تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل
المعروف بـتفسير الخازن
.
لمؤلفه
الخازن
.
المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية وآياتها تسع وستون آية وكلماتها تسعمائة وثمانون كلمة وحروفها أربعة آلاف ومائة وخمسة وستون حرفا.
ﰡ
سورة العنكبوت
وهي مكية وآياتها تسع وستون آية وكلماتها تسعمائة وثمانون كلمة وحروفها أربعة آلاف ومائة وخمسة وستون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤)
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
قوله عز وجل الم أَحَسِبَ النَّاسُ أي أظن الناس أَنْ يُتْرَكُوا أي بغير اختبار وابتلاء أَنْ أي بأن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا لنختبرنهم لنبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب. قيل: نزلت هذه الآية في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فأتبعهم المشركون فقاتلهم الكفار، فمنهم من قتل ومنهم من نجا فنزل الله هاتين الآيتين. وقال ابن عباس: أراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم. وقيل في عمار كان يعذب في الله تعالى وقيل في مهجع بن عبد الله مولى عمر وكان أول من قتل من المسلمين يوم بدر فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله هذه الآية ثم عزاهم فقال تعالى وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأنبياء فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتل وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا أي في قولهم وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار ومعنى الآية فليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه. وقيل إن آثار أفعال الحق صفة يظهر فيها كل ما يقع وما هو واقع. قوله تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني الشرك أَنْ يَسْبِقُونا أي يعجزونا فلا نقدر على الانتقام منهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ قال ابن عباس من كان يخشى البعث والحساب وقيل من كان يطمع في ثواب الله فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب. وقيل يوم القيامة لكائن والمعنى أن من يخشى الله ويؤمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم وَهُوَ السَّمِيعُ
قوله عز وجل ﴿ أحسب الناس ﴾ أي أظن الناس ﴿ أن يتركوا ﴾ أي بغير اختبار وابتلاء ﴿ أن ﴾ أي بأن ﴿ يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴾ أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا لنختبرنهم لنبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب. قيل : نزلت هذه الآية في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فأتبعهم المشركون فقاتلهم الكفار، فمنهم من قتل ومنهم من نجا فنزل الله هاتين الآيتين. وقال ابن عباس : أراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم. وقيل في عمار كان يعذب في الله تعالى وقيل في مهجع بن عبد الله مولى عمر وكان أول من قتل من المسلمين يوم بدر فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم :« سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة » فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله هذه الآية.
ثم عزاهم فقال تعالى ﴿ ولقد فتنا الذين قبلهم ﴾ يعني الأنبياء فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتل وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب ﴿ فليعلمن الله الذين صدقوا ﴾ أي في قولهم ﴿ وليعلمن الكاذبين ﴾ والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار ومعنى الآية فليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه. وقيل إن آثار أفعال الحق صفة يظهر فيها كل ما يقع وما هو واقع.
قوله تعالى ﴿ أم حسب الذين يعملون السيئات ﴾ يعني الشرك ﴿ أن يسبقونا ﴾ أي يعجزونا فلا نقدر على الانتقام منهم ﴿ ساء ما يحكمون ﴾.
﴿ من كان يرجو لقاء الله ﴾ قال ابن عباس من كان يخشى العبث والحساب وقيل من كان يطمع في ثواب الله ﴿ فإن أجل الله لآت ﴾ يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب. وقيل يوم القيامة لكائن والمعنى أن من يخشى الله ويؤمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم ﴿ وهو السميع العليم ﴾ أي يعلم ما يعمل العباد من الطاعة والمعصية فيثيبهم أو يعاقبهم أو يعفو.
قوله تعالى ﴿ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ﴾ أي له ثوابه وهذا بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق فإن الكريم إذا وعد وفى والجهاد هو الصبر على الأعداء والشدة وقد يكون في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس ﴿ إن الله لغني عن العالمين ﴾ أي عن أعمالهم وعبادتهم وفيه بشارة وتخويف أما البشارة فلأنه إذا كان غنياً عن الأشياء فلو أعطي جميع ما خلقه لعبد من عبيده لا شيء عليه لاستغنائه عنه. وهذا يوجب الرجاء التام وأما التخويف فلأن الله إذا كان غنياً عن العالمين فلو أهلكهم بعذابه فلا شيء عليه لاستغنائه عنهم.
﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ﴾ أي لنطلبنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة ﴿ ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ﴾ أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة وقيل يعطيهم أكثر مما عملوا.
قوله عز وجل ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسناً ﴾ معناه براً بهما وعطفاً عليهم والمعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن يفعل بهما ما يحسن نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص. وقال ابن إسحاق : سعد بن مالك الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأبيه. قالت له أمه : ما هذا الذي أحدثت والله ما آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ويقال يا قاتل أمه ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت كذلك يوماً آخر وليلة فجاءها فقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك فذلك قوله تعالى ﴿ وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ﴾ وفي الحديث « لا طاعة لمخلوق في معصية الله » ثم أوعد بالمصير إليه فقال ﴿ إلي مرجعكم فأنبئكم ﴾ أي فأخبركم ﴿ بما كنتم تعملون ﴾ أي بصالح أعمالكم وسيئاتها أي فأجازيكم عليها.
الْعَلِيمُ
أي يعلم ما يعمل العباد من الطاعة والمعصية فيثيبهم أو يعاقبهم أو يعفو.
قوله تعالى وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ أي له ثوابه وهذا بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق فإن الكريم إذا وعد وفي والجهاد هو الصبر على الأعداء والشدة وقد يكون في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ أي عن أعمالهم وعبادتهم وفيه بشارة وتخويف أما البشارة فلأنه إذا كان غنيا عن الأشياء فلو أعطي جميع ما خلقه لعبد من عبيده لا شيء عليه لاستغنائه عنه. وهذا يوجب الرجاء التام وأما التخويف فلأن الله إذا كان غنيا عن العالمين فلو أهلكهم بعذابه فلا شيء عليه لاستغنائه عنهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي لنطلبنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة وقيل يعطيهم أكثر مما عملوا.
