء، وهذا الإفناء فعل الله الذي أحسن كل شيء، وأحكمه وأتقنه صنعا، والصنع : العمل المجود المحسن، والإتقان : الإحكام الذي لا تفاوت فيه ولا نقص ولا خلل، ﴿ إنه خبير بما تفعلون ﴾ عليم بظواهر الأعمال وبواطنها، خبير بكل جلي وكل خفي، فمجازيكم على ما فعلتم إن خيرا، وإن شرا، [ جعله بعض المحققين تعليلا لكون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده صنعا محكما له تعالى، ببيان أن علمه تعالى بظواهر أحوال المكلفين وبواطنها مما يستدعي إظهارها وبيان كيفياتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب أخيريتها عليها بعد بعثهم وحشرهم، وتسيير الجبال حسبما نطق به التنزيل ]٣.
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٣ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني.
.
﴿ وهم من فزع يومئذ آمنون ﴾ والذين أحسنوا واتقوا لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ).. لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم( ٢
٢ سورة يونس. من الآية ٦٤..
﴿ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ ومن يأت ربه مجرما فإنه يكب في جهنم ويقلب وينكس على وجهه، ثم تقول لهم الملائكة توبيخا لهم وتحسيرا : ما ظلمكم الله ولكن ظلمتم أنفسكم، وما تلاقون إنما هو جزاء ما كنتم تعملونه في دنياكم، فما أعدل ربي، وما أعظم فضله، يضاعف الحسنة عشرة أضعاف، إلى سبعمائة، إلى أضعاف لا يعلمها إلا هو، ).. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون( ١.
كأن قبل الآية الكريمة الأولى :﴿ إنما أمرت.. ﴾ محذوفا، تقديره : قل، ولعل المعنى : قل- بعد أن بينت لهم أحوال المبدأ والمعاد، وشرح أحوال وأهوال السؤال والحساب، والجزاء والثواب- : إني أمرت أن أعبد الله.. فاعبدوه تهتدوا وتفلحوا، ﴿ .. أن أعبد رب هذه البلدة ﴾ أن أكون عبدا معظما لرب مكة أم القرى، مطيعا له، شاكرا لأنعمه، حفيظا على أماناته، مبلغا لرسالاته، معظما لشعائره وحرماته، ﴿ الذي حرمها وله كل شيء ﴾ فهو الذي جعل هذا البلد آمنا كل من دخله أو جاوره، وبهذا امتن على جيران بيته العتيق- زاده الله تشريفا وتكريما وعزا ومهابة- :)أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم.. ( ١ ).. ومن دخله كان آمنا.. ( ٢ )فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف( ٣، ولربنا الذي جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس، وحرم مكة لا يصاد صيدها، ولا يقطع نبتها إلا لحاجة، في الصحيحين عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة :" إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه "، فبهذا أمن الإنسان والحيوان، بل والنبات في هذا البلد الأمين- لربنا كل شيء خلقا وملكا وتصرفا، من غير أن يشاركه سبحانه شيء في شيء من ذلك.
﴿ وأمرت أن أكون من المسلمين ﴾ وأمرني ربي أن أثبت على ما كنت عليه- من كوني من جملة الثابتين على ملة الإسلام والتوحيد، والذين أسلموا وجوههم لله تعالى خالصة-٤.
٢ سورة آل عمران. من الآية ٩٧..
٣ سورة قريش. الآيتان. ٣-٤..
٤ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٢ سورة القصص. من الآية ٣..
٣ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٤ سورة البقرة. من الآية ١٢١..
٥ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
٦ سورة البقرة. من الآية ١١٩..
٧ سورة يونس. الآية ١٠٤، ومن الآية ١٠٥..
﴿ وما ربك بغافل عما تعملون ﴾ ربكم على كل شيء حفيظ، وشهيد ورقيب، وقائم على كل نفس وحسيب، )وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى( ٤ فاستقيموا إليه واستغفروه، واستجيبوا له قبل أن يأتي يوم لا مرد له، فلله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، والإنذار إليه، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٥٨..
٣ سورة فصلت. الآية ٥٣..
٤ سورة النجم. الآيات: ٣٩، ٤٠، ٤١..