وهي مكية.
ﰡ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥) ﴾قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا، جَازَ الْإِتْيَانُ بِلَا قَبْلَ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ هَاهُنَا هُوَ إِثْبَاتُ الْمِيعَادِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَا يَزْعُمُهُ الْجَهَلَةُ مِنَ الْعِبَادِ مِنْ عَدَمِ بَعث الْأَجْسَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَقْسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلْ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا. هَكَذَا (١) حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْأَعْرَجِ أَنَّهُمَا قَرَآ: "لَأُقْسِمُ [بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ] (٢) "، وَهَذَا يُوَجِّهُ قَوْلَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْقَسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَفَى الْقَسَمَ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
فَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ، فَقَالَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ -وَاللَّهِ-مَا نَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ نَفْسِي؟ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَمْضِي قُدُما مَا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ.
وَقَالَ جُوَيْبر: بَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: ليس أحد من أهل السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ (٣) مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِماك: أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمة عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: يَلُومُ (٤) عَلَى الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا.
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: "عن".
(٤) في م: "تلوم".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير فِي: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: هي النفس اللؤوم. (٢)
وقال علي ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَلُومُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اللَّوَّامَةُ: الْمَذْمُومَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿اللَّوَّامَةِ﴾ الْفَاجِرَةِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنَّهَا الَّتِي تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيُظَنُّ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى إِعَادَةِ عِظَامِهِ وَجَمْعِهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا الْمُتَفَرِّقَةِ؟ ﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ قَالَ سَعِيدِ بْنِ جُبَير والعَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ نَجْعَلَهُ (٣) خُفّا أَوْ حَافِرًا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ جَرِيرٍ. ووجَّهه ابنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.
وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿قَادِرِينَ﴾ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿نَجْمَعَ﴾ أَيْ: أَيُظَنُّ الْإِنْسَانُ أَنَا لَا نَجْمَعُ عِظَامَهُ؟ بَلَى سَنَجْمَعُهَا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّي بَنَانَهُ، أَيْ: قُدْرَتُنَا صَالِحَةٌ لِجَمْعِهَا، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فتجعل بَنَانَهُ -وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ-مُسْتَوِيَةً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَالزَّجَّاجِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ قَالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي يَمْضِي قُدُمًا.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ يَعْنِي: الْأَمَلَ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ: أَعْمَلُ ثُمَّ أَتُوبُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْكُفْرُ بِالْحَقِّ بَيْنَ يَدَيِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ لِيَمْضِيَ أَمَامَهُ رَاكِبًا رَأْسَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يُلْقَى ابْنُ آدَمَ إِلَّا تَنْزِعُ نَفْسَهُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُدُمًا قُدُمًا، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.
ورُوي عَنْ عكرِمة، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُوَ الَّذِي يَعجَل الذنوبَ ويُسوّف التَّوْبَةَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْكَافِرُ يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ الْمُرَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ ؟ أَيْ: يَقُولُ مَتَى يَكُونُ يوم
(٢) تفسير الطبري (٢٩/١٠٩).
(٣) في أ: "أن نحوله".
وقال تعالى ها هنا: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: ﴿بَرِقَ﴾ بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: حَارَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٣]، بَلْ يَنْظُرُونَ مِنَ الْفَزَعِ هَكَذَا وَهَكَذَا، لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بَصَرٌ عَلَى شَيْءٍ؛ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ.
وَقَرَأَ آخَرُونَ: "بَرَقَ" بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْبَهِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْشَعُ وَتَحَارُ وَتَذِلُّ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ، وَمَنْ عِظَمِ مَا تُشَاهِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأُمُورِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ أَيْ: ذَهَبَ ضَوْءُهُ.
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: كُوّرا. وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التَّكْوِيرِ: ١، ٢] ورُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "وجُمع بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ".
وَقَوْلُهُ: ﴿يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ أَيْ: إِذَا عَايَنَ ابنُ آدَمَ هَذِهِ الْأَهْوَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَفِرَّ وَيَقُولُ: أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ أَيْ: هَلْ مِنْ مَلْجَأٍ أَوْ مَوْئِلٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ لَا نَجَاةَ.
وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشُّورَى: ٤٧] أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَتَنَكَّرُونَ فِيهِ، وَكَذَا قَالَ هَاهُنَا ﴿لَا وَزَرَ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَعْتَصِمُونَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ أَيْ: يُخْبَرُ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ أَيْ: هُوَ شَهِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، عَالِمٌ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٤].
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يَقُولُ: سمعُه وبصرُه وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وجوارحُه.
وَقَالَ قَتَادَةُ: شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِذَا شِئْتَ -وَاللَّهِ-رَأَيْتَهُ بَصِيرًا بِعُيُوبِ النَّاسِ وَذُنُوبِهِمْ غَافِلًا عَنْ ذُنُوبِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبًا: يَا ابْنَ آدَمَ، تُبصر القَذَاة فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَتَتْرُكُ الجِذْل (١) فِي عينك لا تبصره.
والظاهر من الآية أن قوله :﴿ قَادِرِينَ ﴾ حال من قوله :﴿ نَجْمَعَ ﴾ أي : أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نُسَوِّي بنانه، أي : قدرتنا صالحة لجمعها، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فتجعل بنانه - وهي أطراف أصابعه - مستوية. وهذا معنى قول ابن قتيبة، والزجاج.
وقال العوفي، عن ابن عباس :﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ يعني : الأمل، يقول الإنسان : أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال : هو الكفر بالحق بين يدي القيامة.
وقال مجاهد ﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ ليمضي أمامه راكبا رأسه. وقال الحسن : لا يلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدما قدما، إلا من عصمه الله.
ورُوي عن عكرِمة، وسعيد بن جُبَير، والضحاك، والسدي، وغير واحد من السلف : هو الذي يَعجَل الذنوبَ ويُسوّف التوبة.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : هو الكافر يكذب بيوم الحساب. وكذا قال ابن زيد، وهذا هو الأظهر من المراد ؛ ولهذا قال بعده ﴿ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴾ ؟
وقرأ آخرون :" بَرَقَ " بالفتح، وهو قريب في المعنى من الأول. والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور.
وهذه كقوله :﴿ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [ الشورى : ٤٧ ] أي : ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال هاهنا ﴿ لا وَزَرَ ﴾ أي : ليس لكم مكان تعتصمون فيه ؛ولهذا قال :﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس :﴿ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ يقول : سمعُه وبصرُه ويداه ورجلاه وجوارحُه.
وقال قتادة : شاهد على نفسه. وفي رواية قال : إذا شئت - والله - رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه، وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوبا : يا ابن آدم، تُبصر القَذَاة في عين أخيك، وتترك الجِذْل١ في عينك لا تبصره.
وقال قتادة، عن زرارة، عن ابن عباس :﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ يقول : لو ألقى ثيابه.
وقال الضحاك : ولو أرخى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر : المعذار.
والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] وكقوله ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [ المجادلة : ١٨ ].
وقال العوفي، عن ابن عباس :﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ هي الاعتذار١ ألم تسمع أنه قال :﴿ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ﴾ [ غافر : ٥٢ ] وقال ﴿ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ﴾ [ النحل : ٨٧ ] ﴿ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ﴾ [ النحل : ٢٨ ] وقولهم ﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ يَقُولُ: لَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَوْ أَرْخَى سُتُورَهُ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمَّوْنَ السِّتْرَ: الْمِعْذَارَ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] وَكَقَوْلِهِ ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١٨].
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ هِيَ الِاعْتِذَارُ (١) أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: ﴿لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غَافِرٍ: ٥٢] وَقَالَ ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [النَّحْلِ: ٨٧] ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النَّحْلِ: ٢٨] وَقَوْلُهُمْ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) ﴾
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن، عن أبي عَوَانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه - قال : فقال لي ابن عباس : أنا أحرك شفتي١ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه. وقال لي سيعد : وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه - فأنزل الله عز وجل ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ قال : جمعه في صدرك، ثم تقرأه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ فاستمع له وأنصت، ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه. ٢
وقد رواه البخاري ومسلم، من غير وجه، عن موسى بن أبي عائشة، به٣ ولفظ البخاري : فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل٤.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى التيمي، حدثنا موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل الله :﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾
وهكذا قال الشعبي، والحسن البصري، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد : إن هذه الآية نزلت في ذلك.
وقد روى ابن جرير من طريق العوفي، عن ابن عباس :﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ قال : كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه، فقال الله :﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا ﴾ أن نجمعه لك ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾ أن نقرئك فلا تنسى.
