تفسير سورة سورة الصف من كتاب التفسير المنير
.
لمؤلفه
وهبة الزحيلي
.
المتوفي سنة 1436 هـ
ﰡ
فضلها:
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن سلام قال: تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله؟ فلم يقم أحد منا، فأرسل رسول الله ﷺ إلينا رجلا رجلا، فجمعنا، فقرأ علينا هذه السورة، يعني سورة الصف كلها.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام أيضا قال: قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه، فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال عبد الله بن سلام، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعوة إلى القتال في سبيل الله صفا واحدا
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١ الى ٤]
الإعراب:
كَبُرَ مَقْتاً مَقْتاً: تمييز منصوب، وفاعل كَبُرَ يفهم بالتفسير، وتقديره: كبر المقت مقتا، مثل كَبُرَتْ كَلِمَةً [الكهف ١٨/ ٥]. وأَنْ تَقُولُوا مرفوع على الابتداء، وكَبُرَ مَقْتاً: خبر مقدم، وتقديره: قولكم ما لا تفعلون كبر مقتا، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو أن تقولوا ما لا تفعلون، أو هو فاعل كَبُرَ.
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن سلام قال: تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله؟ فلم يقم أحد منا، فأرسل رسول الله ﷺ إلينا رجلا رجلا، فجمعنا، فقرأ علينا هذه السورة، يعني سورة الصف كلها.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام أيضا قال: قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه، فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال عبد الله بن سلام، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعوة إلى القتال في سبيل الله صفا واحدا
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)الإعراب:
كَبُرَ مَقْتاً مَقْتاً: تمييز منصوب، وفاعل كَبُرَ يفهم بالتفسير، وتقديره: كبر المقت مقتا، مثل كَبُرَتْ كَلِمَةً [الكهف ١٨/ ٥]. وأَنْ تَقُولُوا مرفوع على الابتداء، وكَبُرَ مَقْتاً: خبر مقدم، وتقديره: قولكم ما لا تفعلون كبر مقتا، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو أن تقولوا ما لا تفعلون، أو هو فاعل كَبُرَ.
159
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ صَفًّا: منصوب على المصدر في موضع الحال، وكَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ: في موضع نصب على الحال من واو يُقاتِلُونَ أي يقاتلون مشبهين بنيانا مرصوصا.
البلاغة:
لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ استفهام بأسلوب التوبيخ والإنكار، وما في قوله لِمَ استفهامية حذفت ألفها تخفيفا.
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ بعد قوله: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ إطناب بتكرار اللفظ لبيان شدة قبح ما فعلوا. وقوله: تَقُولُوا وتَفْعَلُونَ بينهما طباق.
كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ تشبيه مرسل مفصّل، حذف منه وجه الشبه، أي في المتانة والالتئام.
المفردات اللغوية:
سَبَّحَ لِلَّهِ نزهه ومجده ودل عليه، واللام مزيدة. ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جيء بقوله ما وليس (من) تغليبا للأكثر. وَهُوَ الْعَزِيزُ القوي الغالب القاهر في ملكه. الْحَكِيمُ
في صنعه وتدبير أمور خلقه.
لِمَ تَقُولُونَ لِمَ مركبة من لام الجر وما الاستفهامية، والأكثر حذف ألفها مع حرف الجر تخفيفا لكثرة استعمالهما معا ودلالتهما على المستفهم عنه، أي لأي شيء تقولون: قد فعلنا، مع أنكم لم تفعلوا، والمقصود التأنيب والتوبيخ على المغالطة والكذب في طلب الجهاد وغيره، مع أنهم انهزموا يوم أحد. كَبُرَ عظم. مَقْتاً المقت: أشد البغض. يُحِبُّ يرضى ويكرم وينصر. صَفًّا أي صافين. مَرْصُوصٌ متراص من غير فرجة أو متلاصق محكم، والرص:
اتصال أجزاء البناء وإحكامه.
سبب نزول الآية (١، ٢) :
أخرج الترمذي كما تقدم والحاكم وصححه والدارمي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ فقرأها
البلاغة:
لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ استفهام بأسلوب التوبيخ والإنكار، وما في قوله لِمَ استفهامية حذفت ألفها تخفيفا.
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ بعد قوله: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ إطناب بتكرار اللفظ لبيان شدة قبح ما فعلوا. وقوله: تَقُولُوا وتَفْعَلُونَ بينهما طباق.
كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ تشبيه مرسل مفصّل، حذف منه وجه الشبه، أي في المتانة والالتئام.
