تفسير سورة النّمل

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة النمل من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة النمل
الربع الثالث من الحزب الثامن والثلاثين في المصحف الكريم
بعدما انتهينا من تفسير " سورة الشعراء " المكية نشرع اليوم بعون الله وتوفيقه في تفسير " سورة النمل " المكية أيضا، وقد أطلق على هذه السورة " سورة النمل " أخذا من قوله تعالى في الآية الثامنة عشرة منها :﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسم ضاحكا من قولها ﴾،
والملاحظ أن فاتحة السورة النمل هذه مشابهة كل الشبه لفاتحة سورة الشعراء السابقة، إذ كل من السورتين مفتتح بحروف مقطعة من حروف الهجاء، ففي سورة الشعراء ( طسم ) وفي سورة النمل ( طس ) وأول آية في سورة الشعراء :﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ وأول آية في سورة النمل :﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾، وكما تصدى كتاب الله في سورة الشعراء لإبطال شبهات أعداء القرآن تصدى هنا لنفس الشيء، زيادة في الإقناع والبيان، وكما تضمنت سورة الشعراء جملة من قصص الأنبياء والمرسلين أوردت سورة النمل حلقات أخرى من بعض تلك القصص، كقصة موسى وقصة صالح وقصة لوط، وأضافت قصصا أخرى فيها عبرة للمعتبرين، وحجة قائمة على الجاحدين والمنكرين، كقصة سليمان التي تخللتها قصة النمل وقصة الهدهد وقصة ملكة سبأ.
وبعد التذكير بما في هذه القصص من مواعظ وعبر أخذ كتاب الله يوجه الخطاب تلو الخطاب إلى كافة البشر، من تقدم منهم في عهد الرسالة ومن تأخر، داعيا إياهم إلى التأمل في آيات الله السارية في الكون، بما فيه من أرض وسماء، وبر وبحر، ورياح وأمطار، وجبال وأنهار، وليل ونهار، ومن هذا المنطلق انتقل كتاب الله إلى الحديث عن البعث والحشر وبعض أشراط الساعة، وناقش الشاكين في البعث والمكذبين بالحياة الآخرة مناقشة تبطل شبهاتهم، وتقضي على تحدياتهم، وتخللت ذلك كله آيات بينات، تؤكد لخاتم الأنبياء والرسل رعاية الله له من فوق سبع سماوات، وهو يخوض أقسى معركة خاضها رسول ضد الشبهات والشهوات.

والملاحظ أن فاتحة السورة النمل هذه مشابهة كل الشبه لفاتحة سورة الشعراء السابقة، إذ كل من السورتين مفتتح بحروف مقطعة من حروف الهجاء، ففي سورة الشعراء ( طسم ) وفي سورة النمل ( طس ) وأول آية في سورة الشعراء :﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ وأول آية في سورة النمل :﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾، وكما تصدى كتاب الله في سورة الشعراء لإبطال شبهات أعداء القرآن تصدى هنا لنفس الشيء، زيادة في الإقناع والبيان، وكما تضمنت سورة الشعراء جملة من قصص الأنبياء والمرسلين أوردت سورة النمل حلقات أخرى من بعض تلك القصص، كقصة موسى وقصة صالح وقصة لوط، وأضافت قصصا أخرى فيها عبرة للمعتبرين، وحجة قائمة على الجاحدين والمنكرين، كقصة سليمان التي تخللتها قصة النمل وقصة الهدهد وقصة ملكة سبأ.
وبعد التذكير بما في هذه القصص من مواعظ وعبر أخذ كتاب الله يوجه الخطاب تلو الخطاب إلى كافة البشر، من تقدم منهم في عهد الرسالة ومن تأخر، داعيا إياهم إلى التأمل في آيات الله السارية في الكون، بما فيه من أرض وسماء، وبر وبحر، ورياح وأمطار، وجبال وأنهار، وليل ونهار، ومن هذا المنطلق انتقل كتاب الله إلى الحديث عن البعث والحشر وبعض أشراط الساعة، وناقش الشاكين في البعث والمكذبين بالحياة الآخرة مناقشة تبطل شبهاتهم، وتقضي على تحدياتهم، وتخللت ذلك كله آيات بينات، تؤكد لخاتم الأنبياء والرسل رعاية الله له من فوق سبع سماوات، وهو يخوض أقسى معركة خاضها رسول ضد الشبهات والشهوات.
فقوله تعالى :﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾﴿ هدى وبشرى للمؤمنين ﴾، ينص على أن كتاب الله يتضمن أمرين :
الأمر الأول هداية الخلق، إلى كل ما هو حق، حتى يتفادوا كل ما هو باطل، قولا وفعلا واعتقادا.
الأمر الثاني تعريف المهتدين به، بما يلقونه من البشائر في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا يعتري حياتهم خلل ولا اضطراب، ويكونون بمنجاة من أليم العذاب.
﴿ هدى وبشرى للمؤمنين ﴾، ينص على أن كتاب الله يتضمن أمرين :
الأمر الأول هداية الخلق، إلى كل ما هو حق، حتى يتفادوا كل ما هو باطل، قولا وفعلا واعتقادا.
الأمر الثاني تعريف المهتدين به، بما يلقونه من البشائر في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا يعتري حياتهم خلل ولا اضطراب، ويكونون بمنجاة من أليم العذاب.
وقوله تعالى ﴿ وهم بالآخرة هم يوقنون ﴾ وصف ثان للمؤمنين المهتدين بهدي القرآن، إذ لا يكون مهتديا به، إلا من كان على يقين تام بالنشر والحشر والنشأة الثانية، علاوة على ما يقوم به من حقوق الله وحقوق العباد، أما من كان يقوم بذلك على وجه الاحتياط لا غير، دون جزم بالحياة الآخرة، فلا يعد في الحقيقة مهتديا بهدى القرآن، لأنه لا يزال في شك من أمره غير كامل الإيمان.
وقوله تعالى :﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون ﴾ يشير إلى حقيقة نفسية واجتماعية دل عليها الاستقراء في القديم والحديث، ألا وهي أن كل شخص ليس عنده إيمان بالآخرة، ويعتقد أن حياته تنتهي عند حلول الموت، تزداد أنانيته حدة، ويزداد شرهه شدة، إذ يخيل إليه أن ذاته هي البداية والنهاية، وأن حياته في الدنيا ليست وسيلة وإنما هي في نفسها غاية، فلا يترفع عن طرق أي باب من الأبواب، ولا يتورع عن اتخاذ أحط الوسائل وأشنع الأسباب، لاختلاس أكبر قدر ممكن من المنافع والشهوات، وانتزاعها إن لم يكن بالحيلة فعن طريق العنف والجرائم والموبقات، لأن المجتمع في تصوره القاتم عبارة عن غابة موحشة وأدغال، وكل شيء في نظره القاصر مباح وحلال، ما دامت نهاية حياته القصيرة حسبما يخيل له خياله المريض هي التفسخ والفناء والانحلال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:وقوله تعالى :﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون ﴾ يشير إلى حقيقة نفسية واجتماعية دل عليها الاستقراء في القديم والحديث، ألا وهي أن كل شخص ليس عنده إيمان بالآخرة، ويعتقد أن حياته تنتهي عند حلول الموت، تزداد أنانيته حدة، ويزداد شرهه شدة، إذ يخيل إليه أن ذاته هي البداية والنهاية، وأن حياته في الدنيا ليست وسيلة وإنما هي في نفسها غاية، فلا يترفع عن طرق أي باب من الأبواب، ولا يتورع عن اتخاذ أحط الوسائل وأشنع الأسباب، لاختلاس أكبر قدر ممكن من المنافع والشهوات، وانتزاعها إن لم يكن بالحيلة فعن طريق العنف والجرائم والموبقات، لأن المجتمع في تصوره القاتم عبارة عن غابة موحشة وأدغال، وكل شيء في نظره القاصر مباح وحلال، ما دامت نهاية حياته القصيرة حسبما يخيل له خياله المريض هي التفسخ والفناء والانحلال.

ووصف كتاب الله عاقبة هذا النوع التائه المنحرف فقال :﴿ أولئك الذين لهم سوء العذاب، وهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
وليلفت كتاب الله نظر الشاكين والمكذبين إلى ما يتضمنه القرآن من الحق المبين، حتى يكونوا مما فيه على بينة ويقين، قال تعالى مخاطبا رسوله الكريم :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾ و " الحكيم " لا يوحي إلا بالحكمة، و " العليم " لا ينطق إلا بالعلم، ومن لم ينتفع بما في القرآن من علم وحكمة بقي معدودا في عداد الجهلة والسفهاء، غريقا في أوحال المغالطات والجدل والمراء.
وقص كتاب الله على رسوله والمؤمنين حلقات أخرى من قصة موسى الكليم عليه السلام تتضمن تكليمه وإرساله من عند الله، وتمرينه على استعمال المعجزات التي يتحدى بها أعداء الله، مع ما يتصل بذلك من ظروف وملابسات، كلها مفاجآت، فقال تعالى ﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ﴾ أي أبصرتها من بعيد ﴿ سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾ أي آتيكم بشعلة نار تستدفئون بها
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:وقص كتاب الله على رسوله والمؤمنين حلقات أخرى من قصة موسى الكليم عليه السلام تتضمن تكليمه وإرساله من عند الله، وتمرينه على استعمال المعجزات التي يتحدى بها أعداء الله، مع ما يتصل بذلك من ظروف وملابسات، كلها مفاجآت، فقال تعالى ﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ﴾ أي أبصرتها من بعيد ﴿ سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾ أي آتيكم بشعلة نار تستدفئون بها

﴿ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ﴾ أي بورك فيك يا موسى وفي الملائكة، فأنت نزيل البقعة المباركة،
﴿ وسبحان الله رب العالمين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:وقص كتاب الله على رسوله والمؤمنين حلقات أخرى من قصة موسى الكليم عليه السلام تتضمن تكليمه وإرساله من عند الله، وتمرينه على استعمال المعجزات التي يتحدى بها أعداء الله، مع ما يتصل بذلك من ظروف وملابسات، كلها مفاجآت، فقال تعالى ﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ﴾ أي أبصرتها من بعيد ﴿ سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾ أي آتيكم بشعلة نار تستدفئون بها

﴿ وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ﴾ أي ولى خائفا ولم يرجع،
لكن ناداه ربه ليهدي روعه ﴿ يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:وقص كتاب الله على رسوله والمؤمنين حلقات أخرى من قصة موسى الكليم عليه السلام تتضمن تكليمه وإرساله من عند الله، وتمرينه على استعمال المعجزات التي يتحدى بها أعداء الله، مع ما يتصل بذلك من ظروف وملابسات، كلها مفاجآت، فقال تعالى ﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ﴾ أي أبصرتها من بعيد ﴿ سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾ أي آتيكم بشعلة نار تستدفئون بها

﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾.
وقوله تعالى :﴿ في تسع آيات ﴾ إخبار لموسى عليه السلام بأن الآيات المادية التي سيؤيده الله بها أمام فرعون وقومه يبلغ عددها تسعا، وأن إلقاءه لعصاه، وإخراجه ليده من جيبه بيضاء يندرجان في تلك الآيات التسع، وسبق في الآية السابعة والثلاثين بعد المائة من سورة الأعراف الإشارة إلى بعضها، كما سبق في الآية الثامنة والثمانين من سورة يونس الإشارة إلى بعضها الآخر، وأكبر الآيات التسع التي أيد الله بها موسى هي التي وردت في الآية الثالثة والستين من سورة الشعراء الماضية، حيث قال تعالى :﴿ فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾.
أما مواقف فرعون وملائه من موسى عليه السلام، وما انتهت إليه عاقبتهم في النهاية فقد أوجزها كتاب الله في هذه السورة حيث قال ﴿ فلما جاءتهم آيتنا مبصرة ﴾ أي واضحة بينة ﴿ قالوا هذا سحر مبين ﴾،
كما قال تعالى في آية أخرى عن فرعون وقومه :﴿ فاستكبروا وكانوا قوما عالين ﴾ [ المؤمنون : ٤٦ ]، قال عنهم هنا :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾، أي إنما جحدوها ظلما وعلوا ﴿ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾، وقد وصف كتاب الله فرعون وقومه في هذه الآيات بالفسق والفساد والظلم والاستكبار والاستعلاء، وكل واحدة من الصفات توجب سخط الله وغضبه، وتعرض أهلها للدمار والهلاك، فما بالك إذا اجتمعت كلها في صعيد واحد.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة سليمان وما صاحب ملكه من الوقائع التي برزت في زمانه وبهر الإنسان، مبينا كيف سخر الله تعالى لسليمان، من الوسائل المعتادة، وغيرها من الوسائل الخارقة للعادة، ما لم يسخره لأحد من قبله، عسى أن يؤمن بنو إسرائيل ـ على ما هم عليه من شك وعناد ـ برسالته، ويجمعوا كلمتهم بعد الفرقة والشتات ـ على طاعته، وكيف آتاه الله ملكا فردا من نوعه لم يوت مثله لأحد من بعده، عسى ان يعترف بنو إسرائيل بنعمة الله عليهم، ولا ينقضوا الميثاق الذي واثقهم عليه منذ أرسل موسى الكليم إليهم، لكنهم بالرغم من ذلك فضلوا الفرقة على الوحدة، والانحراف على الاستقامة، ولم يمض زمن قصير بعد موت سليمان حتى أخذوا يعضون بنان الندامة، فتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وانهار ملكهم، وأصبح ملك سليمان العتيد وهيكله الجديد في خبر كان، وأصبح بنو إسرائيل أوزاعا وأشتاتا في كل مكان، وكانت جلوتهم الكبرى بعد جلوتهم الصغرى، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم وهو يخاطب بني إسرائيل :﴿ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾ [ الآية : ٧ ].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
قال تعالى تمهيدا لقصة سليمان منوها بأبيه داود، وبما آل إلي بعد موت أبيه من النبوة والملك دون بقية إخوته ﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود ﴾ وهذه الآية تضمن تنويه الحق سبحانه وتعالى بنعمة " العلم "، واعتبارها من أجل النعم وأجزل القسم، وأن من فضله الله بالعلم على غيره من الناس يجب أن يقابل نعمة الله عليه في كل آن، بالشكر والامتنان. ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ [ المجادلة : ١١ ].
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة سليمان وما صاحب ملكه من الوقائع التي برزت في زمانه وبهر الإنسان، مبينا كيف سخر الله تعالى لسليمان، من الوسائل المعتادة، وغيرها من الوسائل الخارقة للعادة، ما لم يسخره لأحد من قبله، عسى أن يؤمن بنو إسرائيل ـ على ما هم عليه من شك وعناد ـ برسالته، ويجمعوا كلمتهم بعد الفرقة والشتات ـ على طاعته، وكيف آتاه الله ملكا فردا من نوعه لم يوت مثله لأحد من بعده، عسى ان يعترف بنو إسرائيل بنعمة الله عليهم، ولا ينقضوا الميثاق الذي واثقهم عليه منذ أرسل موسى الكليم إليهم، لكنهم بالرغم من ذلك فضلوا الفرقة على الوحدة، والانحراف على الاستقامة، ولم يمض زمن قصير بعد موت سليمان حتى أخذوا يعضون بنان الندامة، فتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وانهار ملكهم، وأصبح ملك سليمان العتيد وهيكله الجديد في خبر كان، وأصبح بنو إسرائيل أوزاعا وأشتاتا في كل مكان، وكانت جلوتهم الكبرى بعد جلوتهم الصغرى، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم وهو يخاطب بني إسرائيل :﴿ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾ [ الآية : ٧ ].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وكما استعمل كتاب الله ( الإرث ) بمعناه المجازي في قوله :﴿ وورث سليمان داود ﴾ استعمل بنفس المعنى في قوله صلى الله عليه سلم :( العلماء ورثة الأنبياء )، تعبيرا عن كونهم حملة لعلمهم، أمناء على رسالتهم، حراسا للدين بين قومهم.
وقوله تعالى حكاية عن سليمان :﴿ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ﴾، إشارة إلى أنه كان يتحدث إلى قومه بنعمة الله ليبرز فضل الله عليه، إذ الكل منه وإليه، والمراد بمنطق الطير الذي علمه الله إياه ليصدقه بنو إسرائيل في كونه رسولا من عند الله هو فهم المشاعر التي تجول في نفوسها عن طريق الأصوات التي تنطق بها، فتتفاهم فيما بينها، والمراد " بكل شيء " في قوله :﴿ وأوتينا من كل شيء ﴾ كل شيء يحتاج ملكه إليه، ويتوقف عليه، على غرار ما وصفت به ملكة سبأ في آية لاحقة ﴿ وأويت من كل شيء ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة سليمان وما صاحب ملكه من الوقائع التي برزت في زمانه وبهر الإنسان، مبينا كيف سخر الله تعالى لسليمان، من الوسائل المعتادة، وغيرها من الوسائل الخارقة للعادة، ما لم يسخره لأحد من قبله، عسى أن يؤمن بنو إسرائيل ـ على ما هم عليه من شك وعناد ـ برسالته، ويجمعوا كلمتهم بعد الفرقة والشتات ـ على طاعته، وكيف آتاه الله ملكا فردا من نوعه لم يوت مثله لأحد من بعده، عسى ان يعترف بنو إسرائيل بنعمة الله عليهم، ولا ينقضوا الميثاق الذي واثقهم عليه منذ أرسل موسى الكليم إليهم، لكنهم بالرغم من ذلك فضلوا الفرقة على الوحدة، والانحراف على الاستقامة، ولم يمض زمن قصير بعد موت سليمان حتى أخذوا يعضون بنان الندامة، فتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وانهار ملكهم، وأصبح ملك سليمان العتيد وهيكله الجديد في خبر كان، وأصبح بنو إسرائيل أوزاعا وأشتاتا في كل مكان، وكانت جلوتهم الكبرى بعد جلوتهم الصغرى، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم وهو يخاطب بني إسرائيل :﴿ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾ [ الآية : ٧ ].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وقوله تعالى :﴿ وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴾ إشارة إلى جمع جنوده واستعراضهم أمامه على نظام وترتيب لا يتقدم فيه أحد عن منزلته، ولا يتأخر أحد عن مرتبته، وكل صنف منهم يجري عرضه وفق طبيعته، قال قتادة : " كان لكل صنف وزعة في رتبتهم مواضعهم ". ويطلق " الوازع " على الموكل بتنظيم الصفوف في العرض، ليكف من تقدم إذا كان حقه التأخير، ويقدم من تأخر إذا كان حقه التقديم :﴿ فهم يوزعون ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة سليمان وما صاحب ملكه من الوقائع التي برزت في زمانه وبهر الإنسان، مبينا كيف سخر الله تعالى لسليمان، من الوسائل المعتادة، وغيرها من الوسائل الخارقة للعادة، ما لم يسخره لأحد من قبله، عسى أن يؤمن بنو إسرائيل ـ على ما هم عليه من شك وعناد ـ برسالته، ويجمعوا كلمتهم بعد الفرقة والشتات ـ على طاعته، وكيف آتاه الله ملكا فردا من نوعه لم يوت مثله لأحد من بعده، عسى ان يعترف بنو إسرائيل بنعمة الله عليهم، ولا ينقضوا الميثاق الذي واثقهم عليه منذ أرسل موسى الكليم إليهم، لكنهم بالرغم من ذلك فضلوا الفرقة على الوحدة، والانحراف على الاستقامة، ولم يمض زمن قصير بعد موت سليمان حتى أخذوا يعضون بنان الندامة، فتفرق جمعهم، وتشتت شملهم، وانهار ملكهم، وأصبح ملك سليمان العتيد وهيكله الجديد في خبر كان، وأصبح بنو إسرائيل أوزاعا وأشتاتا في كل مكان، وكانت جلوتهم الكبرى بعد جلوتهم الصغرى، مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم وهو يخاطب بني إسرائيل :﴿ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾ [ الآية : ٧ ].
وليعتبر المؤمنون والكافرون بما تعرض له بنو إسرائيل بعد انهيار ملك سليمان من النكبات والنقم، عرض كتاب الله في الآيات التالية ما أنعم به عليهم في عهد ملكه القصير من جليل النعم، حتى يقارن الجميع بين حالتي السخط والرضا، ويستخرجوا العبرة مما مضى " فبضدها تتميز الأشياء " :
وقوله تعالى :﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسم ضاحكا من قولها ﴾ إشارة إلى أن سليمان عليه السلام، كما علمه الله منطق الطير علمه منطق النمل، ولذلك فهم مقالة النملة التي تقود قافلتهم، وتبسم ضاحكا من قولها المهذب، وإنما تبسم من قولها لأنها برأت ساحته وساحة جنوده من الاتهام بالقصد إلى التحطيم والعدوان، وحملتهم منذ البداية حمل العدل والحنان والإحسان، عندما قالت :﴿ لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾
قال الإمام القشيري تعليقا على قوله تعالى هنا :﴿ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان ﴾ : " فيه دليل على وجوب سياسة الكبار لمن هو في رعيتهم، وعلى حسن الاحتراز مما يخشى وقوعه، وأن ذلك مما تقتضيه عادة النفس ".
وبدلا من أن يتكبر سليمان ويتجبر كما يفعل المغرورون المعجبون بأنفسهم، والناسون نعمة الله عليهم، توجه سليمان في الحال إلى الحق سبحانه وتعالى بالتضرع والسؤال :﴿ وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ﴾، مما يدل على أن نظر سليمان لجنوده وهو يستعرضهم كان نظر تدبر واعتبار، لا نظر زهو وافتخار. ثم مضى في دعائه يقول :﴿ وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ﴾ على غرار ما دعا به يوسف إذ قال :﴿ توفني مسلما وألحقني بالصالحين ﴾ [ يوسف : ١٠١ ]، وما دعا به إبراهيم إذ قال :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ﴾ [ الشعراء : ٨٣ ]. ولا غرابة في أن يطلب الأنبياء إلحاقهم " بالصالحين "، وإن كان هذا اللقب يطلق أيضا على من دونهم من الأولياء، لأن " الصالح " بمعناه العام هو الإنسان الكامل الذي لا يعصي الله تعالى ولا يهم بمعصية، والذي يختم له بالخاتمة الحسنى والسعادة الأبدية،
ثم حكى كتاب الله ما قام به سليمان من البحث عن الطائر المسمى بالهدهد، حيث أنه لم تقع عينه عليه، فلم يدر هل هو حاضر أم غائب ﴿ وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾
ثم تساءل سليمان فيما إذا كان الهدهد غائبا هل تغيب من تلقاء نفسه في مهمة ولعذر مقبول، أم إنما ذلك منه مجرد غفلة وإهمال، حتى إذا لم يكن لغيبته مبرر عاقبه العقاب اللائق، وذلك قول سليمان فيما حكاه عنه كتاب الله :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾ وقد سأل ابن عباس عبد الله بن سلام : " لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير. فقال له : احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه، وكان الهدهد يعرف ذلك دون غيره من الطير فتفقده ".
لكن سليمان لم يلبث إلا قليلا حتى أقبل عليه الهدهد رافع الرأس، مفتخرا بأن عنده من العلم ما ليس عند سليمان، وأنه حمل إليه خبرا يعد في بابه اكتشافا مهما جديرا بالنظر والإمعان ﴿ فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين ﴾ قال جار الله الزمخشري : " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان أي واجهه بهذا الكلام، على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة، والعلوم الجمة، ابتلاء له في علمه، وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب، الذي هو فتنة العلماء، وأعظم بها فتنة ".
ومضى الهدهد يعرض على سليمان الخبر المثير الذي يصف فيه دولة سبأ، مشيرا إلى نظام الحكم القائم في هذه الدولة، وإلى ما هي عليه من ازدهار وتقدم ورخاء، ومصرحا بأن امرأة هي التي تجلس على عرشها العتيد، ومبينا نوع الدين الذي تدين به هي وقومها، وأنه من قبيل الديانة المجوسية، فقال وهو يخاطب سليمان :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:ومضى الهدهد يعرض على سليمان الخبر المثير الذي يصف فيه دولة سبأ، مشيرا إلى نظام الحكم القائم في هذه الدولة، وإلى ما هي عليه من ازدهار وتقدم ورخاء، ومصرحا بأن امرأة هي التي تجلس على عرشها العتيد، ومبينا نوع الدين الذي تدين به هي وقومها، وأنه من قبيل الديانة المجوسية، فقال وهو يخاطب سليمان :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾

ثم عقب على ذلك مستنكرا ما وجد عليه أهل سبأ من عبادة الشمس والسجود لها، بدلا من عبادة الله والسجود له، معترفا بأن الله الذي ألهمه معرفة الماء المغيب تحت الأرض هو الذي يكشف لخلقه عن كل ما هو سر مغيب عنهم، سواء كان في السماء وطباقها، أو في الأرض وأطباقها، وللتعبير عن هذه المعاني حكى عنه كتاب الله قوله :﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:ومضى الهدهد يعرض على سليمان الخبر المثير الذي يصف فيه دولة سبأ، مشيرا إلى نظام الحكم القائم في هذه الدولة، وإلى ما هي عليه من ازدهار وتقدم ورخاء، ومصرحا بأن امرأة هي التي تجلس على عرشها العتيد، ومبينا نوع الدين الذي تدين به هي وقومها، وأنه من قبيل الديانة المجوسية، فقال وهو يخاطب سليمان :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾

ثم عقب على ذلك مستنكرا ما وجد عليه أهل سبأ من عبادة الشمس والسجود لها، بدلا من عبادة الله والسجود له، معترفا بأن الله الذي ألهمه معرفة الماء المغيب تحت الأرض هو الذي يكشف لخلقه عن كل ما هو سر مغيب عنهم، سواء كان في السماء وطباقها، أو في الأرض وأطباقها، وللتعبير عن هذه المعاني حكى عنه كتاب الله قوله :﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ﴾

وختم الهدهد خطابه لسليمان، مذكرا له بأن الملك الحق والدائم هو ملك الله ﴿ الملك يومئذ الحق للرحمن ﴾ [ الفرقان : ٢٦ ]، وأن العرش الذي لا تدانيه العروش، والعظيم بسائر وجوه العظمة، هو عرش الله القاهر فوق عباده ﴿ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾.
الثمن الأول من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثين بالمصحف الكريم
لا يزال كتاب الله يواصل الحديث عن قصة سليمان، ويبرز جوانب متنوعة من شخصيته، وسياسته الحكيمة في رعيته، مما فيه عبرة للمعتبرين، من المسؤولين القدماء والمحدثين، فها هو سليمان بعدما استمع إلى الهدهد يتحداه ويقول :﴿ أحطت بما لم يحط به علما، وجئتك من سبأ بنبأ يقين ﴾ يجيبه بكل هدوء قائلا :﴿ سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ﴾، فلم يسرع إلى ما وعده به من العذاب أو الذبح لأول ما وجده غائبا، طبقا لما قال :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ﴾، وإنما وقف عند حد ما التزم به في الأخير إذ قال :﴿ أولياتيني بسلطان مبين ﴾، فالأمر مرهون في النهاية بالحجة والبرهان، لا بالسطوة والسلطان، ومراد سليمان بالنظر في صدق الهدهد أو كذبه عندما قال له :﴿ سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ﴾ هو التأمل فيما اعتذر به الهدهد عن غيبته، وفيما أخبر به مما اكتشف في رحلته، عملا بما يجب من التحري في تلقي الأخبار، والتعرف على الأسرار، ومن هذه الآية التي حكى كتاب الله على لسان سليمان استنبط الإمام القشيري في كتابه ( لطائف الإشارات ) " أن خبر الواحد لا يوجب العلم، بل يجب التوقف فيه على حد التجويز، وأنه لا يطرح، بل يجب ان يتعرف هل هو صدق أم كذب، وأن الوالي يمنعه عدله من الحيف على رعيته، ويقبل عذر من وجده في صورة المجرمين إذا كان صادقا في معذرته ". ونفس الرأي أخذ به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) وتابعه عليه القرطبي في تفسيره حيث قال : " في قوله أصدقت أم كنت من الكاذبين دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة، وفي الصحيح : " ليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل "، وحيث أن " الهدهد هو الذي قال ما قال لزمه الخروج من عهدة ما قال "،
وقد كان لما أحاط به من العلم بشأن مملكة سبأ، واقتناع سليمان بصدقه في الخبر أثر بالغ في ترشيحه للسفارة عنه، ونقل كتابه إلى الملكة الجالسة على عرشها، فأصدر إليه سليمان أمره قائلا :﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ﴾.
ويلاحظ على سليمان أنه لم يصدع بهذا الأمر إلى الهدهد فور ما سمعه يقول :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم ﴾، وإنما اهتز لذلك، ونطق بأمره، بعدما سمعه يقول :﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ﴾، فالأمر هنا لا يتعلق بالتوسع في الملك، والمزيد من السطوة والسلطان، بقدر ما يتعلق بنشر التوحيد وعبادة الله، بدلا من عبادة الطبيعة والأوثان، وإنما قال :﴿ فألقه إليهم ﴾ بضمير الجمع بدلا من ( ألقه إليها ) لينسجم مع قوله قبل ذلك :﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس ﴾ فالكتاب موجه إليها وإلى قومها، بدليل قوله تعالى فيه حسبما يأتي :﴿ ألا تعلوا علي واتوني مسلمين ﴾ بصيغة الجمع أيضا، ومعنى قوله :﴿ ثم تول عنهم ﴾ الق الكتاب وتنح عنهم، التزاما للأدب، لكن كن حريصا على استيعاب ما يدور بينهم من مراجعة في القول حول مضمون الكتاب ﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ قال أبو حيان : " وفي قوله :﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ﴾ دليل على إرسال الرسل من الإمام إلى المشركين يبلغهم الدعوة، ويدعوهم إل الإسلام، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك ".
وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


والتوجيه الثاني تصدير الكتاب والمرسلات باسم الله الرحمان الرحيم، وهو استفتاح شريف في مبناه، فريد في معناه، ثم ذكر اسم المرسل للكتاب قبل اسم المرسل إليه، وقد كان رسم المتقدمين إذا كتبوا كتابا أن يبدأوا بأنفسهم : من فلان إلى فلان، وبذلك جاءت الآثار. روى الربيع عن أنس رضي الله عنه قال : " ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه إذا كتبوا إليه كتابا بدأوا بأنفسهم ". على أن البدء باسم المكتوب إليه جائز وشائع، وقد يكون هو المناسب في بعض الأحيان، ومأخذ التوجيه الثاني هو قول ملكة سبأ :﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


﴿ ألا تعلوا علي ﴾ أي لا تتكبروا ﴿ واتوني مسلمين ﴾ أي مذعنين منقادين، مستعدين لمفارقة الشرك والدخول في ملة التوحيد، ووصف الكتاب بالكريم هو غاية الوصف، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ إنه لقرآن كريم ﴾ قال الإمام القشيري : " لما عرفت قدر الكتاب وصلت باحترامها إلى بقاء ملكها، ورزق الإسلام وصحبة سليمان ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


والتوجيه الثالث ما يجب أن تكون عليه الرعية ونوابها من نصرة الراعي، والاستعداد لبذل النفس والنفيس في حماية الأوطان والدفاع عنها كلما توقعت خطرا أو تعرضت لخطر، والالتحام التام بين الراعي والرعية، مع الاعتراف بالمنزلة السامية التي تمتاز بها الرياسة والقومية، وذلك ما يتضمنه جواب الملأ لملكة سبأ، إذ ﴿ قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ﴾ ثم أضافوا قولهم :﴿ والأمر إليك فانظري ماذا تامرين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


والتوجيه الرابع ما ينبغي أن يكون عليه الراعي من حصافة الرأي وتقليب وجوه النظر، والجنوح إلى الوسائل السليمة في معالجة المشاكل السياسية، بدلا من الوسائل الحربية، وهذا المعنى هو الذي تشير إليه ملكة سبأ صراحة وضمنا، إذ ﴿ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ﴾ ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾، تريد بقولها أن الاشتباك في الحرب مع الغزاة ليس مضمون النتيجة، فقد تكون الغلبة لهم، والهزيمة لمن وقفوا في وجوههم، وتتعرض بلادهم بذلك للخراب والدمار، ويسلك الغزاة في معاملتهم مسلك الانتقام وأخذ الثأر، ولفظ ( الملوك ) في هذا السياق يعني " الملوك الغزاة " ومثلهم " الغزاة ولو كانوا غير ملوك " فالأمر يتعلق بالغزو والتغلب والاستيلاء على البلاد عنوة أولا وأخيرا، قال جار الله الزمخشري : " وقد يتعلق الساعون في الأرض بالفساد بهذه الآية، ويجعلونها حجة لأنفسهم، ومن استباح حراما فقد كفر، فإذا احتج له القرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾
والظاهر أن ملكة سبأ غلب على ظنها أن سليمان يطمع في ملكها ويريد مقاسمتها ثروتها، لا ان له هدفا دينيا ساميا من وراء دعوتها ودعوة قومها إلى موالاته، والدخول في زمرته، بالرغم مما تضمنه كتابه إليها صراحة في الموضوع، فوجهت له وفدا يترأسه مبعوث خاص من كبار قومها، حاملا معه هدية عظيمة، وقد تنافس رواة الإسرائيليات في وصف هذه الهدية وتفصيل أنواعها، ولا يوجد لروايتهم سند إسلامي صحيح، وإلى خبر هذه الهدية يشير قولها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٥:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وهنا انتقل كتاب الله إلى حكاية ما دار بين ملكة سبأ وقومها حول كتاب سليمان، بعد وصول كتابه على يد سفيره الناصح الناجح ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
ومصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ﴾ [ الآية : ١٧٦ ]، استخرج علماؤنا رضوان الله عليهم بثاقب فكرهم من هذه القصة عدة توجيهات قرآنية، لها تأثير عميق في الحياة الإسلامية :
أولها التزام الشورى في الشؤون العامة، وعدم الاستبداد بالبت فيها وتصريفها، ودعوة أهل الحل، والعقد للنظر فيها، وعرض ما جد من الأحداث على أنظارهم دون تحفظ ولا اختزال، وهذا التوجيه يدل عليه ما حكاه كتاب الله من قول ملكة سبأ :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ وقولها :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ﴾. وقد كان مجلس الشورى على عهد ملكة سبأ مؤلفا من ثلاثمائة وثلاثة عشر عضوا، كل عضو يمثل عشرة آلاف، حسبما رواه التاريخ.
وإنما وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه ( كتاب كريم ) لأنه صيغ في لهجة مهذبة لا يشتم منها طمع في الملك، ولا رغبة في التوسع، وإنما تتضمن دعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة


﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾
والظاهر أن ملكة سبأ غلب على ظنها أن سليمان يطمع في ملكها ويريد مقاسمتها ثروتها، لا ان له هدفا دينيا ساميا من وراء دعوتها ودعوة قومها إلى موالاته، والدخول في زمرته، بالرغم مما تضمنه كتابه إليها صراحة في الموضوع، فوجهت له وفدا يترأسه مبعوث خاص من كبار قومها، حاملا معه هدية عظيمة، وقد تنافس رواة الإسرائيليات في وصف هذه الهدية وتفصيل أنواعها، ولا يوجد لروايتهم سند إسلامي صحيح، وإلى خبر هذه الهدية يشير قولها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾،


إلا أن سليمان لم يقبل هديتها ورد وفدها على عقبه، لأن الهدف الديني الأسمى الذي قصده من وراء دعوتها لا تعدل به أي هدية، ولا تقبل فيه فدية، والهدية في مثله إنما هي رشوة كما قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي )، ﴿ فلما جاء سليمان ﴾ أي جاءه وفد ملكة سبأ ﴿ فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ﴾.
وحيث إن الملأ من قوم سبأ عندما عرضت عليهم ملكتهم كتاب سليمان أظهروا منتهى الاعتزاز بقوتهم وشجاعتهم، ولم يبادروا إلى الاستجابة لدعوته إذ ﴿ قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ﴾ اضطر سليمان إلى أن يرد عليهم بما هو من جنس لهجتهم، فقال لرئيس وفدهم ولمبعوثهم الخاص مؤكدا قوله بالقسم :﴿ ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ﴾ أي لا طاقة لهم بمقاومتها، لأنها جنود ملك فريد من نوعه، جمع النبوة والملك، وحيث أن ملكة سبأ ذكرت الملأ من قومها بأن الغزاة إذا دخلوا قرية " أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة "، خشية أن يقع لمملكتها، إذا اشتبكت مع سليمان في حرب، ما وقع لغيرها، ها هو سليمان ينذرها وقومها بنفس المصير إذا لم يأتوه مسلمين، فيصبح ما توقعوه أمرا واقعا، وها هو يردد نفس المعنى ونفس اللفظ إذ يقول لرئيس وفدهم ومبعوثهم الخاص :﴿ ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ﴾ ومعنى ذلك أنهم يتعرضون لسلب ملكهم، والنفي من أرضهم، والعيش في ديار الغربة عيشة الصغار والهوان.
غير أن سليمان عليه السلام لم يلبث إلا قليلا حتى اوحي إليه بأن ملكة سبأ قد اقتنعت هي وقومها بأنها لا تستطيع الوقوف في وجه ملك مؤيد بالنبوة من عند الله، وأنها لا يسعها إلا المسير إلى خدمته والدخول في زمرته، فقرر أن يفاجئها عند وصولها إلى حضرته بأمر يبرز قدرة الله الواحد الأحد، الذي يدعوها إلى الإيمان به، كما يبرز لها ولقومها ما أكرمه الله به من تسخير قوى الطبيعة وطاقاتها في أقل من لمح البصر، دون جيش ولا حرب، واختار أن يكون ذلك الأمر هو نقل عرشها بالذات إلى تحت مملكته، قبل وفادتها عليه ﴿ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ﴾،
فتبارى في تنفيد امره عفريت من الجن وعالم من الإنس، وتعهد الأول بأن يأتيه بعرشها بكل أمانة دون تبديل ولا تغيير، قبل أن يقوم من مجلسه، بينما تعهد الثاني بأن يأتيه بعرشها في طرفة عين، وكان المؤهل الأكبر المرشح للقيام بهذه المهمة الخطيرة في نظر العفريت هو ما يتمتع به الجن من القوة، بصفته أقوى الجميع، بينما كان المؤهل الأعظم للقيام بها في نظر العالم من الإنس وهو صاحب سليمان ما يتوفر عليه من علم الكتاب، الذي هو " علم إلهي المصدر " تتضاءل دونه " القوة " المجردة من العلم، ولا سيما إذا كان قبسا من العلم الإلهي المحيط، ففاز علم الثاني على قوة الأول في المباراة، وذلك شأن العلم في كل حين، وعن هذه المباراة وما دار فيها من حوار مع سليمان يتحدث كتاب الله إذ يقول :﴿ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:فتبارى في تنفيد امره عفريت من الجن وعالم من الإنس، وتعهد الأول بأن يأتيه بعرشها بكل أمانة دون تبديل ولا تغيير، قبل أن يقوم من مجلسه، بينما تعهد الثاني بأن يأتيه بعرشها في طرفة عين، وكان المؤهل الأكبر المرشح للقيام بهذه المهمة الخطيرة في نظر العفريت هو ما يتمتع به الجن من القوة، بصفته أقوى الجميع، بينما كان المؤهل الأعظم للقيام بها في نظر العالم من الإنس وهو صاحب سليمان ما يتوفر عليه من علم الكتاب، الذي هو " علم إلهي المصدر " تتضاءل دونه " القوة " المجردة من العلم، ولا سيما إذا كان قبسا من العلم الإلهي المحيط، ففاز علم الثاني على قوة الأول في المباراة، وذلك شأن العلم في كل حين، وعن هذه المباراة وما دار فيها من حوار مع سليمان يتحدث كتاب الله إذ يقول :﴿ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ﴾