قوله عز وجل وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً معناه برا بهما وعطفا عليهم والمعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن يفعل بهما ما يحسن نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص. وقال ابن إسحاق: سعد بن مالك الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان بارا بأبيه. قالت له أمه: ما هذا الذي أحدثت والله ما آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ويقال يا قاتل أمه ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت كذلك يوما آخر وليلة فجاءها فقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك فذلك قوله تعالى وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وفي الحديث
«لا طاعة لمخلوق في معصية الله» ثم أوعد بالمصير إليه فقال تعالى إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ أي فأخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بصالح أعمالكم وسيئاتها أي فأجازيكم عليها.
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٩ الى ١٨]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ أي في زمرة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء وقيل في مدخل الصالحين وهو الجنة. قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ يعني أصابه بلاء
376
من الناس افتتن فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة والمعنى أنه جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه وهو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ أي فتح ودولة للمؤمنين لَيَقُولُنَّ أي هؤلاء المنافقون للمؤمنين إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أي على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأكذبهم الله تعالى فقال أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ أي من الإيمان والنفاق وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا أي صدقوا فثبتوا على الإيمان والإسلام عند البلاء. وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ أي بترك الإسلام عند البلاء قيل نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا. وقال ابن عباس: نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر وهم الذين نزلت فيهم الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ وقيل هذه الآيات العشر من أول السورة إلى ها هنا مدنية وباقي السورة مكية وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني من أهل مكة قيل قاله أبو سفيان لِلَّذِينَ آمَنُوا أي من قريش اتَّبِعُوا سَبِيلَنا يعني ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ أي أوزاركم والمعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فأكذبهم الله عز وجل بقوله وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم نحمل خطاياكم وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزار أنفسهم. فإن قلت قد قال أولا وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقال ها هنا وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم فكيف الجمع بينهما. قلت: معناه إنهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كل واحد يحمل خطيئة نفسه ورؤساء الضلال يحملون أوزارهم ويحملون أوزارا بسبب إضلال غيرهم فهو كقوله صلّى الله عليه وسلّم:
«من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ أي سؤال توبيخ وتقريع لأنه تعالى عالم بأعمالهم وافترائهم. قوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ أي فأقام فِيهِمْ يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فإن قلت فما فائدة هذا الاستثناء وهلا قال تسعمائة وخمسين سنة قلت فيه فائدتان إحداهما: أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه يظن به التقريب فهو كقول القائل عاش فلان مائة سنة فقد يتوهم السائل أنه يقول مائة سنة تقريبا لا تحقيقا فإن قال مائة سنة إلا شهرا أو إلا سنة زال ذلك التوهم وفهم منه التحقيق. الفائدة الثانية: هي لبيان أن نوحا صبر على أذى قومه صبرا كثيرا وأعلى مراتب العدد ألف سنة. وكان المراد التكثير فلذلك أتى بعقد الألف لأنه أعظم وأفخم هذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وأن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم فصبر في الدعاء ولم يؤمن من قومه إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة من آمن بك.
قال ابن عباس: بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس فكان عمره ألفا وخمسين عاما. وقيل في عمره غير ذلك. قوله تعالى فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ أي فأغرقهم وَهُمْ ظالِمُونَ قال ابن عباس مشركون فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ يعني من الغرق وَجَعَلْناها يعني السفينة آيَةً أي عبرة لِلْعالَمِينَ قيل إنها بقيت على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم بالغرق عبرة. قوله تعالى وَإِبْراهِيمَ أي وأرسلنا إبراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ أي أطيعوا الله وخافوه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي ما هو خير لكم مما هو شر لكم ولكنكم لا تعلمون إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أي تقولون كذبا وقيل تصنعون أصناما بأيديكم وتسمونها آلهة إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أي لا يقدرون أن يرزقوكم فَابْتَغُوا أي فاطلبوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ فإنه القادر على ذلك وَاعْبُدُوهُ أي وحدوه وَاشْكُرُوا لَهُ لأنه المنعم عليكم بالرزق إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
377
قوله تعالى ﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي ﴾ يعني أصابه بلاء من الناس افتتن ﴿ في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ﴾ أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة والمعنى أنه جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه وهو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر ﴿ ولئن جاء نصر من ربك ﴾ أي فتح ودولة للمؤمنين ﴿ ليقولن ﴾ أي هؤلاء المنافقون للمؤمنين ﴿ إنا كنا معكم ﴾ أي على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأكذبهم الله تعالى فقال ﴿ أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ﴾ أي من الإيمان والنفاق.
﴿ وليعلمن الله الذين آمنوا ﴾ أي صدقوا فثبتوا على الإيمان والإسلام عند البلاء. ﴿ وليعلمن المنافقين ﴾ أي بترك الإسلام عند البلاء قيل نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا. وقال ابن عباس : نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر وهم الذين نزلت فيهم ﴿ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ وقيل هذه الآيات العشر من أول السورة إلى ها هنا مدنية وباقي السورة مكية.
﴿ وقال الذين كفروا ﴾ يعني من أهل مكة قيل قاله أبو سفيان ﴿ للذين آمنوا ﴾ أي من قريش ﴿ اتبعوا سبيلنا ﴾ يعني ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله ﴿ ولنحمل خطاياكم ﴾ أي أوزاركم والمعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فأكذبهم الله عز وجل بقوله ﴿ وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ﴾ في قولهم نحمل خطاياكم.
﴿ وليحملن أثقالهم ﴾ أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ﴿ وأثقالاً مع أثقالهم ﴾ أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزار أنفسهم. فإن قلت قد قال أولاً وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقال ها هنا وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم فكيف الجمع بينهما. قلت : معناه إنهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كل واحد يحمل خطيئة نفسه ورؤساء الضلال يحملون أوزارهم ويحملون أوزاراً بسبب إضلال غيرهم فهو كقوله صلى الله عليه وسلم :« من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء » رواه مسلم ﴿ وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ﴾ أي سؤال توبيخ وتقريع لأنه تعالى عالم بأعمالهم وافترائهم.
قوله تعالى ﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث ﴾ أي فأقام ﴿ فيهم ﴾ يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده ﴿ ألف سنة إلا خمسين عاماً ﴾ فإن قلت فما فائدة هذا الاستثناء وهلا قال تسعمائة وخمسين سنة قلت فيه فائدتان إحداهما : أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه يظن به التقريب فهو كقول القائل عاش فلان مائة سنة فقد يتوهم السائل أنه يقول مائة سنة تقريباً لا تحقيقاً فإن قال مائة سنة إلا شهراً أو إلا سنة زال ذلك التوهم وفهم منه التحقيق. الفائدة الثانية : هي لبيان أن نوحاً صبر على أذى قومه صبراً كثيراً وأعلى مراتب العدد ألف سنة. وكان المراد التكثير فلذلك أتى بعقد الألف لأنه أعظم وأفخم هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وأن نوحاً لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم فصبر في الدعاء ولم يؤمن من قومه إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة من آمن بك.
