سورة الصف
مدنية
سورة الصف مدنية عند قتادة ومكية عند ابن عباس١.
وجاء في زاد المسير ٨/٢٤٩، "ويقال لها سورة الحواريين وفيها قولان أحدهما: مدنية، قاله ابن عباس، والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والجمهور، والثاني مكية قاله ابن يسار"..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الصفمدنية
سورة الصف مدنية عند قتادة عند ابن عباس
قوله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ إلى قوله: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآيات [١ - ١٢].
معناه صلى وسجد لله طائعاً أو كارهاً ما في السماوات وما في الأرض.
﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي: العزيز في انتقامه ممن عصاه، الحكيم في تدبيره خلقه.
هذا تأديب وتوبيخ للمؤمنين، وروي عن ابن عباس أنهم كانوا يقولون قبل أن يفرض الجهاد الجهاد لو نعلم (أحب الأعمال) إلى الله تعالى لأتيناه ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا فلما كان يوم أحد
قوله: ﴿أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ " أَنْ " في موضع رفع بالابتداء، كما تقول نِعمَ رجلاً زيداً وفي موضع رفع على إضمار مبتدأ.
فالمعنى: لِمَ تقولون / قولاً ولا تصدقوه بالفعل، عظم المقت عند الله مقتاً قولكم / ما لا تفعلون.
وعن ابن عباس: أن ناساً من المؤمنين كانوا يقولون قبل فرض الجهاد لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله تعالى نبيه ﷺ أن أحب الأعمال إليه. إيمان بالله لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين لم يقروا به، فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المسلمين وشق عليهم أمره، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة، قالوا: في مجلس لو نعلم أيّ الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناها حتى نموت، فأنزل الله تعالى فيهم هذا، فقال عبد الله بن رواحة: لا أبرح حبيساً في سبيل الله تعالى حتى أموت فقُتِل شهيداً C.
وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون. فيكون التقدير على هذا القول: يأيها الذين حكم لهم بحكم الإيمان.
قال: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ﴾ المحبة من الله تعالى قبول الأعمال، والإثابة عليه، أي: إن الله يقبل عمل الذين يقاتلون أعداءه على الدخول في دينه مصطفين كأنهم بنيان مرصوص، كأنهم في اصطفافهم حيطان مبنية / قَدْ رُصَّ بناؤها وأحكم في استوائه.
وقيل: ﴿مَّرْصُوصٌ﴾: بني بالرصاص.
قال قتادة: لا يحب صاحب البنيان أن يختلف بناؤه، كذلك تعالى ذكره لا يختلف أمره.
وقيل: أن الآية تدل على أن القتال راجلاً أحب إليه من القتال فارساً.
قال: ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ﴾.
واذكر يا محمد إذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون حقاً أني رسول الله إليكم.
﴿فَلَمَّا زاغوا﴾ أي: عدلوا عن الحق، وجاروا عن الهدى، أزاغ الله قلوبهم؛ أي: أمالها عن الحق، وقيل عن الثواب.
وقال أبو أمامة: هم الخوارج.
وعن سعد بن أبي وقاص: هم الحَرُورِية.
ثم قال: ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾ (أي: لا يوفق للصواب) من خرج عن الإيمان إلى الكفر.
قال: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم﴾.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي: فلما جاء أحمد لبني إسرائيل بالعلامات الظاهرات الدالات على نبوته، قالوا هذا الذي جئتنا به سحر ظاهر، ومن قرأ " ساحر " فمعناه: قالوا هذا الذي جاءنا هو ساحر بين.
قال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب﴾ أي: لا أحد أظلم ممن اخترق على الله سبحانه الكذب، وهو قولهم للنبي ﷺ، ساحر وشاعر إذ دعاهم إلى الإسلام، يقولون له ذلك حين دعاهم إلى الدخول في الإسلام.
ثم قال: ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي: لا يوفقهم إلى الهدى.
قال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بأفواههم﴾ أي: يريد هؤلاء القائلون بمحمد ﷺ لما دعاهم إلى الإسلام ساحر وشاعر ليبطلوا الحق الذي جاءهم به من عند الله تعالى بقولهم إنه ساحر وأن ما جاء به سحر. /
قال: ﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق﴾ أي: الله الذي أرسل محمداً ﷺ بالهدى، وهو بيان الحق ودين الحق، وهو دين الله تعالى يعني به الإسلام.
﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ أي: ليظهر دينه وهو الإسلام على الأديان كلها ويعليه، وذلك فيما روي عند نزول عيسى / ﷺ تصير الملة واحدة، فَلاَ يكون دين غير دين الإسلام.
