ﰡ
(ومهمه أطرافه في مهمة | أعمى الهدى بالجاهلين العمه) |
أحدهما : هدى إلى الجنة وبشرى بالثواب، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : هدى من الضلالة وبشرى بالجنة. قاله الشعبي.
أحدهما : استيفاء فروضها وسنتها، قاله ابن عباس.
الثاني : المحافظة على مواقيتها، قاله قتادة.
﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها زكاة المال، قاله عكرمة وقتادة والحسن.
الثاني : أنها زكاة الفطر، قاله الحارث العكلي.
الثالث : أنها طاعة الله والإخلاص، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
الرابع : أنها تطهير أجسادهم من دنس المعاصي.
أحدها : يترددون، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : يتمادون، قاله أبو العالية وأبو مالك والربيع بن أنس.
الثالث : يلعبون، قاله قتادة والأعمش.
الرابع : يتحيرون، قاله الحسن، ومنه قول الراجز :
ومهمه أطرافه في مهمه | أعمى الهدى بالجاهلين العمّه١ |
أحدها : لتأخذ القرآن، قاله قتادة.
الثاني : لتوفى القرآن، قاله السدي.
الثالث : لتلقن القرآن، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً : لتتقبل القرآن لأنه أوّل من يلقاه عند نزوله.
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَليمٍ ﴾ أي من عند حكيم في أمره، عليم بخلقه.
(في كفِّهِ صعدة مثقفة | فيها سنان كشعلة القبسِ) |
(فبورك في بنيك وفي بنيهم | إذا ذكروا ونحن لك الفداء) |
﴿ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾.
وفي ﴿ بُورِكَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قُدِّس، قاله ابن عباس.
الثاني : تبارك، حكاه النقاش.
الثالث : البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير :
فبورك في بنيك وفي بنيهم | إذا ذكروا ونحن لك الفداء |
أحدهما : أنها نار فيها نور.
الثاني : أنها نور ليس فيها نار، وهو قول الجمهور.
وفي ﴿ بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ﴾ خمسة أقاويل :
أحدها : بوركت النار، و ﴿ مَن ﴾ زيادة، وهي في مصحف أُبي :﴿ بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا ﴾، قاله مجاهد.
الثاني : بورك النور الذي في النار، قاله ابن عيسى.
الثالث : بورك الله الذي في النور، قاله عكرمة وابن جبير.
الرابع : أنهم الملائكة، قاله السدي.
الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق.
وفي قوله :﴿ وَمَن حَوْلَهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : الملائكة، قاله ابن عباس.
الثاني : موسى، قالها أبو صخر.
﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قول الله :﴿ سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ استعانة بالله وتنزيهاً له، قاله السدي.
الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين، حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى.
وفي ذلك الكلام قولان :
أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي.
قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه.
والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش.
﴿ فَلَمَا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الجان الحية الصغيرة سميت بذلك لاجتنانها واستتارها.
والثاني : أنه أراد بالجان الشيطان من الجن، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان، كما قال تعالى :
﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾
[ الصافات : ٦٥ ].
وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها، كما قال تعالى :
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
[ الأعراف : ١٠٧ ] و[ الشعراء : ٣٣ ].
قال عبد الله بن عباس : وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها : ما شاء. قال ابن جبير : وكانت من عوسج.
﴿ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ. . . ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ولم يرجع، قاله مجاهد. قال قطرب : مأخوذ من العقب.
الثاني : ولم ينتظر، قاله السدي.
الثالث : ولم يلتفت، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش، لأنه في المشي معقب لابتدائه بوضع عقبه قبل قدمه.
قوله تعالى :﴿. . . إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم، وإلا فالمرسلون من الله أخوف.
(في كفِّهِ صعدة مثقفة | فيها سنان كشعلة القبسِ) |
(فبورك في بنيك وفي بنيهم | إذا ذكروا ونحن لك الفداء) |
(في كفِّهِ صعدة مثقفة | فيها سنان كشعلة القبسِ) |
(فبورك في بنيك وفي بنيهم | إذا ذكروا ونحن لك الفداء) |
(لسان الفتى سبع عليه سداته | وإلا يزع من عَرْبه فهو قاتله) |
(وما الجهل إلا منطق متسرع | سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله) |
(على حين عاتبتُ المشيبَ على الصبا | وقلت ألما تصدع والشيب وازعُ) |
أحدها : ورث نبوته وملكه، قاله قتادة. قال الكلبي : وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثته لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء.
