تفسير سورة سورة القارعة من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة القارعة
مكية بلا خلاف وآيها احدى عشرة آية في الكوفي وعشرة في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر
مكية بلا خلاف وآيها احدى عشرة آية في الكوفي وعشرة في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر
ﰡ
سورة القارعة
مكية بلا خلاف وآيها إحدى عشرة آية في الكوفي وعشر في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ الجمهور على أنها القيامة نفسها ومبدؤها النفخة الأولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق وقيل صوت النفخة. وقال الضحاك: هي النار ذات التغيظ والزفير وليس بشيء. وأيّا ما كان فهي من القرع وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد وقد تقدم الكلام فيها وكذا ما يعلم منه إعراب ما ذكر في الكلام على قوله تعالى الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ١- ٣] وقرأ عيسى «القارعة» بالنصب وخرج على أنه بإضمار فعل أي اذكر القارعة وقوله تعالى يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ قيل أيضا منصوب بإضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها اذكر يوم يكون الناس إلخ فإنه يدريك ما هي. وقال الزمخشري: ظرف لمضمر دلت عليه القارعة أي تقرع يوم. وقال الحوفي: ظرف تأتى مقدرا وبعضهم قدر هذا الفعل مقدما على القارعة وجعلها فاعلا له أيضا. وقال ابن عطية: ظرف للقارعة نفسها من غير تقدير ولم يبين أي القوراع أراد. وتعقبه أبو حيان بأنه إن أراد اللفظ الأول ورد عليه الفصل بين العامل وهو في صلة أل والمعمول بالخبر وهو لا يجوز وإن أراد الثاني أو الثالث فلا يلتئم معنى الظرف معه. وأيد بقراءة زيد بن علي «يوم» بالرفع على ذلك وقدر بعضهم المبتدأ وقتها والفراش قال في الصحاح: جمع فراشة التي تطير وتهافت في النار وهو المروي عن قتادة. وقيل: هو طير رقيق يقصد النار ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى
مكية بلا خلاف وآيها إحدى عشرة آية في الكوفي وعشر في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ الجمهور على أنها القيامة نفسها ومبدؤها النفخة الأولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق وقيل صوت النفخة. وقال الضحاك: هي النار ذات التغيظ والزفير وليس بشيء. وأيّا ما كان فهي من القرع وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد وقد تقدم الكلام فيها وكذا ما يعلم منه إعراب ما ذكر في الكلام على قوله تعالى الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ١- ٣] وقرأ عيسى «القارعة» بالنصب وخرج على أنه بإضمار فعل أي اذكر القارعة وقوله تعالى يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ قيل أيضا منصوب بإضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها اذكر يوم يكون الناس إلخ فإنه يدريك ما هي. وقال الزمخشري: ظرف لمضمر دلت عليه القارعة أي تقرع يوم. وقال الحوفي: ظرف تأتى مقدرا وبعضهم قدر هذا الفعل مقدما على القارعة وجعلها فاعلا له أيضا. وقال ابن عطية: ظرف للقارعة نفسها من غير تقدير ولم يبين أي القوراع أراد. وتعقبه أبو حيان بأنه إن أراد اللفظ الأول ورد عليه الفصل بين العامل وهو في صلة أل والمعمول بالخبر وهو لا يجوز وإن أراد الثاني أو الثالث فلا يلتئم معنى الظرف معه. وأيد بقراءة زيد بن علي «يوم» بالرفع على ذلك وقدر بعضهم المبتدأ وقتها والفراش قال في الصحاح: جمع فراشة التي تطير وتهافت في النار وهو المروي عن قتادة. وقيل: هو طير رقيق يقصد النار ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى
447
يحترق. وقال الفرّاء: هو غوغاء الجراد الذي ينتشر في الأرض ويركب بعضه بعضا من الهول وقال صاحب التأويلات: اختلفوا في تأويله على وجوه لكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الإشارة إلى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم واختار غير واحد ما روي عن قتادة وقالوا: شبهوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهاب على غير نظام والتطاير إلى الداعي من كل جهة حين يدعوهم إلى المحشر بالفراش المتفرق المتطاير قال جرير:
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ أي الصوف مطلقا أو المصبوغ كما قيده الراغب به وقد تقدم الكلام فيه في المعارج وكان بمعنى صار أي وتصير جميع الجبال كالعهن الْمَنْفُوشِ المفرق بالأصبع ونحوها في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو حسبما ينطق به غير آية. وقوله تعالى فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ إلى آخره بيان إجمالي لتحزب الناس حزبين وتنبيه على كيفية الأحوال الخاصة بكل منهما إثر بيان الأحوال الشاملة للكل.
