تفسير سورة الصف

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الصف من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الصف مكية وهي أربع عشرة آية وفيها ركوعان.

بسم الله الرحمن الرحيم :
﴿ سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ﴾ قد مر مرارا تفسيره.
﴿ يا أيها الذين آمنوا لم ﴾ حذف ألف ما الاستفهامية إذا كانت مع حرف الجر أكثر من إثباتها ﴿ تقولون ما لا تفعلون ﴾.
﴿ كبر مقتا ﴾ المقت أشد البغض منصوب بالتمييز، ﴿ عند الله أن تقولوا ﴾ فاعل كبر، ﴿ ما لا تفعلون ﴾ في هذا الأسلوب من الكلام ما لا يخفى من المبالغة نزلت في جماعة قالوا : لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أنه الجهاد، فلما فرض نكل عنه بعضهم، وكرهوا، أو نزلت لما التمسوا الجهاد فابتلوا به، فولوا يوم أحد مدبرين، أو في قوم قالوا : قاتلنا طعنا ضربنا صبرنا، وهم كاذبون، أو في المنافقين يعدون نصر المؤمنين ولا يفون، وعلى أي ففيه وعيد شديد لمخلف الوعد والعهد.
﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ﴾ مصطفين، ﴿ كأنهم بنيان مرصوص١ قد رص بعضه ببعض فليس فيه فرجة حال من ضمير صفا.
١ ولما ذكر محبة الله للمقاتلين ذكر ما يدل على التمرد عن النصرة والجهاد فقال:﴿وإذا قال موسى لقومه﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ وإذ قال موسى ﴾ أي اذكر للتسلية، ﴿ لقومه يا قوم لم تؤذونني١ وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ﴾ لظهور المعجزات، ﴿ فلما زاغوا ﴾ صرفوا عن الحق مع علمهم ﴿ أزاغ الله قلوبهم ﴾ عن الهدى وأسكنها الشك والحيرة، ﴿ والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ أي : من سبق في علمه أنه فاسق.
١ قالوا إنه آدر أي: منتفخ الخصية ليس كذلك وكذبوه/١٢ جلالين..
﴿ وإذا قال عيسى ابن مريم١ يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا ﴾ منصوب بما في الرسول من معنى الإرسال أي : أرسلت في حال تصديقي وتبشيري ﴿ برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد٢ فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا ﴾ إشارة إلى ما جاء به ﴿ سحر مبين ﴾.
١ لم يقل يا قوم لأنهم لم يعترفوا بأنه نبي الله إليهم، أو لأن أبا موسى منهم بخلافه عليهما الصلاة والسلام/١٢ وجيز..
٢ وفي حديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما " إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحوا الله بي الكفر وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي"..
﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ﴾ أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله حال كونه مدعوا بلسان نبيه إلى سعادة الدارين وهي الإسلام، ﴿ والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾.
﴿ يريدون ليطفئوا ﴾ أصله أن يطفئوا فزيدت اللام تأكيدا لمعنى الإرادة كما في لا أبا لك تأكيدا لمعنى الإضافة ﴿ نور الله بأفواههم١ والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾ إتمامه.
١ شبهت ومثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، فيكون تهكما بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في الإسلام هذا سحر/١٢ منه..
﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ﴾ بالقرآن والمعجزة، ﴿ ودين الحق ليظهره على الدين كله ﴾ ليعلي دين الحق على سائر الأديان أو رسوله على أهل الأديان، ﴿ ولو كره المشركون ١ قد فسرنا الآيتين في سورة براءة.
١ ذكر المشركون في الثاني لأن استيلاء قريب على سائر الأقارب أشد عليهم وهم أكثر حسدا عليه من غيرهم أما إتمام نوره بإبقاء دينه فالمشرك وغيره على السواء والكافر يطلق على الأعم غالبا/١٢ وجيز..
﴿ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ﴾ عذاب الله مطلقا.
﴿ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ﴾ استئناف مبين للتجارة فإنهم قالوا : دلنا يا رب ﴿ ذلكم ﴾ أي الإيمان والجهاد، ﴿ خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾ لستم جاهلين.
﴿ يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ﴾ جواب للأمر المذكور بلفظ الخبر١ للمبالغة قيل : جواب للشرط أي : إن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم والجنة العدن قد مر.
١ يعني تؤمنون وتجاهدون خبر لفظا أمر حقيقة ومعنى/١٢ منه..
﴿ وأخرى ﴾ أي : ولكم نعمة أخرى ﴿ تحبونها ﴾ فإن أمور العاجل محبوب على النفوس، ﴿ نصر من الله ﴾ بدل أو بيان ﴿ وفتح قريب ﴾ عاجل، ﴿ وبشر المؤمنين ﴾ يا محمد بثواب الدارين عطف على تؤمنون ؛ لأنه بمعنى آمنوا فإن قوله :﴿ يا أيها١ الذين آمنوا ﴾ متناول للنبي عليه السلام وأمته فقد دل على تجارته وتجارتهم، أو يكون جوابا للسؤال وزيادة، كأنهم قالوا : دلنا يا ربنا، فقيل : آمنوا ؛ يكن لكم كذا، وبشرهم يا محمد بثوبته، وقيل : عطف على محذوف، أي : قل يا أيها الذين آمنوا، وبشر أو أبشر وبشر.
١ إشارة إلى دفع اعتراض هو أن المخاطبين في تؤمنون هم المؤمنون وفي بشر هو النبي عليه الصلاة والسلام، وقوله: تؤمنون بيان لما قبله على طريق الاستئناف، فكيف يصح عطف وبشر عليه؟ فأجاب بأجوبة أربعة فتأمل /١٢ منه..
﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ﴾ أي : من جندي متوجها إلى نصرة الله، ﴿ قال الحواريون نحن أنصار الله ﴾ يعني كونوا أنصاره، مثل كون الحواريين أنصار١ الله وقت قول عيسى : من أنصاري إلى الله، فما مصدرية، وهي مع صلتها ظرف، وهو كقولهم : ما رأيت رجلا كاليوم. أي : كرجل رأيته اليوم. حذف الموصوف مع صفته، واكتفى بالظرف عنهما، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقيل تقديره : قل لهم كما قال عيسى، ﴿ فآمنت طائفة من بني إسرائيل ﴾ بعيسى ﴿ وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنا على عدوهم ﴾ بالغلبة والاستيلاء، ﴿ فأصبحوا ظاهرين ﴾ غالبين وذلك بعد رفع عيسى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال السلف : لم يزل دين عيسى طامسا، حتى بعث الله محمدا، فآمن المؤمنون بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة السلام، فصاروا ظاهرين إلى آخر الأمر، فيقاتل المسيح الدجال.
والحمد لله رب العالمين.
١ هذا وجه صحة التشبيه؛ لأن ظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى، وهو ليس كذلك فافهم/ ١٢منه..
Icon