تفسير سورة النّمل

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة النمل من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة النمل
قوله تعالى (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (طس) قال: اسم من أسماء القرآن.
انظر تفسير سورة القصص آية (٢) وفيه قول قتادة.
قوله تعالى (هدى وبشرى للمؤمنين)
قال ابن كثير: (هدى وبشرى للمؤمنين)، أي إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه، وعمل بما فيه، وأقام الصلاة المكتوبة، وآتى الزكاة المفروضة، وآمن بالدار الآخرة والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال، خيرها، وشرها، والجنة والنار، كما قال تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد).
وانظر سورة الإسراء آية (٨) قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً).
قوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون)
قال ابن كثير: (زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) أي: حسنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم فهم يتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الآخرة، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون).
انظر سورة البقرة آية (١٥) لبيان يعمهون أي: يترددون ويتمادون.
قوله تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣))
وفيها تكليم الله لموسى والآيات التسع وقد ورد هذا التكليم والآيات التسع بالتفصيل في سورة الأعراف (١٤٣-١٤٤)، وسورة طه (٩-٢٤)، وسورة الشعراء (١٠-١٥). أما الآيات التسع فقد فصلت في سورة الأعراف آية (١٣٣)، وسورة البقرة آية (٦٠).
قوله تعالى (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)
انظر سورة طه آية (١٠-١٢) وفيها: (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى).
قوله تعالى (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها... )
انظر حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم المتقدم عند الآية (٢٥٥) من سورة البقرة. إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام... حجابه النور (وفي رواية أبي بكر النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وأخرجه الإمام أحمد بسنده إلى أبي موسى، وفي آخره: ثم قرأ أبو عبيدة -هو ابن عبد الله بن مسعود- (نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين).
(المسند ٤/٤٠١) من طريق: المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى به. وتابع المسعودي شعبة، أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة النمل /٨ ح٤٠) فذكر نحوه، وهو إسناد صحيح - كما قال محقق ابن أبي حاتم.
26
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (نودي أن بورك من في النار) يقول: قدس.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (نودي أن بورك من في النار) قال: نور الله بورك.
قوله تعالى (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ولم يعقب) قال: لم يرجع.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (ولم يعقب) قال: لم يلتفت.
قوله تعالى (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ) ثم تاب من بعد إساءته (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قوله تعالى (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)
انظر سورة الإسراء آية (١٠١) لبيان تفصيل الآيات المعجزات التسع.
قوله تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)
قال الشيخ الشنقيطي: قد قدمنا أنها وراثة علم ودين لا وراثة مال في سورة مريم في الكلام على قوله (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) الآية، وبينا هناك الأدلة على أن الأنبياء لا يورث عنهم المال. وفيها الثناء على الله تعالى من سليمان وداود بسبب تفضل الله لهم على كثير من المؤمنين، وقد ورد بيان هذا الفضل في الآية التي تليها (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا
27
من كل شىء إن هذا لهو الفضل المبين) ثم ذكر من هذه الأشياء في الآيات التالية من آية (١٧-٤٤). من السورة نفسها، وبين أشياء أخر في سور أخرى كما في سورة سبأ آية (١٢) فيها تسخير الريح، وإسالة النحاس له، وفي سورة الأنبياء آية (٨٢) تسخير الجن له.
أخرج البستي بسنده الحسن عن السدي في قول الله جل وعز: (وورث سليمان داودَ) قال: نبوته.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (منطق الطير) قال: النملة من الطير.
قوله تعالى (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤))
فيها بعض الأشياء التي تفضل الله تعالى بها على سليمان عليه الصلاة والسلام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن الحسن (يوزعون) أي: يتقدمونه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (قال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك) يقول: اجعلني.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لأعذبنه عذاباً شديداً) قال: أنتف ريشه كله.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (أو ليأتيني بسلطان مبين) قال: بعذر مبين.
أخرج البستي بسنده الحسن عن ابن عباس قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يخرج الخبء) قال: الغيث.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (يخرج الخبء) قال: هو السر.
قوله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم)
انظر بداية التفسير بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله تعالى (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أيكم يأتيني بعرشها) قال: سرير في أريكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قبل أن يأتوني مسلمين) قال: طائعين.
قوله تعالى (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (قبل أن تقوم من مقامك) قال: يعني مجلسه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (وإني عليه لقوي أمين) يقول: قوي على حمله، أمين على فرج هذه.
قوله تعالى (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ…)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قبل أن يرتد إليك طرفك) قال: إذا مد البصر حتى يرد الطرف خاسئاً.
قوله تعالى (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)
قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه موضحا في آيات متعددة، كقوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه)، وقوله (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون)، وقوله تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَ) قال: غيروه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ننظر أتهتدي) قال: أتعرفه؟.
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كأنه هو) قال: شبهته به وكانت قد تركته خلفها.
قوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً…)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حسبته لجة) قال: كان من قوارير، وكان الماء من خلفه فحسبته لجة أي الماء.
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٤٨) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))
وفي هذه قصة صالح مع قومه وقد وردت في سورة هود (٦١-٦٨)، وسورة الأعراف (٧٣-٧٩).
قال الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أرسل نبيه صالحا إلى ثمود، فإذا هم فريقان يختصمون، ولم يبين هنا خصومة الفريقين، ولكنه بين ذلك في سورة الأعراف في قوله تعالى (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) فهذه خصومتهم، وأعظم أنواع الخصومة، الخصومة في الكفر والإيمان.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (فريقان يختصمون) قال: مؤمن وكافر، وقولهم صالح مرسل، وقولهم صالح ليس بمرسل. ويعني (يختصمون) : يختلفون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) قال: السيئة: العذاب، قبل الحسنة: قبل الرحمة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (طائركم عند الله)، قال: علم عملكم عند الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قال طائركم عند الله) يقول: مصائبكم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تسعة رهط) قال: من قوم صالح.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (تقاسموا بالله) قال: تحالفوا على إهلاكه، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون) قد دلت هذه الآية الكريمة على أن نبي الله صالحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام نفعه الله بنصرة وليه: أي أوليائه لأنه مضاف إلى معرفة، ووجه نصرتهم له أن التسعة المذكورين في قوله تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا) أي:
تحالفوا بالله، لنبيتنه: أي لنباغتنه بياتا: أي ليلا فنقتله ونقتل أهله معه (ثم لنقولن لوليه) أي أوليائه وعصبته (ما شهدنا مهلك أهله) أي: ولا مهلكه هو، وهذا يدل على أنهم لا يقدرون أن يقتلوه علنا، لنصرة أوليائه له، وإنكارهم شهود مهلك أهله دليل على خوفهم من أوليائه.
قوله تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨))
وفيها قصة لوط وقد تقدمت في سورة الأعراف (٨٠-٨٤)، وسورة هود (٧٧-٨٣) وسورة الحجر (٥٧-٧٧)، وسورة الأنبياء (٧١-٧٥).
قال ابن كثير: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، أي: لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا، كما قال في الآية الأخرى:
(أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إنهم أناس يتطهرون) قال: من أدبار الرجل وأدبار النساء استهزاء بهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة أنه تلا (إنهم أناس يتطهرون) فقال: عابوهم والله بغير عيب أي إنهم يتطهرون من أعمال السوء.
وانظر سورة الأعراف آية (٨٣) لبيان قوله تعالى (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين) أي من الباقين في عذاب الله تعالى.
قوله تعالى (وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة... ) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حدائق ذات بهجة) قال: النخل الحسان.
قوله تعالى (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون)
قال ابن كثير: (وجعل بين البحرين حاجزا)، أي: جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا، أي: مانعاً يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس. والمقصود منها أن تكون عذبة زلالا تسقي الحيوان والنبات والثمار منها. والبحار المالحة المحيطة بالأرجاء والأقطار والأرجاء، من كل جانب، والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء بريحها، كما قال تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا).
وانظر سورة لقمان آية (١٠) لبيان رواسي أي: جبال.
قوله تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (ويجعلكم خلفاء الأرض)، أي: يخلف قرناً لقرن قبلهم خلفا لسلف، كما قال تعالى (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين)، وقال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات).
قوله تعالى (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون)
قال ابن كثير: يقول (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) أي: بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية، كما قال: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر... ) الآية.
قوله تعالى (أمّن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
انظر سورة الأنبياء آية (١٠٤).
قال ابن كثير: أي: هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده، كما قال في الآية الأخرى: (إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد) وقال: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه)... (قل هاتوا برهانكم) على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى (إن كنتم صادقين) في ذلك، وقد علم أن لا حجة لهم ولا برهان، كما قال: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) سورة المؤمنون: ١١٧.
قوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)
انظر سورة الأنعام آية (٥٩).
قوله تعالى (بل ادارك علمهم في الآخرة... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بل ادارك علمهم في الآخرة) يقول: غاب علمهم.
قوله تعالى (وقال الذين كفروا أءِذا كنا ترابا وعظاما وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين)
انظر سورة الرعد آية (٥)، وسورة الصافات آية (١٦).
قوله تعالى (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم) يقول: اقترب لكم.
قوله تعالى (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ)
انظر سورة الأنعام آية (٥٩).
قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) ومن ذلك اختلافهم في عيسى، فقد قدمنا في سورة مريم ادعاءهم على أمه الفاحشة، مع أن طائفة منهم آمنت به، كما يشر إليه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) والطائفة التي آمنت قالت الحق في عيسى، والتي كفرت افترت عليه وعلى أمه. كما تقدم إيضاحه في سورة مريم.
قوله تعالى (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين)
انظر سورة الإسراء آية (٩).
قوله تعالى (إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم)
انظر حديث ابن مسعود عند البخاري المتقدم عند الآية (٩٣)، من سورة النساء، وهو حديث: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء".
قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)، اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن، أن معنى قوله هنا: إنك لا تسمع الموتى لا يصح فيه من أقوال العلماء إلا تفسيران:
الأول أن المعنى: إنك لا تسمع الموتى: أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة،
وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع: ومن القرائن القرآنية الدالة على ما ذكرنا أنه جل وعلا قال بعده: (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)... التفسير الثاني: هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله (إنك لا تسمع الموتى) خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وإن هذا مثل ضرب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا بربهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء)، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم جميع أنواع السماع كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماع أخر فلا، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.
وانظر سورة البقرة آية (١٧).
قوله تعالى (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم)
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة، حذيفة بن أسيد. قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة.
قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس.
(الصحيح ٤/٢٢٢٦ بعد رقم ٢٩٠١ -ك الفتن وأشراط الساعة، ب في الآيات التي تكون قبل الساعة).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإذا وقع القول عليهم) قال: حق عليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) قال: تحدثهم.
قوله تعالى (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر الآية الكريمة خصوص الحشر بهذه الأفواج المكذبة بآيات الله، ولكنه قد دلت آيات كثيرة على عموم الحشر لجميع الخلائق، كقوله تعالى بعد هذا بقليل (وكل أتوه داخرين)، وقوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا)، وقوله تعالى (ويوم يحشرهم جميعا).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من كل أمة فوجا) قال: زمرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال: يقول: فهم يدفعون.
قوله تعالى (حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون)
قال ابن كثير: (حتى إذا جاءوا)، أي: أوقفوا بين يدي الله عز وجل في مقام المساءلة (قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون) ؟
أي: ويسألون عن اعتقادهم، وأعمالهم فلما لم يكونوا من أهل السعادة وكانوا كما قال الله تعالى عنهم: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى)، فحينئذ قامت عليم الحجة، ولم يكن لهم عذر يعتذرون به كما قال تعالى: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين).
قوله تعالى (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون)
قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن القول الذي وقع عليم هو كلمة العذاب، كما يوضحه قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) ونحو ذلك من الآيات، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فهم لا ينطقون)، ظاهره أن الكفار لا ينطقون يوم القيامة، كما يفهم من قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون)، وقوله تعالى (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) الآية،
مع أنه بينت آيات أخر من كتاب الله أنهم ينطقون يوم القيامة، ويعتذرون، كقوله تعالى عنهم (والله ربنا ما كنا مشركين) …
قوله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)
انظر سورة الإسراء آية (١٢).
قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين)
انظر حديث مسلم الطويل عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (٢٤) من سورة الصافات، وفيه ذكر النفخ في الصور.
وانظر حديث أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما المتقدم تحت الآية (٧٣) من سورة الأنعام وهو حديث: "الصور قرن ينفخ فيه".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ويوم ينفخ في الصور) قال: كهيئة البرق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم ينفخ في الصور)، أي في الخلق (ففزع من في السماوات ومن في الأرض)، يقول: ففزع من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الجن والإنس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك اليوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وكل أتوه داخرين) يقول: صاغرين.
قوله تعالى (... وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة) يقول: قائمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (صنع الله الذي أتقن كل شيء) يقول: أحكم كل شيء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الذي أتقن كل شيء) قال: أوثق كل شي وسوى.
قال ابن كثير: وقوله (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهى تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) وقال: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا)، وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) سورة الكهف: ٤٧.
قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار... )
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
(الصحيح ١/٩٤ ح٩٣ -ك الإيمان، من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة).
قال الطبري: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هريرة -قال يحيى: أحسبه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون) قال: وهى لا إله إلا الله (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) قال: وهي الشرك".
(التفسير ٢٠/٢٢) وإسناده حسن، وأخرج ابن أبي حاتم في (تفسيره رقم ٥٧٨ من سورة النمل) من طريق يحيى بن أيوب به، لكن موقوفاً على أبي هريرة، وأشار إلى شطره الأول عن أبي هريرة موقوفاً.
أيضاً (عقب رقم ٥٧٣ من سورة النمل) ويشهد له ما أخرجه الطبري في (تفسيره رقم ١٤٢٧٢-١٤٢٧٤) وابن أبي حاتم في (تفسيره رقم ٥٧٣ من سورة النمل)، والحاكم في (المستدرك ٢/٤٠٦) وفي إسناده سقط، والبيهقي في (الأسماء والصفات ص١٣٣) من طرق عن الحسن بن عبيد الله عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال عن عبد الله بن مسعود قال: (من جاء بالحسنة) قال: من جاء بلا إله إلا الله، قال: (من جاء بالسيئة) قال: الشرك. وأخرجوه أيضاً -سوى ابن أبي حاتم- من طريق الأعمش عن جامع به، وفي بعض الروايات الاقتصار على شطره الأول، وصححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي. وورد نحوه أيضاً من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موقوفاً عند الطبري (رقم ١٤٢٩٠ و٢٠/٢٢) وابن أبي حاتم (رقم ١٢٢٣ من سورة الأنعام، ورقم ٥٧٩ من سورة النمل) والبيهقي في (الأسماء والصفات ص٣٤٥-١٣٥). وإسناده جيد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) يقول: من جاء بلا الله إلا الله (ومن جاء بالسيئة) وهو الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فله خير منها) يقول: له منها حظ.
قوله تعالى (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور عن مجاهد، عن طاوُس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة: "إن هذا البلد، حرّمه الله، لا يُعْضَد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرفها".
(صحيح البخاري ٣/٥٢٥ -ك الحج، ب فضل الحرم ح١٥٨٧).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) يعني: مكة.
قوله تعالى (ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين)
قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في آيات كثيرة كقوله تعالى (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب). وقوله تعالى (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) وقوله تعالى (فتول عنهم فما أنت بملوم).
قوله تعالى (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها)
قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).
قوله تعالى (وما ربك بغافل عما تعملون)
قال الشيخ الشنقيطى: جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
أخرج آدم ابن أبي إياس بشده الصحيح عن مجاهد، قوله (سيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق.
وانظر سورة فصلت آية (٥٣).
Icon