تفسير سورة النّمل

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة النمل من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٢٧ شرح إعراب سورة النّمل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النمل (٢٧) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١)
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ بمعنى هذه تلك آيات القرآن، ويجوز في هذا ما جاز في أول «البقرة» في قوله جلّ وعزّ ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: ٢]. وَكِتابٍ مُبِينٍ عطف على القرآن. قال أبو إسحاق: ويجوز «وكتاب مبين» «١» بمعنى وذلك كتاب مبين.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢]
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
هُدىً في موضع نصب على الحال، ويجوز فيه ما جاز في غيره في أول سورة «البقرة» في قوله جلّ وعزّ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: ٢].
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ في موضع رفع على إضمار مبتدأ، ويجوز فيه ما جاز في أول سورة «البقرة» في قوله جلّ وعزّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٣]
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ اسم «إنّ». زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ في موضع الخبر.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥]
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥)
أُوْلئِكَ في موضع رفع بالابتداء. وخبره الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ ويقال: «الّذون» في موضع الرفع. وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. فِي الْآخِرَةِ تبيين وليس بمتعلق بالأخسرين.
(١) وهي قراءة ابن أبي عبلة، انظر البحر المحيط ٧/ ٥١.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦ الى ٧]

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)
لَدُنْ بمعنى عند إلّا أنّها مبنية غير معربة لأنها لا تتمكّن.
وقرأ المدنيون وأبو عمرو بشهاب قبس «١» وقرأ الكوفيون بِشِهابٍ قَبَسٍ فزعم الفراء «٢» في ترك التنوين أنه بمنزلة قولهم: وَلَدارُ الْآخِرَةِ [يوسف: ١٠٩] يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلفت أسماؤه. قال أبو جعفر: إضافة الشيء إلى نفسه محال عند البصريين»
لأن معنى الإضافة في اللغة ضمّ شيء ليبيّن به معنى الملك والنوع فمحال أن يبيّن أنه مالك نفسه أو من نوعها. و «بشهاب قبس» إضافة النوع إلى الجسم كما تقول: هذا ثوب خزّ. والشهاب كلّ ذي نور، نحو الكوكب والعود الموقد. والقبس اسم لما يقتبس من جمر وما أشبه، فالمعنى: بشهاب من قبس. يقال:
قبست قبسا، والاسم قبس، كما تقول: قبض قبضا والاسم القبض، ومن قرأ «بشهاب قبس» جعله بدلا، ويجوز «بشهاب قبسا» في غير القرآن على أنه مصدر أو بيان أو حال. لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أصل الطاء تاء فأبدل منها طاء لأنّ الطاء مطبقة، والصاد مطبقة فكان الجمع بينهما حسنا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨]
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨)
قال أبو إسحاق «أن» في موضع نصب أي بأنه «قال». ويجوز أن يكون في موضع رفع، جعلها اسم ما لم يسمّ فاعله. وحكى أبو حاتم: أن في قراءة أبيّ وابن عباس ومجاهد أن بوركت النار ومن حولها «٤» ومثل هذا لا يوجد بإسناد صحيح، ولو صحّ لكان على التفسير، وقد روى سعيد عن قتادة «أن بورك من في النّار ومن حولها» قال: الملائكة. وحكى الكسائي عن العرب: باركك الله، وبارك فيك.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٠]
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠)
فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ في موضع نصب على الحال. كَأَنَّها جَانٌّ والجانّ عند العرب الثعبان، وهو الحيّة العظيمة وَلَّى مُدْبِراً على الحال. وَلَمْ يُعَقِّبْ قال قتادة: أي لم
(١) انظر تيسير الداني ١٣٦، والبحر المحيط ٧/ ٥٣.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٦.
(٣) انظر الإنصاف مسألة (٦١). [.....]
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٦، والبحر المحيط ٧/ ٥٥.
يلتفت. يا مُوسى لا تَخَفْ أي قيل له لا تخف من الحيّة وضررها. إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ هذا تمام الكلام.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١١]
إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ استثناء ليس من الأول في موضع نصب. وزعم الفراء «١» أن الاستثناء من محذوف، والمعنى عنده: إنّي لا يخاف لديّ المرسلون إنّما يخاف غيرهم إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنه لا يخاف، وزعم الفراء «٢» : أيضا أنّ بعض النحويين يجعل إلّا بمعنى الواو. قال أبو جعفر: استثناء من محذوف محال لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز: إنّي أضرب القوم إلّا زيدا، بمعنى لا أضرب القوم إنّما أضرب غيرهم إلّا زيدا، وهذا ضدّ البيان، والمجيء بما لا يعرف معناه. وأما كان إلّا بمعنى الواو فلا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام. ومعنى «إلّا» خلاف معنى الواو لأنك إذا قلت: جاءني إخوتك إلّا زيدا، أخرجت زيدا مما دخل فيه الإخوة. وإذا قلت: جاءني إخوتك وزيد، أدخلت زيدا فيما دخل فيه الإخوة فلا شبه بينهما ولا تقارب. وفي الآية قول ثالث: يكون المعنى أن موسى صلّى الله عليه وسلّم لما خاف من الحية فقال له جلّ وعزّ: لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، علم جلّ وعزّ أنّ من عصى منهم يسرّ الخيفة فاستثناه فقال: إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء أي فانه يخاف، وإن كنت قد غفرت له فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله جلّ وعزّ أن يكونوا خائفين من معاصيه، وجلين، وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به، وقرأ مجاهد ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ «٣» قال أبو جعفر:
وهذا بعيد من غير جهة، منها أنه أقام الصفة مقام الموصوف في شيء مشترك، ومنها أن ازدواج الكلام بدّل حسنا بعد سيئ على أن بعضهم قد أنشد بيت زهير: [البسيط] ٣١٦-
يطلب شأو امرأين قدّما حسنا فاقا الملوك وبذّا هذه السّوقا «٤»
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٢]
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢)
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ جزم «تخرج» لأنه جواب الأمر، وفيه معنى المجازاة.