المفردات اللغوية:
سَبَّحَ لِلَّهِ نزهه ومجده ودل عليه، واللام مزيدة. ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جيء بقوله ما وليس (من) تغليبا للأكثر. وَهُوَ الْعَزِيزُ القوي الغالب القاهر في ملكه. الْحَكِيمُ
في صنعه وتدبير أمور خلقه.
لِمَ تَقُولُونَ لِمَ مركبة من لام الجر وما الاستفهامية، والأكثر حذف ألفها مع حرف الجر تخفيفا لكثرة استعمالهما معا ودلالتهما على المستفهم عنه، أي لأي شيء تقولون: قد فعلنا، مع أنكم لم تفعلوا، والمقصود التأنيب والتوبيخ على المغالطة والكذب في طلب الجهاد وغيره، مع أنهم انهزموا يوم أحد. كَبُرَ عظم. مَقْتاً المقت: أشد البغض. يُحِبُّ يرضى ويكرم وينصر. صَفًّا أي صافين. مَرْصُوصٌ متراص من غير فرجة أو متلاصق محكم، والرص:
اتصال أجزاء البناء وإحكامه.
سبب نزول الآية (١، ٢) :
أخرج الترمذي كما تقدم والحاكم وصححه والدارمي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ فقرأها
160
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى ختمها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه
، قال:
كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لا شك فيه، وجهاد لأهل معصيته الذين جحدوا الإيمان به، وإقرار برسالة نبيه صلى الله عليه وسلّم، فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الله الآية «١».
ويؤيد ذلك قول عبد الله بن رواحة: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله، لعملناه، فلما نزل الجهاد كرهوه.
التفسير والبيان:
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي نزّه الله ومجده لعظمته وقدرته ووحدانيته وجميع صفات كماله جميع ما في السموات وما في الأرض من العقلاء وغير العقلاء، وهو القوي الغالب القاهر فوق عباده الذي لا يغالب، الحكيم في أفعاله وأقواله، وفي تدبير خلقه وتصريف أمورهم وإرشادهم.
وفيه الإرشاد إلى مشروعية التسبيح في كل الأوقات، ثم أرشد خلقه إلى فضائل الأخلاق والأعمال، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ أي يا أيها المؤمنون بالله ورسوله، لأي شيء تقولون قولا وتخالفونه عملا. وهذا إنكار على من يعد وعدا، أو يقول قولا لا يفي به، قال ابن كثير: ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا، سواء ترتب عليه غرم للموعود أم لا، واحتجوا أيضا من السنة بما
ثبت في الصحيحين أن
، قال:
كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لا شك فيه، وجهاد لأهل معصيته الذين جحدوا الإيمان به، وإقرار برسالة نبيه صلى الله عليه وسلّم، فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الله الآية «١».
ويؤيد ذلك قول عبد الله بن رواحة: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله، لعملناه، فلما نزل الجهاد كرهوه.
التفسير والبيان:
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي نزّه الله ومجده لعظمته وقدرته ووحدانيته وجميع صفات كماله جميع ما في السموات وما في الأرض من العقلاء وغير العقلاء، وهو القوي الغالب القاهر فوق عباده الذي لا يغالب، الحكيم في أفعاله وأقواله، وفي تدبير خلقه وتصريف أمورهم وإرشادهم.
وفيه الإرشاد إلى مشروعية التسبيح في كل الأوقات، ثم أرشد خلقه إلى فضائل الأخلاق والأعمال، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ أي يا أيها المؤمنون بالله ورسوله، لأي شيء تقولون قولا وتخالفونه عملا. وهذا إنكار على من يعد وعدا، أو يقول قولا لا يفي به، قال ابن كثير: ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا، سواء ترتب عليه غرم للموعود أم لا، واحتجوا أيضا من السنة بما
ثبت في الصحيحين أن
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٣٥٨
161
رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان».
وفي الحديث الآخر في الصحيح: «أربع من كنّ فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها»
فذكر منهن إخلاف الوعد.
وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا أدخل الواعد الموعود به في ورطة، وجب الوفاء به، كما لو قال لغيره: تزوج ولك علي كل يوم كذا، فتزوج وجب عليه أن يعطيه، ما دام كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي، وهو مبني على المضايقة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب ديانة مطلقا الوفاء بالوعد، وإن كان يجب ديانة ومروءة، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، قُلْ: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء ٤/ ٧٧- ٧٨] وقال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا: نُزِّلَتْ سُورَةٌ؟ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [محمد ٤٧/ ٢٠].