﴿ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾، وشاء الله ان تكون هذه الكرامة المنبثقة عن علم الكتاب، التي ظهرت على يد صاحب سليمان، إشراقة إلهية، سابقة على ما كشف عنه لخلقه في هذا الزمان، من علم أسرار الجو والطيران.
ولعل البعض يستغرب ويتساءل كيف تحقق هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " وهو مجرد تابع، ولم يتحقق على يد سليمان نفسه وهو النبي المتبوع الذي قال الله في حقه وحق والده :﴿ ولقد آينا داوود وسليمان علما ﴾ وقال في كتابه على لسان سليمان :﴿ يا أيها الناس علمنا منطق الطير ﴾ لكن من تذكر ما واجه به الهدهد وهو مجرد طير من الطيور سليمان عليه السلام عندما قال له فيما حكاه كتاب الله سابقا :﴿ أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين ﴾ لا يستغرب من هذا الأمر شيئا، فالله تعالى هو الذي أحاط بكل شيء علما، على أن مثل هذا السؤال قد سبق إلى وضعه أحد علماء التصوف الكبار وهو محمد بن علي الترمذي الحكيم ضمن الأسئلة التي وضعها لتمحيص المدعين في طريق القوم من غيرهم واختيارهم ومجموعها مائة وخمسة وخمسون سؤالا تصدى للجواب عنها جميعا ( ابن عربي ) الحاتمي في فتوحاته المكية، وخلاصة جوابه عن هذا السؤال ما معناه : أن العلم بهذا الأمر لم يطو عن سليمان، وإنما طوي عنه الإذن في التصرف به، تنزيها لمقامه، كما أن ظهور هذا الأمر على يد " صاحب سليمان " كان أتم في حق سليمان، ما دام هذا الصاحب تابعا له، مصدقا بنبوته، قائما في الخدمة بين يديه تحت أمره ونهيه، وكل من رأى بركة هذا الرسول التي عادت على صاحبه سواء أكان من أتباعه الأولين، أو من الوافدين عليه من مملكة سبأ سيزداد رغبة في متابعته والتعلق به والدخول في دينه، حتى ينال ما ناله هذا التابع، إذ متى كان أمر التابع بهذه المثابة كان امر المتبوع فوق كل تقدير. وواضح ان كرامة الولي متى ثبتت ولايته تكون ملتحقة بمعجزة النبي، إذ لو لم يكن النبي صادقا في نبوته، لم تكن الكرامة تظهر على يد الخواص من أمته، إلى مثل هذا المعنى ينظر قول الشاعر :
والمرء في ميزانه أتباعه فاقدر إذن قدر النبي محمد
والآن وقد حقق الله لسليمان على يد صاحبه تلك الأمنية الغالية، وأصبح وصول ملكة سبأ إلى بلاطه قاب قوسين أو أدنى، وتم إعداد المفاجأة الكبرى لها بحضور عرشها بين يديه، قبل أن تقدم هي عليه، لترى رأي العين أن ملك سليمان مؤيد من الله بمعارف وأسرار، لا تقف دونها الحصون والأسوار، ها هو يشكر الله تعالى على ما أحاطه به من مظاهر العناية الإلهية، وها هو كتاب الله يصف مشاعره الدفينة، في أبهى حلة وأجمل زينة، إذ يقول :﴿ فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾، لكنه سلك مسلك الأدب مع الله، فقابل نعمته بالشكر على الامتنان، لا بالاستعلاء والطغيان، فنجح في الامتحان، وفاز في الرهان، ﴿ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾.
الثمن الثاني من الربع الأخير في الحزب الثامن والثلاثين بالمصحف الكريم
بالكلام على الآيات الخمس الأولى في هذه الحصة نكون قد أشرفنا على الانتهاء من قصة سليمان وملكة سبإ، كما وردت في سورة النمل المكية، فهذه الآيات الكريمة تتحدث عن المرحلة الأخيرة من نفس القصة، حيث تصل ملكة سبإ إلى بلاط سليمان، فتفاجأ بعرش سليمان وبجانبه عرش آخر، تخاله شبيها بعرشها إن لم يكن هو هو، وتفاجأ بقصر فريد في تخطيطه البديع، وهندامه الجميل، على خلاف ما هو متعارف في بقية القصور، وتفاجأ بملك حكيم تعلوه هيبة الملك، ويشرق عليه نور النبوة، فلا يسعها إلا أن تعلن –عن اقتناع وطواعية- دخولها في ملته، والتزامها بموالاته وطاعته، ثم تعود إلى مملكتها محفوظة الكيان، معززة السلطان.
ولتتضاعف عناصر المفاجأة التي أعدها سليمان لملكه سبإ أمر بتنكير عرشها وإدخال تغييرات عليه في الشكل والهيئة، كما يتنكر الشخص حتى لا يعرفه بقية الناس، وقصد سليمان من ذلك امتحان قوة ذكائها وصدق فراستها، وذلك ما حكاه كتاب الله عنه إذ قال لأعوانه من رجال بلاطه :﴿ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ﴾
﴿ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ﴾ وإنما وجهوا الخطاب إلى ملكة سبإ بصيغة التشبيه ( أهكذا عرشك ) بدلا من ( أهذا عرشك ) لئلا يكون ذلك تلقينا لها، فيفوت الغرض من السؤال، وهو امتحان ذكائها، وإنما اختارت هي أن يكون جوابها بصيغة التشبيه أيضا دون نفي ولا إثبات، حيث قالت ﴿ كأنه هو ﴾، نظرا لما لاحظته من تغيير في شكل عرشها وهيئته، فقابلت تشبيههم بتشبيهها، وكان ذلك منتهى النجاح في الامتحان، ومنتهى البراعة في البيان، ولو قالوا لها أهذا عرشك لقالت نعم هو هو.
وبمناسبة قدوم ملكة سبإ على بلاط سليمان، واستقبالها فيه، يظهر أن الحديث دار بين رجال بلاطه حولها وحول الملة التي كانت عليها هي وقومها من قبل، والملة التي أكرمهم الله بها وكانوا فيها من السابقين الأولين، فكان كتاب الله لحديثهم بالمرصاد، وسجله على لسانهم إذ يقول :﴿ وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:﴿ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ﴾ وإنما وجهوا الخطاب إلى ملكة سبإ بصيغة التشبيه ( أهكذا عرشك ) بدلا من ( أهذا عرشك ) لئلا يكون ذلك تلقينا لها، فيفوت الغرض من السؤال، وهو امتحان ذكائها، وإنما اختارت هي أن يكون جوابها بصيغة التشبيه أيضا دون نفي ولا إثبات، حيث قالت ﴿ كأنه هو ﴾، نظرا لما لاحظته من تغيير في شكل عرشها وهيئته، فقابلت تشبيههم بتشبيهها، وكان ذلك منتهى النجاح في الامتحان، ومنتهى البراعة في البيان، ولو قالوا لها أهذا عرشك لقالت نعم هو هو.
وبمناسبة قدوم ملكة سبإ على بلاط سليمان، واستقبالها فيه، يظهر أن الحديث دار بين رجال بلاطه حولها وحول الملة التي كانت عليها هي وقومها من قبل، والملة التي أكرمهم الله بها وكانوا فيها من السابقين الأولين، فكان كتاب الله لحديثهم بالمرصاد، وسجله على لسانهم إذ يقول :﴿ وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾.

وفوجئت ملكت سبإ من طرف رجال البلاط السليماني بدعوتها لمشاهدة بركة كبرى بساحة قصره العظيم، وكان بهذه البركة ماء كثير عميق، وقد غطيت بالزجاج الأبيض الصافي، والأسماك تسبح في مياهها كأنما تسبح في بحر أو نهر، بحيث يرى الماء تحت الزجاج في منتهى الصفاء، ولا يميز بين الزجاج والماء، فلما طلبوا من ملكة سبإ ولوج تلك البركة ضمت أطراف ملابسها، وكشفت عن ساقيها، على عادة كل من يخوض غمرات الماء، ظنا منها أن البركة عارية من كل غطاء، لكن " الدليل " الذي كان يرافقها في زيارة القصر بادر بتنبيهها إلى أن سطح البركة مصنوع من الزجاج الأملس الشفاف، وأنه من أجل ذلك يبدو الماء على غاية الصفاء، بالرغم من ذلك الغطاء، وإلى هذا المشهد المثير يشير قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز :﴿ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير ﴾ قال مجاهد : " الصرح هنا البركة " وقال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه : " الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها إياه " و " اللجة " الماء الكثير، و " الممرد " المملس، ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق عليها، والفتى الأمرد الذي لم تنبت له لحية، و " القوارير " من زجاج.
كان مسك الختام للزيارة التي قامت بها ملكة سبإ إلى بلاط سليمان هو إعلانها لمفارقة ما كانت عليه من الشرك " الذي هو ظلم عظيم "، والدخول مع سليمان في ملة التوحيد، التي لا تؤمن إلا بإله واحد هو رب العالمين، وكما التجأ آدم وزوجه إلى الله إذ ﴿ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ]، التجأت ملكة سبإ بدورها إلى ربها، تائبة من شركها، مستغفرة لذنبها، إذ ﴿ قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾، مستعملة نفس الصيغة التي أجاب بها إبراهيم ربه ﴿ إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين ﴾ [ البقرة : ١٣١ ]، وإنما قالت ﴿ وأسلمت مع سليمان ﴾ إشارة إلى مؤاخاتها له في الدين، ولم تقل " وأسلمت لسليمان " تفاديا من الوقوع في شرك جديد، فالمؤمن الموحد إنما يسلم وجهه لله وحده لا لغيره، وملكة سبإ وسليمان، يصدق عليهما معا في هذا المقام أنهما من " عباد الرحمن " قال تعالى :﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ [ لقمان : ٢٢ ]. وتتفق روايات التاريخ على أن سليمان أقر ملكة سبإ على ملكها، فعادت إلى مملكتها عزيزة مكرمة، أما زواجه بها فلم برد له ذكر في الكتاب ولا في السنة الصحيحة.
وهنا ينهي كتاب الله الحديث عن قصة سليمان، التي تفرعت عنها وتخللتها قصة النمل وقصة الهدهد وقصة ملكة سبإ، فاستغرقت من هذه السورة سورة النمل المكية اثنتين وثلاثين آية، لينتقل منها إلى الحديث عن قصة صالح، التي سبق له ذكر جانب منها في سورة الأعراف : ٧٣، وسورة هود : ٦١، وسورة الشعراء : ١٤٢، لكنه يعرضها في نسق جديد يتضمن عناصر جديدة، فيقول :﴿ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ﴾، وهاهنا يؤكد كتاب الله للمرة الثالثة أن الله إنما أرسل إلى ثمود أخا لهم ورسولا من أنفسهم ينتسب إلى نسبهم، ليألف ويولف، ويسهل عليهم التفاهم معه، ويأخذ بيدهم إلى طريق الهدى والحق المبين، وإنما أشار إشارة خاطفة إلى انقسام قوم صالح بالنسبة لدعوته إلى فريقين اثنين، اكتفاء بما سبق له من وصفهما بتفصيل في سورة الأعراف إذ قال :﴿ قال الملأ الذين استكبروا من قومه، للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه، قالوا إنا بما أرسل به، مؤمنون، قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ﴾ [ الآيتان : ٧٥ ٧٦ ].
وقد كان الملأ الذين استكبروا من قوم صالح " آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " وكانوا يتخذون من سهولها قصورا وينحتون من الجبال بيوتا، فأطغاهم ما نالوه من الترف وسعة العيش، وأضافوا إلى الكفر بنعمة الله الشرك به والكفر برسله، ثم أخذ كتاب الله يبين كيف كان صالح يتلطف بقومه، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن ﴿ قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ﴾ ﴿ قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون ﴾. واستعجال قوم صالح بالسيئة قبل الحسنة يتجلى في تحديهم له، قائلين أحيانا :﴿ يا صالح آتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ [ الأعراف : ٧٧ ]، وقائلين له أحيانا أخرى :﴿ فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴾ [ الأعراف : ٧٠ ]، بينما باب التوبة مفتوح في وجوههم للحصول على المغفرة والثواب، بدلا من المؤاخذة والعقاب ﴿ لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٦:وقد كان الملأ الذين استكبروا من قوم صالح " آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " وكانوا يتخذون من سهولها قصورا وينحتون من الجبال بيوتا، فأطغاهم ما نالوه من الترف وسعة العيش، وأضافوا إلى الكفر بنعمة الله الشرك به والكفر برسله، ثم أخذ كتاب الله يبين كيف كان صالح يتلطف بقومه، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن ﴿ قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ﴾ ﴿ قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون ﴾. واستعجال قوم صالح بالسيئة قبل الحسنة يتجلى في تحديهم له، قائلين أحيانا :﴿ يا صالح آتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ [ الأعراف : ٧٧ ]، وقائلين له أحيانا أخرى :﴿ فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴾ [ الأعراف : ٧٠ ]، بينما باب التوبة مفتوح في وجوههم للحصول على المغفرة والثواب، بدلا من المؤاخذة والعقاب ﴿ لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ﴾.