الثاني : أن سخر له الشياطين والرياح، قاله الربيع.
الثالث : أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة، وهو قول الضحاك، ومنه قيل : العلماء ورثة الأنبياء، لأنهم في الدين مقام الأنبياء.
أحدها : يساقون، وهو قول ابن زيد.
الثاني : يدفعون، قاله الحسن. قال اليزيدي : تدفع أخراهم وتوقف أولاهم.
الثالث : يسحبون، قاله المبرِّد.
الرابع : يجمعون.
الخامس : يسجنون، قال الشاعر :
لسان الفتى سبع عليه سداته | وإلاّ يزع من غَرْبه فهو قاتله |
وما الجهل إلا منطق متسرع | سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله |
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصّبا | وقلت ألما تصح والشيب وازعُ |
﴿ قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم ﴾ قال الشعبي : كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها، ولولا ذلك ما علمه.
﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾ أي لا يهلكنكم.
﴿ وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل. وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع لأنها تنبت إذا قطعت قطعتين. فألهم بحسه فرق ما بين الأمرين فلهذا الحس قالت :﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾ فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة.
أحدها : أنه تبسم من حذرها بالمغادرة.
الثاني : أنه تبسم من ثنائها عليه.
الثالث : أنه تبسم من استبقائها للنمل.
قال ابن عباس : فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه.
﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ألهمني، قاله قتادة.
الثاني : اجعلني، قاله ابن عباس.
الثالث : حرضني، قاله ابن زيد فحكى سفيان أن رجلاً من الحرس قال لسليمان، أنا بمقدرتي أشكر لله منك، قال فخرّ سليمان عن فرسه ساجداً.
وفي سبب شكره قولان :
أحدهما : أن علم منطق الطير حتى فهم قولها.
الثاني : أن حملت الريح قولها إليه حتى سمعه قبل وصوله لجنوده على ثلاثة أميال فأمكنه الكف.
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : شكر ما أنعم به عليه، قاله الضحاك.
الثاني : حفظ ما استرعاه، وهو محتمل.
﴿ وَأدْخَلْنِي فِي رَحْمَتِكَ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : بالنبوة التي شرفتني بها.
الثاني : بالمعونة التي أنعمت عليّ بها.
﴿ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في جملة أنبيائك.
الثاني : في الجنة التي هي دار أوليائك.
أحدها : أنه نتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء، قاله ابن عباس.
الثاني : أن يحوجه إلى جنسه.
الثالث : أن يجعله مع أضداده.
﴿ أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ ليأتيني بِسْلطَانٍ مُبِينٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بحجة بينة.
الثاني : بعذر ظاهر، قاله قتادة.
(من سبأ الحاضرين مأرب إذ | يبنون من دون سيله العرما) |
﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيءٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من كل شيء في أرضها، قاله السدي.
الثاني : من أنواع الدنيا كلها، قاله سفيان.
﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه السرير، قاله قتادة.
الثاني : أنه الكرسي، قاله سفيان.
الثالث : المجلس، قاله ابن زيد.
الرابع : الملك، قاله ابن بحر.
وفي قوله :﴿ عَظِيمٌ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ضخم.
الثاني : حسن الصنعة، قاله زهير.
الثالث : لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مستراً بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق، قاله قتادة.
قال ابن إسحاق : وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة.
أحدهما : يعني غيب السموات والأرض، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة وابن جبير.
الثاني : أن خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات، قاله ابن زيد. والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة.
وفي معنى الخبء في اللغة وجهان :
أحدهما : أنه ما غاب.
الثاني : أنه ما استتر.
وقرأ الكسائي ﴿ أَلاَ يَسْجُدُوا ﴾ بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ﴿ أَلاَّ يَسْجُدُوا ﴾. قال الفراء : من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة.
وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام : ألا يا ناس اسجدوا لله.
