تفسير سورة الفاتحة

التفسير القرآني للقرآن
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب التفسير القرآني للقرآن المعروف بـالتفسير القرآني للقرآن .
لمؤلفه عبد الكريم يونس الخطيب . المتوفي سنة 1390 هـ
١- فاتحة الكتاب
نزولها: مكية، وقيل إنها نزلت بمكة، ثم نزلت مرة أخرى بالمدينة.
ولا وجه لهذا القول.
عدد آياتها: سبع.
عدد كلماتها: خمس وعشرون كلمة.
عدد حروفها: مائة وثلاث وعشرون حرفا.
من أسمائها: سميت بأسماء كثيرة، جاوزت المائة، وذلك حسب ما يقع فى الخاطر منها.
ومن أسمائها: الفاتحة، وفاتحة الكتاب، والحمد، وسورة الحمد، والشافية، والشفاء، وأم القرآن، وأم الكتاب: والسبع المثاني (لأنها تثنى- أي تكرر- فى كل صلاة).
آية: (١) [سورة الفاتحة (١) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
التفسير: باسم الألوهية يقوم الوجود، وإليه يركن كل موجود.. فكل عوالم الكون مألوهة لله، خاضعة لمشيئته، محفوفة برحمته.
ووصف الألوهية بهاتين الصفتين: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» يدل على أن هذا الوجود إنما هو فيض من رحمانية الله ورحمته. إذ الوجود- على أية صورة من صوره- نعمة وخير، إذا هو قيس بالعدم، الذي هو فناء مطلق، وتيه وضياع.
آية: (٢) [سورة الفاتحة (١) : آية ٢]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)
التفسير: بهذا الحمد لله تنطق المخلوقات كلها، فهو سبحانه الذي أوجدها من العدم وأعطاها خلقها بين المخلوقات، وقام عليها مدبرا، وحافظا، «الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» (٥٠: طه)، فحق عليها أن تحمده، وتشكر له، وقد لزمها هذا الحق الذي لا انفكاك لها منه، إن لم تؤده اختيارا أدته اضطرارا، وإن لم يفصح عنه ظاهرها نمّ عليه باطنها: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (٤٤: الإسراء)
آية: (٣) [سورة الفاتحة (١) : آية ٣]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)
التفسير: استفاضة رحمانية الله، وشمول رحمته، يجدها كل موجود فى نفسه، وفيما حوله، ولهذا كان حمد الله واقعا بين هاتين الصفتين، كأنه تعقيب عليهما أولا، وكأنهما تعليل له ثانيا.
آية: (٤) [سورة الفاتحة (١) : آية ٤]
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)
التفسير: يوم الدين: هو يوم الدينونة، أي الحساب والجزاء، وهو يوم القيامة: «وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» (١٧- ١٨- ١٩:
الانفطار).
ومجىء «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» معطوفا عطف بيان على «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» للإشعار بأن هذه الملكية ملكية رحمانية ورحمة، تضع موازين القسط للفصل بين الناس، حيث يثاب المحسنون، ويعاقب المسيئون، وهو عقاب فيه رحمة لهم، حيث يطهرهم من أدران الآثام التي علقت بهم، ليكونوا أهلا لمساكنة الملأ الأعلى.
آية: (٥) [سورة الفاتحة (١) : آية ٥]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
التفسير: من مقتضى حمد لله الذي استوجبه على عباده بربوبيته، ورحمته، أن يفرد بالعبودية، وأن يختص بالعبادة، فلا متوجّه إلا إليه، ولا لجوء إلا له، ولا معول إلا عليه. «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ، فَادْعُوهُمْ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (١٩٤: الأعراف).
آية: (٦) [سورة الفاتحة (١) : آية ٦]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)
