تفسير سورة الإخلاص

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني .
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الْإِخْلَاصِ
مكية، وهي أربع آيات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) روى الترمذي والإمام أحمد أن المشركين سألوا رسول اللَّه - ﷺ - أن يصف لهم الإله الذي يدعو إلى عبادته فنزلت. فضمير " هُوَ " لما سألوه مبتدأ والجملة خبر، ولا حاجة إلى العائد؛ لأنَّ الجملة إذا كان أحد جزئيها عين المبتدأ كقوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) لا يحتاج إلى رابط، وكذا إن جعل ضمير الشأن؛ لأن الشأن (اللَّهُ أَحَدٌ) نفسه. وعلى الأول يجوز أن يكون " اللَّه " بدلاً؛ ولذلك قُرئ: " اللَّه أحد " بدون " هو "، وأما جعل " أحد " بدلاً فلا؛ لأن النكرة لا تبدل من المعرفة. والأحدية: توحيد الذات بانتفاء أنحاء جهات التركيب عقلاً وخارجاً، والموصوف بها هو الواحد الحقيقي. والواحدية: عدم المماثلة في الصفات. وكل منهما يجوز انفكاكه عن الآخر، وفي ذاته تعالى يتلازمان؛
ولذلك وصف بالواحد الأحد. وقُدِّمَ وصف الواحدية؛ لأنه محل الاشتباه في الجملة، وأما كونه أحَدِيُّ الذات جليٌّ لا يخفى.
(اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) الصمد: فعل بمعنى المصمود وهو السيد الذي يقصد في الحوائج، من الصمد وهو المكان المرتفع. أخلاه عن العاطف؛ لأنه نتيجة الأولى، إذ من كان أَحَدِيُّ الذات وأَحَدِيُّ الصفات لا يكون إلا غنياً مطلقاً، أو دليل لها؛ لأنَّ من كان مقصود الكل في الاحتياج ولا يحتاج إلى شيء فهو المتوحد ذاتاً وصفة.
(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) لاقتضائهما التجانس والتماثل. وقد دلّ التوحّد على انتفائهما (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ)، ولأنه لو وَلَدَ أو وُلِدَ لم يكن غنياً مطلقاً.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) كفؤ الشيء: ما يماثله ذاتاً أو صفة. فالمتوحد المطلق الغني عن كل شيء، لا يماثله أحد في شيء، والاشتراك في الشيئية ليس إلا في الاسم؛ ولذا تقيد بكونه شيئاً لا كالأشياء. وقرأ حمزة. كفوءاً " بإسكان الفاء وبالواو ووقفاً، وكذا حفص وقفاً ووصلاً بالإبدال؛ لاستثقال الهمز بعد الضمتين. روى البخاري عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال. " لا يعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم، فقال: قل هو اللَّه أحد ثلث القرآن " وذلك؛ لاشتماله على التوحيد، ومباحث المبدأ والمعاد. ومقاصد القرآن ثلاث: عقائد وأحكام وقصص. روى مالك وأحمد والترمذي
459
والنسائي أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - سمع رجلاً يقرأ " قل هو اللَّه أحد " فقال: " وجبت "، قيل يا رسول اللَّه ما وجبت؟ قال: " وجبت له الجنة "، وروى الإمام أحمد عن تميم الداري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: " من قال: لا إله إلا اللَّه واحداً أحداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد عشر مرات كتب له أربعون ألف ألفِ حسنة " وعن بريدة أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - دخل المسجد فسمع رجلاً يقول: " اللَّهم إني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، فقال: " والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب ".
* * *
تمّت، وفضائلها لا تتم، والحمد للواحد الأحد، والصلاة على الأوحد في جميع الرسل وآله وصحبه أجمعين.
* * *
460
Icon