الثاني : أنه قول الهدهد حكاه الله عنه.
ويحتمل قوله هذا وجهين :
أحدهما : أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله.
الثاني : أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكباراً لما وجدهم عليه.
وفي قول الهدهد لذلك وجهان :
أحدهما : أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل.
الثاني : أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصوّر أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل.
﴿فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، حكاه ابن عيسى، وقاله الفراء. قوله: ﴿قَالَتْ يَآ أَيُّهَأ المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ وفي صفتها الكتاب أنه كريم، أربعة أوجه: أحدها: لأنه مختوم، قاله السدي. الثاني: لحسن ما فيه، قاله قتادة. الثالث: لكرم صاحبه وأنه كان ملكاً، حكاه ابن بحر. الرابع: لتسخير الهدهد به بحمله. ويحتمل خامساً: لإلقائه عليها عالياً من نحو السماء. قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ الآية، أما قولها إنه من سليمان فلإعلامهم مرسل الكتابي وممن هو. وأما قولها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فلاستنكار هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ سليمان. روى ابن بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فقال: (إِنِّي لأَعْلَمُ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍ قَبْلِي بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ) قال: قلت يا رسول الله أي آية هي؟ قال: (سَأُعَلِّمُكَهَا قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ) قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي ثم التفت إليّ فقال: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). حكى عاصم عن الشعبي قال: كَانَتْ كُتُبُ رسول الله ﷺ أربعة كتب كان
قال قتادة : فألقاه على صدرها وهي نائمة، قال يزيد بن رومان : كانت في ملك من مضى من أهلها وقد سيست وساست حتى أحكمها ذلك.
﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ قال ابن عباس كن قريباً منهم.
﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم حكاه ابن عيسى وقاله الفراء.
قوله ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم ﴾ وفي صفتها الكتاب أنه كريم أربعة أوجه :
أحدها : لأنه مختوم، قاله السدي.
الثاني : لحسن ما فيه، قاله قتادة.
الثالث : لكرم صاحبه وأنه كان ملكا، حكاه ابن بحر.
الرابع : لتسخير الهدهد به يحمله.
ويحتمل خامسا : لإلقائه عليها عاليا من نحو السماء.
وأما قولها ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ فلاستنكارها هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم سليمان.
روى ابن أبي بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود، قال قلت يا رسول الله أي آية هي ؟ قال سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت نسي ثم التفت إليّ فقال : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
حكى عاصم عن الشعبي قال كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كتب كان يكتب : باسمك اللهم، فلما نزلت " باسم الله مجريها " كتب : باسم الله، فلما نزلت " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " كتب : باسم الله الرحمن، فلما نزلت " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم " كتب : بسم الله الرحمن الرحيم. قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم، قال ذلك الكتاب الثالث١.
وفي " ألا تعلوا عليّ "، ثلاثة أقاويل :
أحدها :" لا تخافوا عليّ "، قاله قتادة.
الثاني :" لا تتكبروا عليّ "، قاله السدي وابن زيد.
الثالث :" لا تمتنعوا عليّ "، قاله يحيى ابن سلام.
و " أتوني مسلمين " فيه أربعة تأويلات :
أحدها : مستسلمين، قاله الكلبي.
الثاني : موحدين، قاله ابن عباس.
الثالث : مخلصين، قاله زهير.
الرابع : طائعين قاله سفيان.
﴿ وَأُوْلُوا بَأسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان :
أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم.
الثاني : أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد.
قال مجاهد : كان تحت يدي ملكة سبإ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد.
﴿ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾ الآية. عرضوا عليها الحرب وردوا إليها الأمر. قال الحسن : ولّوا أمرهم علجة١ يضطرب ثدياها. حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ٢ ".
٢ رواه البخاري في المغازي وفي الفتن، والنسائي في القضاء، وأحمد ٥/ ٤٣..
ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها.
﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان :
أحدهما : بالسيف، قاله زهير.
الثاني : بالاستعباد، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم.
﴿ وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن هذا من قول الله : وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، قاله ابن عباس.
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس : كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا، قاله ابن شجرة.
أحدها : أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير.
الثالث : أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني.