فِي تِسْعِ آياتٍ أحسن ما قيل فيه أنّ المعنى هذه الآية داخلة في تسع آيات.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٧.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٧.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٥٦، ومختصر ابن خالويه ١٠٨.
(٤) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٥١، ولسان العرب (سوق)، وتاج العروس (سوق).

[سورة النمل (٢٧) : آية ١٣]

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣)
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً نصب على الحال. قال أبو إسحاق: ويجوز «مبصرة» أي مبيّنة تبصر. قال الأخفش: ويجوز «مبصرة» مصدر، وكما يقال: «الولد مجبنة».
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٦]
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)
قال سعيد عن قتادة وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ قال: ورث منه النبوّة والملك صلّى الله عليه وسلّم وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ خبر ما لم يسم فاعله. والمنطق قد يقع لما يفهم بغير كلام، والله جلّ وعزّ أعلم بما أراد.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٧]
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)
يقال: إنّ الجنّ سخّرت له لأنه ملك مضارّها ومنافعها، وسخّرت له الطير بأن جعل فيها ما يفهم عنه فكانت تستره من الشمس وغيرها. وقيل: لهذا تفقّد الهدهد.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٨]
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨)
الكلام في القول كما مضى في المنطق. يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ فجاء على خطاب الآدميين لما خبر عنهن بأخبار الآدميين. لا يَحْطِمَنَّكُمْ يكون نهيا وجوابا، والنون للتوكيد.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٠]
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو بإسكان الياء وقرءوا وما لي لا أعبد الذي فطرني [يس: ٢٢] بتحريك الياء، فزعم قوم أنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان مبتدأ وبين ما كان معطوفا على ما قبله، قال أبو جعفر:
وهذا ليس بشيء وإنما هي ياء النفس، من العرب من يفتحها، ومنهم من يسكنها، فقرؤوا باللغتين والدليل على هذا أن جماعة من جلّة القراء قرءوها جميعا بالفتح، منهم عبد الله بن كثير وعاصم والكسائي، وأن حمزة قرأهما جميعا بالتسكين، واللغة الفصيحة من ياء النفس أن تكون مفتوحة لأنها اسم وهي على حرف واحد فكان الاختيار أن لا تسكّن فيجحف بالاسم. أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ بمعنى أبل.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢١]
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ مؤكد بالنون الثقيلة، وهي لازمة هي
والخفيفة. قال أبو حاتم: ولو قرئت لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ لجاز أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ويجوز أن يكون هذا النون الخفيفة ثمّ أدغمت في النون التي مع الياء، ويجوز أن تكون النون التي مع الياء حذفت، كما يقال: إنّي ذاهب ويكون مؤكّدا بالثقيلة، وأهل مكة يقرءون «أو ليأتينّني» «١».
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٢]
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ قراء عاصم، وتروى عن الأعمش، وقراءة سائر القراء فَمَكَثَ «٢» قال سيبويه: مكث يمكث مكوثا، كما قالوا: قعد يقعد قعودا. قال:
ومكث مثل ظرف، وحجّة من ضمّ عند سيبويه أنه غير متعدّ كظرف. قال أبو جعفر:
وسمعت علي بن سليمان يقول: الدليل على أن مكث أفصح قولهم ماكث، ولا يقولون: مكث فهذا مخالف لظرف. قال أبو جعفر: وهذا احتجاج بيّن لأن فعل فهو فاعل لا يعرف في كلام العرب إلّا في أشياء مختلف فيها، ومنها ما هو مردود. فأما اللواتي اختلف فيها فطلقت المرأة فهي طالق، وقد قيل: طلقت، وحمض الخلّ فهو حامض، وقد قيل: حمض. وزعم أبو حاتم: أنّ قولهم فره فهو فاره لا اختلاف فيه.
كذا قال، وقد حكى غيره: فره يفره فهو فره وفاره مثل حذر، حكى هذا قطرب. غَيْرَ بَعِيدٍ قال أبو إسحاق: أي وقتا غير بعيد. فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ فكان في هذا ردّ على من قال: إنّ الأنبياء تعلم الغيب، وحكى الفراء «٣» (أحطّ) يدغم التاء في الطاء، وحكى أحتّ يقلب الطاء تاءا ويدغم «وجئتك من سبأ بنبإ يقين» قراءة المدنيين والكوفيين. وقرأ المكيون والبصريون مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ «٤» بغير صرف وزعم الفراء أن الرّؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء رحمه الله عن سبأ فقال: ما أدري ما هو. وتأوّل الفراء على أبي عمرو أنه منعه من الصرف لأنه مجهول وأنه إذا لم يعرف الشيء لم ينصرف واحتجّ بقوله: [الطويل] ٣١٧-
يكن ما أساء النّار في رأس كبكبا «٥»
وأبو عمرو أجلّ من أن يقول مثل هذا، وليس في حكاية الرؤاسي عنه دليل أنه إنّما منعه من الصرف لأنه لم يعرفه وإنما قال: لا أعرفه، ولو سئل نحويّ عن اسم
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٦٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٦٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨٩.
(٤) انظر البحر المحيط ٧/ ٦٣.