ثم ذمّهم سبحانه على مخالفة القول العمل، فقال:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ أي عظم جرما أن تقولوا قولا وتفعلون غيره، فإن خلف الوعد دليل على حب الذات (الأنانية) وإهدار لمصلحة وكرامة ووقت الآخرين، وإخلال بالثقة بين الأفراد والجماعات،
وفي الحديث الآخر في الصحيح: «أربع من كنّ فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها»
فذكر منهن إخلاف الوعد.
وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا أدخل الواعد الموعود به في ورطة، وجب الوفاء به، كما لو قال لغيره: تزوج ولك علي كل يوم كذا، فتزوج وجب عليه أن يعطيه، ما دام كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي، وهو مبني على المضايقة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب ديانة مطلقا الوفاء بالوعد، وإن كان يجب ديانة ومروءة، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، قُلْ: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء ٤/ ٧٧- ٧٨] وقال تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا: نُزِّلَتْ سُورَةٌ؟ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [محمد ٤٧/ ٢٠].
ثم ذمّهم سبحانه على مخالفة القول العمل، فقال:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ أي عظم جرما أن تقولوا قولا وتفعلون غيره، فإن خلف الوعد دليل على حب الذات (الأنانية) وإهدار لمصلحة وكرامة ووقت الآخرين، وإخلال بالثقة بين الأفراد والجماعات،
162
وما أسوأ خلف الوعد وأقبح بصاحبه، لذا كان مبغوضا عند الله أشد البغض ومعاقبا عليه، كما هو مبغوض مستنكر مذموم عند الناس جميعا.
وفي مقابل ذم التاركين للقتال الهاربين منه، مدح الله تعالى الذين أقدموا على القتال، فقال:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ أي إن الله يرضى عن المقاتلين، ويثيب ثوابا جزيلا الذين يقاتلون في سبيل الله، صافّين أنفسهم صفا واحدا، وكتلة متراصة لا تتزحزح من المواقع، كأنهم بناء راسخ شامخ ملتزق بعضه ببعض دون فرج كقطعة واحدة.
وهذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم، وحث على الجهاد بأسلوب آخر، ودليل على قوتهم وشدتهم في أمر الله، دون تراخ فيهم، وإشارة إلى إحكام أمر القتال، وتنفيذ مهمة الجهاد بدقة وإتقان، وتضامن واجتماع حازم على وحدة الكلمة، وإمضاء الأمر بعزيمة لا تعرف اللين، وهمة لا تردد فيها، ولقاء للعدو بقلوب ثابتة راسخة لا تخاف ولا تخشى الموت. وهكذا تبني الأمم القوية أمجادها، وتثبت هيبتها وشخصيتها الذاتية، وتنتزع احترام الآخرين لها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- إن تسبيح الله وتنزيهه وتمجيده من جميع ما في السموات وما في الأرض دليل على الربوبية والوحدانية والعظمة والقدرة والاتصاف بجميع صفات الكمال.
٢- توجب آية:
وفي مقابل ذم التاركين للقتال الهاربين منه، مدح الله تعالى الذين أقدموا على القتال، فقال:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ أي إن الله يرضى عن المقاتلين، ويثيب ثوابا جزيلا الذين يقاتلون في سبيل الله، صافّين أنفسهم صفا واحدا، وكتلة متراصة لا تتزحزح من المواقع، كأنهم بناء راسخ شامخ ملتزق بعضه ببعض دون فرج كقطعة واحدة.
وهذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم، وحث على الجهاد بأسلوب آخر، ودليل على قوتهم وشدتهم في أمر الله، دون تراخ فيهم، وإشارة إلى إحكام أمر القتال، وتنفيذ مهمة الجهاد بدقة وإتقان، وتضامن واجتماع حازم على وحدة الكلمة، وإمضاء الأمر بعزيمة لا تعرف اللين، وهمة لا تردد فيها، ولقاء للعدو بقلوب ثابتة راسخة لا تخاف ولا تخشى الموت. وهكذا تبني الأمم القوية أمجادها، وتثبت هيبتها وشخصيتها الذاتية، وتنتزع احترام الآخرين لها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- إن تسبيح الله وتنزيهه وتمجيده من جميع ما في السموات وما في الأرض دليل على الربوبية والوحدانية والعظمة والقدرة والاتصاف بجميع صفات الكمال.
٢- توجب آية:
لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً | على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها، فإن من التزم شيئا لزمه شرعا. |