. التفسير: الصّراط المستقيم: هو الطريق القائم على الحق والعدل، الموصّل إلى الخير والفلاح، لا يضل سالكه، ولا تتعثر له قدم فيه.
آية: (٧) [سورة الفاتحة (١) : آية ٧]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
19
التفسير: هذا بيان للصراط المستقيم ولأهله، الذين أنعم الله عليهم، فهداهم إليه، وأقامهم عليه، ثم بيان آخر للصراط المستقيم، وهو صراط لا يسلكه للمغضوب عليهم، الذين مكروا بآيات الله، وكفروا بنعمه، فضربهم بغضبه، وصبّ عليهم لعنته، وهو صراط لا يستقيم عليه من اتبع هواه، وعمى عن الحق الذي بين يديه! والمغضوب عليهم هم اليهود، وقد صرّح القرآن فى غير موضع وفى أكثر من آية، بأنهم مغضوب عليهم من الله، فقال تعالى: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» (٦٠: المائدة) وليس وصف اليهود بالمغضوب عليهم مانعا من إطلاق الوصف على كل من غضب الله عليه، فحاد عن الطريق المستقيم، وكذلك الشأن فى «الضالين» باعتباره وصفا لكل من ضل طريق الحق والهدى.
وفى دعاء المؤمنين بأن يهديهم الله الصراط المستقيم، ويجنبهم صراط المغضوب عليهم، والضالين عن الطريق القويم- فى هذا الدعاء غاية فى تحرّى الطريق إلى الله، والتماسه مستقيما خالص الاستقامة، بعيدا عن مزالق المفتونين فى دينهم، والمنحرفين عن سواء السبيل.
و «آمين» دعاء تختم به السورة، وهو اسم فعل أمر، بمعنى استجب يا الله ما دعوناك به. وهذا اللفظ ليس من القرآن..
وهذا، وتلك السورة الكريمة، فوق أنها قرآن كريم، هى مفتتح هذا القرآن، وهى أم الكتاب الكريم، لاشتمالها على أصول الشريعة الإسلامية، من توحيد، وعبادات، وآداب، ومعاملات..
ولهذا كانت ملاك الصلاة، التي هى بدورها ملاك الإسلام كله،
20
إذ لا صلاة لمن لا يصلى بها، ومن أجل هذا سميت آياتها السبع، السبع المثاني، إذ يثنّى بها فى كل صلاة، أي تقرأ مثنى فى الصلاة ذات الركعتين، ومثنى مثنى فى الصلاة ذات الأربع ركعات! واستمع إلى هذا الدعاء أو الصّلاة.
«أبانا الذي فى السماوات.. ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما فى السّماء كذلك على الأرض.. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا.. ولا تدخلنا فى تجربة..
لكن نجّنا من الشّرّير.. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد.. آمين»
أتدرى ما هذا الكلام؟
إنّه الصّلاة التي كان يصلّى بها السيّد المسيح، والتي علّم أتباعه أن يصلوا بها.. إذ يقول لهم:
«وحينما تصلّون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم، فإنهم يظنون أنهم بكثرة كلامهم يستجاب لهم.. فلا تتشبهوا بهم.. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه..

فصلّوا أنتم هكذا» «١».


ثم يذكر لهم هذه الصلاة على النحو السابق..
وأنت ترى ما بين هذه الصلاة التي كان يصلى بها السيد المسيح، ويعلمها أتباعه، وبين فاتحة الكتاب التي هى قرآن المسلمين فى صلاتهم- أنت ترى ما بين هذه وتلك من تشابه كبير فى الروح التي تستولى على الإنسان وهو
(١) إنجيل متى: الإصحاح السادس.
21
يتلوها، خاشعا متعبدا.. أليس ذلك دليلا على أنهما من معدن واحد، وأن متنزلهما السماء، وحيا من رب العالمين؟ ثم أليس ذلك دليلا على ما بين الديانات السماوية من صلات وثيقة قائمة على الحق العدل؟ بلى! وإنه لو سلمت الكتب السماوية السابقة من التحريف، لالتقت مع القرآن فى كل ما جاء به، ولكن التحريف والتعديل باعد بين تلك الكتب وبين القرآن فى أصول الدعوة وفروعها على السواء.!
22
Icon