وهذا إشارة إلى وزن الأعمال وهو مما يجب الإيمان به حقيقة ولا يكفره منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالأيمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره. وجزم به صاحب كنز الأسرار بميزان له لسان وكفتان كإطباق السماوات والأرض والله تعالى أعلم بماهيته. وقد روي القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه في شرح المقاصد لكثير من المفسرين ومكانه بين الجنة والنار كما في نوادر الأصول وذكر يتقبل به العرش يأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والأشهر الأصح أنه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الأمم ولجميع الأعمال فقوله تعالى مَوازِينُهُ وهو جمع ميزان وأصله موزان بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٢٣] في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقه أو باعتبار تعدد الأفراد للتغاير الاعتباري كما قيل في قوله:
لمعان برق أو شعاع شموس وزعم الرازي على ما نقل عنه أن فيه حديثا مرفوعا. وقال آخرون: توزن نفس الأعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى، وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفه الظلمة وهي الشمال فتخفف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الأولى. وقد ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها وادعى أن فيه أثرا. والظاهر أن الثقل والخفة مثلهما في الدنيا فما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرتفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين: هما على خلاف ما في الدنيا وأن عمل المؤمن إذا رجح صعد وثقلت سيئاته وأن الكافر تثقل كفته لخلو الأخرى من الحسنات ثم تلا وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] وفي كونه دليلا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة، والسيئات في كفة الظلمة جهة النار، ويخلق الله تعالى لكل إنسان علما ضروريا يدرك به خفة أعماله وثقلها. وقيل نحو إلّا أن علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات وعلامة الخفة عمود ظلمة يثور من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات
إن الفرزدق ما علمت وقومه | مثل الفراش غشين نار المصطلي |
وهذا إشارة إلى وزن الأعمال وهو مما يجب الإيمان به حقيقة ولا يكفره منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالأيمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره. وجزم به صاحب كنز الأسرار بميزان له لسان وكفتان كإطباق السماوات والأرض والله تعالى أعلم بماهيته. وقد روي القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه في شرح المقاصد لكثير من المفسرين ومكانه بين الجنة والنار كما في نوادر الأصول وذكر يتقبل به العرش يأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والأشهر الأصح أنه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الأمم ولجميع الأعمال فقوله تعالى مَوازِينُهُ وهو جمع ميزان وأصله موزان بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٢٣] في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقه أو باعتبار تعدد الأفراد للتغاير الاعتباري كما قيل في قوله:
لمعان برق أو شعاع شموس وزعم الرازي على ما نقل عنه أن فيه حديثا مرفوعا. وقال آخرون: توزن نفس الأعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى، وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفه الظلمة وهي الشمال فتخفف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الأولى. وقد ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها وادعى أن فيه أثرا. والظاهر أن الثقل والخفة مثلهما في الدنيا فما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرتفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين: هما على خلاف ما في الدنيا وأن عمل المؤمن إذا رجح صعد وثقلت سيئاته وأن الكافر تثقل كفته لخلو الأخرى من الحسنات ثم تلا وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] وفي كونه دليلا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة، والسيئات في كفة الظلمة جهة النار، ويخلق الله تعالى لكل إنسان علما ضروريا يدرك به خفة أعماله وثقلها. وقيل نحو إلّا أن علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات وعلامة الخفة عمود ظلمة يثور من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات
448
فالكيفيات أربع وستظهر حقيقة الحال بالعيان وهو كما قال القرطبي لا يكون في حق كل أحد لما
في الحديث الصحيح «فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن» الحديث.
