تفسير سورة الكوثر

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

١٠٨ شرح إعراب سورة الكوثر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الكوثر (١٠٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)
النون والألف الأوليان في موضع نصب اسم إن والأخريان في موضع رفع والْكَوْثَرَ مفعول ثان وهي في اللغة فوعل من الكثرة وقد اختلف العلماء في معناه فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه الحوض ولما قال سعيد بن جبير: الكوثر الخير الكثير قيل له فقد قيل: إنه الحوض فقال: الحوض من الخير الكثير، وقال الحسن وقتادة: الكوثر القرآن، وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى ثنا عبيد الله بن موسى ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة قال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» (١) قال: النبوة والقرآن.
[سورة الكوثر (١٠٨) : آية ٢]
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)
اختلف العلماء في معناها فمن أجلّ ذلك ما حدّثنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا وكيع عن يزيد بن أبي زيادة بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله جلّ وعزّ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. قال أبو جعفر: وقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه أنه قال: يضع اليمين على الساعد الأيسر على صدره، وعنه وعن أبي هريرة يجعلهما تحت السرّة وهذا مذهب الكوفيين، ويحتجّ للقول الأول أنه أشبه بالآية لأن معنى وانحر أي اجعل يدك نحو نحرك، وقد روى سفيان لشعبة عن عاصم بن كليب عن ابنه عن وائل بن حجر. قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم اجعل يدك نحو نحرك، وقد روى سفيان وشعبة عن عاصم بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. قال أبو جعفر: فعلى هذا القول فصلّ لربك أي الصلوات كلّها وانحر اجعل يدك نحو نحوك فهذا قول وعن أبي جعفر محمد بن علي وَانْحَرْ ارفع يدك نحو نحرك إذا كبّرت للإحرام، وقال الضحاك: وَانْحَرْ واسأل، وقول رابع «وانحر»
واستقبل القبلة بنحرك كما حكي عن العرب هما يتناحران أي يتقاتلان. قال أبو جعفر:
وليس هذا قول أحد من المتقدمين، وقول خامس عن أنس بن مالك قال: كان النبي ينحر ثم يصلّي حتى نزلت فصلّ لربك وانحر فصار يصلّي ثم ينحر، وقول سادس عليه أكثر التابعين، قال الحسن وعطاء أي صلّ العيد وانحر البدن. قال أبو جعفر: وهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وبعض أهل النظر يميل إليه لأنه ظاهر المعنى أي انحر البدن، ولا تذبحها، وبعض الفقهاء يردّه لأن صلاة العيد ليست بفرض عند أحد من المسلمين، الضحية ليست بواجبة عنه أكثر العلماء كما روي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيّان مخافة أن يتوهّم الناس أنّها واجبة، وكذا ابن عباس قال: ما ضحّيت إلا بلحم اشتريته، وفي الآية قول سابع، وهو أبينها، وهو مذهب محمد بن كعب قال: أخلص صلاتك لله وانحر له وحده. وهو قول حسن لأن الله جل وعز عرفه ما أكرمه به وأعطاه إياه فأمره أن يشكره على ذلك لئلا يفعل كما يفعل المشركون وأن تكون صلاته خالصة لله وحده ويكون نحره قاصدا به ما عنده الله جلّ وعزّ لا كما يفعل الكفار.
[سورة الكوثر (١٠٨) : آية ٣]
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
إِنَّ شانِئَكَ قال ابن عباس: عدوك أبا جهل، وقيل العاصي بن وائل هُوَ الْأَبْتَرُ أي المنقطع الذّكر من الخير لا أحد يا قوم بدينه، ولا يذكره بخير. فكان هذا من علامات نبوته صلّى الله عليه وسلّم أنه خبر بما لم يقع فكان كما أخبر به، وقد قيل: لما أنزل الله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) لم يولد له بعد ذلك، والأول أصحّ، وأصله من بتره أي قطعه.
Icon