تفسير سورة السجدة

الماوردي
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ الم. تَنزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن
. ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي لا شك فيه أنه تنزيل
. ﴿ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ والريب هو الشك الذي يميل إلى السوء والخوف، قال أبو ذؤيب :
أسرين ثم سمعن حساً دونه سرف الحجاب وريب قرع يقرع
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ يعني كفار قريش يقولون إن محمداً افترى هذا القرآن ويكذبه.
﴿ بَلْ هَوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ يعني القرآن حق نزل عليك من ربك
. ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ يعني قريشاً، قاله قتادة : كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد ﷺ.
قوله تعالى :﴿ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يقضي الأمر، قاله مجاهد.
الثاني : ينزل الوحي، قاله السدي.
﴿ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ﴾ قال السدي من سماء الدنيا إلى الأرض العليا وفيه وجهان :
أحدهما : يدبر الأمر في السماء وفي الأرض.
الثاني : يدبره في السماء ثم ينزل به الملك إلى الأرض وروى عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط أنه قال : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأمَّا ميكائيل فموكل بالقطر والماء، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم.
﴿ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيهِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، قاله النقاش.
الثالث : أنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة، قاله ابن شجرة.
﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى ملائكته فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ثم كذلك أبداً، قاله مجاهد.
الثاني : أن الملك ينزل ويصعد في يوم مسيرة ألف سنة، قاله ابن عباس. والضحاك.
الثالث : أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ومقدار صعوده خمسمائة سنة، قاله قتادة : فيكون بين السماء والأرض على قول ابن عباس والضحاك مسيرة ألف سنة، وعلى قول قتادة والسدي مسيرة خمسمائة سنة.
﴿ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ أي تحسبون من أيام الدنيا وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم وليس بيوم يستوعب نهاراً بين ليلتين لأنه ليس عند الله ليل استراحة ولا زمان تودع، والعرب قد تعبر عن مدة العصر باليوم كما قال الشاعر :
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سيرٍ إلى الأعداءِ تأويب
وليس يريد يومين مخصوصين وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم.
قوله تعالى :﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ فيه خمسة تأويلات
: أحدها : أنه جعل كل شيء خلقه حسناً حتى جعل الكلب في خلقه حسناً، قاله ابن عباس.
الثاني : أحكم كل شيء خلقه حتى أتقنه، قاله مجاهد.
الثالث : أحسن إلى كل شيء خلق فكان خلقه له إحساناً، قاله علي بن عيسى.
الرابع : ألهم ما خلقه ما يحتاجون إليه حتى علموه من قولهم فلان يحسن كذا أي يعلمه.
الخامس : أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ثم هداه إليه، رواه حميد بن قيس.
ويحتمل سادساً : أنه عرف كل شيء خلقه وأحسنه من غير تعلم ولا سبق مثال حتى ظهرت فيه القدرة وبانت فيه الحكمة.
﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ يعني آدم، روى عون عن أبي زهير عن أبي موسى عن النبي ﷺ : أن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوه على ألوان الأرض منهم الأبيض والأحمر وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ﴾ أي ذريته ﴿ مِن سُلاَلَةٍ ﴾ لاِنسِلاَلِهِ من صلبه ﴿ مِن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ قال مجاهد ضعيف.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : سوى خلقه في الرحم.
الثاني : سوى خلقه كيف يشاء.
﴿ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ فيه أربعة أوجه
: أحدها : من قدرته، قاله أبو روق.
الثاني : من ذريته، قاله قتادة.
الثالث : من أمره أن يكون فكان، قاله الضحاك.
الرابع : روحاً من روحه أي من خلقه وأضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ﴾ يعني القلوب وسمى القلب فؤاداً لأنه ينبوع الحرارة الغريزية مأخوذ من المفتأد وهو موضع النار، وخصص الأسماع والأبصار والأفئدة بالذكر لأنها موضع الأفكار والاعتبار.
قوله :﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : هلكنا، قاله مجاهد.