الرابع : أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس الغلمان، قاله مجاهد وعكرمة وابن جبير والسدي وزهير. واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير : كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية.
﴿ فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ قال قتادة : يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها قد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس.
واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين :
أحدهما : ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال.
الثاني : اختبار نبوّته من ملكه. ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين :
أحدهما : أنها اختبرته بالقبول والرد فقالت : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير.
الثاني : أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال.
أحدها : أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا، قاله السدي.
الثاني : لما توضئوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها فميزهم بهذا، قاله قتادة.
الثالث : أنهم لما توضئوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.
أحدهما : أنه قال ذلك للرسول ارجع إليهم بما جئت به من الهدايا، قاله قتادة ويزيد بن رومان.
الثاني : أنه قال ذلك للهدهد [ ارجع إليهم ]، قائلاً لهم :
﴿ فَلَنَأتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا ﴾ أي لا طاقة لهم بها ليكون الهدهد نذيراً لهم، قاله زهير.
وصدق نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم لأن من جنوده الإنس والجن والطير فليس لأحدٍ بها طاقة.
﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً ﴾ الآية. إخباراً لهم عما يصنعه بهم ليسعد منهم بالإيمان من هدي وهذه سنّة كل نبي.
أحدهما : أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، قاله الأخفش.
الثاني : أصله العفر وهو الشديد زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة.
﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾
[ الدخان : ٥١ ].
الثاني : أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم ويأمرهم وينهاهم وكان مجيء اليوم قريباً.
الثالث : أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً.
﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل :
أحدها : أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير.
الثاني : أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
الثالث : أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس. وحكى يزيد بن رومان أن اسم العفريت كودي وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس. والله أعلم بصحة ذلك.
أحدها : أنه ملك أيّد الله به سليمان والعلم الذي عنده من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم وقد أعلم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر.
القول الثاني : أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس١. والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه.
والقول الثالث : أنه سليمان قال ذلك للعفريت.
والقول الرابع : أنه قول غيره من الإنس. وفيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه مليخا، قاله قتادة.
الثاني : أنه اسطوم، قاله مجاهد.
الثالث : أنه آصف ابن برخيا وكان صدّيقاً، قاله ابن رومان.
الرابع : أنه ذو النور بمصر، قاله زهير.
الخامس : أنه الخضر، قاله ابن لهيعة.
و﴿ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ ﴾ يعني بالعرش.
﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ فيه ستة أوجه :
أحدها : قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير.
الثاني : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثالث : قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس.
الرابع : قبل الوقت الذي تنتظر وروده فيه من قولهم : أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
الخامس : قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف.
السادس : قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته.
﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ ﴾ قبل أن يرتد إليه طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه.
قال عبد الرحمن بن زيد : لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي.
قال السدي : فجزع سليمان وقال : غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي ﴾ يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي.
﴿ لِيَبْلُوَنِّي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ قال زهير : أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا.
قال زهير : ثم عزم الله له على الشكر فقال :﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ ﴾ لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد.
﴿ وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن الشكر ﴿ كَرِيمٌ ﴾ في التفضل. وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه.
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل : إن الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه٢.
٢ في ك: وكان ذلك بعد سبع سنين من ملكها..
(على طرق كنحو الظباء | تحسب أعلامهن الصروحا) |
(غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم | قبيل الضحى في البابلي الممرد) |
(يا أيها الأقوام عُوجوا معاً | وأربعوا في مقبري العيسا) |
أحدها : لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني : لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بُدِّل وغير فلذلك لم تثبته، قاله السدي.
الثالث : شبّهوا عليها حين قالوا : أهكذا عرشك ؟ فشبهت عليهم فقالت : كأنه هو، ولو قالوا لها : هذا عرشك لقالت : نعم، قاله مقاتل.
﴿ وَأُوَتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ﴾ وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه. وفي تأويله ثلاثة أقاويل :
أحدها : معرفة الله وتوحيده، قاله زهير.
الثاني : النبوّة، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها، قاله ابن شجرة.
﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : طائعين لله بالاستسلام له.