قال ابن عباس : بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس فكان عمره ألفاً وخمسين عاماً. وقيل في عمره غير ذلك. قوله تعالى ﴿ فأخذهم الطوفان ﴾ أي فأغرقهم ﴿ وهم ظالمون ﴾ قال ابن عباس مشركون.
﴿ فأنجيناه وأصحاب السفينة ﴾ يعني من الغرق ﴿ وجعلناها ﴾ يعني السفينة ﴿ آية ﴾ أي عبرة ﴿ للعالمين ﴾ قيل إنها بقيت على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم بالغرق عبرة.
قوله تعالى ﴿ وإبراهيم ﴾ أي وأرسلنا إبراهيم ﴿ إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ﴾ أي أطيعوا الله وخافوه ﴿ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾ أي ما هو خير لكم مما هو شر لكم ولكنكم لا تعلمون.
﴿ إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً ﴾ أي تقولون كذباً وقيل تصنعون أصناماً بأيديكم وتسمونها آلهة ﴿ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً ﴾ أي لا يقدرون أن يرزقوكم ﴿ فابتغوا ﴾ أي فاطلبوا ﴿ عند الله الرزق ﴾ فإنه القادر على ذلك ﴿ واعبدوه ﴾ أي وحدوه ﴿ واشكروا له ﴾ لأنه المنعم عليكم الرزق ﴿ إليه ترجعون ﴾ أي في الآخرة.
﴿ وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ﴾ أي مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم فأهلكهم الله ﴿ وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾.
أي في الآخرة وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ أي مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم فأهلكهم الله وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ١٩ الى ٢٩]
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)
أَوَلَمْ يَرَوْا قيل هذه الآيات إلى قوله فما كان جواب قومه يحتمل أن تكون من تمام قول إبراهيم لقومه وقيل إنها وقعت معترضة في قصة إبراهيم وهي في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ومعنى أو لم يروا أو لم يعلموا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ أي يخلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثُمَّ يُعِيدُهُ أي في الآخرة عند البعث إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي الخلق الأول والخلق الثاني قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ أي ثم إن الله الذي خلقهم ينشئهم نشأة ثانية بعد الموت والمعنى فكما لم يتعذر عليه إحداثهم مبدئا كذلك لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيدا بعد الموت ثانيا إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي من البداءة والإعادة يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا منه وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ تفضلا وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ أي تردون وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ قيل معناه ولا من في السماء بمعجزين والمعنى أنه لا بعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء وقيل معنى قوله ولا في السماء لو كنتم فيها وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ أي يمنعكم مني وَلا نَصِيرٍ أي ينصركم من عذابي وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني بالقرآن وَلِقائِهِ أي البعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي يعني الجنة وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فهذا آخر الآيات في تذكير أهل مكة ثم عاد إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال تعالى فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ قال ذلك بعضهم لبعض وقيل قال الرؤساء للأتباع اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ أي بأن جعلها بردا وسلاما قيل إن ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون وَقالَ يعني إبراهيم لقومه إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة وقيل معناه إنكم تتوادون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ
﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ﴿ ثم الله ينشىء النشأة الآخرة ﴾ أي ثم إن الله الذي خلقهم ينشئهم نشأة ثانية بعد الموت والمعنى فكما لم يتعذر عليه إحداثهم مبدئاً كذلك لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيداً بعد الموت ثانياً ﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ أي من البداءة والإعادة.
﴿ يعذب من يشاء ﴾ عدلاً منه ﴿ ويرحم من يشاء ﴾ تفضلاً ﴿ وإليه تقلبون ﴾ أي تردون.
﴿ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ﴾ قيل معناه ولا من في السماء بمعجزين والمعنى أنه لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء وقيل معنى قوله ولا في السماء لو كنتم فيها ﴿ وما لكم من دون الله من ولي ﴾ أي يمنعكم مني ﴿ ولا نصير ﴾ أي ينصركم من عذابي.
﴿ والذين كفروا بآيات الله ﴾ يعني القرآن ﴿ ولقائه ﴾ أي البعث ﴿ أولئك يئسوا من رحمتي ﴾ يعني الجنة ﴿ وأولئك لهم عذاب أليم ﴾ فهذا آخر الآيات في تذكير أهل مكة.
ثم عاد إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال تعالى ﴿ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو احرقوه ﴾ قال ذلك بعضهم لبعض وقيل قال الرؤساء للأتباع ﴿ اقتلوه أو حرقوه ﴾ ﴿ فأنجاه الله من النار ﴾ أي بأن جعلها برداً وسلاماً قيل إن في ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ يصدقون.
﴿ وقال ﴾ يعني إبراهيم لقومه ﴿ إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ﴾ أي ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة وقيل معناه إنكم تتوادون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا ﴿ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ﴾ تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة ﴿ ومأواكم النار ﴾ يعني العابدين والمعبودين جميعاً ﴿ وما لكم من ناصرين ﴾ أي مانعين من عذابه.
﴿ فآمن له لوط ﴾ أي صدقه برسالته لما رأى معجزاته وهو أول من صدق إبراهيم وأما في أصل التوحيد فإنه كان مؤمناً لأن الأنبياء لا يتصور فيهم الكفر ﴿ وقال ﴾ يعني إبراهيم ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ إلى حيث أمرني ربي فهاجر من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم هاجر إلى الشام ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر إلى الله تعالى وترك بلده وسار إلى حيث أمره الله بالمهاجرة إليه. قيل هاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة ﴿ إنه هو العزيز ﴾ أي الذي لا يغلب والذي يمنعني من أعدائي ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا يأمرني إلا بما يصلحني.
قوله تعالى ﴿ ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ﴾ يقال إن الله تعالى لم يبعث نبياً بعد إبراهيم إلا من نسله ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ هو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه ويحبونه ويحبون الصلاة عليه والذرية الطيبة والنبوة من نسله هذا له في الدنيا ﴿ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾ أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس مثل آدم ونوح.
