تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
المعروف بـالمنتخب
.
لمؤلفه
مجموعة من المؤلفين
.
ﰡ
١ - افتتحت هذه السورة ببعض الحروف على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح طائفة من سوره بالحروف.
٢ - تنزيل القرآن من عند الله الغالب على كل شئ، ذى الحكمة فى كل ما يفعل.
٣ - ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا على نواميس ثابتة، لغايات تقتضيها الحكمة، وإلى أمد معين تفنى بعده، والذين جحدوا بهذه الحقيقة معرضون عما أنذروا به من خلق جديد يوم يبعث الناس للجزاء.
٤ - قل للذين يدعون غير الله: أخبرونى عن حال ما تدعون من دون الله؟ هل خلقوا شيئا من الأرض أم كانوا شركاء لله فى خلق السموات؟ ائتونى بكتاب من عند الله أو أثر من علم الأولين تستندون إليه فى دعواكم إن كنتم صادقين.
٥ - ومن أكثر ضلالاً ممن يدعو من دون الله معبودات لا تستجيب له ما بقيت الدنيا! وهم مع ذلك غافلون عن دعائهم، غير شاعرين به.
٦ - وإذا جمع الناس للحساب يوم القيامة كان هؤلاء المعبودون أعداء لمن عبدوهم، يَتَبَرَّأُونَ منهم، ويكذبونهم فيما زعموا من استحقاقهم لعبادتهم.
٧ - وإذا تُتلى على المشركين آياتنا واضحات لكفرهم وعنادهم - عن تلك الآيات دون تأمل قالوا: هذا سحر ظاهر.
٨ - بل أيقول هؤلاء الكافرون: اختلق محمد القرآن وأضافه إلى الله؟، قل رداً عليهم: إن افتريته عاجلنى الله بعقوبته، فلا تستطيعون أن تدفعوا عنى من عذابه شيئاً هو - وحده - أعلم بما تخوضون فيه من الطعن فى آياته، كفى به شهيداً لى بالصدق وشهيداً عليكم بالتكذيب، وهو - وحده - واسع المغفرة لمن تاب، عظيم الرحمة، يمهل العصاة ليتداركوا.
٩ - قل لهم: ما كنت أول رسول من عند الله فتنكروا رسالتى، ولست أعلم ما يفعل الله بى ولا بكم، ما أتبع فيما أقول أو أفعل إلا الذى يوحيه الله إلى، وما أنا إلا منذر بيِّن الإنذار.
١٠ - قل: أخبرونى إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به، وشهد شاهد من بنى إسرائيل على نزول مثله من عند الله، فآمن به واستكبرتم. ألا تكونون حينئذ أضل الناس وأظلمهم لأنفسهم! إن الله لا يوفق إلى الهدى من ظلم نفس واستكبر عن الحق.
١١ - وقال الذين كفروا فى شأن الذين آمنوا استهزاء بهم واستعلاء عليهم: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إلى الإيمان به، فإنا نحن أصحاب السيادة والعقول الراجحة، ولما لم يهتدوا به يطعنون فيه، وقالوا: هذا كذب قديم من أساطير الأولين.
١٢ - ومن قبل القرآن أنزل الله التوراة قدوة ورحمة للعاملين بها، وهذا القرآن الذى يكذبونه مصدق لما قبله من الكتب، أنزله الله بلسان عربى ليكون إنذاراً متجدداً للذين ظلموا، وبُشرى للذين استقاموا على الطريقة.
١٣ - إن الذين قالوا: ربنا الله - وحده - ثم أحسنوا العمل، فلا خوف عليهم من نزول مكروه، ولا هم يحزنون لفوات مطلوب.
١٤ - أولئك الموصوفون بالتوحيد والاستقامة هم المختصون بدخول الجنة خالدين فيها أعطاهم الله ذلك جزاء بما كانوا يعملون من الصالحات.
١٥ - ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحساناً عظيماً، حملته أمه حملاً ذا مشقة، ووضعته وضعاً ذا مشقة، ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً قاست فيها صنوف الآلام، حتى إذا بلغ كمال قوته وعقله، وبلغ أربعين سنة، قال: رب ألهمنى شكر نعمتك التى أنعمت علىَّ وعلى والدى، وألهمنى أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه، واجعل الصلاح سارياً فى ذريتى، إنى تبت إليك من كل ذنب، وإنى من الذين أسلموا أنفسهم إليك.
١٦ - أولئك الموصوفون بتلك المحامد هم الذين نتقبل عنهم أعمالهم الحسنة، ونعفو عن سيئاتهم فى عداد أصحاب الجنة، محققين لهم وعد الصدق الذى كانوا يوعدون به فى الدنيا.
