ﰡ
نزولها: مكية، وقيل مدنية.. نزلت بعد سورة «عبس».
عدد آياتها: خمس آيات.
عدد كلماتها: ثلاثون كلمة.
عدد حروفها: مائة واثنا عشر حرفا.
مناسبتها لما قبلها
ختمت سورة «العلق» بقوله تعالى: «كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» وجاءت بعد ذلك سورة القدر، وفيها تنويه بشأن هذا القرآن الذي أنزل على النبي، والذي هداه ربه، وملأ قلبه إيمانا ويقينا بعظمته وجلاله.. وبهذا الإيمان الوثيق يتجه النبي إلى ربه لا يخشى وعيدا، ولا يرهب تهديدا..
بسم الله الرحمن الرّحيم
الآيات: (١- ٥) [سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
قوله تعالى:
«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»..
الضمير فى «أنزلناه» يعود إلى القرآن الكريم، وهو وإن لم يجر له ذكر سابق فى السورة، إلا أنه مذكور بما له من إشعاع يملأ الوجود.. فإذا نزل شىء من عند الله، فهو هذا القرآن، أو فيض من فيض هذا القرآن..
وليلة القدر، هى الليلة المباركة، التي أشار إليها سبحانه وتعالى بقوله:
«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (٣- ٦:
الدخان). وهى ليلة من ليالى رمضان، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:
«شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ». (١٨٥: البقرة) ومعنى «أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» أي ابتدأنا إنزاله فى ليلة القدر، وهى الليلة التي افتتح فيها الوحى، واتصل فيها جبريل بالنبي، قائلا له: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ».
وقد اختلف فى أي ليلة من ليالى رمضان ليلة القدر، وأصح الأقوال أنها فى العشر الأواخر من رمضان.. واختلف كذلك أي ليلة هى فى الليالى العشر، وأصح الأقوال كذلك أنها فى الليالى الفردية، أي فى الليلة الحادية والعشرين، أو الثالثة والعشرين، أو الخامسة والعشرين أو السابعة والعشرين أو التاسعة والعشرين.. وأصح الأقوال هنا أنها الليلة السابعة والعشرون، أي الليلة السابعة من العشر الأواخر من رمضان.. وهذا ما يروى عن ابن عباس من أنه «م ١٠٣ التفسير القرآنى ج ٣٠»
(٢٧- ٣٢: عبس) ورأيت أن الله خلق سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام»..
هذا وقد استظهر بعضهم أنها الليلة السابعة والعشرون، وذلك بأن عدد كلمات السورة من أولها إلى قوله تعالى: «هى» سبع وعشرون كلمة..
وهذا يعنى أن كل كلمة تعدل ليلة من ليالى رمضان، حتى إذا كانت ليلة القدر جاءت الإشارة إليها بقوله تعالى: «هى» أي هى هنا عند الكلمة السابعة والعشرين، أو الليلة السابعة والعشرين..
وفى محاولة تحديد هذه الليلة تكلف، لا تدعو إليه الحاجة، فهى ليلة من ليالى رمضان، وكفى، ولو أراد سبحانه وتعالى بيانها لبينها، وإنما أراد سبحانه إشاعتها فى ليالى الشهر المبارك كله، ليجتهد المؤمنون فى إحياء ليالى الشهر جميعه!..
وسميت ليلة «القدر» بهذا الاسم، لأنها ذات شأن عظيم، وقدر جليل، لأنها الليلة التي نزل فيها القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان،
وقد أشار إليها الله سبحانه وتعالى فى سورة أخرى بقوله: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يبين فيها حكم الله فيما هو حلال أو حرام، وحق أو باطل، وهدى أو ضلال، وذلك بما نزل فيها من آيات الله..
وقوله تعالى:
«وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» ؟
تنويه بشأن هذه الليلة، وتفخيم لقدرها، وأنها ليلة لا يدرى أحد كنه، عظمتها، ولا حدود قدرها..
قوله تعالى:
«لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ».
اختلف فى تحديد المفاضلة بين هذه الليلة وبين الألف شهر.. وقد تواردت على هذا مقولات وأخبار شتى..
ونقول- والله أعلم- إنه ليس المراد من ذكر الألف شهر وزن هذه الليلة بهذا العدد من الأيام والليالى والسنين، وأنها ترجح عليها فى ميزانها، وإنما المراد هو تفخيم هذه الليلة وتعظيمها، وأن ذكر هذا العدد ليس إلا دلالة على عظم شأنها، إذ كان عدد الألف هو أقصى ما تعرفه العرب من عقود العدد.
عشرة، ومائة، وألف، ومضاعفاتها.
وإذن فهى ليلة لا حدود لفضلها، ولا عدل لها من أيام الزمن ولياليه، وإن بلغت ما بلغت عدّا.
وقدر هذه الليلة، إنما هو- كما قلنا- فى أنها كانت الظرف الذي نزل فيه القرآن، والوعاء الذي حمل هذه الرحمة العامة إلى الإنسانية كلها.. إنها الليلة
إن شأن هذه الليلة فى الليالى، شأن رسول الله ﷺ فى الإنسانية..
إنه- صلوات الله وسلامه عليه- واحد الإنسانية، ومجدها وشرفها، وهى واحدة ليالى الزمن، ومجده، وشرفه.. فكان التقاؤها بالنبي على رأس الأربعين من عمره- وقد توجه ربه بتاج النبوة- كان، التقاء جمع بين الزمن مختصرا فى ليلة، وبين الإنسانية مختصرة فى إنسان، هو رسول الله..
وكان ذلك قدرا مقدورا من الله العزيز الحكيم.
وقوله تعالى:
«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» أي يتنزل فيها جبريل عليه السلام، الذي هو مختص بتبليغ الوحى، والاتصال بالنبيّ.. أما الملائكة الذين يحفون به، فهم وفد الله معه لحمل هذه الرحمة إلى رسول الله، وإلى عباد الله.. وهم إنما يتنزلون بأمر الله كما يقول سبحانه: «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» (٦٤: مريم) فجبريل لم يكن ينزل وحده بالوحى، وإنما كان ينزل فى كوكبة عظيمة من الملائكة تشريفا وتكريما، لما يحمل إلى رسول الله من آيات الله..
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده:
«وإنما عبر بالمضارع فى قوله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ» وقوله: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» - مع أن المعنى ماض، لأن الحديث عن مبدإ نزول الوحى- لوجهين:
والثاني: لأن مبدأ النزول كان فيها، ولكن بقية الكتاب، وما فيه من تفصيل الأوامر والأحكام- كان فيما بعد.. فكأنه يشير إلى أن ما ابتدأ فيها يستمر فى مستقبل الزمان، حتى يكمل الدين» !! وقوله تعالى: «من كل أمر» أي تتنزل الملائكة حاملة من كل أمر من أوامر الله، ومن أحكامه، ما يأذن الله لها به، كما تقضى بذلك حكمته..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (٤- ٥: الدخان).
وقوله تعالى:
«سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
أي أنها ليلة ولد فيها الأمن والسلام.. من بدئها إلى ختامها.. فهى ليلة القرآن.. والقرآن من مبدئه إلى ختامه سلام وأمن كلّه، ورسالة القرآن هى «الإسلام» الذي هو السلام، والنجاة، لمن طلب السلامة والنجاة.!