قوله عز وجل ﴿ ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ﴾ أي الفعلة القبيحة ﴿ ما سبقكم بها من أحد من العالمين ﴾ أي لم يفعلها أحد من قبلكم.
ثم فسر الفاحشة فقال ﴿ أئنكم لتأتون الرجال ﴾ يعني أنكم تقضون الشهوة من الرجال ﴿ وتقطعون السبيل ﴾ وذلك أنهم كانوا يأتون الفاحشة بمن مر بهم من المسافرين فترك الناس الممر بهم لأجل ذلك وقيل معناه تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء ﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ أي مجالسكم والنادي مجلس القوم ومتحدثهم عن أم هانئ بنت أبي طالب عن النبي صلى الله عليه سلم في قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال « كانوا يحذفون أهل الأرض ويسخرون منهم » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب الحذف هو رمي الحصى بين الأصابع قيل إنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه قال : أنا أولى به وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم وقيل إنهم كانوا يجامعون بعضهم بعضاً في مجالسهم وقيل إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم وعن عبد الله بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض. وقيل كان أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير والحذف والرمي بالجلاهق واللوطية ﴿ فما كان جواب قومه ﴾ أي لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح ﴿ إلا أن قالوا ﴾ أي استهزاء ﴿ ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ﴾ أي إن العذاب نازل بنا.
وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة وَمَأْواكُمُ النَّارُ يعني العابدين والمعبودين جميعا وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي مانعين من عذابه فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ أي صدقه برسالته لما رأى معجزاته وهو أول من صدق إبراهيم وأما في أصل التوحيد فإنه كان مؤمنا لأن الأنبياء لا يتصور فيهم الكفر وَقالَ يعني إبراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إلى حيث أمرني ربي فهاجر من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم هاجر إلى الشام ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر إلى الله تعالى وترك بلده وسار إلى حيث أمره الله بالمهاجرة إليه. قيل هاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ أي الذي لا يغلب والذي يمنعني من أعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يأمرني إلا بما يصلحني.
قوله تعالى وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ يقال إن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا هو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه ويحبونه ويحبون الصلاة عليه والذرية الطيبة والنبوة من نسله هذا له في الدنيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس مثل آدم ونوح. قوله عز وجل وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أي الفعلة القبيحة ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي لم يفعلها أحد قبلكم ثم فسر الفاحشة فقال أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ يعني أنكم تقضون الشهوة من الرجال وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وذلك أنهم كانوا يأتون الفاحشة بمن مر بهم من المسافرين فترك الناس الممر بهم لأجل ذلك وقيل معناه تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ أي مجالسكم والنادي مجلس القوم ومتحدثهم عن أم هانئ بنت أبي طالب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله وتأتون في دنياكم المنكر قال «كانوا يحذفون أهل الأرض ويسخرون منهم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب الحذف هو رمي الحصى بين الأصابع قيل إنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه قال: أنا أولى به وقيل: إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم وقيل إنهم كانوا يجامعون بعضهم بعضا في مجالسهم وقيل إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم وعن عبد الله بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض. وقيل كان أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير والحذف والرمي بالجلاهق واللوطية فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ أي لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح إِلَّا أَنْ قالُوا أي استهزاء ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي إن العذاب نازل بنا فعند ذلك
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٣٠ الى ٤٠]
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤)
وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩)
فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)
قوله عز وجل ﴿ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ﴾ أي من الله بإسحاق ويعقوب ﴿ قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ﴾ أي قوم لوط والقرية سدوم ﴿ إن أهلها كانوا ظالمين ﴾.
﴿ قال ﴾ يعني إبراهيم إشفاقاً على لوط وليعلم حاله ﴿ إن فيها لوطاً قالوا ﴾ أي قالت الملائكة ﴿ نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ﴾ أي من الباقين في العذاب.
﴿ ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم ﴾ أي ظنهم من الإنس فخاف عليهم ومعناه أنه جاءه ما ساءه ﴿ وضاق بهم ذرعاً ﴾ أي عجز عن تدبير أمرهم فحزن لذلك ﴿ وقالوا لا تخف ﴾ أي من قومك ﴿ ولا تحزن ﴾ علينا ﴿ إنا منجوك وأهلك ﴾ أي إنا مهلكوهم ومنجوك وأهلك ﴿ إلا امرأتك كانت من الغابرين ﴾.
﴿ إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً ﴾ أي عذاباً ﴿ من السماء ﴾ قيل هو الخسف والحصب بالحجارة ﴿ بما كانوا يفسقون ﴾.
﴿ ولقد تركنا منها ﴾ أي من قريات لوط ﴿ آية بينة ﴾ أي عبرة ظاهرة ﴿ لقوم يعقلون ﴾ يعني أفلا يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول قال ابن عباس الآية البينة آثار منازلهم الخربة وقيل هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة. وقيل هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض.
قوله تعالى ﴿ وإلى مدين ﴾ أي وأرسلنا إلى مدين ؛ ومدين اسم رجل وقيل اسم المدينة ؛ فعلى القول الأول يكون المعنى وأرسلنا إلى ذرية مدين وأولاده ؛ وعلى القول الثاني وأرسلنا إلى أهل مدين ﴿ أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخرة ﴾ أي افعلوا فعل من يرجو اليوم الآخر وقيل معناه اخشوا اليوم الآخر وخافوه ﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾.
﴿ فكذبوه فأخذتهم الرجفة ﴾ أي الزلزلة وذلك أن جبريل صاح فرجفت الأرض رجفة ﴿ فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾ أي باركين على الركب ميتين.
﴿ وعاداً وثمود ﴾ أي وأهلكنا عاداً وثمود ﴿ وقد تبين لكم ﴾ يا أهل مكة ﴿ من مساكنهم ﴾ أي منازلهم بالحجر واليمن ﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم ﴾ أي عبادتهم لغير الله ﴿ فصدهم عن السبيل ﴾ أي عن سبيل الحق ﴿ وكانوا مستبصرين ﴾ أي عقلاء ذوي بصائر. وقيل كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى وهم على باطل وضلالة والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين.
﴿ وقارون وفرعون وهامان ﴾ أي أهلكنا هؤلاء ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ أي بالدلالات الواضحات ﴿ فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ﴾ أي فائتين من عذابنا.
