مدنية في قول ابن عباس وقتادة وجابر١
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
(أَوْحى لها القَرَارَ فاسْتَقَرَّتِ | وشَدَّها بالراسياتِ الثُّبّتِ) |
(إنْ كُنْتِ تهْوينَ الفِراقَ ففارقي | لا خيرَ في أمْر الشتات) |
مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء، ومدينة في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : من فيها من الموتى، قاله ابن عباس، ومن زعم أنها في الدنيا من أشراط الساعة.
الثاني : ما عليها من جميع الأثقال، وهذا قول عكرمة.
ويحتمل قول الفريقين١.
ويحتمل رابعاً : أخرجت أسرارها التي استودعتها. قال أبو عبيدة : إذا كان الثقل في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
أحدهما : ما لها زلزلت زلزالها.
الثاني : ما لها أخرجت أثقالها.
وفي المراد بهذا " الإنسان " قولان :
أحدهما : أن المراد جميع الناس من مؤمن وكافر، وهذا قول من جعله في الدنيا من أشراط الساعة ؛ لأنهم لا يعلمون جميعا أنها من أشراط الساعة في ابتداء أمرها حتى يتحققوا عمومها، فلذلك سأل بعضهم بعضاً عنها.
الثاني : أنهم الكفار خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن يعترف بها، فهو لا يسأل عنها، والكافر جاحد لها فلذلك يسأل عنها.
أحدها : تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها، قاله أبو هريرة ورواه مرفوعاً١، وهذا قول من زعم أنها زلزلة القيامة.
الثاني : تحدث بما أخرجت من أثقالها، قاله يحيى ابن سلام ومن زعم أنها زلزلة أشراط الساعة.
الثالث : تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها. قال ابن مسعود : فتخبر بأن أمر الدنيا قد انقضى، وأن أمر الآخرة قد أتى، فيكون ذلك منها جواباً عند سؤالهم، وعيداً للكافر وإنذاراً للمؤمن.
وفي حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً فتتكلم بذلك.
الثاني : أن الله تعالى يُحدث الكلام فيها.
الثالث : يكون الكلام منها بياناً يقوم مقام الكلام.
أحدها : معناه أوحى إليها بأن ألهمها فأطاعت، كما قال العجاج :
أَوْحى لها القَرَارَ فاسْتَقَرَّتِ | وشَدَّها بالراسياتِ الثُّبّتِ |
الثالث : أمرها، قاله مجاهد.
وفيما أوحى لها وجهان :
أحدهما : أوحى لها بأن تحدث أخبارها.
الثاني : بأن تخرج أثقالها.
ويحتمل ثالثاً : أوحى لها بأن تزلزل زلزالها.
أحدهما : أنه يوم القيامة يصدرون من بين يدي الله تعالى فرقاً فرقاً مختلفين في قدرهم وأعمالهم، فبعضهم إلى الجنة وهم أصحاب الحسنات، وبعضهم إلى النار وهم أصحاب السيئات، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنهم في الدنيا عند غلبة الأهواء يصدرون فرقاً : فبعضهم مؤمن، وبعضهم كافر، وبعضهم محسن، وبعضهم مسيء، وبعضهم محق، وبعضهم مبطل.
﴿ ليُرَوْا أَعْمالَهم ﴾ يعني ثواب أعمالهم يوم القيامة.
ويحتمل ثالثاً : أنهم عند النشور يصدرون أشتاتاً من القبور على اختلافهم في الأمم والمعتقد بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من اتفاق أو اختلاف، ليروا أعمالهم في موقف العرض من خير أو شر، فيجازون عليها بثواب أو عقاب. والشتات : التفرق والاختلاف.
قال لبيد :
إنْ كُنْتِ تهْوينَ الفِراقَ ففارقي | لا خيرَ في أمْر الشتات١ |
أحدها : أن معنى يَرَه أي يعرفْهُ.
الثاني : أنه يرى صحيفة عمله.
الثالث : أن يرى خير عمله ويلقاه.
وفي ذلك قولان :
أحدهما : أنه يلقى ذلك في الآخرة، مؤمناً كان أو كافراً ؛ لأن الآخرة هي دار الجزاء.
الثاني : أنه إن كان مؤمناً رأى جزاء سيئاته في الدنيا، وجزاء حسناته في الآخرة، حتى يصير إليها وليس عليه سيئة.
وإن كان كافراً رأى جزاء حسناته في الدنيا، وجزاء سيئاته في الآخرة، حتى يصير إليها وليس له حسنة، قاله طاووس.
ويحتمل ثالثاً : أنه جزاء ما يستحقه من ثواب وعقاب عند المعاينة في الدنيا ليوفاه في الآخرة.
ويحتمل المراد بهذه الآية وجهين :
أحدهما : إعلامهم أنه لا يخفى عليه صغير ولا كبير.
الثاني : إعلامهم أنه يجازي بكل قليل وكثير.
وحكى مقاتل بن سليمان أنها نزلت في ناس بالمدينة كانوا لا يتورعون من الذنب الصغير من نظرة أو غمزة أو غيبة أو لمسة، ويقولون : إنما وعد الله على الكبائر، وفي ناس يستقلون الكسرة والجوزة والثمرة ولا يعطونها، ويقولون : إنما نجزى على ما نعطيه ونحن نحبه، فنزل هذا فيهم.
وروي أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه، فقرأ عليه هذه الآية، فقال صعصعة : حسبي حسبي إن عملت مثقال ذرة خيراً رأيته، وإن عملت مثقال ذرة شراً رأيته.
وروى أبو أيوب الأنصاري : قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يتغذيان إذ نزلت هذه السورة، فقاما وأمسكا.