الثاني : مخلصين لله بالتوحيد.
أحدها : وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله.
الثاني : وصدّها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق.
الثالث : وصدّها سليمان عما كانت تعبد في كفرها.
الرابع : وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر.
أحدها : أنها بركة بنيت من قوارير، قاله مجاهد.
الثاني : أنها صحن الدار، حكاه ابن عيسى يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد. قال زهير مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره.
الثالث : أنه القصر قاله ابن شجرة، واستشهد بقول الهذلي١.
(لتعلموا أني تلك التي | قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا) |
(شيّدت قصر الملك في حمير | قومي وقد كان مأنوسا) |
(وكنت في ملكي وتدبيره | أرغم في الله المعاطيسا) |
(بَعْلي سليمان النبي الذي | قد كان للتوراة دريسا) |
(وسخّر الريح له مركباً | تهب أحياناً رواميسا) |
(مع ابن داود النبي الذي | قدسه الرحمن تقديسا) |
على طرق كنحور الظباء٢ | تحسب أعلامهن الصروحا |
قال مجاهد : وكانت هلباء الشّعر والهلباء الطويلة الشعر. قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنّيّة.
قال الحسن : وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه. وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين، لأن الآدمي جسماني، والجني روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج مع هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف. لكنه قيل فذكرته حاكياً٣.
﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما فكان أول من صنعت النورة.
واختلفوا في السبب الذي كان من أجله أراد سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها.
الثاني : أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها.
الثالث : لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها.
﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته، قاله علي بن عيسى.
الثاني : أنه الواسع طوله وعرضه، قاله ابن شجرة وأنشد :
غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم | قبيل الضحى في البابلي الممرد |
أحدهما : بالشرك الذي كانت عليه، قاله ابن شجرة.
الثاني : بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان.
﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين.
قال مقاتل : فتزوجها سليمان واتخذ لها حمّاماً ونورة بالشام وهو أول من اتخذ ذلك. ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما. فحكى الشعبي عن ناس من حمير أنهم حفروا مقبرة الملوك فوجدوا فيها أرضاً معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوجة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب :-
يا أيها الأقوام عُوجوا معاً | وأربعوا في مقبري العيسا٤ |
لتعلموا أني تلك التي | قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا |
شيّدت قصر الملك في حمير | قومي وقد كان مأنوسا |
وكنت في ملكي وتدبيره | أرغم في الله المعاطيسا |
بَعْلي سليمان النبي الذي | قد كان للتوراة درّيسا |
وسخّر الريح له مركباً | تهب أحياناً رواميسا |
مع ابن داود النبي الذي | قدّسه الرحمن تقديسا |
٢ الشطر الأول غير واضح بالأصول وقد أخذناه من تفسير القرطبي.
٣ في هذا رد على من زعم أن التزوج ممكن بين الإنس والجن..
٤ العيس هو الإبل..
أحدهما : بالعذاب قبل الرحمة، قاله مجاهد، لقولهم ﴿ فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
الثاني : بالبلاء قبل العافية، قاله السدي.
﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالكفاية.
الثاني : بالإِجابة.
أحدهما : لافتراق كلمتهم، قاله ابن شجرة.
الثاني : للشر الذي نزل بهم، قاله قتادة.
﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مصائبكم عند الله، قاله ابن عباس، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر.
الثاني : عملكم عند الله، قاله قتادة، لأنه في صعوده إليه كالطائر.
﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تبتلون بطاعة الله ومعصيته، قاله قتادة.
الثاني : تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام، قاله الحسن.
﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ أي لنقتلنه وأهله ليلاً، والبيات قتل الليل.
﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ أي لرهط صالح.
﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ أي قتله وقتل أهله ولا علمنا ذلك.
﴿ وَإِنَّا لَصّادِقُونَ ﴾ في إنكارنا لقتله.
﴿ وَمَكَرْنَا مَكْراً ﴾ وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم.
وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان :
أحدهما : قاله الكلبي، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً وسَلِمَ صالح من مكرهم.
الثاني : قاله الضحاك، أنهم مكروا بأن أظهروا سفراً وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم.
أحدهما : أنها النخل، قاله الحسن.