﴿ فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ﴾ وهم قوم لوط رموا بالحصباء وهي الحصى الصغار ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ يعني ثمود ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ يعني قارون وأصحابه ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ يعني قوم نوح وفرعون وقومه ﴿ وما كان الله ليظلمهم ﴾ أي بالهلاك ﴿ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ أي بالإشراك.
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ أي بتحقيق قولي إن العذاب نازل بهم. قوله عز وجل وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى أي من الله بإسحاق ويعقوب قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ أي قوم لوط والقرية سدوم إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ قالَ يعني إبراهيم إشفاقا على لوط وليعلم حاله إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا أي قالت الملائكة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أي من الباقين في العذاب وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ أي ظنهم من الإنس فخاف عليهم ومعناه أنه جاءه ما ساءه وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي عجز عن تدبير أمرهم فحزن لذلك وَقالُوا لا تَخَفْ أي من قومك وَلا تَحْزَنْ علينا إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ أي إنا مهلكوهم ومنجوك وأهلك إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً أي عذابا مِنَ السَّماءِ قيل هو الخسف والحصب بالحجارة بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها أي من قريات لوط آيَةً بَيِّنَةً أي عبرة ظاهرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يعني أفلا يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول قال ابن عباس الآية البينة آثار منازلهم الخربة وقيل هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة. وقيل هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض. قوله تعالى وَإِلى مَدْيَنَ أي وأرسلنا إلى مدين ومدين اسم رجل وقيل اسم المدينة فعلى القول الأول يكون المعنى وأرسلنا إلى ذرية مدين وأولاده وعلى القول الثاني وأرسلنا إلى أهل مدين أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ أي افعلوا فعل من يرجوا اليوم الآخر وقيل معناه اخشوا اليوم الآخر وخافوه وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الزلزلة وذلك أن جبريل صاح فرجفت الأرض رجفة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ أي باركين على الركب ميتين وَعاداً وَثَمُودَ أي وأهلكنا عادا وثمود وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ يا أهل مكة مِنْ مَساكِنِهِمْ أي منازلهم بالحجر واليمن وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي عبادتهم لغير الله فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي عن سبيل الحق وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ أي عقلاء ذوي بصائر. وقيل كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى وهم على باطل وضلالة والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ أي أهلكنا هؤلاء وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ أي بالدلالات الواضحات فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ أي فائتين من عذابنا فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وهم قوم لوط رموا بالحصباء وهي الحصى الصغار وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ يعني ثمود وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ يعني قارون وأصحابه وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا يعني قوم نوح وفرعون وقومه وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أي بالهلاك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أي بالإشراك. قوله تعالى:
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٤١ الى ٤٥]
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)
380
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً لنفسها تأوي إليه وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حرا ولا بردا فكذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا. وقيل معنى هذا المثل أن المشرك الذي يعبد الأصنام بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل العنكبوت تتخذ بيتا من نسجها بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر فكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت فكذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة الأوثان لأنها لا تضر ولا تنفع وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ أشار إلى ضعفه فإن الريح إذا هبت عليه أو لمسه لامس فلا يبقى له عين ولا أثر فقد صح أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وقد تبين أن دينهم أوهن الأديان لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بلغ هذه الغاية من الوهن إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ هذا توكيد للمثل وزيادة عليه يعني إن الذي يدعون من دونه ليس بشيء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ معناه كيف يجوز للعاقل أن يترك عبادة الله العزيز الحكيم القادر على كل شيء ويشتغل بعبادة من ليس بشيء أصلا وَتِلْكَ الْأَمْثالُ أي الأشباه يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار من هذه الأمة بأحوال كفار الأمم السابقة نَضْرِبُها أي نبينها لِلنَّاسِ أي لكفار مكة وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ يعني ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله عز وجل. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية. وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ قال:
«العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي للحق وإظهار الحق إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي دلالة لِلْمُؤْمِنِينَ على قدرته وتوحيده.
وقوله تعالى اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يعني القرآن وَأَقِمِ الصَّلاةَ فإن قلت: لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة: قلبية وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئا لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمرا فبقي الذكر والعبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ أي ما قبح من الأعمال وَالْمُنْكَرِ أي ما لا يعرف في الشرع. قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعدا. وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال:
«كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم لم يدع من الفواحش شيئا إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال إن صلاته ستنهاه يوما فلم يلبث أن تاب وحسنت حاله» وقيل: معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله:
«إن في الصلاة لشغلا» وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن وعلى هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال: قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته». وفي رواية
«أنه قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه» وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أي أنه أفضل الطاعات. عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله». أخرجه الترمذي وله
381
﴿ إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ﴾ هذا توكيد للمثل وزيادة عليه يعني إن الذي يدعون من دونه ليس بشيء ﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾ معناه كيف يجوز للعاقل أن يترك عبادة الله العزيز الحكيم القادر على كل شيء ويشتغل بعبادة من ليس بشيء أصلاً.
﴿ وتلك الأمثال ﴾ أي الأشباه يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار من هذه الأمة بأحوال كفار الأمم السابقة ﴿ نضربها ﴾ أي نبينها ﴿ للناس ﴾ أي لكفار مكة ﴿ وما يعقلها إلا العالمون ﴾ يعني ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله عز وجل. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية. ﴿ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ﴾ قال :« العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ».
﴿ خلق الله السموات والأرض بالحق ﴾ أي للحق وإظهار الحق ﴿ إن في ذلك لآية ﴾ أي دلالة ﴿ للمؤمنين ﴾ على قدرته وتوحيده.
قوله تعالى ﴿ اتل ما أوحي إليك من الكتاب ﴾ يعني القرآن ﴿ وأقم الصلاة ﴾ فإن قلت : لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط ؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة : قلبية وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئاً لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمراً فبقي الذكر العبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما ﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء ﴾ أي ما قبح من الأعمال ﴿ والمنكر ﴾ أي ما لا يعرف في الشرع. قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعداً. وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال :« كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يدع من الفواحش شيئاً إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن صلاته ستنهاه يوماً فلم يلبث أن تاب وحسن حاله » وقيل : معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله :« إن في الصلاة لشغلاً » وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن وعلى هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم « إن رجل يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته » وفي رواية « أنه قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه » وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ أي أنه أفضل الطاعات. عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله ». أخرجه الترمذي وله عن أبي سعيد الخدري قال :« إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال الذاكرون الله كثيراً قالوا يا رسول الله والغازي في سبيل الله ؟ فقال لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختصب في سبيل الله دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة » ( م ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات » يروي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والتشديد أتم يقال فرد الرجل بتشديد الراء إذا تفقه واعتزل الناس وحده مراعياً للأمر والنهي وقيل هم المتخلفون عن الناس بذكر الله لا يخلطون به غيره ( خ ) عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :« لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده » وروي « أن أعرابياً قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله » وقال ابن عباس : معنى ولذكر الله أكبر ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروى ذلك مرفوعاً عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه سلم وقال ابن عطاء ولذكر الله أكبر أي لن تبقى معه معصية ﴿ والله يعلم ما تصنعون ﴾ يعني لا يخفى عليه شيء من أمركم.