(٥) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٦٣، والكتاب ٣/ ١٠٦، وجمهرة اللغة ١٧٧، وشرح شواهد الإيضاح ٤٩٢، ولسان العرب (زيب) و (كبب)، وبلا نسبة في المقتضب ٢/ ٢٢، وصدره:
«وتدفن منه الصالحات وإن يسيء»
139
فقال: لا أعرفه، لم يكن في هذا دليل على أنه يمنعه من الصرف بل الحقّ على غير هذا، والواجب إذا لم تعرفه أن تصرفه لأن أصل الأسماء الصرف، وإنما يمنع الشيء من الصرف لعلّة داخلة عليه فالأصل ثابت فلا يزول بما لا يعرف. واحتجاجه بكبكب لا معنى له لأن كبكب جبل معروف، منع من الصرف لأنه بقعة، وإن كان الصرف فيه حسنا. والدليل على ما قلنا إن أبا عمرو إنما احتجّ بكلام العرب ولم يحتجّ بأنه لا يعرفه، وأنشد للنابغة الجعدي: [المنسرح] ٣١٨- وإن كان أبو عمرو قد عورض من هذا فروي «من سبأ الحاضرين... » حذف التنوين لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد ابن يزيد يقول: سمعت عمارة يقرأ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ [يس: ٤٠] بالنصب، حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقد تكلّم أبو عبيد القاسم بن سلام في هذا بكلام كثير التخليط ونمليه على نص ما قال، إذ كان كتابه أصلا من الأصول ليوقف على نصّ ما قال، ويعلم موضع الغلط منه. قال أبو عبيد: وهي قراءتنا التي نختار، يعني «من سبأ بنبإ يقين»، قال أبو عبيد: لأن سبأ اسم مؤنث لامرأة أو قبيلة، وليس بخفيف فيجري لخفّته والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل، ومن ذهب إلى هذا لزمه أن يجري ثمود في كلّ القرآن فإنه وإن كان اليوم اسم قبيلة فإنه في الأصل اسم رجل وكذلك سبأ، فإن قيل: إن ثمود أكثر في العدد من سبأ بحرف، قيل: إن الحركة التي في الباء والهمزة قد زادتا في ثقله أكثر من ذلك الحرف أو مثله، إنما الزيادة في ثمود واو ساكنة. قال أبو جعفر: قوله: «لأن سبأ اسم مؤنّث لامرأة أو قبيلة» يوجب أنه ترك صرفه لأحد هذين الأمرين، وأحدهما لا يشبه صاحبه، لأن اسم المرأة تأنيث حقيقى واسم القبيلة تأنيث غير حقيقي، والاختيار عند سيبويه «٢» في أسماء القبائل إذ كان لا يستعمل فيها «بنو» الصرف نحو ثمود، وقوله: «ليس بخفيف فيجري لخفّته» ليس بحجّة على من صرفه لأنه لم يقل أحد علمناه: صرفته لأنه خفيف. وقوله: «والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل» ليس هذا حجّة من أجراه، إنما حجته أنه اسم للحيّ وإن كان أصله على الحقيقة أنه اسم لرجل. روى فروة بن مسيك وعبد الله بن عباس عن النبي
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما «١»
(١) الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه ١٣٤، وجمهرة اللغة ص ٧٧٣، وسمط اللآلي ص ١٨، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٤١، ولسان العرب (عرم)، ولأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٩، وللنابغة الجعدي أو لأميّة في خزانة الأدب ٩/ ١٣٩، وللأعشى في معجم ما استعجم ص ١٧٠، وبلا نسبة في الكتاب ٣/ ٢٧٩، والاشتقاق ص ٤٨٩، وجمهرة اللغة ١١٠٧، ولسان العرب (سبأ)، وما ينصرف وما لا ينصرف ص (٥٩).
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٢٧١.
140
صلّى الله عليه وسلّم وهو معروف في النسب «سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان» وإن كان أبو إسحاق قد زعم أنه من صرفه جعله اسما للبلد. وقوله «فإن قيل: إنّ ثمود أكثر في العدد من سبأ قيل: إن الحركتين اللتين في الباء والهمزة قد زادتا في ثقله أكثر من ذلك الحرف أو مثله» فهذا موضع التخليط لأن الحركة التي في الباء والهمزة في ثمود وسبأ بالحركة لا معنى له لأنهما جميعا متحركان. قال أبو جعفر: والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه اسم رجل في الأصل، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحيّ، وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة مثل ثمود إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف، وحجته في ذلك قاطعة لأن هذا الاسم لما كان يقع للتذكير والتأنيث كان التذكير أولى لأنه الأصل والأخف.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥)
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع وحمزة، وقرأ الزهري وأبو جعفر وأبو عبد الرحمن وحميد وطلحة والكسائي ألا يا اسجدوا لله «١» القراءة الأولى هي أن دخلت عليها «وإن» في موضع نصب. قال الأخفش: المعنى: لئلا يسجدوا. وقال الكسائي:
المعنى: فصدّهم أن لا يسجدوا. وقال علي بن سليمان: أن بدل من أعمالهم في موضع نصب. وقيل: موضعها خفض على البدل من السبيل، والقراءة الثانية بمعنى ألا يا هؤلاء اسجدوا، كما قال: [الطويل] ٣١٩-
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلّا بجرعائك القطر «٢»
وقال آخر: [البسيط] ٣٢٠-
يا لعنة الله والأقوام كلّهم والصّالحين على سمعان من جار «٣»
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٩٠، وتيسير الداني ١٣٦.
(٢) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ص ٥٥٩، والإنصاف ١/ ١٠٠، وتخليص الشواهد ص ٢٣١، والخصائص ٢/ ٢٧٨، والدرر ٢/ ٤٤، وشرح التصريح ١/ ١٨٥، وشرح شواهد المغني ٢/ ٦١٧، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٣٢، واللامات ٣٧، ولسان العرب (يا)، ومجالس ثعلب ١/ ٤٢، والمقاصد النحوية ٢/ ٦، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١/ ٢٣٥، وجواهر الأدب ص ٢٩٠، والدرر ٥/ ١١٧، وشرح الأشموني ١/ ١٧٨، وشرح ابن عقيل ص ١٣٦، وشرح عمدة الحافظ ١٩٩. [.....]
(٣) الشاهد بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٤٤٨، والجنى الداني ص ٣٥٦، والكتاب ٢/ ٢٢٤، وجواهر الأدب ص ٢٩٠، وخزانة الأدب ١١/ ١٩٧، والدرر ٣/ ٢٥، ورصف المباني ص ٣، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣١، وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٩٦، وشرح المفصّل ٢/ ٢٤، واللامات ص ٣٧، ومغني اللبيب ٢/ ٣٧٣، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٦١، وهمع الهوامع ١/ ١٧٤.