الثاني : الحائط من الشجر والنخل، قاله الكلبي.
﴿ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : ذات غضارة، قاله قتادة.
الثاني : ذات حسن، قاله الضحاك.
﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ أي ما كان في قدرتكم أن تخلقوا مثلها.
﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي ليس مع الله إله، قاله قتادة.
الثاني : أإله مع الله يفعل هذا، قاله زيد بن أسلم.
﴿ بَلْ هم قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي يعدلون عن الحق.
الثاني : يشركون بالله فيجعلون له عدلاً أي مثلاً، قاله قطرب ومقاتل.
أحدهما : أنها صفة ذم فعلى هذا في معناه أربعة أوجه :
أحدها : غاب عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني : لم يدرك علمهم، قاله ابن محيصن.
الثالث : اضمحل علمهم، قاله الحسن.
الرابع : ضل علمهم وهو معنى قول قتادة. فهذا تأويل من زعم أنها صفة ذم.
والقول الثاني : أنها صفة حمد لعلمهم وإن كانوا مذمومين فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه :
أحدها : أدرك علمُهم، قاله مجاهد.
الثاني : اجتمع علمهم، قاله السدي.
الثالث : تلاحق علمهم، قاله ابن شجرة.
﴿ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ﴾ يعني من الآخرة فمن جعل ما تقدم صفة ذمٍ لعلمهم جعل نقصان علمهم في الدنيا فلذلك أفضى بهم إلى الشك في الآخرة. ومن جعل ذلك صفة حمد لعلمهم جعل كمال علمهم في الآخرة فلم يمنع ذلك أن يكونوا في الدنيا على شك في الآخرة.
أحدها : معناه اقترب لكم ودنا منكم، قاله ابن عباس وابن عيسى.
الثاني : أعجل لكم، قاله مجاهد.
الثالث : تبعكم، قاله ابن شجرة ومنه رِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها، قال أبو ذؤيبٍ :
(عاد السواد بياضاً في مفارقه | لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا) |
عاد السواد بياضاً في مفارقه | لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا |
أحدهما : يوم بدر.
الثاني : عذاب القبر.
أحدها : أن الغائبة القيامة، قاله الحسن.
الثاني : ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش.
الثالث : جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيَّبه عنهم، حكاه ابن شجرة.
وفي ﴿ كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ قولان :
أحدهما : اللوح المحفوظ.
الثاني : القضاء المحتوم.
(وكم وزعنا من خميس جحفل | وكم حبونا من رئيس مسحل) |
(كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزع | كان الصراخ له قرع الظنابيب) |
﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه وهذا مثل. وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب، قاله سهل بن عبد الله.
الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء.
الثالث : أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس.
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ أي فعل الله الذي أتقن كل شيء. وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أحكم كل شيء، قاله ابن عباس.
الثاني : أحصى، قاله مجاهد.
الثالث : أحسن، قاله السدي.
الرابع : أوثق، واختلف فيها فقال الضحاك : هي كلمة سريانية، وقال غيره : هي عربية مأخوذ من إتقان الشيء إذا أحكم وأوثق، وأصلها من التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينه.
أحدهما : أنها أداء الفرائض كلها.
الثاني : إنها التوحيد والإخلاص، قاله قتادة.
﴿ فله خير منها ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الجنة، قاله يحيي بن سلام.
الثاني : أفضل منها لأنه يعطى بالحسنة عشراً، قاله زيد بن أسلم.
الثالث : فله منها خير للثواب العائد عليه، قاله ابن عباس ومجاهد.
﴿ وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وهم من فزع يوم القيامة آمنون في الجنة.
الثاني : وهم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة.
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بين مكة والمدينة، وقيل بالجحفة وهي: ﴿إن الذين فرض عليك القرآن لرأدك إلى معاد﴾ الآية: بسم الله الرحمن الرحيم
أحدهما : يريكم في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا، قاله الحسن.
الثاني : يريكم في الدنيا ما ترون من الآيات في السموات والأرض فتعرفونها أنها حق، قاله مجاهد.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من خير أو شر فلا [ بد أن ]١ يجازى عليه. والله أعلم.