ﰡ
ذكره هنا، وفي الأحقاف " إحسانا " ( ١ ) وحذفه في لقمان( ٢ )، مع أن الثلاثة نزلت في " سعد بن مالك " وهو " سعد بن أبي وقاص " على خلاف فيه، لأن الوصية هنا وفي الأحقاف، جاءت في سياق الإجمال، وفي لقمان جاءت مفصّلة لما تقدّمها من تفصيل كلام لقمان لابنه، ولأن قوله بعدها ﴿ أن اشكر لي ولوالديك ﴾ [ لقمان : ١٤ ] قائم مقامه، فحسُن حذفه.
قوله تعالى :﴿ وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما... ﴾ [ العنكبوت : ٨ ].
قال ذلك هنا، وقال في لقمان ﴿ على أن تشرك ﴾ [ لقمان : ١٥ ] موافقة هنا لفظا، للفظ اللام في قوله :﴿ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ﴾ [ العنكبوت : ٦ ] وحملا للمعنى بطريق التضمين في لقمان، إذ التقدير : وإن حَمَلاك على أن تشرك بي.
٢ - في لقمان: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن﴾ آية (١٤). .
إن قلتَ : ما فائدة العدول إلى ما قاله، عن " تسعمائة وخمسين "، مع أنه عادة الحساب ؟
قلتُ : فائدته تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، إذ القصة مسوقة لتسليته بما ابتلي به نوح عليه الصلاة والسلام، من مكابدة أمته في أطول المدد، فكان ذلك أقصى العقود، التي لا عقد أكثر منه، في مراتب العدد، ولا أفضل وأفضى إلى المقصود، وهو استطالة التّسامع مدة صبره، وفيه فائدة أخرى، وهي نفي توهّم إرادة المجاز، بإطلاق لفظ تسع المائة والخمسين على أكثرها، فإن هذا التوهم مع ذكر الألف، والاستثناء منتف أو أبعد.
وجاء المميّز الأول بلفظ " السنة " والثاني بلفظ " العام " لكراهة التكرار.
نكّر الرزق أولا، ثم عرّفه ثانيا، لأنه أراد بذلك أن الذين تعبدون من دون الله، لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كله، فإنه هو الرزاق لا غيره.
إن قلتَ : كيف أضمر لفظ " الله " أولا، ثم أظهره ثانيا مع أن القياس العكس ؟
قلتُ : تنبيها على عظم إنشائهم أي إعادتهم، لأنها التي ينكرها الكافر، فناسب ذكر الظاهر للإيضاح.
قال ذلك هنا، واقتصر في الشورى( ١ ) على " في الأرض " لأن ما هنا خطاب لقوم فيهم " النمرود " الذي حاول الصعود إلى السماء، فأخبرهم بعجزهم، وأنهم لا يفوتون الله، لا في الأرض، ولا في السماء( ٢ )، وما في الشورى خطاب لمن لم يحاول الصعود إلى السماء، وقيل : خطاب للمؤمنين بقرينة قوله :﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ﴾ [ الشورى : ٣٠ ]، وقد حُذفا معا للاختصار، في قوله في الزمر :﴿ وما هم بمعجزين ﴾ [ الزمر : ٥١ ].
٢ - أي لستم يا معشر الكفار بمعجزين ربكم، حتى ولو تواريتم في أعماق الأرض، أو تحصّنتم بالصعود إلى السماء، فأنتم في قبضة الله وسلطانه، وليس لكم من ينقذكم من عذابه، اﻫ التفسير الواضح الميسّر للصابوني..
قاله هنا بالجمع، وقاله بعد في قوله :﴿ خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ﴾ [ العنكبوت : ٤٤ ] بالتوحيد، لأن ما هنا إشارة إلى إثبات النبوة القائمة بالنبيّين، وهم كثيرون فناسب الجمع، وما بعد إشارة إلى التوحيد القائم بواحد، وهو الله لا شريك له.
إن قلتَ : قال ذلك في معرض المدح لإبراهيم عليه السلام، أو الامتنان عليه، وأجر الدنيا فان منقطع، بخلاف أجر الآخرة، فكيف ذكره دون أجر الآخرة ؟ !
قلتُ : بل ذكره أيضا في قوله :﴿ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾ إذ المعنى إن له في الآخرة أجر الصالحين، وافيا كاملا، لكن أخّره موافقة للفواصل، وأجره في الدنيا قيل : هو الثناء الحسن، والمحبّة من الناس، وقيل : هو البركة التي باركها الله تعالى فيه، وفي ذريته.
إن قلتَ : كيف قال :﴿ إلا الذين ظلموا ﴾ مع أن جميع أهل الكتاب ظالمون، لأنهم كافرون قال تعالى :﴿ والكافرون هم الظالمون ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ] ؟ !
قلتُ : المراد بالظلم هنا : الامتناع عن قبول عقد الذمّة، أو نقض العهد بعد قبوله( ١ ).
قاله هنا : بذكر " من " وفي البقرة( ١ )، والجاثية( ٢ ) بحذفها، موافقة لما قبله هنا في قوله : " من عباده " و " من السماء " بخلاف ذلك في البقرة والجاثية.
٢ - في الجاثية: ﴿وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها﴾ آية (٥)..
إن قلتَ : المجاهدة في دين الله إنما تكون بعد الهداية، فكيف جعل الهداية من ثمرتها ؟
قلتُ : معناه جاهدوا في طلب العلم( ١ )، لنهدينهم سبلنا بمعرفة الأحكام وحقائقها، أو جاهدوا في نيل درجة، لنهدينهم إلى أعلى منها، قال تعالى :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى ﴾ [ محمد : ١٧ ] وقال تعالى :﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ [ مريم : ٧٦ ].