والمعنى: يا هؤلاء لعنة الله. قال أبو جعفر: وهذا موجود في كلام العرب إلّا أنه غير معتاد أن يقال: يا قدم زيد، والقراءة به بعيدة لأن الكلام يكون معترضا. والقراءة الأولى يكون الكلام بها متّسقا، وأيضا السواد على غير هذه القراءة لأنه قد حذف منها ألفان وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:
١١٠]. الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والوقف عليه بتسكين الهمزة، وإذا كان في موضع رفع جاز الرّوم «١» والإشمام ولا يجوز التضعيف، وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ الّذي يخرج الخبا في السماوات والأرض «٢» بألف غير مهموزة، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية واعتل بأنه أن خفّف الهمزة ألقى حركتها على الباء وحذفها فقال:
«الخب في السّموات» وأنه إن حول الهمزة قال: «الخبي» بإسكان الباء وبعدها ياء. قال أبو جعفر: قوله لا يجوز «الخبا» وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: كان دون أصحابه في النحو، ولم يلحق بهم، يعني أبا حاتم، إلّا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه. حكى سيبويه «٣» عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة، وتبدل منها واوا إذ كان قبلها ساكن وكانت مضمومة، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة، وأنه يقال: هذا الوثو، وعجبت من الوثى، ورأيت الوثا، وهذا من وثئت يده، وكذلك هذا الخبو، وعجبت من الخبي، ورأيت الخبا. وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدلت منها هذه الحروف.
وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون: هذا الخبوء فيضمّون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة. وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة إلّا أن هذا عن بني تميم، فيقولون: هذا الرّدي، وزعم أنهم لم يضمّوا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة لأنه ليس في الكلام فعل.
وهذا كلّه لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٢٨]
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ قال أبو إسحاق: فيها خمسة أوجه «٤» :(فألقهي إليهم) بإثبات الياء في اللفظ، وبحذف الياء وإثبات الكسرة دالّة عليها (فألقه إليهم)،
(١) الرّوم: هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فيسمع لها صوت خفيّ يدركه الأعمى بحاسة السمع.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٩، والبحر المحيط ٧/ ٦٧.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٢٥.
(٤) انظر الوجوه الخمسة في كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨١، والبحر المحيط ٧/ ٦٨.
وبضم الهاء واثبات الواو على الأصل (فألقهو إليهم)، وبحذف الواو واثبات الضمة (فألقه إليهم)، واللغة الخامسة قرأ بها حمزة بإسكان الهاء (فألقه إليهم) وهذا عند النحويين لا يجوز إلا على حيلة بعيدة يكون يقدّر الوقف. وسمعت علي بن سليمان يقول: لا تلتفت إلى هذه اللغة، ولو جاز أن يصل وهو ينوي الوقف لجاز أن تحذف الإعراب من الأسماء.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٠]
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠)
أي وإنّ الكلام، أو أنّ مبتدأ الكلام «بسم الله الرّحمن الرّحيم»، وأجاز الفراء «١» إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بفتحهما جميعا على أن يكونا في موضع رفع بمعنى: ألقي إليّ أنه من سليمان، وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣١]
أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ذكر أبو إسحاق في «أن» ثلاثة أوجه: تكون في موضع نصب على معنى بأن، وتكون في موضع رفع بمعنى ألقي إليّ أن، والوجه الثالث أن تكون بمعنى أي مثل وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [ص: ٦] المعنى أي امشوا وقالوا أن امشوا، وكذا «ألّا تعلو عليّ» أي قال: لا تعلوا عليّ، وعن وهب بن منبّه أنه قرأ ألّا تغلوا علي «٢» من غلا يغلو إذا تجاوز وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ يكتب بغير ياء لأن الواو لا تنفصل.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٢]
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢)
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي بتخفيف الهمزة الثانية اللغة الفصيحة، وإن شئت خففت الأولى وحدها، وإن شئت خففتهما جميعا، وإن شئت حققتهما جميعا، وهي أبعد اللغات لثقل الجمع بين همزتين. ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ حذفت النون للنصب، وحذفت الياء لأن الكسرة دالة عليها والنون مع الفعل وهي رأس آية، ولا يجوز فتح النون ولو كان كذلك لكان الفعل مرفوعا.
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)
أُولُوا هذا اسم للجمع والواحد ذو. وروى الأعمش عن مجاهد قال: كان
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٩١.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٦٩، وهي قراءة الأشهب العقيلي أيضا.
تحت يديها اثنا عشر ألفا قيول تحت يدي كلّ قيل مائة ألف فأجابتهم عن هذا إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها أي عنوة أي على القهر والغلبة وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً قال الله جلّ وعزّ: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ وليس هذا من كلامها، كذا قال سعيد بن جبير.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٥]
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أرسلت إليهم بلبنة من ذهب أو بذهب، قرأت الرسل الحيطان من ذهب فصغر عندهم ما جاءوا به وقالت:
«مرسلة إليهم» وإنما هو إلى سليمان صلّى الله عليه وسلّم كما يخبر عن الملوك فيخاطبون ويخاطبون، وقد قيل: إنّ الهدية كانت غير هذا إلّا أن قوله: «أتمدّونني بمال» يدلّ على هذا فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ والأصل «بما»، حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر، وإنما يكون هذا إذا كان قبل «ما» حرف جر، تقول في الخبر: رغبت فيما عندك فتثبت فيما عندك الألف لا غير. وتقول في الاستفهام: فيم نظرت؟ فتحذف الألف، وأجاز الفراء «١» إثباتها في الاستفهام، وهذا من الشذوذ التي جاء القرآن بخلافها.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٦]
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦)
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ وإن شئت أدغمت النون في النون فذلك جائز وإن كان فيه جمع بين ساكنين.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٧]
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧)
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها لام قسم والنون لها لازمة. قال أبو جعفر: وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول: هي لام توكيد، وكذا كان عنده أنّ اللامات كلّها ثلاث لا غير: لام توكيد ولام أمر ولام خفض، وهذا قول الحذّاق من النحويين لأنهم يردّون الشيء إلى أصله، وهذا لا يتهيّأ إلّا لمن درب بالعربية. أَذِلَّةً على الحال. وَهُمْ صاغِرُونَ في موضع الحال أيضا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٨]
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨)
قيل: إنما أراد بهذا أنهم إذا أتوا مسلمين لم يجز أن يؤتى بعرشها إلّا بإذنها، وقيل: إنما أراد سليمان صلّى الله عليه وسلّم أن يظهر آية معجزة.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٩٢.