١٧ - والذى قال لوالديه حين دعواه إلى الإيمان بالبعث متضجراً منهما ومنكراً عليهما: أف لكما، أتعداننى بالخروج من القبر وقد مضت الأمم من قبلى ولم يبعث من القبور أحد؟ وأبواه يستغيثان الله استعظاماً لجرمه، ويقولان له حثَّا على الإيمان: هلكت إن لم تؤمن، إن وعد الله بالبعث حق، فيقول - إمعاناً فى التكذيب -: ما هذا الذى تقولانه إلا خرافات سطرها الأولون.
١٨ - أولئك القائلون ذلك هم الذين حق عليهم وقوع العذاب فى عداد أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، لأنهم كانوا خاسرين.
١٩ - ولكل من المسلمين والكفار منازل ملائمة لما عملوا ليظهر عدل الله فيهم، وليوفيهم جزاء أعمالهم وهم لا يظلمون، لاستحقاقهم ما يجزون به.
٢٠ - ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم: أذهبتم نصيبكم من الطيبات فى حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم عليه فى الدنيا من الاستكبار فى الأرض بغير الحق، والخروج عن طاعة الله.
٢١ - واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم: لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول.
٢٢ - قال قوم هود إنكاراً عليه: أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟! فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فى هذا الوعيد.
٢٣ - قال هود: إنما العلم بوقت عذابكم عند الله - وحده - وأنا أبلغكم الذى أرسلت به، ولكنى أراكم قوماً تجهلون ما تبعث به الرسل.
٢٤ -، ٢٥ - فأتاهم العذاب فى صورة سحاب، فلما رأوه ممتداً فى الأفق متوجهاً نحو أوديتهم، قالوا فرحين: هذا سحاب يأتينا بالمطر والخير. فقيل لهم: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب شديد الألم، تهلك كل شئ بأمر خالقها، فدمرتهم فأصبحوا لا يرى من آثارها إلا مساكنهم. كذلك الجزاء نجزى كل من ارتكب مثل جرمهم.
٢٦ - ولقد مكنا عاداً فيما لم نمكنكم فيه من السعة والقوة يا أهل مكة، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لو شاءوا الانتفاع بها، فما نفعهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم شيئاً قليلاً، لأنهم كانوا يكذبون بآيات الله، فحال ذلك بينهم وبين انتفاعهم بما أوتوا، وأحاط بهم العذاب الذى كانوا به يستهزئون.
٢٧ - ولقد أهلكنا القرى التى كانت حولكم يا أهل مكة، وبيَّنا لهم الدلائل بأساليب متنوعة، لعلهم يرجعون عن الكفر، فلم يرجعوا.
٢٨ - فهلا منعهم من الهلاك الذين اتخذوهم من دون الله آلهة متقربين بهم إليه تعالى؟! بل غابت هذه الآلهة عنهم وهم أحوج ما كانوا إلى النصرة، وذلك الذى حل بهم من خذلان آلهتهم لهم وضلالهم عنهم هو عاقبة كذبهم وافترائهم.
٢٩ - واذكر - يا محمد - إذ وجهنا إليك جماعة من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروا تلاوته قال بعضهم لبعض: أنصتوا - فلما تمت تلاوته رجعوا مسرعين إلى قومهم، محذرين من الكفر داعين إلى الإيمان.
٣٠ - قالوا: يا قومنا إنا سمعنا كتاباً عظيم الشأن، أنزل من بعد موسى، مصدقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية، يرشد إلى الحق فى الاعتقاد، وإلى شريعة قويمة فى العمل.
٣١ - يا قومنا: أجيبوا داعى الله الذى يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وصدقوا بالله يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ويمنعكم من عذاب شديد الألم.
٣٢ - ومن لا يجب داعى الله فليس بمستطيع أن يعجز الله عن أخذه وإن هرب فى الأرض كل مهرب. وليس له من دون الله نصراء يمنعونه من عذابه. أولئك الذين يعرضون عن إجابة الداعى إلى الله فى حيرة وبعد واضح عن الحق.
٣٣ - أَغَفلوا ولم يعلموا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعجز عن خلقهن قادر على إحياء الموتى؟ بل هو قادر على ذلك، لأنه - تعالى - على كل شئ تام القدرة.
٣٤ - ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم تقريعاً: أليس هذا العذاب بالأمر الحق المطابق لما أنذرناكم فى الدنيا؟ قالوا: بلى وربنا هو الحق، قال: فذوقوا ألوان العذاب الشديد بإصراركم على الكفر والتكذيب.
٣٥ - فاصبر - يا محمد - على الكافرين كما صبر أصحاب القوة والثبات من الرسل فى الشدائد، ولا تستعجل لهم العذاب، فهو واقع بهم - لا محالة - وإن طال الأمد. كأنهم يوم يشاهدون هوله يحسبون مدة لبثهم قبله ساعة من نهار. هذا الذى وعظتم به كاف فى الموعظة، فلن يهلك بعذاب الله إلا الخارجون عن طاعته.