الثاني : صرنا فيه رفاتاً وتراباً، قاله قتادة والعرب تقول لكل شيء غلب عليه غيره حتى خفي فيه أثره قد ضل، قال الأخطل :
كنت القذى في موج أكدر مزبد تقذف الأتيُّ به فَضَلَّ ضلالاً.
الثالث : غُيِّبنا في الأرض، قاله قطرب وأنشد النابغة :
فآب مُضلُّوه بعين جلية وغودر بالجولان حزمٌ ونائل
وقرأ الحسن : صللنا، بصاد غير معجمة وفيه على قراءته وجهان
: أحدهما : أي أنتنت لحومنا من قولهم صل اللحم إذا أنتن، قاله الحسن.
الثاني : صللنا من الصلة وهي الأرض اليابسة ومنه قوله تعالى :﴿ مِن صَلصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ ﴿ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ أي أَتُعَادُ أجسامنا للبعث خلقاً جديداً تعجباً من إعادتها وإنكاراً لبعثهم وهو معنى قوله تعالى :
﴿ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِم كَافِرُونَ ﴾ وقيل إن قائل ذلك أُبي بن خلف
. قوله تعالى :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوتِ الَّذِي وُكّلَ بِكُمْ ﴾ أي يقبض أرواحكم والتوفي أخذ الشيء على تمام، مأخوذ من توفية العدد ومنه قولهم استوفيت دَيْني من فلان.
ثم في توفي ملك الموت لهم قولان :
الأول : بأعوانه.
الثاني : بنفسه. روى جعفر الصادق عن أبيه قال نظر رسول الله ﷺ إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي ﷺ [ يا ملك الموت ] :« ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ » فقال ملك الموت عليه السلام يا محمد طب نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق واعلَمْ أن ما من أهل بيت مدر ولا شعر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، واللَّه يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله تعالى هو الآمر بقبضها، قال جعفر إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلوات.
﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرْجعُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : إلى جزائه.
الثاني : إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولاً نفعاً إلا اللَّه.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُسِهِم عِند رَبِّهمُ ﴾ أي عند محاسبة ربهم وفيه أربعة أوجه :
أحدها : من الغم، قاله ابن عيسى.
الثاني : من الذل، قاله ابن شجرة.
الثالث : من الحياء، حكاه النقاش.
الرابع : من الندم، قاله يحيى بن سلام.
﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك، قاله ابن عيسى.
الثاني : أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، قال قتادة، أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع.
﴿ فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ أي ارجعنا إلى الدنيا نعمل فيها صالحاً
. ﴿ إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : مصدقون بالبعث، قاله النقاش.
الثاني : مصدقون بالذي أتي به محمد ﷺ أنه حق، قاله يحيى بن سلام.
قال سفيان : فأكذبهم الله فقال :﴿ وَلَو رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍٍ هُدَاهَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هدايتها للإيمان.
الثاني : للجنة.
الثالث : هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة ليؤمنوا.
﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّي ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : معناه سبق القول مني، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.
الثاني : وجب القول مني، قاله السدي كما قال كثير :
فإن تكن العتبى فأهلاً ومَرْحباً وحقت لها العتبى لدنيا وقلّت
﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ يعني من عصاه من الجنة والناس. وفي الجنة قولان :
أحدهما : أنه الجن، قاله ابن كامل.
الثاني : أنهم الملائكة، رواه السدي عن عكرمة، وهذا التأويل معلول لأن الملائكة لا يعصون الله فيعذبون. وسموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ومنه قول زيد بن عمرو :
عزلت الجن والجنان عني كذلك يفعل الجلد الصبور
قوله :﴿ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فذوقوا عذابي بما تركتم أمري، قال الضحاك.
الثاني : فذوقوا العذاب بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم، قاله يحيى بن سلام.
﴿ إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : إنا تركناكم من الخير، قاله السدي.
الثاني : إنا تركناكم في العذاب، قاله مجاهد.
﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ ﴾ وهو الدائم الذي لا انقطاع له
. ﴿ بِمَ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني في الدنيا من المعاصي، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام، قال ابن أبي ربيعة :
قوله :﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئَايَاتِنَا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يصدق بحجتنا، قاله ابن شجرة.
الثاني : يصدق بالقرآن وآياته، قاله ابن جبير.
﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : الذين إذا دعوا إلى الصلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها قاله أبو معاذ، لأن المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من أبواب المساجد.
الثاني : إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسجود على الأرض طاعة لله وتصديقاً بالقرآن. وكل ما سقط على شيء فقد خر عليه قال الشاعر :
وخر على الألاءِ ولم يوسد... كأن جبينه سيف صقيل
﴿ وَسَبَّحُواْ بِحْمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : معناه صلوا حمداً لربهم، قاله سفيان.
الثاني : سبحوا بمعرفة الله وطاعته، قاله قتادة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَستَكْبِرُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : عن عبادته، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : عن السجود كما استكبر أهل مكة عن السجود له، حكاه النقاش.
قوله :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عِنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ أي ترتفع عن مواضع الاضطجاع قال ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان
: أحدهما : لذكر الله إما في صلاة أو في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني : للصلاة -روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فقال :« إِنْ شِئْتَ أَنبَأْتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَة وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ » ثم تلا هذه الآية.
وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل :
أحدها : التنفل بين المغرب والعشاء، قاله قتادة وعكرمة.
الثاني : صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة، قاله الحسن وعطاء.
الثالث : صلاة الصبح والعشاء في جماعة، قاله أبو الدرداء وعبادة.
الرابع : قيام الليل، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد.
﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته.
الثاني : خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه.
ويحتمل ثالثاً : يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه في خوف ولا رجاء.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً لها، قاله ابن عباس.
الثاني : صدقة يتطوع بها سوى الزكاة، قاله قتادة.
الثالث : النفقة في طاعة الله، قال قتادة : أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
الرابع : أنها نفقة الرجل على أهله.
قوله :﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه للذين تتجافي جنوبهم عن المضاجع، قاله ابن مسعود.
الثاني : أنه للمجهدين قاله تبيع. وفي ﴿ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ التي أخفيت لهم أربعة أوجه :
أحدها : رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ، « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِي أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَأُواْ إِنْ شِئْتُم :﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ » الآية.
الثاني : أنه جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله ما أعده لهم. قال الحسن بالخفية : خفية وبالعلانية علانية.
الثالث : أنها زيادة تحف من الله ليست في حياتهم يكرمهم بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، قاله ابن جبير.
الرابع : أنه زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم، قاله كعب.
ويحتمل خامساً : اتصال السرور بدوام النعيم.
﴿ جَزَآءً بِمَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ يعني من فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً ﴾ المؤمن هنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط قال ابن عباس : سابّ عقبة علياً فقال أنا أبسط منك لساناً وأحدّ منك سناناً وأملأ منك حشواً فقال له علي كرم الله وجهه : ليس كما قلت يا فاسق فنزلت، فيهما هذه الآية.
﴿ لاَ يَسْتَوُونَ ﴾ قال قتادة : لا والله لا يستوون لا في الدينا ولا عند الموت ولا في الآخرة.
قوله تعالى :﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ ﴾ أما العذاب الأدنى ففي الدنيا وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنها مصائب الدنيا في الأنفس والأموال، قاله أُبي.
الثاني : القتل بالسيف، قاله ابن مسعود.
الثالث : أنه الحدود، قاله ابن عباس.
الرابع : القحط والجدب، قاله إبراهيم.
الخامس : عذاب القبر، قاله البراء بن عازب ومجاهد.
السادس : أنه عذاب الدنيا كلها، قاله ابن زيد.
السابع : أنه غلاء السعر والأكبر خروج المهدي، قاله جعفر الصادق.
ويحتمل ثامناً : أن العذاب الأدنى في المال، والأكبر في الأنفس.
والعذاب الأكبر عذاب جهنم في الآخرة.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يرجعون إلى الحق، قاله إبراهيم.
الثاني : يتوبون من الكفر، قاله ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ وَلَقْدَ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكَتِابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى ولقد لقيته ليلة الإسراء روى أبو العالية الرياحي عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« رَأيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عمرانَ رَجُلاً طُوَالاً جَعْداً كَأَنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَرَأَيْتُ عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ رَجُلاً مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ سَبْطَ الرَّأُسِ » قال أبو العالية قد بين الله ذلك في قوله :﴿ وَاسْأَلْ مِنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾.
الثاني : فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها.
الثالث : فلا تكن في شك من لقاء موسى في الكتاب، قاله مجاهد والزجاج.
الرابع : فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقيه موسى، قاله الحسن.
الخامس : فلا تكن في شك من لقاء موسى لربه حكاه النقاش.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جعلنا موسى، قاله قتادة.
الثاني : جعلنا الكتاب، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِنهُمْ أَئِمَةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم رؤساء في الخير تبع الأنبياء، قاله قتادة.
الثاني : أنهم أنبياء، وهو مأثور.
﴿ لَمَّا صَبَرُواْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : على الدنيا، قاله سفيان.
الثاني : على الحق، قاله ابن شجرة.
الثالث : على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا يطيقون، حكاه النقاش.
﴿ وَكَانُوا بِئَايَاتِناَ ﴾ يعني بالآيات التسع ﴿ يُوقِنُونَ ﴾ أنها من عند الله
. قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ الآية فيها وجهان :
أحدهما : يعني بين الأنبياء وبين قومهم، حكاه النقاش.
الثاني : يقضي بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر، قاله يحيى بن سلام.
قوله تعالى :﴿ نَسُوقُ الْمَآءَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : بالمطر والثلج.
الثاني : بالأنهار والعيون.
﴿ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ ﴾ فيها خمسة أقاويل
: أحدها : أنها الأرض اليابسة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنها الأرض التي أكلت ما فيها من زرع وشجر، قاله ابن شجرة.
الثالث : أنها الأرض التي لا يأتيها الماء إلا من السيول، قاله ابن عباس.
الرابع : أنها أرض أبْينَ لا تنبت، قاله مجاهد.
الخامس : أنها قرى نبيا بين اليمن والشام، قاله الحسن. وأصل الجرز الانقطاع مأخوذ من قولهم سيف جراز أي قطاع وناقة جراز أي كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته بفيها. ورجل جروز أكول قال الراجز :
فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنه رشاد ألا يا رب ما كذب الزعم
حبُّ جروز وإذا جاع بكى يأكل التمر ولا يلقى النوى
وتأول ابن عطاء هذه الآية على أنه توصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية.
قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه فتح مكة، قاله الفراء.
الثاني : أن الفتح انقضى بعذابهم في الدنيا، قاله السدي.
الثالث : الحكم بالثواب والعقاب في القيامة، قاله مجاهد. قال الحسن لم يبعث الله نبياً إلا وهو يحذر من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَانهُمْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنهم الذي قتلهم خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بني كنانة، قاله الفراء.
الثاني : أن يوم الفتح يوم القيامة، قاله مجاهد.
الثالث : أن اليوم الذي يأتيهم من العذاب، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي لا يؤخرون بالعذاب إذا جاء الوقت
. ﴿ فَأَعْرضْ عَنهُمْ ﴾ الآية. قال قتادة : نزلت قبل أن يؤمر بقتالهم، ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أعرض عن أذاهم وانتظر عقابهم.
الثاني : أعرض عن قتالهم وانتظر أن يؤذن لك في جهادهم.
الثالث : فأعرض بالهجرة وانتظر ما يمدك به من النصرة، والله أعلم.
Icon