[سورة النمل (٢٧) : آية ٣٩]

قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ قال أبو إسحاق: العفريت النافذ في الأمور المبالغ فيها الذي معه خبث ودهاء. ويقال: عفر وعفارية وعفرية، وعن أبي رجاء أنه قرأ قال عفرية «١» من الجنّ ويقال: عفرية نفرية إتباع، ومن قال: عفرية جمعه على عفار، ومن قال:
عفريت كان له في الجمع ثلاثة أوجه: إن شاء قال: عفاريت وإن شاء قال: عفار لأن التاء زائدة، كما يقال: طواغ في جمع طاغوت، وإن شاء عوض من التاء فقال:
عفاريّ.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٠]
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
قال الأخفش: المعنى: لينظر أأشكر أم أكفر، وقال غيره: معنى ليبلوني ليتعبّدني وهو مجاز.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤١]
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١)
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها زعم الفراء أنه إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له: إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها نَنْظُرْ جزم لأنه جواب الأمر، ومن رفعه جعله مستأنفا أَتَهْتَدِي في معناه قولان: أحدهما أتهتدي بمعرفته، والآخر أتهتدي لهذه الآية العظيمة وتعلم أنّها لا يأتي بها إلّا نبيّ من عند الله جلّ وعزّ فتهتدي وتدع الضّلالة.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٢]
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢)
قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ خبر كأنّ مكنيّ عنه لأنه قد تقدّم ذكره. وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها قيل:
العلم بالتوحيد وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قيل: لأن قومها أسلموا قبلها.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٣]
وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣)
تكون «ما» في موضع رفع أي صدّها عبادتها من دون الله وعبادتها إياها عن أن تعلم ما علمناه عن أن تسلم، ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب، ويكون التقدير وصدها الله جل وعز عن عبادتها أي وصدها سليمان صلّى الله عليه وسلّم عن عبادتها فحذف «عن» وتعدّى الفعل، وأنشد سيبويه: [الطويل]
(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٩، والبحر المحيط ٧/ ٧٢.
٣٢١-
ونبئت عبد الله بالجوّ أصبحت كراما مواليها لئيما صميمها «١»
وزعم أنّ المعنى عنده نبّئت عن عبد الله، ومن قرأ (أنّها) «٢» بفتح الهمزة كانت أنّ في موضع نصب بمعنى لأنها، ويجوز أن يكون بدلا من «ما» والكسر على الاستئناف.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٤]
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
لَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
التقدير على مذهب سيبويه «٣» ادخلي إلى الصرح فحذفت «إلى» وعدّي الفعل. وأبو العباس يغلّطه في هذا قال لأن «دخل» يدلّ على مفعول.
لَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
كسرت إن لأنها مبتدأة بعد القول، ومن العرب من يفتحها فيعمل فيها القول أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
إذا سكنت عَ
فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف بين النحويين، وإذا فتحتها ففيها قولان: أحدهما أنها بمعنى الظرف اسم، والآخر أنها حرف خافض مبني على الفتح.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٥]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً جعل اسما للقبيلة فلم يصرف، وصرفه حسن على أنه اسم للحيّ. فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ على المعنى ويختصمان على اللفظ.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٦]
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦)
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ قال أبو إسحاق: أي لم قلتم: إن كان ما أتيت به حقا فأتنا بالعذاب.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٧]
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قال مجاهد: أي تشاءمنا. قال أبو إسحاق: الأصل تطيّرنا فأدغمت التاء في الطاء لأنها من مخرجها واجتلبت ألف الوصل لئلا يبتدأ بساكن، فإذا وصلت حذفتها قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ قال الفراء «٤» : يقول في اللوح المحفوظ عند الله عزّ وجلّ تشاءمون بي وتتطيّرون، وذلك من عند الله تعالى مثل قوله
(١) الشاهد للفرزدق في الكتاب ١/ ٧٥، وشرح التصريح ١/ ٢٩٣، والمقاصد النحوية ٢/ ٥٢٢، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٢٦، وشرح الأشموني ١/ ١٨٦.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠، وهذه قراءة سعيد بن جبير.
(٣) انظر الكتاب ١/ ٢١١.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٩٥.
طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: ١٩] أي لازم لكم ما كان من خير أو شرّ لازم لكم وفي رقابكم.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٨]
وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨)
وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ اسم للجمع، وجمعه أرهط، وجمع الجمع أراهط.
يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قال الضحاك: كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة، وكانوا يفسدون ويأمرون بالفساد فجلسوا تحت صخرة عظيمة على نهر فقلبها الله جلّ وعزّ عليهم فقتلهم فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٤٩]
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ وهذا، من أحسن ما قرئ به هذا الحرف لأنه يدخل فيه المخاطبون في اللفظ والمعنى. وإذا قرأ لتبيّننّه «١» لم يدخل فيه المخاطبون في اللفظ ودخلوا في المعنى، وقراءة مجاهد ليبيّتنّه بالياء. قال أبو إسحاق: لَنُبَيِّتَنَّهُ أي قالوا لنبيتنه متقاسمين، أي متحالفين ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ «٢» «مهلك» بمعنى إهلاك، ويكون بمعنى الظرف وعن عاصم ما شهدنا مهتل بمعنى هلاك وعنه مَهْلِكَ «٣» وهو اسم موضع الهلاك كما تقول: مجلس.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٠]
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠)
وَمَكَرُوا مَكْراً إنما عملوه. وَمَكَرْنا مَكْراً جازيناهم على ذلك، وقيل المكر من الله الإتيان بالعقوبة المستحقّة من حيث لا يدري العبد.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥١]
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ وقرأ الكوفيون والحسن وابن أبي إسحاق وهي قراءة الكسائي أَنَّا دَمَّرْناهُمْ بفتح الهمزة، وزعم الفراء «٤» أن فتحهما من جهتين: إحداهما أن تردّها على كيف. قال أبو جعفر: وهذا لا يحصّل لأن كيف للاستفهام و «أنّا» غير داخل في الاستفهام، والجهة الأخرى عنده أن تكرّ عليها «كان» كأنك قلت: كان عاقبة أمرهم تدميرهم. قال أبو جعفر: وهذا متعسّف، وفي فتحها
(١) انظر القراءات المختلفة في تيسير الداني ١٣٦، والبحر المحيط ٧/ ٨٠. [.....]
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٨٠، وتيسير الداني ١٣٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٨٠، وتيسير الداني ١٣٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٣.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٩٦.
خمسة أوجه: منها أن يكون التقدير: لأنّا دمّرناهم وتكون أن في موضع نصب، ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلا من عاقبة، وليجوز أن تكون في موضع نصب على خبر كان ويجوز أن تنصب عاقبة على خبر كان وتكون أنّ في موضع رفع على أنّها اسم كان، ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة، والتقدير: من أنّا دمرناهم، ومن قرأ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ جعلها مستأنفه قال أبو حاتم: وفي حرف أبيّ أن دمّرناهم «١» تصديقا لفتحها.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٢]
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا النصب على الحال، والرفع من خمسة أوجه تكون «بيوتهم» بدلا من تلك و «خاوية» خبر الابتداء، وتكون «بيوتهم» خبرا و «خاوية» خبرا ثانيا كما يقال: هذا حلو حامض، وتكون «خاوية» على إضمار مبتدأ أي هي خاوية، وتكون بدلا من بيوتهم لأن النكرة تبدل من المعرفة.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٤]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤)
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ بمعنى وأرسلنا لوطا أو واذكر لوطا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٥]
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥)
أَإِنَّكُمْ بتخفيف الهمزة الثانية اختيار الخليل وسيبويه رحمهما الله فأما الخط فالسبيل فيه أن يكتب بألفين على الوجوه كلّها لأنها همزة مبتدأة دخلت عليها ألف الاستفهام. وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت: ٢٩]. قال مجاهد: كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٦]
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦)
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا جعلا «أن» خبر كان، فما كان جواب قومه إلّا قولهم. وقرأ عاصم قَدَّرْناها «٢» مخفّفا، والمعنى واحد يقال: قدرت الشيء قدرا وقدرا وقدّرته.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٥٩]
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ قال الفراء «٣» : المعنى قيل للوط صلّى الله عليه وسلّم قل الحمد لله على هلكهم
(١) انظر تيسير الداني ١٣٦، والبحر المحيط ٧/ ٨٢.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٤.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٤.
وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا فقالوا: هو مخاطبة لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو جعفر: وهذا أولى لأن القرآن منزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكلّ ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلّا ما لم يصحّ معناه إلّا بغيره. آللَّهُ خَيْرٌ وأجاز أبو حاتم أالله بهمزتين ولم نعلم أحدا تابعه على ذلك هذه المدّة إنما جيء بها فرقا بين الاستفهام والخبر، وهذه ألف التوقيف، «وخير» هاهنا ليس بمعنى أفعل منك إنما هو مثل قول الشاعر حسّان: [الوافر] ٣٢٢-
فشرّكما لخيركما الفداء «١»
فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء، ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت: فلان شرّ من فلان، ففي كلّ واحد منهما شرّ.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٠]
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)
قال عكرمة: الحدائق النخل ذاتَ بَهْجَةٍ قال أهل التفسير: البهجة الزينة والحسن.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٥]
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ قال أبو إسحاق: هذا بدل من «من» والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلّا الله قال: ومن نصب نصب على الاستثناء يعني في الكلام. قال أبو جعفر: وسمعته يحتجّ بهذه الآية على من صدّق منجّما، وقال: أخاف أن يكفر لعموم هذه الآية.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٦]
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ هذه قراءة «٢» أكثر النحويين منهم شيبة ونافع ويحيى بن وثاب وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير وحميد بل أدرك «٣»، وقرأ عطاء بن يسار بل أدرك «٤» بتخفيف الهمزة، وقرأ ابن محيصن بل أدرك علمهم في الآخرة وقرأ ابن عباس بلى ادّارك «٥» وإسناده إسناد صحيح هو من حديث شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس، وزعم هارون القارئ أن قراءة أبيّ بن كعب بل تدارك علمهم. القراءة الأولى والآخرة معناهما واحد لأن
(١) مرّ الشاهد رقم ٣٠٩.
(٢) انظر تيسير الداني ١٣٧، ومعاني الفراء ٢/ ٢٩٩.
(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧، ومعاني الفراء ٢/ ٢٩٩.
(٤) انظر تيسير الداني ١٣٧، ومعاني الفراء ٢/ ٢٩٩.
(٥) انظر تيسير الداني ١٣٧، ومعاني الفراء ٢/ ٢٩٩.
أصل ادّارك تدارك أدغمت التاء في الدال فجيء بألف الوصل لأنه لا يبتدأ بساكن فإذا وصلت سقطت ألف الوصل وكسرت اللام لالتقاء الساكنين. وفي معناه قولان: أحدهما أنّ المعنى بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كلّما وعدوا به معاينة فتكامل علمهم به، والقول الآخر أن المعنى بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة فقالوا تكون، وقالوا لا تكون. وفي معنى أدرك قولان: أحدهما معناه كمل في الآخرة، وهو مثل الأول، والآخر على معنى الإنكار وهذا مذهب أبي إسحاق، واستدلّ على معنى صحّة هذا القول بأن بعده بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. فأما معنى أدرك فليس فيه إلّا وجه واحد، يكون فيه معنى الإنكار كما تقول: أأنا قاتلتك أي لم أقاتلك فيكون المعنى لم يدرك. بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ حذفت منه الياء لالتقاء الساكنين، ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٧]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧)
هكذا يقرأ نافع «١» في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» «٢»، وقرأ أبو عمرو باستفهامين إلّا أنه خفّف الهمزة، وقرأ عاصم وحمزة باستفهامين أيضا إلّا أنهما حقّقا «٣» الهمزتين. وكل ما ذكرناه في السورتين جميعا واحد، وقرأ الكسائي أَإِذا بهمزتين (اننا) بنونين في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» «٤» باستفهامين. القراءة الأولى إذا كنا ترابا وآباؤنا أننا موافقة للخطّ حسنة، وقد عارض فيها أبو حاتم، فقال: وهذا معنى كلامه «إذ» ليس باستفهام و «أإنا» استفهام وفيه «أنّ» فكيف يجوز أن يعمل ما في حيّز الاستفهام فيما قبله، وكيف يجوز أن يعمل ما بعد أنّ فيما قبلها، وكيف يجوز غدا أنّ زيدا خارج، فإذا كان فيه استفهام كان أبعد، وهذا إذا سئل عنه كان مشكلا لما ذكره. قال أبو جعفر: وسمعت محمد بن الوليد يقول: سألنا أبو العباس محمد بن يزيد عن آية من القرآن صعبة الإعراب مشكلة وهي قوله جلّ وعزّ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ: ٧] فقال: إنّ عمل في «إذا» ينبئكم كان محالا لأنه لا ينبئهم ذلك الوقت، وإن عمل فيه ما بعد إن كان المعنى صحيحا، وكان خطأ في العربية أن يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها.
وهذا سؤال بيّن، ويجب أن يذكر في السورة التي هو فيها. فأما أبو عبيد فمال إلى قراءة نافع وردّ على من جمع بين استفهامين، واستدلّ بقول الله جلّ وعزّ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمران: ١٤٤]، وبقوله جلّ وعزّ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
(١) انظر تيسير الداني ١٣٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٥.
(٢) انظر إعراب الآية ٢٩- سورة العنكبوت.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠٠، وتيسير الداني ١٣٧. [.....]
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠٠، وتيسير الداني ١٣٧.
الْخالِدُونَ [الأنبياء: ٣٤] وهذا الرّد على أبي عمرو وعاصم وحمزة وطلحة والأعرج لا يلزم منه شيء، ولا يشبه ما جاء به من الآية شيئا، والفرق بينهما أن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد، ومعنى أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ أفإن مت خلدوا، ونظير هذا:
أزيد منطلق، ولا يقال: أزيد أمنطلق، لأنهما بمنزلة شيء واحد، وليس كذا الآية، لأن الثاني جملة قائمة بنفسها فصلح فيها الاستفهام والأول كلام منفرد يصلح فيه الاستفهام فأما من حذف الاستفهام من الثاني الاستفهام لأن في الكلام دليلا عليه لمعنى الإنكار.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨١]
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وأجاز الفراء وأبو حاتم وما أنت بهاد العمى «١» وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم «٢» وفي حرف عبد الله وما أن تهدي العمي عن ضلالتهم. القراءة الأولى بحذف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين وإثباتها في الخط، والقراءة الثانية بحذف الياء في اللفظ والخطّ لسكونها وسكون التنوين بعدها، من العرب من يثبتها في الوقف فيقول: مررت بقاضي، لأن التنوين لا يثبت في الوقف، والقراءة الثالثة بحذف الياء منها في اللفظ وفي الوصل لالتقاء الساكنين وفي حرف عبد الله وما إن تهدي إن زائدة للتوكيد وهي كافّة لما عن العمل إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا قال أبو إسحاق: أي ما تسمع قال: والمعنى ما تسمع فيعي ويعمل إلا من يؤمن بآياتنا فأما من يسمع ولا يقبل فبمنزلة الأصم.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٢]
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢)
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ قالت حفصة ابنة سيرين: سألت أبا العالية عن قول الله جلّ وعزّ: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ فقال: أوحى الله جلّ وعزّ إلى نوح صلّى الله عليه وسلّم: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: ٣٦] فكأنما كان على وجهي غطاء فكشف. قال أبو جعفر: وهذا من حسن الجواب لأنّ الناس ممتحنون ومؤخّرون لأن فيهم مؤمنين وصالحين، ومن قد علم الله جلّ وعزّ أنه سيؤمن ويتوب، ولهذا أمرنا بأخذ الجزية فإذا زال هذا وجب القول عليهم فصاروا كقوم نوح صلّى الله عليه وسلّم حين قال الله جلّ وعزّ فيهم أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ قال عبد الله بن عمر رحمة الله عليه: تخرج الدابة من صدع في الصفا، وقرأ ابن عباس
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٩٢، ومختصر ابن خالويه ١١٠.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠٠.
وعكرمة وعاصم الجحدري وطلحة وأبو زرعة: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ «١» قال عكرمة: أي تسمهم. وفي معنى «تكلمهم» قولان: فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال: هي والله تكلّمهم وتكلمهم. تكلّم المؤمن، وتكلم الكافر أو الفاجر تجرحه. وقال أبو حاتم: تكلّمهم كما تقول: تجرّحهم يذهب إلى أنّه تكثير من تكلمهم. وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق أَنَّ النَّاسَ «٢» بفتح الهمزة، وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة إن الناس بكسر الهمزة. قال أبو جعفر: في المفتوحة قولان وكذا المكسورة، قال الأخفش: المعنى بأنّ الناس، وقال أبو عبيد:
موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس. وقال الكسائي: والفراء «٣» :
إن الناس بالكسر على الاستئناف، وقال الأخفش: هو بمعنى تقول إنّ النّاس.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٧]
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ بمعنى واذكر، ومذهب الفراء «٤» أنّ المعنى وذلك يوم ينفخ في الصور، وأجاز فيه الحذف وجعله مثل وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ [سبأ: ٥١].