وأحرى الأنبياء عليهم السلام وقوله سبحانه يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ [الرحمن:
٤١] وإنما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أعمالهم وإنما يصب لهم الأجر صبا. والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطلقا توزن لظواهر الآيات والأحاديث الكثيرة. والمراد في الآية وزنا نافعا. والصحيح أن الجن مؤمنهم وكافرهم كالإنس في هذا الشأن كما قرر في محله. والتقسيم فيما نحن فيه على ما سمعت عن القرطبي بالنسبة إلى من توزن أعماله لا بالنسبة إلى الناس مطلقا. وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والأعمش قالوا: إن الأعمال أعراض إن أمكن بقاؤها لا يمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل، وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وأن معنى ثقلها رجحانها وروي هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته ورتبها فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا. وجوز أن تكون راضِيَةٍ بمعنى المفعول أي مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الإسناد مجازيا وهو حقيقة إلى صاحب العيشة. وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ما قرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الأجلّة هاهنا كلاما نفيسا وهو أن ما كان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فألحق بالجوامد ونقل عن السيرافي أنه قال: يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في عِيشَةٍ راضِيَةٍ وفيه وجهان أحدهما أن تكون بمعنى أنها راضية أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم. والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة ورواية ووجه بأن الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث. وقد ادخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال: إن هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجوه أحدهما أن راضِيَةٍ هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لأن من شاء شيئا ورضي به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة. ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه الثاني أن الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضا والثالث أنه يجوز إلحاق الهاء في المعتل لحفظ البنية ومصكة إما شاذا ولتشبيه المضاعف بالمعتل انتهى. فاحفظه فإنه نفيس خلا عنه أكثر الكتب.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئاته على حسناته فَأُمُّهُ أي فمأواه كما قال ابن زيد وغيره هاوِيَةٌ أريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ
فإنه تقرير لها بعد إبهامها والإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل. وذكر أن إطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها، فقد روي أن أهل النار تهوي فيها سبعين خريفا وخصها بعضهم بالباب الأسفل من النار وعبر عن المأوى بالأم على التشبيه بها فالأم مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به. وقيل: شبه النار بالأم في أنها تحيط به إحاطة رحم الولد بالأم. وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم: المعنى فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا. وفي رواية أخرى عن قتادة هو من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة:
هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي:
في الحديث الصحيح «فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن» الحديث.
وأحرى الأنبياء عليهم السلام وقوله سبحانه يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ [الرحمن:
٤١] وإنما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أعمالهم وإنما يصب لهم الأجر صبا. والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطلقا توزن لظواهر الآيات والأحاديث الكثيرة. والمراد في الآية وزنا نافعا. والصحيح أن الجن مؤمنهم وكافرهم كالإنس في هذا الشأن كما قرر في محله. والتقسيم فيما نحن فيه على ما سمعت عن القرطبي بالنسبة إلى من توزن أعماله لا بالنسبة إلى الناس مطلقا. وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والأعمش قالوا: إن الأعمال أعراض إن أمكن بقاؤها لا يمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل، وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وأن معنى ثقلها رجحانها وروي هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته ورتبها فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا. وجوز أن تكون راضِيَةٍ بمعنى المفعول أي مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الإسناد مجازيا وهو حقيقة إلى صاحب العيشة. وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ما قرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الأجلّة هاهنا كلاما نفيسا وهو أن ما كان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فألحق بالجوامد ونقل عن السيرافي أنه قال: يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في عِيشَةٍ راضِيَةٍ وفيه وجهان أحدهما أن تكون بمعنى أنها راضية أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم. والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة ورواية ووجه بأن الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث. وقد ادخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال: إن هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجوه أحدهما أن راضِيَةٍ هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لأن من شاء شيئا ورضي به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة. ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه الثاني أن الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضا والثالث أنه يجوز إلحاق الهاء في المعتل لحفظ البنية ومصكة إما شاذا ولتشبيه المضاعف بالمعتل انتهى. فاحفظه فإنه نفيس خلا عنه أكثر الكتب.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئاته على حسناته فَأُمُّهُ أي فمأواه كما قال ابن زيد وغيره هاوِيَةٌ أريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ
فإنه تقرير لها بعد إبهامها والإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل. وذكر أن إطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها، فقد روي أن أهل النار تهوي فيها سبعين خريفا وخصها بعضهم بالباب الأسفل من النار وعبر عن المأوى بالأم على التشبيه بها فالأم مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به. وقيل: شبه النار بالأم في أنها تحيط به إحاطة رحم الولد بالأم. وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم: المعنى فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا. وفي رواية أخرى عن قتادة هو من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة:
هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي: