ﰡ
مدنية، وآيها [ثلاث]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ... (١) دينه (وَالْفَتْحُ) فتح مكة. نزلت في حجة الوداع ففهم رسول اللَّه تمام الأمر، فركب ناقته القصواء في المسجد الحرام، وخطب الناس الخطبة المشهورة، وودّع فيها وقال: ليبلغ الشاهدُ الغائبَ؛ فلذلك سميت حجة الوداع، وكان بين حجته وإجابته داعي الحقِّ ثلاثة أشهر ونيف.فإن قلت: فتح مكة كان سنة ثمان من الهجرة، وحجة الوداع سنة عشر. فكيف يصح نزولها في حجة الوداع و " إِذَا " يدل على الاستقبال؟
قلت: قد روي أنَّها نزلت قبل سنتين، وعلى تلك الرواية يحمل " إِذَا ". ولما كان فتح مكة أمّ الفتوح جعله مترقباً باعتبار ما ردفه من الفتوح، وإن كان متحققاً في نفسه يدل عليه قوله:
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ... (٣) نزهه عن خلف الوعد الذي سبق معك بالنصر وفتح مكة بقوله: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، (وَاسْتَغْفِرْهُ) لما عسى فرط منك من خلاف الأَوْلى الذي لا يليق بجلالة قدرك. أو لأمتك؛ لما روت عائشة رضي اللَّه عنها: " أنه - ﷺ - كان عندي في ليلة فلما ظنَّ أني نائمة قام إلى الباب ففتحه خفية وذهب، فتلففتُ بخماري وذهبت وراءه، فجاء إلى البقيع فوقف ودعا زماناً طويلاً ثم انصرف، فأسرعت وأسرع ورائي حتى دخلت البيت فدخل فوجدني ألهث، فقال " ما لك؟ قلت. لا شيء، قال: أخبريني أو ليخبرني العليم الخبير، قلت: خرجت، فظننت أنك ذهبت إلى بعض أزواجك فقال لي: أنت ذاك السواد الذي رأيته؟ قلت: بلى، قال: جاءني جبرائيل وناداني من وراء الباب، ولم يدخل لأنك وضعت الخمار، وقال لي: تعال استغفر لأهل البقيع فذهبت " ثم قال: وارأساه، فكان ذلك ابتداء مرضه صلوات اللَّه عليه. (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) لمن استغفر.
* * *
* * *