عن أبي سعيد الخدري قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال الذاكرون الله كثيرا قالوا يا رسول الله والغازي في سبيل الله؟ فقال لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب في سبيل الله دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة» (م) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات» يروي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والتشديد أتم يقال فرد الرجل بتشديد الراء إذا تفقه واعتزل الناس وحده مراعيا للأمر والنهي وقيل هم المتخلفون عن الناس بذكر الله لا يخلطون به غيره (خ) عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده». وروي «أن أعرابيا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله» وقال ابن عباس: معنى ولذكر الله أكبر ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروى ذلك مرفوعا عن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال ابن عطاء ولذكر الله أكبر أي لن تبقى معه معصية وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ يعني لا يخفى عليه شيء من أمركم. قوله عز وجل:
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٤٦ الى ٥٣]
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣)
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ أي ولا تخاصموهم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي القرآن والدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه وأراد بهم من قبل الجزية منهم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يعني أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب فافجؤوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ومعنى الآية إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر وقيل هم أهل الحرب ومن لا عهد له. وقيل الآية منسوخة بآية السيف وَقُولُوا أي للذين قبلوا الجزية إذا حدثوكم بشيء مما في كتبكم آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (خ) عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» الآية.
قوله عز وجل وَكَذلِكَ أي كما أنزلنا إليهم الكتاب أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وَمِنْ هؤُلاءِ يعني أهل مكة مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وذلك أن اليهود عرفوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نبي والقرآن حق فجحدوا والجحود إنما يكون بعد المعرفة وَما كُنْتَ تَتْلُوا يا محمد مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ معناه من كتب أي من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب وَلا
قوله عز وجل ﴿ وكذلك ﴾ أي كما أنزلنا إليهم الكتاب ﴿ أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿ ومن هؤلاء ﴾ يعني أهل مكة ﴿ من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ﴾ وذلك أن اليهود عرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي والقرآن حق فجحدوا والجحود إنما يكون بعد المعرفة.
﴿ وما كنت تتلو ﴾ يا محمد ﴿ من قبله من كتاب ﴾ معناه من كتب أي من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب ﴿ ولا تخطه بيمينك ﴾ يعني ولا تكتبه والمعنى لم تكن تقرأ ولم تكتب قبل الوحي ﴿ إذاً لارتاب المبطلون ﴾ معناه لو كنت تكتب أو تقرأ قبل الوحي إليك لارتاب المشركون من أهل مكة، وقالوا إنه يقرأه من كتب الأولين أو ينسخه منها وقيل المبطلون هم اليهود ومعناه أنهم إذاً لشكوا فيه واتهموك وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت.
﴿ بل هو آيات بينات ﴾ يعني القرآن ﴿ في صدور الذين أوتوا العلم ﴾ يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن وقال ابن عباس يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدون نعته وصفته في كتبهم ﴿ وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ﴾ يعني اليهود.
﴿ وقالوا ﴾ يعني كفار مكة ﴿ لولا أنزل عليه آية من ربه ﴾ أي كما أنزل على الأنبياء من قبل وقيل : أراد بالآيات معجزات الأنبياء مثل ناقة صالح ومائدة عيسى ونحو ذلك ﴿ قل إنما الآيات عند الله ﴾ أي هو القادر على إنزالها إن شاء أنزلها ﴿ وإنما أنا نذير مبين ﴾ إي إنما كلفت الإنذار وليس إنزال الآيات بيدي.
﴿ أولم يكفهم أنا أنزلنا ﴾ هذا جواب لقولهم لولا أنزل عليه آية من ربه قال أولم يكفهم أن أنزلنا ﴿ عليك الكتاب يتلى عليهم ﴾ معناه أن القرآن معجزة أتم من معجزة من تقدم من الأنبياء لأن معجزة القرآن تدوم على ممر الدهور والزمان ثابتة لا تضمحل كما نزول كل آية بعد كونها ﴿ إن في ذلك ﴾ يعني القرآن ﴿ لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ أي تذكيراً وعظة لمن آمن به وعمل صالحاً.
﴿ قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً ﴾ قال ابن عباس معناه يشهد لي أني رسوله والقرآن كتابه ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادة الله إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه ﴿ يعلم ما في السموات والأرض ﴾ أي هو المطلع على أمري وأمركم ويعلم حقي وباطلكم لا تخفى عليه خافية ﴿ والذين آمنوا بالباطل ﴾ قال ابن عباس : بغير الله وقيل بعبادة الشيطان وقيل بما سوى الله لأن ما سوى الله باطل ﴿ وكفروا بالله ﴾ فإن قلت من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد. قلت نعم فائدته أن ذكر الثاني لبيان قبح الأول فهو كقول القائل أتقول الباطل وتترك الحق لبيان أن الباطل قبيح ﴿ أولئك هم الخاسرون ﴾ أي المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
قوله عز وجل ﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾ نزلت في النضر بن الحارث حيث قال ﴿ فأمطر علينا حجارة من السماء ﴾ ﴿ ولولا أجل مسمى ﴾ قال ابن عباس ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقيل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب وقيل يوم بدر ﴿ لجاءهم العذاب وليأتينهم ﴾ يعني العذاب، وقيل الأجل ﴿ بغتة وهم لا يشعرون ﴾ بإتيانه.
تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ يعني ولا تكتبه والمعنى لم تكن تقرأ ولم تكتب قبل الوحي إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ معناه لو كنت تكتب أو تقرأ قبل الوحي إليك لارتاب المشركون من أهل مكة، وقالوا إنه يقرأه من كتب الأولين أو ينسخه منها وقيل المبطلون هم اليهود ومعناه أنهم إذا لشكوا فيه واتهموك وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ يعني القرآن فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن وقال ابن عباس يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدون نعته وصفته في كتبهم وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ يعني اليهود وَقالُوا يعني كفار مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ أي كما أنزل على الأنبياء من قبل وقيل: أراد بالآيات معجزات الأنبياء مثل ناقة صالح ومائدة عيسى ونحو ذلك قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ أي هو القادر على إنزالها إن شاء أنزلها وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي إنما كلفت الإنذار وليس إنزال الآيات بيدي أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا هذا جواب لقولهم لولا أنزل عليه آية من ربه قال أولم يكفهم أنا أنزلنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ معناه أن القرآن معجزة أتم من معجزة من تقدم من الأنبياء لأن معجزة القرآن تدوم على ممر الدهور والزمان ثابتة لا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها إِنَّ فِي ذلِكَ يعني القرآن لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي تذكيرا وعظة لمن آمن به وعمل صالحا قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً قال ابن عباس معناه يشهد لي أني رسوله والقرآن كتابه ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادة الله إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي هو المطلع على أمري وأمركم ويعلم حقي وباطلكم لا تخفى عليه خافية وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ قال ابن عباس: بغير الله وقيل بعبادة الشيطان وقيل بما سوى الله لأن ما سوى الله باطل وَكَفَرُوا بِاللَّهِ. فإن قلت من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد. قلت نعم فائدته أن ذكر الثاني لبيان قبح الأول فهو كقول القائل أتقول الباطل وتترك الحق لبيان أن الباطل قبيح أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان. قوله عز وجل وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ نزلت في النضر بن الحارث حيث قال «فأمطر علينا حجارة من السماء» وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى قال ابن عباس ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا استأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقيل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب وقيل يوم بدر لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ يعني العذاب، وقيل الأجل بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه.
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٥٤ الى ٦٠]
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ أعاده تأكيدا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي جامعة لهم لا يبقى منهم أحد إلا دخلها يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ أي يصيبهم مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي جزاء ما كنتم تعملون. قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
قيل نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة يقول الله تعالى إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة فإنها واسعة آمنة، وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله تعالى هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج وقيل المعنى فهاجروا فيها أي فجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير: إذا
﴿ يوم يغشاهم العذاب ﴾ أي يصيبهم ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ أي جزاء ما كنتم تعملون.
قوله تعالى ﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾ قيل نزل في ضعفاء مسلمي أهل مكة يقول الله تعالى إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة فإنها واسعة آمنة، وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله تعالى هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج وقيل المعنى فهاجروا فيها أي فجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير : إذا عملوا في الأرض بالمعاصي فاهربوا منها فإن أرضي واسعة وقيل إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيه بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى بلد تتهيأ له فيها العبادة وقيل معنى إن أرضي واسعة يعني رزقي لكم واسع فاخرجوا.
﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ يعني كل أحد ميت خوفهم بالموت لتهون الهجرة عليهم فلا يقيموا بدار الشرك خوفاً من الموت ﴿ ثم إلينا ترجعون ﴾ فنجزيكم بأعمالكم.
قوله تعالى ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً ﴾ أي علالي جمع غرفة وهي العلية ﴿ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ﴾ أي لله بطاعته.
﴿ الذين صبروا ﴾ على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم وقيل صبروا على الهجرة ومفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ أي يعتمدون على الله في جميع أمورهم.
قوله عز وجل ﴿ وكأين من دابة لا تحمل رزقها ﴾ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون « هاجروا إلى المدينة » فقالوا كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا بها ويسقينا فأنزل الله : وكأين من دابة لا تحمل رزقها أي لا ترفع رزقها معها لضعفها ولا تدخر شيئاً لغد مثل البهائم والطير ﴿ الله يرزقها وإياكم ﴾ حيث كنتم ﴿ وهو السميع ﴾ أي لأقوالكم ﴿ العليم ﴾ بما في قلوبكم عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ». أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ومعناه أنها تذهب أول النهار جياعاً ضامرة البطون وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعاً ممتلئة البطون ولا تدخر شيئاً قال سفيان بن عيينة ليس شيء من خلق الله يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة.
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« أيها الناس ليس من شيء يقاربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي » الروح : بضم الراء وبالعين المهملة هو القلب والعقل وبفتح الراء هو الخوف قال تعالى ﴿ فلما ذهب عن إبراهيم الروع ﴾ أي الخوف « أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ».
عملوا في الأرض بالمعاصي فاهربوا منها فإن أرضي واسعة وقيل إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيه بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى بلد تتهيأ له فيها العبادة وقيل معنى إن أرضي واسعة يعني رزقي لكم واسع فاخرجوا كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ يعني كل أحد ميت خوفهم بالموت لتهون الهجرة عليهم فلا يقيموا بدار الشرك خوفا من الموت ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فنجزيكم بأعمالكم.
قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً أي علالي جمع غرفة وهي العلية تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي لله بطاعته الَّذِينَ صَبَرُوا على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم وقيل صبروا على الهجرة ومفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي يعتمدون على الله في جميع أمورهم. قوله عز وجل وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون
«هاجروا إلى المدينة فقالوا كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا بها ويسقينا فأنزل الله:
وكأين من دابة لا تحمل رزقها أي لا ترفع رزقها معها لضعفها ولا تدخر شيئا لغد مثل البهائم والطير اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ حيث كنتم وَهُوَ السَّمِيعُ أي لأقوالكم الْعَلِيمُ بما في قلوبكم عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقول «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا».