ومعنى ﴿ اطيرنا بك وبمن معك ﴾ تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين، إشارة إلى ما أخذ ينزل بهم من الشدة والقحط، بعد السعة والخصب، ابتلاء لهم من الله حتى ينيبوا إليه، ومعنى ﴿ طائركم عند الله ﴾ أن مرد السعة والضيق، والخصب والقحط، ليس إلى أحد من البشر، وإنما هو قضاء الله وقدره، إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم، ولا يظلم ربك أحدا، ويشبه قول ثمود هنا في التشاؤم بصالح قول بني إسرائيل في التشاؤم بموسى، إذ قالوا له :﴿ أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ]، قال القرطبي : " لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير، من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خوار بقرة، أو نعيق غراب، يرد قضاء أو يدفع مقدورا فقد جهل ". ثم لفت صالح أنظار قومه إلى أن ما هم عليه من عناد وفساد، وما هم فيه من ضلال وعماء، هو السبب الحقيقي لما حل بهم من الضيق والابتلاء، فقال لهم :﴿ بل أنتم قوم تفتنون ﴾، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ]. وهاهنا يحسن التنبيه إلى أن ما دار بين صالح وقومه من تشاؤمهم به وبمن معه من المؤمنين، ورده عليهم ردا مفحما بإبطال الطيرة من أصلها، لم يرد ذكره فيما سبق أن حكاه كتاب الله من قصة صالح، فهو عنصر جديد في سياق قصته بهذه السورة.
وإذا كان كتاب الله قد سلك مسلك الإجمال في ذكر المفسدين من قوم صالح الذين كانوا يقفون في وجهه، فحكى عن صالح في سورة الشعراء تحذيره لقومه منهم إذ قال لهم :﴿ ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾ [ الآيتان : ١٥١ ١٥٢ ]،
فها هو يسلك مسلك التفصيل في هذه السورة ولا يكتفي بالإجمال، إذ يقول :﴿ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾، وبذلك اتضح أن زعماء الشرك والضلال من قوم صالح كانوا تسعة أشخاص كرسوا جهودهم للفساد والإفساد، بحيث لا يتخلل نشاطهم ولو مثقال ذرة من الصلاح والإصلاح ﴿ يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾.
وهنا كشف كتاب الله الستار عن عنصر جديد من عناصر قصة صالح، ألا وهو تآمر أولئك المفسدين، وتحالفهم على مباغتة صالح وقتله وقتل أهله في غسق الليل، ثم على الحلف لأولياء القتيل أنهم ما شهدوا مصرعه ولا مصرع أهله، حتى يعتقدوا صدقهم ولا يؤاخذوهم بدمه ودم أهله ﴿ قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ﴾
لكن الله تعالى الذي ينصر أولياءه عصم رسوله منهم، وعاجلهم بعقابه الشديد فجأة وعلى غرة ﴿ ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ﴾.
وحيث أن كتاب الله سبق أن وصف نوع العذاب الذي حل بهم في سورة الأعراف إذ قال :﴿ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾ [ الآية : ٧٨ ]، وفي سورة هود إذ قال :﴿ وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ﴾ [ الآية : ٩٤ ].
اكتفى في هذه السورة بذكر المصير المفجع الذي آل إليه أمر العتاة التسعة المفسدين، ومن ائتمر بأمرهم من القوم الضالين، فقال تعالى :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:وحيث أن كتاب الله سبق أن وصف نوع العذاب الذي حل بهم في سورة الأعراف إذ قال :﴿ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾ [ الآية : ٧٨ ]، وفي سورة هود إذ قال :﴿ وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ﴾ [ الآية : ٩٤ ].
اكتفى في هذه السورة بذكر المصير المفجع الذي آل إليه أمر العتاة التسعة المفسدين، ومن ائتمر بأمرهم من القوم الضالين، فقال تعالى :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾

﴿ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
وانجلت معركة الحق التي كان يخوضها صالح عليه السلام لإزهاق الباطل كما هو المنتظر دائما بنجاته ونجاة من معه من المؤمنين، مصداقا للوعد العام الذي وعد الله به كافة الرسل والأنبياء في سورة الأنبياء، إذ قال تعالى :﴿ ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء، وأهلكنا المسرفين ﴾ [ الآية : ٩ ].
ومن قصة صالح وما فيها من المثلاث والعبر، انتقل كتاب الله للحديث مرة أخرى عن قوم لوط، وما ابتدعوه من الفاحشة الكبرى التي غطت على بقية الفواحش، حتى عم مقتها وانتشر، بين كافة البشر، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾
لقد كانت نهاية الربع الماضي بداية للحديث عن آخر قصة في سورة النمل المكية، وهي قصة لوط مع قومه، وهذه القصة تجدد ذكرها في ثمان سور من القرآن الكريم، فتولى كتاب الله في سبع منها التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه، وذكر العقاب الإلهي الصارم الذي عاقبهم به على فاحشتهم الكبرى، ألا وهي سور : الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والقمر، واقتصر في واحدة منها وهي سورة الصافات على وصف عقابهم دون وصف عملهم، اكتفاء بما رددته السور الأخرى، فقال تعالى في سورة الأعراف :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨٠، ٨١ ]. وقال تعالى في سورة هود :﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي ﴾ يشير إلى بنات قومه ويدعوهم إلى الزواج بهن ﴿ هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ﴾ [ ٧٨، ٧٩ ]. وقال تعالى في سورة الحجر :﴿ قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون ﴾، وفيها أيضا :﴿ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ﴾ [ الآيات : ٦٨، ٧١، ٦٩ ] وقال تعالى في سورة الشعراء :﴿ أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٦، ١٦٥ ]. وقال تعالى في سورة العنكبوت :﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ [ ٢٩، ٢٨ ]. وقال تعالى في سورة القمر :﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ﴾ [ ٣٧ ]. وقال تعالى في نهاية الربع الماضي من سورة النمل :﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم تجهلون ﴾ [ ٥٥، ٥٤ ].
ومن عرض هذه الآيات في صعيد واحد يتضح ما كان لعمل قوم لوط من أبعاد خطيرة، وما يؤدي إليه عند انتشاره من مفاسد كبيرة، فقد أوحى إليهم شيطانهم أن قضاء الشهوة هو الهدف الأول والأخير من وجود الغريزة الجنسية، وأنه لا معنى لوجود أي هدف أخلاقي أو اجتماعي من ورائها، وأنه لا ضرورة تدعو إلى التستر بها وكتمانها، وكانوا يحملون الكراهية والبغض للنساء عموما، ويتبجحون بإعلان النفور من معاشرتهن في كل المناسبات ﴿ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ﴾ ﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ ﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾ ﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد }. وهذا الوضع الشاذ يؤدي عند استفحال عدواه إلى رفض الذكور للزواج، اكتفاء بأمثالهم، ويتبعه في نفس الوقت بصورة آلية اكتفاء الإناث بأمثالهن، فلا يبقى أي حافز يحفز على الزواج وتأسيس الأسرة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وبذلك يقع القضاء التام على ملكة الإخصاب والإنجاب، لأنها لا تؤدي دورها إلا عند تزاوج الذكور والإناث، فيتوقف النسل في البداية، ثم ينقطع النسل في النهاية، وهكذا يتعرض المجتمع البشري متى انتشرت فيه هذه العدوى وسادت العلاقات الجنسية للاختلال والانحلال، ويتعرض النوع الإنساني تدريجيا في مختلف الأقطار للفناء والانقراض، وذلك خلاف مراد الله ونقيض حكمته، من حمل الإنسان للأمانة والجلوس على عرش خلافته ﴿ إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان } [ الأحزاب : ٧٢ ].
ومن هذه النبذة القصيرة يتبين السر في التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه في كتاب الله، والتعبير عنه في ثلاث سور مختلفة بلفظ ( الفاحشة ) معرفا بالألف واللام، إبرازا لشدة قبحه، وتنبيها إلى أنه أم الفواحش وأكبرها وأخطرها جميعا، لما فيه إذا استفحل أمره من أخطار بالغة على نظام المجتمع، ومصير النوع الإنساني الذي يرتبط به عمران العالم. أضف إلى ذلك ما هو مركوز في العقول والفطر من قبحه وشناعته والنفور منه، حتى أصبح لفظ ( الفاحشة ) أصدق تعريف له، ولذلك خاطبهم لوط عليه السلام، كما حكى عنه كتاب الله، قائلا لهم في سورة الأعراف :﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨١ ]، وفي سورة الشعراء :﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٥ ]، وهنا في سورة النمل :﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾.
وواضح أن من انحرف عن طريق الفطرة السوي، ولم يستجب لداعي الميل الطبيعي المركوز في الذكر نحو الأنثى والأنثى نحو الذكر، وكرس حياته لمجرد قضاء الشهوة البهيمية من دون تحقيق أي هدف إنساني نبيل من ورائها، يكون قد بلغ الغاية في " الإسراف "، والغاية في " العدوان "، والغاية في " الجهل " بكلا معنييه : معناه المضاد للعلم، ومعناه المنافي لمكارم الأخلاق. و " الإسراف " في الشيء هو الزيادة المفسدة للغرض المقصود منه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٤:ومن قصة صالح وما فيها من المثلاث والعبر، انتقل كتاب الله للحديث مرة أخرى عن قوم لوط، وما ابتدعوه من الفاحشة الكبرى التي غطت على بقية الفواحش، حتى عم مقتها وانتشر، بين كافة البشر، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾
لقد كانت نهاية الربع الماضي بداية للحديث عن آخر قصة في سورة النمل المكية، وهي قصة لوط مع قومه، وهذه القصة تجدد ذكرها في ثمان سور من القرآن الكريم، فتولى كتاب الله في سبع منها التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه، وذكر العقاب الإلهي الصارم الذي عاقبهم به على فاحشتهم الكبرى، ألا وهي سور : الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والقمر، واقتصر في واحدة منها وهي سورة الصافات على وصف عقابهم دون وصف عملهم، اكتفاء بما رددته السور الأخرى، فقال تعالى في سورة الأعراف :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨٠، ٨١ ]. وقال تعالى في سورة هود :﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي ﴾ يشير إلى بنات قومه ويدعوهم إلى الزواج بهن ﴿ هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ﴾ [ ٧٨، ٧٩ ]. وقال تعالى في سورة الحجر :﴿ قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون ﴾، وفيها أيضا :﴿ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ﴾ [ الآيات : ٦٨، ٧١، ٦٩ ] وقال تعالى في سورة الشعراء :﴿ أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٦، ١٦٥ ]. وقال تعالى في سورة العنكبوت :﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ [ ٢٩، ٢٨ ]. وقال تعالى في سورة القمر :﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ﴾ [ ٣٧ ]. وقال تعالى في نهاية الربع الماضي من سورة النمل :﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم تجهلون ﴾ [ ٥٥، ٥٤ ].
ومن عرض هذه الآيات في صعيد واحد يتضح ما كان لعمل قوم لوط من أبعاد خطيرة، وما يؤدي إليه عند انتشاره من مفاسد كبيرة، فقد أوحى إليهم شيطانهم أن قضاء الشهوة هو الهدف الأول والأخير من وجود الغريزة الجنسية، وأنه لا معنى لوجود أي هدف أخلاقي أو اجتماعي من ورائها، وأنه لا ضرورة تدعو إلى التستر بها وكتمانها، وكانوا يحملون الكراهية والبغض للنساء عموما، ويتبجحون بإعلان النفور من معاشرتهن في كل المناسبات ﴿ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ﴾ ﴿ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ ﴿ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾ ﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد }. وهذا الوضع الشاذ يؤدي عند استفحال عدواه إلى رفض الذكور للزواج، اكتفاء بأمثالهم، ويتبعه في نفس الوقت بصورة آلية اكتفاء الإناث بأمثالهن، فلا يبقى أي حافز يحفز على الزواج وتأسيس الأسرة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وبذلك يقع القضاء التام على ملكة الإخصاب والإنجاب، لأنها لا تؤدي دورها إلا عند تزاوج الذكور والإناث، فيتوقف النسل في البداية، ثم ينقطع النسل في النهاية، وهكذا يتعرض المجتمع البشري متى انتشرت فيه هذه العدوى وسادت العلاقات الجنسية للاختلال والانحلال، ويتعرض النوع الإنساني تدريجيا في مختلف الأقطار للفناء والانقراض، وذلك خلاف مراد الله ونقيض حكمته، من حمل الإنسان للأمانة والجلوس على عرش خلافته ﴿ إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان } [ الأحزاب : ٧٢ ].
ومن هذه النبذة القصيرة يتبين السر في التشهير بعمل قوم لوط والتنفير منه في كتاب الله، والتعبير عنه في ثلاث سور مختلفة بلفظ ( الفاحشة ) معرفا بالألف واللام، إبرازا لشدة قبحه، وتنبيها إلى أنه أم الفواحش وأكبرها وأخطرها جميعا، لما فيه إذا استفحل أمره من أخطار بالغة على نظام المجتمع، ومصير النوع الإنساني الذي يرتبط به عمران العالم. أضف إلى ذلك ما هو مركوز في العقول والفطر من قبحه وشناعته والنفور منه، حتى أصبح لفظ ( الفاحشة ) أصدق تعريف له، ولذلك خاطبهم لوط عليه السلام، كما حكى عنه كتاب الله، قائلا لهم في سورة الأعراف :﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ [ ٨١ ]، وفي سورة الشعراء :﴿ بل أنتم قوم عادون ﴾ [ ١٦٥ ]، وهنا في سورة النمل :﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾.
وواضح أن من انحرف عن طريق الفطرة السوي، ولم يستجب لداعي الميل الطبيعي المركوز في الذكر نحو الأنثى والأنثى نحو الذكر، وكرس حياته لمجرد قضاء الشهوة البهيمية من دون تحقيق أي هدف إنساني نبيل من ورائها، يكون قد بلغ الغاية في " الإسراف "، والغاية في " العدوان "، والغاية في " الجهل " بكلا معنييه : معناه المضاد للعلم، ومعناه المنافي لمكارم الأخلاق. و " الإسراف " في الشيء هو الزيادة المفسدة للغرض المقصود منه.