وقال ابن عباس وعطية العوفي :﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ تبيين حلاله وحرامه. وكذا قال قتادة.
٢ - (١) المسند (١/٣٤٣)..
٣ - (٢) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٧، ٤٩٢٨)، وصحيح مسلم برقم (٤٤٨)..
٤ - (٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٩)..
هَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَكِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى أَخْذِهِ، وَيُسَابِقُ الْمَلَكَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا جَاءَهُ الْمَلَكُ بِالْوَحْيِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ، وَتَكَفَّلَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ فِي صَدْرِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَهُ لِأَدَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَلْقَاهُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ وَيُفَسِّرَهُ وَيُوَضِّحَهُ. فَالْحَالَةُ (١) الْأُولَى جَمْعُهُ فِي صَدْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ تِلَاوَتُهُ، وَالثَّالِثَةُ تَفْسِيرُهُ وَإِيضَاحُ مَعْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ أَيْ: بِالْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤].
ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أَيْ: فِي صَدْرِكَ، ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أَيْ: أَنْ تَقْرَأَهُ، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ أَيْ: إِذَا تَلَاهُ عَلَيْكَ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ أَيْ: فَاسْتَمَعْ لَهُ، ثُمَّ اقْرَأْهُ كَمَا أَقْرَأَكَ، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أَيْ: بَعْدَ حِفْظِهِ وَتِلَاوَتِهِ نُبَيِّنُهُ لَكَ وَنُوَضِّحُهُ، وَنُلْهِمُكَ مَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَدْنَا وَشَرَعْنَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عَوَانة، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، فَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -قَالَ: فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ (٢) كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ. وَقَالَ
(٢) في أ: "أنا أحركهما".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، بِهِ (٢) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (٣).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَلْقَى مِنْهُ شِدَّةٌ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عُرِفَ فِي تَحْرِيكِهِ شَفَتَيْهِ، يَتَلَقَّى أَوَّلَهُ وَيُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَى أَوَّلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ آخِرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾
وَهَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ قَالَ: كَانَ لَا يَفْتُرُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا﴾ أَنْ نَجْمَعَهُ لَكَ ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أَنْ نُقْرِئَكَ فَلَا تَنْسَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ تَبْيِينَ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمُخَالَفَةِ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الْحَقِّ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا هِمَّتُهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ، وَهُمْ لَاهُونَ مُتَشَاغِلُونَ عَنِ الْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ مِنَ النَّضَارَةِ، أَيْ حَسَنَةٌ بَهِيَّة مُشْرِقَةٌ مَسْرُورَةٌ، ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أَيْ: تَرَاهُ عَيَانًا، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي صَحِيحِهِ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانا". (٤) وَقَدْ ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا وَلَا مَنْعُهَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَة -وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ-: أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "هَلْ تُضَارُّون فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْسَ دُونَهُمَا سَحَاب؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَون رَبَّكُمْ كَذَلِكَ". (٥) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ تَرَون رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغلَبوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس ولا قبل
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٧، ٤٩٢٨)، وصحيح مسلم برقم (٤٤٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٩).
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٥٤، ٥٧٣، ٤٨٥) من حديث جرير رضي الله عنه.
(٥) صحيح البخاري برقم (٧٤٣٧، ٧٤٣٨)، وصحيح مسلم برقم (١٨٢).
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ: "إِنَّ اللَّهَ يَتَجلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ يَضْحَكُ" (٤) -يَعْنِي فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ-فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَنْظُرُونَ (٥) إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعَرَصَاتِ، وَفِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ، حَدَّثَنَا ثُوَير (٦) بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَيْ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، يَنْظُرُ إِلَى أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ. وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ". (٧)
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ شَبابة، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَير قَالَ: "سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ..". فَذَكَرَهُ، قَالَ: "وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ، عَنْ ثُوَير، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَوْلُهُ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثُوَير، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يَرْفَعْهُ (٨) وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا الْأَحَادِيثَ بِطُرُقِهَا وَأَلْفَاظِهَا مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، وَلَكِنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي مَواضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ (٩). وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. وهُدَاة الْأَنَامِ.
وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِـ ﴿إِلَى﴾ مُفْرَدُ الْآلَاءِ، وَهِيَ النِّعَمُ، كَمَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ فَقَالَ تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ مُجَاهِدٍ. وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ أَيْضًا -فَقَدْ أَبْعَدَ هَذَا الْقَائِلُ (١٠) النُّجْعَةَ، وَأَبْطَلَ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ ؟ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥]، قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا حَجَب الْفُجَّارَ إِلَّا وَقَدْ عَلم أَنَّ الْأَبْرَارَ يَرَوْنَهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ قَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ قَالَ ابن جرير:
(٢) صحيح البخاري برقم (٧٤٤٤)، وصحيح مسلم برقم (١٨٠).
(٣) صحيح مسلم برقم (١٨١).
(٤) صحيح مسلم برقم (١٩١).
(٥) في م: "ينظروا".
(٦) في م، أ: "حدثنا يزيد.
(٧) المسند (٢/١٣).
(٨) سنن الترمذي برقم (٣٣٣٠).
(٩) وانظر: كتاب النهاية في الفتن والملاحم للحافظ ابن كثير (٢/٣٠٠) فقد أطال قي ذكر أحاديث الرؤية.
(١٠) في م: "الناظر".
وفي أفراد مسلم، عن جابر في حديثه :" إن الله يَتَجلَّى للمؤمنين يضحك " ٦ - يعني في عرصات القيامة - ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون٧ إلى ربهم عز وجل في العرصات، وفي روضات الجنات.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن أبجر، حدثنا ثُوَير٨ بن أبي فاختة، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر إلى أزواجه وخدمه. وإن أفضلهم منزلة لينظر إلى وجه الله كل يوم مرتين ". ٩
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن شَبابة، عن إسرائيل، عن ثُوَير قال :" سمعت ابن عمر. . ". فذكره، قال :" ورواه عبد الملك بن أبجر، عن ثُوَير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قوله ". وكذلك رواه الثوري، عن ثُوَير، عن مجاهد، عن ابن عمر، لم يرفعه١٠ ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن، ولكن ذكرنا ذلك مفرقا في مَواضِعَ من هذا التفسير، وبالله التوفيق١١. وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام. وهُدَاة الأنام.
ومن تأول ذلك بأن المراد ب ﴿ إِلَى ﴾ مفرد الآلاء، وهي النعم، كما قال الثوري، عن منصور، عن مجاهد :﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ فقال تنتظر الثواب من ربها. رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد. وكذا قال أبو صالح أيضا - فقد أبعد هذا القائل١٢ النجعة، وأبطل فيما ذهب إليه. وأين هو من قوله تعالى :﴿ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ ؟[ المطففين : ١٥ ]، قال الشافعي، رحمه الله : ما حَجَب الفجار إلا وقد عَلم أن الأبرار يرونه عز وجل. ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة، وهي قوله :﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ قال ابن جرير :
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا آدم، حدثنا المبارك عن الحسن :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾ قال : حسنة، ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ قال تنظر إلى الخالق، وحُقّ لها أن تَنضُر وهي تنظر إلى الخالق١٣.
٢ - (٥) صحيح البخاري برقم (٧٤٣٧، ٧٤٣٨)، وصحيح مسلم برقم (١٨٢)..
٣ - (١) صحيح البخاري برقم (٧٤٣٤، ٧٤٣٦)، وصحيح مسلم برقم (٦٣٣)..
٤ - (٢) صحيح البخاري برقم (٧٤٤٤)، وصحيح مسلم برقم (١٨٠)..
٥ - (٣) صحيح مسلم برقم (١٨١)..
٦ - (٤) صحيح مسلم برقم (١٩١)..
٧ - (٥) في م: "ينظروا"..
٨ - (٦) في م، أ: "حدثنا يزيد..
٩ - (٧) المسند (٢/١٣)..
١٠ - (٨) سنن الترمذي برقم (٣٣٣٠)..
١١ - (٩) وانظر: كتاب النهاية في الفتن والملاحم للحافظ ابن كثير (٢/٣٠٠) فقد أطال قي ذكر أحاديث الرؤية..
١٢ - (١٠) في م: "الناظر"..
١٣ - (١) تفسير الطبري (٢٩/١١٩)..
وهذا المقام كقوله :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ أل عمران : ١٠٦ ] وكقوله ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ [ عبس : ٣٨ - ٤٢ ] وكقوله ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ إلى قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [ الغاشية : ٢ - ١٠ ] في أشباه ذلك من الآيات والسياقات.
