تفسير سورة التكاثر

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
ولننظر الآن في تفسير سورة " التكاثر " المكية، مستعينين بالله.

وهذه السورة يدور الحديث فيها عن استغراق الغافلين، في شؤونهم المادية، ومصالحهم الشخصية، حتى يدركهم الأجل، وهم لم يتزودوا لآخرتهم بأي زاد من العمل الصالح، وفيها تأكيد للخلق، وتعريف لهم بأنهم سيسألون يوم القيامة عما آتاهم الله من فضله، وسيحاسبون على النقير من نعمه والقطمير، وذلك قوله تعالى بعد البسملة :﴿ ألهاكم التكاثر١ ﴾، أي : ألهاكم الانهماك في التفاخر والتكاثر من الأموال والأولاد عن طاعة الله، وأداء حقوقه وحقوق خلقه، ﴿ حتى زرتم المقابر٢ ﴾، أي : حتى أتاكم الموت ودفنتم في القبور، دون أن تقدموا بين أيديكم ما ينفعكم عند الله.
والتعبير هنا بلفظ " زرتم المقابر " دون التعبير مثلا " بسكنتم المقابر " فيه إشارة واضحة إلى أن إقامة الإنسان في قبره بعد الموت إنما هي مجرد إقامة مؤقتة، شبيهة بالزيارة أياما معدودة، لا سكنى مستمرة، أما منزله الذي سيسكنه وسيستقر فيه فهو إما الجنة وإما النار. عن ميمون بن مهران قال : " كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ :﴿ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ﴾، فلبث هنيهة ثم قال : " يا ميمون، ما أرى المقابر إلا " زيارة "، وما للزائر بدّ من أن يرجع إلى منزله ". قال أبو محمد : " معنى أن يرجع إلى منزله، أي : إلى جنة أو إلى نار ".
وقوله تعالى :﴿ كلا سوف تعلمون٣ ثم كلا سوف تعلمون٤ ﴾، هذا وعيد مضاعف من الله تعالى للغافلين عن آخرتهم، الشاكين في بعثهم وحسابهم.
وقوله تعالى :﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين٥ لترون الجحيم٦ ثم لترونها عين اليقين٧ ﴾، هذا تفسير من الله للوعيد الشديد الذي توعد به الشاكين والكافرين، وفيه تأكيد بالغ لما سينالهم من عذاب الله، جزاء شكهم وكفرهم، و " عين اليقين " درجة زائدة على " علم اليقين "، إذ هي " الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته ".
وقوله تعالى :﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم٨ ﴾، هذا تأكيد قوي ؛ لأن الله سبحانه سيتولى سؤال عباده عن كل ما تقلبوا فيه من النعم أثناء حياتهم في الدنيا، ومن تلك النعم الأمن والغنى، والشبع، والظل، والنوم، واعتدال الخلق، وصحة الأبدان، وسلامة الأسماع والأبصار. قال مجاهد : " النعيم عبارة عن كل لذة من لذات الدنيا "، وقال ابن عباس : " يسألهم الله عن نعمه فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم "، كما في قوله تعالى :﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ﴾ ( الإسراء : ٣٦ ). روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ :﴿ ألهاكم التكاثر ﴾، ثم قال : " يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت "، رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله "، رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
Icon