الثمن الأول من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثين
ولأجل أن نفهم قرار الشواذ المنحرفين من قوم لوط بنفي آل لوط وهو لوط ومن آمن معه إذ ﴿ قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ﴾ وتعليل القرار الذي أصدروه في حق لوط وصحبه بقولهم عنهم :﴿ إنهم أناس يتطهرون ﴾ حسبما حكاه كتاب الله في سورة الأعراف ﴿ اٍلآية : ٨٢ ]، وهنا في سورة النمل، ينبغي أن نعيد إلى الذاكرة قول لوط وهو يخاطبهم في سورة هود :{ يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ﴾ [ الآية : ٧٨ ] فقد جعل الله أرحام النساء بالنسبة للرجال هي مقر البذر والإخصاب، وبدونها لا يستمر النسل ولا يحصل الإنجاب، وهذه الأرحام طاهرة من الأذى في أغلب الأوقات، فالبذر فيها ممكن متيسر من دون أدنى ضر ولا خطر، اللهم إلا في فترة الحيض المحدودة، طبقا لقوله تعالى في سورة البقرة :﴿ ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ﴾ [ الآية : ٢٢٢ ]، ومن تعود على الطهارة والنظافة في الجوارح والملابس والأنفاس، يربأ بنفسه أن يقرب مواقع الأقذار والخبائث والأنجاس، ولا يعرض نفسه للأورام والأسقام التي تتولد من ذلك فيتعرض لها المنحرفون من الناس.
من أجل ذلك كله حرم الله عمل قوم لوط وشهر به في جميع الأعصار، ولو كان قليل الوقوع محدود الانتشار، كما حرم قليل الخمر ولو لم يكن مثل كثيره مفضيا إلى الإسكار، لأن المعصية تدفع إلى مثلها، والعدوى تضاعف من فعلها، و " سد الذرائع "، من أحكم وأوجب الشرائع.
وقد عرفت الشريعة الإسلامية من عقوبات هذه الفاحشة في الحالات القليلة التي واجهتها عقوبة الإحراق والرجم والقتل والجلد والتعزير، وهذه العقوبات كلها طبقت عليها أيضا خارج العالم الإسلامي في فترات مختلفة، حسبما تؤكده المصادر الأجنبية، ولا تزال القوانين الوضعية في كثير من أقطار العالم تدينها وتعاقب عليها حتى اليوم.
أما العقاب الإلهي الذي عوقب به قوم لوط على فاحشتهم الكبرى وما كانوا يعملونه من مختلف السيئات، فقد فصله كتاب الله في سورة هود إذ قال :﴿ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد ﴾ [ ٨٣، ٨٢ ]، وفي سورة الحجر إذ قال :﴿ فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين ﴾ [ ٧٥، ٧٣ ] وأجمله كتاب الله في هذه السورة بعد أن تحدث عن لوط والناجين من أهله إذ قال :﴿ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾، لأنها كانت متواطئة معهم وبقيت بجانبهم، فكانت من الهالكين
﴿ وأمطرنا عليهم مطرا، فساء مطر المنذرين ﴾. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) : " وإنما دخل في هذا العقاب الكبير والصغير، لسكوت الجملة عليه والجماهير، فكان منهم فاعل، وكان منهم راض، فعوقب الجميع، وبقي الأمر في العقوبة مستمرا على الفاعلين، إلى يوم الدين ".
وفي ختام القصص التي قصها الله في هذه السورة على رسوله المصطفى، تثبيتا لفؤاده، وتحذيرا لعباده، خاطبه الحق سبحانه وتعالى قائلا :﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ﴾ فدعاه إلى حمده تعالى على نصرة المحقين، وهزيمة المبطلين، والسلام على أصفيائه الأمناء المتقين، الذين بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وجاء ذلك بمنزلة " صدر الخطبة " الذي يكون تمهيدا لما يليه من براهين الحق القاطعة، وحججه الساطعة.
قال جار الله الزمخشري وتابعه أبو حيان : " أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات، الناطقة بالبراهين على وحدانيته، وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه المصطفين من عباده، وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما، على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر، هذا الأدب، فحمدوا الله عز وجل، وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وتذكرة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون، فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وقد بادر كتاب الله عقب حمد الله على نعمه وآلائه، والسلام على أصفيائه، بعرض دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته، منتزعة من واقع الكون وواقع الإنسان، إذ فيهما أوضح حجة وأسطع برهان.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
فقال تعالى منبها ومذكرا، ومبشرا ومنذرا، والخطاب موجه لمن يأتي من الأقوام في مستقبل العصور، ويسلك مسلك الأقوام السالفة في الجحود والإنكار والغفلة والغرور، ﴿ آلله خير أما تشركون ﴾ ﴿ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ﴾

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

وختم هذا العرض الباهر الذي كله حق مبين، بخطاب موجه إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وكل من آمن برسالته إلى يوم الدين، فقال تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ﴾.
ثم أعرب عن إحدى العقائد الأساسية في ملة التوحيد، ألا وهي انفراد الحق سبحانه وتعالى بعلم الغيب من دون أحد من خلقه ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وعنده مفاتحه الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، ومن ذلك انفراده وحده بعلم وقت الساعة المحدود، وما يصاحبها من نشر وحشر، وعرض وحساب، وثواب وعقاب ﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ ولفظ " أيان " هنا بمعنى متى، وهي مركبة من أي والآن، وهو الوقت، أي لا يعرفون متى تقوم الساعة ولا متى يبعثون. وعن هذه الآية تفرع قوله تعالى في بداية هذا الثمن :﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ﴾
الثمن الثاني من الربع الأول في الحزب التاسع والثلاثين
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن عرض كتاب الله دلائل وحدانيته وقدرته وحكمته البارزة في الأنفس والآفاق، في الآيات الخمس الأخيرة من الحصة الماضية، وأعقب كل واحدة منها قوله :﴿ أإله مع الله ﴾ على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو الحق المبين، يلاحظ أن كتاب الله ختم كل دليل بما يناسبه، فختم الدليل الأول بقوله :﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾، أي يعدلون عن عبادته، أو يعدلون به غيره مما هو مخلوق مخترع. وختم الدليل الثاني بقوله تعالى :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ إشارة إلى ان البعض من الناس يعلم ذلك ويفكر فيه، وختم الدليل الثالث بقوله تعالى :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾، إشارة إلى توالي النسيان على الإنسان، إذ ينسى ربه الذي كان يدعوه من قبل، وختم الدليل الرابع بقوله :﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾، إذ كانت الأصنام والأوثان التي يعبدونها لا تهديهم في بر ولا بحر، ولا ترسل ريحا طيبة ولا تنزل غيثا نافعا، وختم الدليل الخامس بخاتمة تنتظم مجموع الدلائل، حيث خاطب المشركين والكافرين، وكافة الجاحدين والمعاندين في كل حين، متحديا إياهم، مطالبا لهم بالحجة والبرهان، والكف عن التحريف والهذيان :﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾.