وَقَوْلُهُ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾ هَذِهِ وُجُوهُ الْفُجَّارِ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَاسِرَةٌ. قَالَ قَتَادَةُ: كَالِحَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تَغَيَّرَ أَلْوَانُهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿بَاسِرَةٌ﴾ أَيْ: عَابِسَةٌ.
﴿تَظُنُّ﴾ أَيْ: تَسْتَيْقِنُ، ﴿أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: دَاهِيَةٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: شَرٌّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تَسْتَيْقِنُ أَنَّهَا هَالِكَةٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: تَظُنُّ أَنْ سَتَدْخُلُ النَّارَ.
وَهَذَا الْمَقَامُ كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٦] وَكَقَوْلِهِ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عَبَسَ: ٣٨ -٤٢] وَكَقَوْلِهِ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الْغَاشِيَةِ: ٢ -١٠] فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالسِّيَاقَاتِ.
﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٥) أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ وَمَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَهْوَالِ -ثَبَّتَنَا اللَّهُ هُنَالِكَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ-فَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ إن جعلنا ﴿كَلا﴾ رداعة فَمَعْنَاهَا: لَسْتَ يَا ابْنَ آدَمَ تُكَذِّبُ هُنَاكَ بِمَا أُخْبِرْتَ بِهِ، بَلْ صَارَ ذَلِكَ عِنْدَكَ عَيَانًا. وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بِمَعْنَى (حَقًّا) فَظَاهِرٌ، أَيْ: حَقًّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، أَيِ: انْتُزِعَتْ رُوحُكَ مِنْ جَسَدِكَ وَبَلَغْتَ تَرَاقِيَكَ، وَالتَّرَاقِي: جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا (٢) إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٨٣ -٨٧]. وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾ وَيُذْكَرُ هَاهُنَا حَدِيثُ بُسْر بْنِ جِحاش الَّذِي تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ "يس" (٣). وَالتَّرَاقِي: جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الحلقوم.
(٢) في أ: "كلا" وهو خطأ.
(٣) حديث بسر بن جحاش، رواه الإمام أحمد في المسند (٤/٣١٠) من طريق جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ جِحَاشٍ: أن رسول الله ﷺ بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ أني تعجزني وقد خلقتك مِثْلِ هَذِهِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْكَ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ؟! " وقد سبق عند تفسير الآية: ٧٧ من سورة يس.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ قَالَ: قِيلَ: مَنْ يَرْقَى بِرُوحِهِ: مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ أَمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ؟ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ قَالَ: الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ. وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ يَقُولُ: آخِرُ يَوْمٍ فِي الدُّنْيَا، وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، فَتَلْتَقِي الشِّدَّةُ بِالشِّدَّةِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ بِالْأَمْرِ الْعَظِيمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَلَاءٌ بِبَلَاءٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ هُمَّا سَاقَاكَ إِذَا الْتَفَّتَا (١). وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: مَاتَتْ رِجْلَاهُ فَلَمْ تَحْمِلَاهُ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهَا جَوَّالًا. وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْحَسَنِ: هُوَ لَفُّهُمَا فِي الْكَفَنِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: النَّاسُ يُجَهِّزُونَ جَسَدَهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُجَهِّزُونَ رُوحَهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّوحَ تُرْفَعُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُدُّوا عَبْدِي إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أَخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الطَّوِيلِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٦١، ٦٢].
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْكَافِرِ الَّذِي كَانَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا مُكَذِّبًا لِلْحَقِّ بِقَلْبِهِ، مُتَوَلِّيًا عَنِ الْعَمَلِ بِقَالَبِهِ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ أَيْ: جَذلا (٢). أَشِرًا بَطرا كَسْلَانًا، لَا هِمَّةَ لَهُ وَلَا عَمَلَ، كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: ٣٤]. وَقَالَ ﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أَيْ: يَرْجِعَ ﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ [الِانْشِقَاقِ: ١٣ -١٥].
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ [أَيْ] (٣). يَخْتَالُ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَتَبَخْتَرُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ مِنْهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِ بِهِ الْمُتَبَخْتِرِ فِي مِشْيَتِهِ، أَيْ: يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَمْشِيَ هَكَذَا وَقَدْ كَفَرْتَ بِخَالِقِكَ وبارئك، كما يقال
(٢) في م: "أي جزلان".
(٣) زيادة من م.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ-عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قُلْتُ: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ ؟ قَالَ: قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْلٍ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ (١). حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة - (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ (٢). حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ-عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ ؟ قَالَ: قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٣) ثُمَّ أَنْزَلَهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (٤).
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ وَعِيدٌ عَلَى أَثَرِ وَعِيدٍ، كَمَا تَسْمَعُونَ، وَزَعَمُوا أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ أَبَا جَهْلٍ أَخَذَ نَبيّ اللَّهِ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى". فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ: أَتُوعِدُنِي يَا مُحَمَّدُ؟ وَاللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ شَيْئًا، وَإِنِّي لَأَعَزُّ مَنْ مَشَى بَيْنَ جَبَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لَا يُبْعَثُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ الْحَالَيْنِ، أَيْ: لَيْسَ يُتْرَكُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَلَا يُتْرَكُ فِي قَبْرِهِ سُدًى لَا يُبْعَثُ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ فِي الدُّنْيَا، مَحْشُورٌ إِلَى اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِثْبَاتُ الْمَعَادِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْجَهْلِ وَالْعِنَادِ (٥)، وَلِهَذَا قَالَ مُسْتَدِلًّا عَلَى الْإِعَادَةِ بِالْبُدَاءَةِ فَقَالَ.
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ ؟ أَيْ: أَمَا كَانَ الْإِنْسَانُ نُطْفَةً ضَعِيفَةً مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، يُمْنَى يُرَاقُ مِنَ الْأَصْلَابِ فِي الْأَرْحَامِ. ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾ أَيْ: فَصَارَ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ شُكّل وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَصَارَ خَلْقًا آخَرَ سَويًا سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى﴾
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ أَيْ: أَمَا هَذَا الَّذِي أَنْشَأَ هَذَا الْخَلْقَ السَّوِيَّ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَهُ؟ وتناولُ الْقُدْرَةِ لِلْإِعَادَةِ إِمَّا بِطْرِيقِ الْأُولَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبُدَاءَةِ، وَإِمَّا مُسَاوِيَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].
(٢) في م: "عن ابن سليمان".
(٣) في م: "قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جهل".
(٤) سنن النسائي الكبري برقم (١١٦٣٨).
(٥) في أ: "والفساد".
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ آخَرَ: أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ سَطْحٍ يَقْرَأُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا قَرَأَ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ؟ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فَبَلَى. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، فَكَانَ إِذَا قَرَأَ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ؟ قَالَ (١) سُبْحَانَكَ، فَبَلَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (٢) وَلَمْ يُسَمِّ هَذَا الصَّحَابِيَّ، وَلَا يُضَرُّ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرة يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ ؟ فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ. وَمَنْ قَرَأَ: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ فَانْتَهَى إِلَى: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ؟ فَلْيَقُلْ: بَلَى. وَمَنْ قَرَأَ: ﴿وَالْمُرْسَلات﴾ فَبَلَغَ ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (٣). وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ رَجُلُ صِدْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة (٤)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ذُكِر لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: "سُبْحَانَكَ وَبَلَى" (٥).
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ؟، قَالَ: سُبْحَانَكَ؛ فَبَلَى.
آخَرُ تفسير سورة "القيامة" ولله الحمد والمنة
(٢) سنن أبي داود برقم (٨٨٤)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (٢/٣١٠).
(٣) سنن أبي داود برقم (٨٨٧)، والمسند (٢/٢٤٩)، وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٧). وقد جاء تسمية هذا الأعرابي في رواية الحاكم، فرواه في المستدرك (٢/٥١٠) من طريق يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي اليسع، عن أبي هريرة بنحوه وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". قلت: يزيد بن عياض كذاب.
(٤) انظر: تحفة الأشراف للمزي (١١/١٠٥)، وقد ذكر له متابعات أخرى.
(٥) تفسير الطبري (٢٩/١٢٥).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، حدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس :﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ قال : قيل : من يرقى بروحه : ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة.
وبهذا الإسناد، عن ابن عباس في قوله :﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ قال : التفت عليه الدنيا والآخرة. وكذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس :﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ يقول : آخر يوم في الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.
وقال عكرمة :﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ الأمر العظيم بالأمر العظيم. وقال مجاهد : بلاء ببلاء. وقال الحسن البصري في قوله :﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ هما ساقاك إذا التفتا١. وفي رواية عنه : ماتت رجلاه فلم تحملاه، وقد كان عليها جوالا. وكذا قال السدي، عن أبي مالك.
وفي رواية عن الحسن : هو لفهما في الكفن.
وقال الضحاك :﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ اجتمع عليه أمران : الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
وقال الضحاك : عن ابن عباس :﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ﴾ [ أي ]٢. يختال. وقال قتادة، وزيد بن أسلم : يتبختر.
٢ - (٣) زيادة من م..
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت سعيد بن جبير قلت :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ ؟ قال : قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل، ثم نزل به القرآن.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا إبراهيم بن يعقوب١. حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عَوَانة - ( ح ) وحدثنا أبو داود : حدثنا محمد بن سليمان٢. حدثنا أبو عوانة - عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم٣ ثم أنزله الله عز وجل٤.
قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا شعيب عن إسحاق، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ وعيد على أثر وعيد، كما تسمعون، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نَبيّ الله بمجامع ثيابه، ثم قال :" أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ". فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا، وإني لأعز من مشى بين جبليها.
٢ - (٢) في م: "عن ابن سليمان"..
٣ - (٣) في م: "قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل"..
٤ -(٤) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٣٨)..
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت سعيد بن جبير قلت :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ ؟ قال : قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل، ثم نزل به القرآن.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا إبراهيم بن يعقوب١. حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عَوَانة - ( ح ) وحدثنا أبو داود : حدثنا محمد بن سليمان٢. حدثنا أبو عوانة - عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم٣ ثم أنزله الله عز وجل٤.
قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا شعيب عن إسحاق، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ وعيد على أثر وعيد، كما تسمعون، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نَبيّ الله بمجامع ثيابه، ثم قال :" أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ". فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا، وإني لأعز من مشى بين جبليها.
٢ - (٢) في م: "عن ابن سليمان"..
٣ - (٣) في م: "قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل"..
٤ -(٤) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٣٨)..
وقال مجاهد، والشافعي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني لا يؤمر ولا ينهى.
والظاهر أن الآية تعم الحالين، أي : ليس يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث، بل هو مأمور منهي في الدنيا، محشور إلى الله في الدار الآخرة. والمقصود هنا إثبات المعاد، والرد على من أنكره من أهل الزيغ والجهل والعناد١ ؛
ولهذا قال مستدلا على الإعادة بالبداءة فقال. ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ ؟
والأول أشهر كما تقدم في سورة " الروم " بيانه وتقريره، والله أعلم.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا شبابة، عن شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن آخر : أنه كان فوق سطح يقرأ ويرفع صوته بالقرآن، فإذا قرأ :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ؟ قال : سبحانك اللهم فبلى. فسئل عن ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. وقال أبو داود، رحمه الله : حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ؟ قال١ سبحانك، فبلى، فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفرد به أبو داود٢ ولم يسم هذا الصحابي، ولا يضر ذلك.
وقال أبو داود أيضا : حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، حدثنا سفيان، حدثني إسماعيل بن أمية : سمعت أعرابيا يقول : سمعت أبا هُرَيرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها :﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ ؟ فليقل : بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ :﴿ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ فانتهى إلى :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ؟ فليقل : بلى. ومن قرأ :﴿ وَالْمُرْسَلات ﴾ فبلغ ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؟ فليقل : آمنا بالله ".
ورواه أحمد، عن سفيان بن عيينة. ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة٣. وقد رواه شعبة، عن إسماعيل بن أمية قال : قلت له : من حدثك ؟ قال رجل صدق، عن أبي هريرة٤
وقال ابن جرير : حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال :" سبحانك وبلى " ٥.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس أنه مر بهذه الآية :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ ؟، قال : سبحانك ؛ فبلى.
آخر تفسير سورة " القيامة " ولله الحمد والمنة
٢ - (٢) سنن أبي داود برقم (٨٨٤)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (٢/٣١٠)..
٣ - (٣) سنن أبي داود برقم (٨٨٧)، والمسند (٢/٢٤٩)، وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٧). وقد جاء تسمية هذا الأعرابي في رواية الحاكم، فرواه في المستدرك (٢/٥١٠) من طريق يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي اليسع، عن أبي هريرة بنحوه وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". قلت: يزيد بن عياض كذاب..
٤ - (٤) انظر: تحفة الأشراف للمزي (١١/١٠٥)، وقد ذكر له متابعات أخرى..
٥ - (٥) تفسير الطبري (٢٩/١٢٥)..