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ومعناه أنها تذهب أول النهار جياعا ضامرة البطون وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعا ممتلئة البطون ولا تدخر شيئا قال سفيان بن عيينة ليس شيء يقاربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي» الروح: بضم الراء وبالعين المهملة هو القلب والعقل وبفتح الراء هو الخوف قال الله تعالى
«فلما ذهب عن إبراهيم الروع» أي الخوف
«أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» قوله عز وجل:
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٦١ الى ٦٩]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعني كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ذكر أمرين أحدهما: إشارة إلى اتحاد الذات والثاني إشارة إلى اتحاد الصفات وهي الحركة في الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
384
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ
قيل معناه أنهم يعتقدون هذا فكيف يصرفون عن عبادة الله مع إقرارهم أنه خلق السموات والأرض اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لما ذكر الخلق ذكر الرزق لأن كمال الخلق ببقائه وبقاء الخلق بالرزق والله تعالى هو المتفضل بالرزق على الخلق فله الفضل والإحسان والطول والامتنان وَيَقْدِرُ لَهُ أي يضيق عليه إذا شاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي يعلم مقادير الحاجات ومقادير الأرزاق وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ذكر سبب الرزق وموجد السبب موجد المسبب فالرزق من الله تعالى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أي على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله تعالى: وقيل قل الحمد لله على إقرارهم ولزوم الحجة عليهم بأنه خالق لهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أي أنهم ينكرون التوحيد مع إقرارهم بأنه خالق هذه الأشياء. قوله تعالى وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ اللهو هو الاستمتاع بلذة الدنيا وقيل هو الاشتغال بما لا يعنيه وما لا يهمه واللعب هو العبث وفي هذا تصغير للدنيا وازدراء بها ومعنى الآية أن سرعة زوال الدنيا عن أهلها وتقلبهم فيها وموتهم عنها كما يلعب الصبيان ساعة ثم ينصرفون وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أي الحياة الدائمة الخالدة التي لا موت فيها لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فناء الدنيا وبقاء الآخرة لما آثروا الفاني على الباقي. قوله عز وجل فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك وخافوا الغرق دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي تركوا الأصنام ولجئوا إلى الله تعالى بالدعاء فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ أي عادوا إلى ما كانوا عليه من الشرك والعناد. وقيل: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا الأصنام فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ أي ليجحدوا نعمة الله في إجابته إياهم ومعناه التهديد والوعيد وَلِيَتَمَتَّعُوا معناه لا فائدة لهم في الإشراك إلا التمتع بما يستمتعون به في العاجلة ولا نصيب لهم في الآخرة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يعني عاقبة أمرهم ففيه تهديد ووعيد. قوله عز وجل أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ يعني العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون أَفَبِالْباطِلِ يعني الشيطان والأصنام يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ أي بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والإسلام يكفرون وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي فزعم أن له شريكا فإنه منزه عن الشركاء أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ أي بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ معناه أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم. قوله عز وجل وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا معناه جاهدوا المشركين لنصر ديننا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا لنثيبنهم ما قاتلوا عليه. وقيل لنزيدنهم هدى وقيل لنوفينهم لإصابة الطرق المستقيمة وهي التي توصل إلى رضا الله تعالى. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وقيل المجاهدة الصبر على الطاعات ومخالفة الهوى وقال الفضيل بن عياض والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العلم والعمل به وقال سهل بن عبد الله والذين جاهدوا فينا بإقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وقال ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ أي بالنصرة والمعونة في دنياهم والمغفرة في عقباهم في الآخرة وثوابهم الجنة والله أعلم.
385
﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ﴾ لما ذكر الخلق ذكر الرزق لأن كمال الخلق ببقائه وبقاء الخلق بالرزق والله تعالى هو المتفضل بالرزق على الخلق فله الفضل والإحسان والطول والامتنان ﴿ ويقدر له ﴾ أي يضيق عليه إذا شاء ﴿ إن الله بكل شيء عليم ﴾ أي يعلم مقادير الحاجات ومقادير الأرزاق.
﴿ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ﴾ ذكر سبب الرزق وموجد السبب موجد المسبب فالرزق من الله تعالى ﴿ قل الحمد لله ﴾ أي على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله تعالى : وقيل قل الحمد لله على إقرارهم ولزوم الحجة عليهم بأنه خالق لهم ﴿ بل أكثرهم لا يعقلون ﴾ أي أنهم ينكرون التوحيد مع إقرارهم بأنه خالق هذه الأشياء.
قوله تعالى ﴿ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ﴾ اللهو هو الاستمتاع بلذة الدنيا وقيل هو الاشتغال بما لا يعنيه وما لا يهمه واللعب هو العبث وفي هذا تصغير للدنيا وازدراء بها ومعنى الآية أن سرعة زوال الدنيا عن أهلها وتقلبهم فيها وموتهم عنها كما يلعب الصبيان ساعة ثم ينصرفون ﴿ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾ أي الحياة الدائمة الخالدة التي لا موت فيها ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ فناء الدنيا وبقاء الآخرة لما آثروا الفاني على الباقي.
قوله عز وجل ﴿ فإذا ركبوا في الفلك ﴾ معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك وخافوا الغرق ﴿ دعوا الله مخلصين له الدين ﴾ أي تركوا الأصنام ولجأوا إلى الله تعالى بالدعاء ﴿ فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾ أي عادوا إلى ما كانوا عليه من الشرك والعناد. وقيل : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا الأصنام فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب.
﴿ ليكفروا بما آتيناهم ﴾ أي ليجحدوا نعمة الله في إجابته إياهم ومعناه التهديد والوعيد ﴿ وليتمتعوا ﴾ معناه لا فائدة لهم في الإشراك إلا التمتع بما يستمتعون به في العاجلة ولا نصيب لهم في الآخرة ﴿ فسوف يعلمون ﴾ يعني عاقبة أمرهم ففيه تهديد ووعيد.
قوله عز وجل ﴿ أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا ويتخطف الناس من حولهم ﴾ يعني العرب يسبي بعضهم بعضاً وأهل مكة آمنون ﴿ أفبالباطل ﴾ يعني الشيطان والأصنام ﴿ يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ﴾ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم والإسلام يكفرون.
﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ﴾ أي فزعم أن له شريكاً فإنه منزه عن الشركاء ﴿ أو كذب بالحق ﴾ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ﴿ لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ﴾ معناه أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم.
قوله عز وجل ﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾ معناه جاهدوا المشركين لنصر ديننا ﴿ لنهدينهم سبلنا ﴾ لنثيبنهم ما قاتلوا عليه. وقيل لنزيدنهم هدى وقيل لنوفينهم لإصابة الطرق المستقيمة وهي التي توصل إلى رضا الله تعالى. قال سفيان بن عيينة : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإن الله تعالى يقول :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ وقيل المجاهدة الصبر على الطاعات ومخالفة الهوى وقال الفضيل بن عياض والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العلم والعمل به وقال سهل بن عبد الله والذين جاهدوا فينا بإقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وقال ابن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا ﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ أي بالنصرة والمعونة في دنياهم والمغفرة في عقباهم في الآخرة وثوابهم الجنة والله أعلم.