ثم أعرب عن إحدى العقائد الأساسية في ملة التوحيد، ألا وهي انفراد الحق سبحانه وتعالى بعلم الغيب من دون أحد من خلقه ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وعنده مفاتحه الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، ومن ذلك انفراده وحده بعلم وقت الساعة المحدود، وما يصاحبها من نشر وحشر، وعرض وحساب، وثواب وعقاب ﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ ولفظ " أيان " هنا بمعنى متى، وهي مركبة من أي والآن، وهو الوقت، أي لا يعرفون متى تقوم الساعة ولا متى يبعثون. وعن هذه الآية تفرع قوله تعالى في بداية هذا الثمن :﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ﴾ إشارة إلى أن المشركين والكافرين والجاحدين في كل عصر اختلط عليهم الحابل بالنابل في شأن النشأة الأخرى والحياة الآخرة، وكثر منهم الخوض فيها من دون جدوى، وطال جدالهم في أمرها دون علم، فنفاها بعضهم، وشك فيها بعضهم، واستبعدها بعضهم و " العلم " هنا بمعنى الحكم والقول، أي تتابع منهم القول والحكم في شأن الآخرة من دون الوصول إلى نتيجة، وأصل " ادراك " تدارك، أدغمت الدال في التاء وجيء بألف الوصل، وإنما تكرر في هذه الآية لفظ " بل " وهو للاضطراب، ثلاث مرات، تبعا لتقلب احوالهم، وتناقض مواقفهم، ودرجات عنادهم، وحيرتهم الناشئة عن الشرك والكفر والجحود.
وبعد أن وصف كتاب الله حيرتهم البالغة ردد ما تناقلته الأجيال في كل عصر عن هذا الصنف الحائر السخيف، فقال تعالى حكاية عنهم :﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ﴾
﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾، وقال تعالى في نفس السياق حكاية عنهم أيضا :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. رغما عن تباعد العصور، ويغلب عليها طابع السطحية والسذاجة والتقليد الأعمى، كأن من أبدع النشأة الأولى عاجز عن إبداع النشأة الثانية، لا أنه الخالق الذي يبدئ ويعيد، والقادر على ان يأتي بخلق جديد، أو كأن عمر النوع الإنساني على وجه الأرض يقف عند حد عمرهم وعمر آبائهم ولا يمتد وراء ذلك، أو كأن عمر النوع الإنساني كله منذ ظهوره على سطح الأرض إلى أن يأذن الله بانقراضه يعتبر أمدا بعيدا، بينما هو بالنسبة للأرض نفسها فضلا عن بقية الأكوان المنتشرة في الملأ الأعلى يعد أمدا قصيرا إلى أقصى الحدود، ولذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يقربون لأقوامهم أمد البعث، مبالغة في التحذير، وكل آت قريب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:وبعد أن وصف كتاب الله حيرتهم البالغة ردد ما تناقلته الأجيال في كل عصر عن هذا الصنف الحائر السخيف، فقال تعالى حكاية عنهم :﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ﴾
﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾، وقال تعالى في نفس السياق حكاية عنهم أيضا :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾. رغما عن تباعد العصور، ويغلب عليها طابع السطحية والسذاجة والتقليد الأعمى، كأن من أبدع النشأة الأولى عاجز عن إبداع النشأة الثانية، لا أنه الخالق الذي يبدئ ويعيد، والقادر على ان يأتي بخلق جديد، أو كأن عمر النوع الإنساني على وجه الأرض يقف عند حد عمرهم وعمر آبائهم ولا يمتد وراء ذلك، أو كأن عمر النوع الإنساني كله منذ ظهوره على سطح الأرض إلى أن يأذن الله بانقراضه يعتبر أمدا بعيدا، بينما هو بالنسبة للأرض نفسها فضلا عن بقية الأكوان المنتشرة في الملأ الأعلى يعد أمدا قصيرا إلى أقصى الحدود، ولذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يقربون لأقوامهم أمد البعث، مبالغة في التحذير، وكل آت قريب.

ودعا كتاب الله رسوله الأمين إلى أن يحض الناس، مومنهم وكافرهم، على التجول في أرض الله، للتأمل والاعتبار، حتى تحدثهم عن مصارع الذين أجرموا بأصح الأخبار، وذلك قوله تعالى :﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ﴾.
ونظرا لأن خاتم النبيئين والمرسلين أرسله الله رحمة للعالمين، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحرص أشد الحرص على إنقاذ البشر من الضلال، رغما عما يتحمله في سبيل ذلك من المتاعب والأهوال، وها هو كتاب الله يفرج عنه كربتهم، ويخفف وطأتهم، فيخاطبه قائلا :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾.
وحيث أن أعداء الحق من المشركين والمنافقين واليهود على عهد الرسالة كانوا لا ينقطعون عن الكيد للإسلام والمسلمين، والمكر بهم سرا وعلنا، كما تشير إليه الآية السابقة ﴿ ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾ ها هو كتاب الله يبشر رسوله بأن عاقبة مكرهم آتية لا ريب فيها، ويدعوه إلى إنذارهم بقرب حلولها ونزولها بساحتهم قائلا :﴿ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ﴾، وسيأتي في سورة فاطر المكية قوله تعالى مؤكدا لهذا المعنى :﴿ والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد، ومكر أولئك هو يبور ﴾ [ الآية : ١٠ ] وقوله تعالى :﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ﴾ [ الآية : ٤٣ ]. ومعنى ﴿ ردف لكم ﴾ اقترب لكم ودنا منكم، وهو من ردف الشيء الشيء إذا تبعه وجاء في أثره.
وإمعانا في تسلية الرسول الأعظم وتهدئة روعه من كيد الكائدين ومكر الماكرين ذكره كتاب الله بأن جحود الكثرة الساحقة من الناس لنعم الله المتواصلة، وإعراضهم عنها، وعدم قيامهم بحق شكرها، لن يحول دون استمرار مدده، إذ هو الرحمان الرحيم، والغني الكريم، فما على رسوله الأمين إلا ان يواصل أداء رسالته إلى الناس كافة، شكروا أم كفروا، أخلصوا أم مكروا، ﴿ وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾ ﴿ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ﴾.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى فيما سبق من سورة الإسراء :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾ [ الآية : ١٨، ٢٠ ].
ومعنى ﴿ ما تكن صدورهم ﴾ ما تخفيه القلوب التي في الصدور، من أكن الشيء إذا أخفاه. قال جار الله الزمخشري : " يعني أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدهم، وهو معاقبهم على ذلك بما يستوجبونه ". وقال أبو حيان : " أسند كتاب الله الإعلان إلى ذواتهم، إذ قال في هذه الآية :﴿ وما يعلنون ﴾، لأن الإعلان من أفعال الجوارح، ولما كان المضمر في الصدور وهو ما ينطوي عليه القلب هو الداعي لما يظهر على الجوارح والسبب في إظهاره، قدم " الإكنان " على " الإعلان "، فقال تعالى :﴿ ما تكن صدورهم وما يعلنون ﴾ " وهذا من لطائف التفسير. ومثل هذا التحليل يوجد عند الرازي إذ قال : " ما تكنه صدورهم هو الدواعي والقصود، وهي أسباب لما يعلنون، وهي أفعال الجوارح ".
وبعد أن كشف كتاب الله الستار عن أعداء الإسلام، وأكد أن الله يعلم سرهم ونجواهم ولا تلتبس عليه أحوالهم، عمم القول بأن الله تعالى يعلم كل المغيبات لا يخفى عليه منها شيء لا في الأرض ولا في السماء، وأن ما قد ينكشف منها للخلق لا ينكشف ويبرز إلى الوجود، إلا في وقته المحدود، فقال تعالى :﴿ وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾، قال ابن شجرة : " المراد بالغائبة هنا جميع ما أخفى الله تعالى عن خلقه وغيبه عنهم، وهذا أمر عام ".
ولما كان الامر الثابت في القديم والحديث ما تعرضت له كتب اليهود والنصارى المنزلة، من تبديل وتغيير، وتحريف وتزوير، وحمى الله من ذلك كله كتابه الكريم والذكر الحكيم، إذ تعهد الله بحفظه ﴿ لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] جعل سبحانه هذا الكتاب الإلهي المحفوظ حكما على الكتب الأخرى ورقيبا عليها، يبين لأهلها الحق من الباطل، والحالي من العاطل، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فقال تعالى فيما سبق من سورة المادة :﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ﴾ [ الآية : ٤٨ ] وقال تعالى هنا في سورة النمل، التي قص فيها على نبيه عدة قصص لها علاقة وثيقة بتاريخ بني إسرائيل وكتبهم المحرفة :﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون * وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ﴾، كما قال في مطلع هذه السورة قبل أن يشرع في قصة موسى :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، إذ قال موسى لأهله ﴾ [ الآيتان : ٦، ٧ ]،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٦:ولما كان الامر الثابت في القديم والحديث ما تعرضت له كتب اليهود والنصارى المنزلة، من تبديل وتغيير، وتحريف وتزوير، وحمى الله من ذلك كله كتابه الكريم والذكر الحكيم، إذ تعهد الله بحفظه ﴿ لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] جعل سبحانه هذا الكتاب الإلهي المحفوظ حكما على الكتب الأخرى ورقيبا عليها، يبين لأهلها الحق من الباطل، والحالي من العاطل، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فقال تعالى فيما سبق من سورة المادة :﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ﴾ [ الآية : ٤٨ ] وقال تعالى هنا في سورة النمل، التي قص فيها على نبيه عدة قصص لها علاقة وثيقة بتاريخ بني إسرائيل وكتبهم المحرفة :﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون * وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ﴾، كما قال في مطلع هذه السورة قبل أن يشرع في قصة موسى :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، إذ قال موسى لأهله ﴾ [ الآيتان : ٦، ٧ ]،

وكما قال تعالى في سورة المائدة بعد التصريح بهيمنة القرآن على غيره من الكتب السابقة :﴿ فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ﴾ [ الآية : ٤٨ ] قال تعالى هنا في سورة النمل :﴿ إن ربك يقضي بينهم بحكمه ﴾، ولما كان ( القضاء ) المفهوم من قوله تعالى :﴿ يقضي بينهم بحكمه ﴾ يقتضي العلم بما يحكم به، وتنفيذ ما يقضي به، جاءت عقبة الصفتان الملائمتان لذلك، وهما صفة " العلم " للوصول إلى معرفة الحكم، وصفة " العزة " التي هي الغلبة والقدرة، للتمكن من تنفيذه، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ وهو العزيز العليم ﴾.
وإمدادا للرسول الأعظم بمدد إلهي جديد، وهو في خضم المعركة مع قوى الشرك والإلحاد، والشر والفساد، وتثبيتا لفؤاده حتى يتخطى جميع العقبات والمزالق، وجه إليه كتاب الله هذا الخطاب الرقيق الرفيق :﴿ فتوكل على الله، إنك على الحق المبين ﴾، ومن كان الله له نصيرا وعليه وكيلا، لم ينل منه العدو كثيرا ولا قليلا، قال جار الله الزمخشري : " وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج، الذي لا يتعلق به الشك والظن، وفيه بيان ان صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته، وأن مثله لا يخذل " ﴿ والعاقبة للمتقين ﴾.
وليريح الحق سبحانه وتعالى ضمير رسوله من العناء الكبير، الذي يلاقيه ممن طبع الله على قلوبهم عندما لا يستجيبون لله ورسوله ﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مومنين ﴾ [ الشعراء : ٣ ] وليرفع عنه كل مسؤولية في عدم استجابتهم، بعد بذل الجهد البالغ في أداء الأمانة، خاطبه قائلا :﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ﴾ فمن كان ميت القلب، أصم الأذن، أعمى البصر والبصيرة، لا شفاء له من دائه العياء، ولا أمل في هدايته ولا رجاء، ﴿ إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ القصص : ٥٦ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٠:وليريح الحق سبحانه وتعالى ضمير رسوله من العناء الكبير، الذي يلاقيه ممن طبع الله على قلوبهم عندما لا يستجيبون لله ورسوله ﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مومنين ﴾ [ الشعراء : ٣ ] وليرفع عنه كل مسؤولية في عدم استجابتهم، بعد بذل الجهد البالغ في أداء الأمانة، خاطبه قائلا :﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ﴾ فمن كان ميت القلب، أصم الأذن، أعمى البصر والبصيرة، لا شفاء له من دائه العياء، ولا أمل في هدايته ولا رجاء، ﴿ إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ القصص : ٥٦ ].

﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
وعلى العكس من ذلك من كان حريصا على كشف حقيقة ذاته، والتعرف على جوهر إنسانيته، وإدراك دوره في الحياة ورسالته، فإنه لا محالة يفتح قلبه وعقله للتأمل والنظر، ويفتح أذنه وعينه لاستيعاب كل ما يسمعه ويراه من المثلات والعبر، فينقاد للحق الذي طالما بحث عنه وسعى إليه، وبمجرد ما يكتشفه ويعثر عليه، وعلى مثل هذا الصنف من الناس يصدق قوله تعالى في ختام هذه الحصة :﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾.
الثمن الأول من الربع الثاني في الحزب التاسع والثلاثين
﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون * ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون * حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون * ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون * ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين* وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون* من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون * إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين* وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ﴾
عندما خلق الله النوع الإنساني اقتضت حكمته ان يكل إليه أمانة كبرى لم يكلها إلى بقية الأكوان، وجعله خليفة في الأرض لا ليفسد فيها ويسفك الدماء، ولكن ليبرز ما آتاه الله من ذكاء وعبقرية في مجالات البناء والعمران، روحيا وماديا، خلقيا واجتماعيا ﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾، وكلما تغلب الإنسان على نهم غرائزه السفلى، واهتدى بالتوجيهات الربانية ولو جزئيا فيما يمارسه من نشاط، أرخى له ربه العنان، وأعانه على قطع المراحل والأشواط، حتى تستمر سنة التطور قائمة عبر الزمان، فإذا انقلب الحال وخابت فيه جميع الآمال، على تتابع الأجيال، انقطعت صلته بالله، وأصبح بقاؤه على وجه الأرض مناقضا لحكمة الله، فأذن القاهر فوق عباده بفنائه من دون أن يبقى منه عين ولا أثر، لأنه لم يعد لوجوده أي مبرر ولا معنى يعتبر.
وفي هذا الوضع المتدهور دينيا وأخلاقيا واجتماعيا في جميع أطراف العالم يبدأ ظهور العلامات التي يعقبها قيام الساعة، وهي التي يطلق عليها في نصوص السنة " أمارات " الساعة و " أشراطها "، وهذه العلامات نوعان : صغرى وكبرى، وتظهر في شكل انقلاب خطير في المجتمع وانقلاب غريب في الطبيعة، ويصل عددها إلى عشر علامات في حديث يروى عن حذيفة الغفاري ورد نصه في صحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي، لكنه روي عنه مرفوعا حينا، وموقوفا عليه حينا آخر بحديث رواه أبو هريرة ذكر فيه من علامات الساعة ستا لا غير.
ومن بين العلامات الواردة في كلا الحديثين " دابة الأرض " التي نص عليها كتاب الله هنا بالخصوص، إذ قال تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون }.
وذكر " دابة الأرض " في سورة النمل التي وصف فيها كتاب الله منطق الطير، وحديث النمل، وقطع المسافات البعيدة في أقل من طرفة عين، كما وقع في نقل عرش ملكة سبأ إلى بلاط سليمان، يناسب كل مناسبة ما سبق ذكره فيها من العجائب والخوارق، التي تبرز قدرة الله لمن لا يومن بالله.
وكتاب الله تارة يذكر ما يكون علامة على قيام الساعة، كذكره " دابة الأرض " في هذه الآية، وتارة يصف الأمور التي تقع عند قيام الساعة، كما في فاتحة سورة الحج ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾ [ الآيتان : ١، ٢ ] وفي فاتحة سورة الواقعة :﴿ إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا ﴾ [ ١، ٦ ] وفي فاتحة سورة التكوير :﴿ إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت ﴾ [ الآيات : ١، ٣ ] وفي فاتحة سورة الانفطار ﴿ إذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمت وأخرت ﴾ [ الآيات : ١، ٥ ].
ومن ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة :﴿ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة * وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ﴾ [ ١٣، ١٦ ] وقوله تعالى في سورة القيامة :﴿ فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر* ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ﴾ [ ٧، ١٣ ]، وقوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت * لأي يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين ﴾ [ ٧، ١٥ ] وقوله تعالى في سورة النبأ :﴿ إن يوم الفصل كان ميقاتا * يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا * وفتحت السماء فكانت أبوابا * وسيرت الجبال فكانت سرابا ﴾ [ ١٧، ٢٠ ].
وإذا رجعنا إلى الآيات السابقة وهي قوله تعالى :﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ﴾ [ الآيتان : ٨٠، ٨١ ] أدركنا العلاقة الوثيقة بينهما وبين الآية التالية، وهي قوله تعالى هنا :﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ﴾ لأنه إذا أصبح أكثر البشر " موتى " القلوب، قساة لا يمارسون أي نوع من أنواع الخير والبر فيما بينهم، " صم " الآذان، لا يسمعون نصيحة ولا موعظة ولا حكمة ولا رأيا سليما، " عمي " البصائر والأبصار، لا يهتدون في حياتهم الخاصة والعامة سبيلا، وإذا نبذوا التعاليم الإلهية وراء ظهورهم بالمرة، يكون ذلك إيذانا بأنه " قد حقت عليهم كلمة العذاب "،
لأنه لم يبق في صلاح حالهم أدنى أمل ولا رجاء، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ وقع القول عليهم ﴾ أي حل الوقت الذي يقع فيه سخط الله وغضبه عليهم، وعذابه لهم، طبقا لما تضمنه " القول الأزلي " السابق من الله، في حق من انتهك حرمات الله، وتحدى أمره وعصاه، فوقوع القول يتضمن وجوب إنزال العقاب بهم، إذ مع الاستمرار في الإصرار والاستكبار لم يبق محل للإنذار ولا للإعذار.
ويتأكد هذا المعنى بقوله تعالى في آخر الآية نفسها في نفس السياق، وقد سيق مساق التعليل :﴿ أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ﴾ وقوله تعالى بعد ذلك :﴿ ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ﴾. وورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ".
وقوله تعالى :﴿ أخرجنا لهم دابة من الأرض ﴾ يفهم منه ان هذه الدابة تنفذ من خلال طبقات الأرض، وذكرها في الآية بصيغة النكرة دون تعريف يفيد أنها دابة غريبة التكوين، على خلاف الدواب التي عرفها البشر، وأنها فريدة في شكلها، وفي الأثر البالغ والهول العظيم الذي يحدثه ظهورها بين البشر، ولولا أنها خارقة للعادة في عالم الدواب لما جعلها الله علامة من علامات الساعة، ولما كانت مظهرا " لكلمة العذاب " التي حقت وقتئذ على الكافرين والفاسقين، والشاكين في ربهم والجاحدين.
وقد انتصر كتاب الله في وصف الدابة على أمر واحد هو أنها ( تكلمهم ) وهو بالتشديد على قراءة الجمهور، وقرئت بالتخفيف أيضا ( دابة من الأرض تكلمهم ). والقراءة بالتشديد ( دابة من الأرض تلكمهم ) تفيد معنيين اثنين :
فعلى ان هذا اللفظ مأخوذ من " الكلام " وهو الخطاب يكون المعنى أنها تخاطبهم، وتفسره قراءة أبي " تنبئهم "، وقراءة يحيى بن سلام " تحدثهم ".
وعلى أنه مأخوذ من " الكلم " وهو الجرح، وجمعه كلوم، يكون التشديد فيه للتكثير والمبالغة، يقال كلم فلان فلانا إذا بالغ في كلمه وجرحه، وفلان مكلم، أي مجرح بجروح كثيرة، ويشهد لهذا المعنى القراءة الواردة هنا بالتخفيف ( تكلمهم ) مضارع كلمه يكلمه إذا جرحه فهو مكلوم وكليم، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس ومجاهد وأبي زرعة وابن جبير وأبي رجاء وغيرهم، وسأل أبو الجوزاء ابن عباس عن هذه الآية : " تكلمهم أو تكلمهم " فقال :{ كل ذلك تفعل، هي والله تكلم المومن، وتكلم الكافر والفاجر ".
ولغرابة أمر هذه الدابة التي توعد الله بها الأشقياء من عبادة قبل قيام الساعة أطلق غير واحد من المتقدمين والمتأخرين العنان لخياله الخصب، فأخذ كل منهم يتحدث عنها كأنه يراها رأي العين، فوصفوا خلقتها وماهيتها، وقدروا جسمها وحجمها، وعينوا موضع خروجها وكيفية خروجها وعدد المرات التي تخرج فيها، وذكروا ماذا تقول للناس وتفعله بهم بعد خروجها، واهتم الزمخشري والقرطبي بإيراد ما ورد من الاختلاف في وصفها، وعندما أشار أبو حيان في تفسيره إلى الاختلاف الواقع في أمرها عقب على ذلك قائلا : " واختلفوا فيها اختلافا مضطربا يعارض بعضه بعضا، ويكذب بعضه بعضا، فاطرحنا ذكره، لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله ". وقال الرازي في تفسيره أيضا : " وأعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور، فإن صح الخبر فيه عن الرسول قبل، وإلا لم يلتفت إليه ".
على أن هذا لا يمنع من تخيل هذه الدابة إذا كان ذلك على وجه الظن والتخمين، لإبراز ان خروجها من أمكن الممكنات طبعا وسمعا، فقد ثبت علميا ان ظهور الإنسان فوق سطح الأرض سبقه وجود حيوانات غريبة في شكلها وحجمها، ثم انقرضت قبل أن يتولى الإنسان الخلافة عن الله، والله تعالى قادر على أن يخلق مثلها أو أكبر منها حجما وضخامة ﴿ وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾ [ الروم : ٢٧ ]. وقد تكون الدابة عبارة عن إنسان مسيخ مسخه الله في شكل بهيمة، لكن أبقى له ملكة النطق، ليكلم شرار الخلق باللغة التي يفهمونها، كما مسخ أناسي من قبل، فجعلهم قردة وخنازير ﴿ قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ﴾ [ المائدة : ٦٠ ] وقد تكون هذه الدابة في منتهى الصغر ودقة الحجم من جنس الحشرات الضارة، والجراثيم الفتاكة التي لم يعرفها الإنسان أبدا، فتهجم عليه في مختلف أطراف الأرض، وتتسلط عليه تسلطا عاما، وتؤذيه أذى كبيرا، دون ان يستطيع الخلاص منها ولا مقاومتها، رغما عما يتبجح به من بسطة في العلم، وتفنن في وجوه الحيلة، فيكون ذلك آية من آيات الله البينات، وعقابا لمن انتهكوا جميع الحرمات، كما أشار إلى هذا الاحتمال الأخير الأستاذ فريد وجدي في موسوعته ( دائرة معارف القرن العشرين ).
ومن السوابق في هذا الباب ما ابتلى الله به فرعون وقومه خاصة، من دون الناس عامة، إذ قال تعالى في سورة الأعراف :﴿ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ﴾ [ ١٣٢، ١٣٣ ].
ومجمل القول ان الدابة التي جعلها الله من علامات الساعة لا يعلم أمرها على وجه التحقيق إلا الحق سبحانه وتعالى المنفرد بعلم الساعة، فلنومن بها على وجه الإجمال، ولنقف عند حدود ما وصفها به كتاب الله، ففي الوقوف عند ما
وتحدث كتاب الله عن أحوال المكذبين بالحق، عندما يبعثون ويقفون بين يدي الله، فقال تعالى :﴿ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون ﴾
﴿ حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ﴾
﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
وذكر الله عباده ولا سيما الجاحدين والغافلين ببعض آياته البارزة في الكون التي تدل على مبلغ علمه، وقدرته وحكمته، حتى يتدبروها ويتفكروا في نظامها المحكم الدقيق، ويستخلصوا من التدبر فيها نتائجه الحتمية، فقال تعالى :﴿ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾،
ووصف كتاب الله حال عباده في الملأ الأدنى عندما تدق الساعة ويفاجأون بصوت مزعج لا يطيق سماعه أحد من البشر، فقال تعالى :﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ﴾ أي خاضعين صاغرين، و " الصور " البوق ينفخ فيه.
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾
وقال تعالى :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾ إشارة إلى حركة دوران الأرض بما عليها من رواسي الجبال في حالتها العادية ﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ﴾.
وبين كتاب الله ما خص به عباده المكرمين من أنهم سيكونون يوم الفزع الأكبر آمنين، فقال تعالى :﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ﴾
وختمت سورة النمل بآيات بينات أجراها كتاب الله على لسان خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وهي عهد منه والتزام في ذمة كل مسلم ومسلمة، إذ قال :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلو القرآن ﴾.
والإشارة " بهذه البلدة " إلى مكة المكرمة التي هي موطن نبيه، ومهبط وحيه، ومركز بيته الحرام، ومعنى " حرمها " جعلها حراما آمنا يحترم بحرمتها الإنسان والنبات والحيوان، فلا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يتعدى على من لجأ إليها،
ومن انتهك حرمتها كان من الظالمين، ثم خاطب ربه قائلا :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ﴾،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩١:وختمت سورة النمل بآيات بينات أجراها كتاب الله على لسان خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وهي عهد منه والتزام في ذمة كل مسلم ومسلمة، إذ قال :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلو القرآن ﴾.
والإشارة " بهذه البلدة " إلى مكة المكرمة التي هي موطن نبيه، ومهبط وحيه، ومركز بيته الحرام، ومعنى " حرمها " جعلها حراما آمنا يحترم بحرمتها الإنسان والنبات والحيوان، فلا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يتعدى على من لجأ إليها،
ومن انتهك حرمتها كان من الظالمين، ثم خاطب ربه قائلا :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ﴾،

وكما لقنه كتاب الله أن يحمد الله ويسلم على أصفيائه بعدما فرغ من قصص الأنبياء السابقين في هذه السورة إذ قال وهو يخاطبه :﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذي اصطفى ﴾ هاهو يوجه إليه نفس الخطاب في ختام نفس السورة، مؤكدا نفس المعنى، فيقول له :﴿ وقل الحمد لله ﴾ ثم يتوجه إلى الناس جميعا، معلنا إليهم أنه سيأتي عليهم وقت تبهرهم فيه آيات الله، وتفرض نفسها عليهم، فلا يستطيعون لها ردا ولا إنكار ﴿ سيريكم آياته فتعرفونها ﴾ وقد عرف الناس في هذا العصر غير ما آية من آياته، وستعرف العصور القادمة بقية الآيات، تحقيقا لوعد الله الذي لا يتخلف ﴿ وما ربك بغافل عما تعملون ﴾.
Icon