تفسير سورة القدر

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة القدر من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة القدر
مكية وآياتها خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
شرح الكلمات:
إنا أنزلناه: أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
في ليلة القدر: أي ليلة الحكم التقدير التي يقضي فيها قضاء السنة كلها.
وما أدراك ما ليلة القدر: أي إن شأنها العظيم.
ليلة القدر خير من ألف شهر: أي العمل الصالح فيها من صلاة وتلاوة قرآن ودعاء خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
والروح فيها: أي جبريل في ليلة القدر.
بإذن ربهم: أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزل فيها.
من كل أمر: أي من كل أمر قضاه الله تعالى في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك.
سلا هي حتى مطلع الفجر: أي هي سلام من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ١﴾ أي القرآن الكريم الذي كذب به المكذبون وأنكره الكافرون يخبر تعالى أن ما يتلوه عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو حق وحي الله وكتابه أنزله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وذلك في ليلة الحكم والقضاء التي يقضي الله فيها ما يشاء من أحداث العالم
١ وجائز أن يطلق لفظ أنزلناه في ليلة القدر على الخمس التي أنزلت بغار حراء في رمضان وهي اقرأ باسم ربك.. إلى ما لا يعلم أي باعتبار بداية نزوله، وما في التفسير عليه أئمته.
597
من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة الآتية وذلك كل سنة وهذا كقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ١ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ إذ ما قضاه الله تعالى وحكم بوجوده قد كتب في اللوح المحفوظ ومنه القرآن الكريم ثم في ليلة القدر تؤخذ نسخة من أحداث السنة فتعطى الملائكة وتنفذ حرفيا في تلك السنة، ولذلك كان لليلة القدر بمعنى التقدير شأن عظيم ففضلها الله على ألف شهر وأخبر عن سبب فضلها أن الملائكة تتنزل فيها وجبريل معهم بإذن ربهم أي ينزلون بإذن الله تعالى لهم وأمره إياهم بالنزول ينزلون مصحوبين بكل أمر قضاه الله وحكم به في تلك السنة من خير وشر من رزق وأجل ولفضل هذه الليلة كانت العبادة فيها تفضل غيرها من نوعها بأضعاف مضاعفة إذ العمل تلك الليلة يحسب لصاحبه عمل ألف ليلة أي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. هذا ما دل عليه قوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ٢ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ٣ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ وقوله ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ أي هي سلام من كل شر إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع فجرها إنها كلها سلام سلام الملائكة على العابدين من المؤمنين والمؤمنات وسلامة من كل شر. والحمد لله الذي جعلنا من أهلها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
٢- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
٣- فضل ليلة القدر وفضل العبادة فيها٤.
٤- بيان أن القرآن نزل في رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأنه ابتدئ نزوله على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان أيضا.
٥- الندب٥ إلى طلب ليلة القدر للفوز بفضلها وذلك في العشر الأواخر من شهر رمضان وأرجى
١ فاتحة سورة الدخان.
٢ الاستفهام للتفخيم من شأن ليلة القدر أي أي شيء يعرفك ما هي ليلة القدر ذات الشأن العظيم وإظهار لفظ ليلة القدر بعد وما أدراك ما ليلة القدر دال على الاهتمام بها كقول عدي:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
نغص الموت ذا الغني والفقير
٣ لحديث مالك في الموطأ سمعن من أثق فيه يقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرى أعمار الأمم قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر.
٤ حديث الصحيحين: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
٥ أرجح الأقوال في ليلة القدر أنها في الوتر من العشر الأواخر من كل عام لحديث الصحيح التمسوها في الوتر من العشر الأواخر وأن من صلى العشاء ليلتها في الجماعة ينال فضلها لما قاله مالك في الموطأ وهو قول سعيد بن المسيب (من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها ومثله لا يدرك بالرأي).
598
ليلة في العشر الأواخر هي الوتر كالواحدة والعشرين إلى التاسعة والعشرين لحديث الصحيح التمسوها في العشر الأواخر.
٦- استحباب الإكثار من قراءة القرآن وسماعه فيها لمعارضة جبريل الرسول١ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن في رمضان مرتين.
١ معارضة القرآن ثابتة في الصحيح وفضل الدعاء فيها ثابت في الصحيح. قالت عائشة يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
599
Icon