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ فهذا ماض «وينفخ» مستقبل، ويقال: كيف عطف ماض على مستقبل؟ وزعم الفراء أنه محمول على المعنى، لأن المعنى إذا نفخ في الصور ففزع. إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ في موضع نصب على الاستثناء. قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي وكلّ آتوه داخرين «٥» جعلوه فعلا مستقبلا، وقرأ الأعمش وحمزة وَكُلٌّ أَتَوْهُ جعلاه فعلا ماضيا. قال أبو جعفر: وفي كتابي عن أبي إسحاق في القرآن من قرأ وَكُلٌّ أَتَوْهُ وحده على لفظ كلّ ومن قرأ آتَوْهُ جمع على معناها.
وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال: وكلّ أتوه فلم يوحد وإنما جمع فلو وحّد لقال:
أتاه، ولكن من قال: أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنّه ردّه على «ففزع» ومن قرأ وكلّ آتوه حمله على المعنى، وقال: آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٨]
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨)
وَتَرَى الْجِبالَ من رؤية العين، ولو كان من رؤية القلب لتعدّت إلى مفعولين، والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الرّاء فتحرّكت الراء وحذفت الهمزة فهذه سبيل
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠١.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠.
(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠١.
(٥) انظر البحر المحيط ٧/ ٩٤، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧، وتيسير الداني ١٣٧.
تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن إلّا أنّ التخفيف لازم لترى وأخواتها من المضارع لكثرته في الكلام، وأنه يقع لرؤية العين والقلب. تَحْسَبُها جامِدَةً لا بدّ لتحسب من مفعولين، وظننت قد يتعدّى إلى واحد فقط. وأهل الكوفة يقرءون تَحْسَبُها وهو القياس لأنه من حسب يحسب إلّا أنه قد روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل فيكون على فعل يفعل، كما قالوا نعم ينعم ويئس ييئس، وحكى بئس يبئس من السالم، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف. وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ مصدر، وتقديره مرّا مثل مرّ السحاب فأقمت الصّفة مقام الموصوف والمضاف إليه. صُنْعَ اللَّهِ منصوب عند الخليل وسيبويه رحمهما الله على أنه مصدر لأنه لما قال عزّ وجلّ «وهي تمرّ مرّ السّحاب» دلّ على أنه صنع ذلك صنعا، ويجوز النصب على الإغراء أي انظروا صنع الله. قال أبو إسحاق: ويجوز الرفع على معنى ذلك صنع الله.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٨٩]
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩)
وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ تخفض «١» يوما على الإضافة وتحذف التنوين لها ومن نصب وأضاف فقرأ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ جعل يومئذ مبنيا على الفتح، مضاف إلى غير متمكّن، وأنشد سيبويه: [الطويل] ٣٢٣-
على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم «٢»
فإن قال قائل: قد قال سيبويه «٣» : التنوين علامة الأمكن عندهم، وقال «٤» : وبعدت من المضارعة بعد «كم» و «إذ» من المتمكّنة، فكيف يكون التنوين علامة للأمكن ثمّ يدخل فيما لا يتمكّن بوجه من الوجوه فهذا ضرب من المناقضة؟ فالجواب عن هذا أن التنوين الذي على سيبويه ليس هو هذا التنوين وإنما يتوهّمه أنه كان ضعيفا في العربية والتنوين الذي أراده هو الذي يقول بعض النحويين فيه: أدخل فرقا بيّن ما ينصرف وما لا ينصرف، ويقول بعضهم: فرقا بين الاسم والفعل. وللتنوين قسمان آخران يكون فرقا بين المعرفة والنكرة، ويكون عوضا في قولك: جوار وفي قولك يومئذ.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٩٠]
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠)
والفعل من هذا كبيته واللازم منه أكبّ وقلّ ما يأتي هذا في كلام العرب.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٩١]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١)
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٩٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٢١٦).
(٣) انظر الكتاب ١/ ٤٧.
(٤) انظر الكتاب ١/ ٤٣.
الَّذِي في موضع نصب نعت لرب، ولو كان بالألف واللام قلت: المحرّمها، فإن كان نعتا للبلدة المحرّمها هو، لا بدّ من إظهار المضمر مع الألف واللام لأن الفعل جرى على غير من هو له فإن قلت: الذي حرّمها لم تحتج أن تقول هو.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٩٢]
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢)
وَأَنْ أَتْلُوَا نصب بأن. قال الفراء «١» : وفي إحدى القراءتين وأن أتل القرآن «٢»، وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذفت منه الواو. قال أبو جعفر:
ولا نعرف أحدا قرأ بهذه القراءة وهي مخالفة لجميع المصاحف، وقوله في موضع جزم خطأ عند البصريين لأنه لا يكون جزم بلا جازم، وتقديره اللام خطأ لم يكن بدّ من المجيء بحرف المضارعة فكيف تضمر اللام وهي إذا جيء بها كان الكلام على غير ذلك، وحروف الجزم لا تضمر، وهذا الفعل لا يجوز أن يكون معربا لأنه ليس بالمضارع. قال سيبويه: أسكنوها لأنها لا يوصف بها ولا تقع موقع المضارعة.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٩٣]
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء ليكون الكلام على نسق واحد، وبالياء على أن يردّ إلى ما قبله أو على تحويل المخاطبة.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٠١.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٩٦، ومختصر ابن خالويه ١١١. [.....]
Icon