روي عن أبي هريرة رضي الله عنهـ أنه قال: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ هو خروج عيسى بن مريم ﷺ.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " قال رسول الله ﷺ لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى، قالت: فقلت يا رسول الله إن كنت لأَظن حين أنزل الله تعالى
أي: ينجيكم قبولها والعمل بها من عذاب مؤلم، أي: موجع، ثم بين التجارة ما هي، فقال:
﴿تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾ أي: تدومون على الإيمان بالله ورسوله، وتجاهدون أعداء الله بأموالكم وأنفسكم.
ويروى أن أصحاب النبي ﷺ قالوا: لوددنا أن نجد عملاً نعمله يدخلنا الله به الجنة، فنزلت الآية.
ثم قال: ﴿ذَلِكُمْ / خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: قبول ذلك وفعله خير لكم عاقبة إن كنتم تعلمون حسن العاقبة من سوئها.
قال: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ جزم " يغفر " لأنه جواب لتؤمنوا بالله لأنه بمعنى الإلزام كأنه قال: آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم يغفر لكم ذنوبكم، أي: يسترها عليكم فلا يعاقبكم عليها.
وقال الفراء: / ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ جواب الاستفهام في قوله: " هَلْ أَدُلُّكُمْ " وهو خطأ، لأنه ليس بالدلالة تجب المغفرة، إنما تجب بالقبول والعمل.
وقد قال علي بن سليمان: " تؤمنون " عطف بيان على " تجارة ".
وقيل: هو مبين عن تجارة، كعطف البيان في الأسماء التي تشبه البدل وهذا قول حسن، فيكون " يغفر " جوابا بالاستفهام (كأنه قال: " بدل تؤمنون ").
وتجاهدون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ أي: في بساتين إقامة أبداً.
﴿ذَلِكَ الفوز العظيم﴾ أي: ذلك الذي تقدم وصفه لمن آمن وجاهد هو النجاح العظيم خطره.
قوله: ﴿وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ إلى اخر السورة الايات
وقال الفراء: هي في موضع رفع، والتقدير: ولكم خلة أخرى، وهو اختيار الطبري لأجل رفع " نصر " و " فتح " على البدل من " أخرى "، فيكون المعنى على قول الفراء أنه وعدهم على إيمانهم وجهادهم بخلتين: واحدة في الآخرة وهي غفران الذنوب ودخول الجنات والمساكن الطيبات في جنات عدن، والأخرى في الدنيا، وهي النصر والفتح والغنيمة، فتقف على مذهب الأخفش على ﴿تُحِبُّونَهَا﴾ وتبتدئ ﴿نَصْرٌ مِّن الله﴾، أي: هو نصر، ولا تقف على قول الفراء، لأن (نصراً بدلٌ) من " أخرى ".
ثم قال: ﴿وَبَشِّرِ المؤمنين﴾ أي: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر من الله لهم وفتح عاجل.
وفي حرف عبد الله: " أَنْتُمْ أَنْصارَ اللهَِّ " بالإضافة والإيجاب، وأيضاً فإنه جمع مكسر، وليس مثل ضاربين فيعمل ويُنَون، فكانت إضافته أولى، ومن لم يضف قال بينهما فرق، لأن الأول يراد به الاستقبال فهو مشابه لاسم الفاعل.
وحقُّه إذا أريدَ به الاستقبال التنوين، والثاني أمر قد كان، فلذلك أجمع فيه على إضافته.
وقوله: ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصاري إِلَى الله﴾ الكاف من " كَمَا " في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، والتقدير كونوا كونا [كما].
وقيل: هي نعت للأنصار، أي: كونوا أنصاراً مثل أنصار عيسى.
قال قتادة: كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه.
ذكر لنا أنه " بايع النبي ﷺ ليلة العقبة اثنان وسبعين رجلاً من الأنصار، وذكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل، إنكم تبايعونه على محاربة
قال معمر: قال الحواريون يعني من أصحاب محمد، نحن أنصار الله، قال كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ابن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وجعفر وحمزة وعثمان بن مظعون رضوان الله عليهم.
قال مجاهد: من أنصاري إلى الله: من يتبعني إلى الله.
وقال الضحاك: الحواريون هم الغسالون بالنَّبَطية، فيكونون على هذا في قوله " قالَ الْحَوارِيُّونَ " يعني به حواري عيسى.
قال الضحاك: هم غسالون مَرَّ بهم عيسى فآمنوا واتبعوه.
وقيل: الحواريون: صفوة الأنبياء، ومنه قيل لما يختار من صفو الدقيق وخالصه: حَوَارَى.
وقال القتبي: ﴿مَنْ أنصاري إِلَى الله﴾ أي: مع الله، وهذا عند بعض العلماء لا يجوز كما لا يجوز " قمت إلى زيد " بمعنى " مع زيد " و " إِلى " على بابِها، ومعناه: من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله إياي، فالمعنى: قال الحواريون نحن أنصار أنبياء الله على ما بعثهم به من الحق.
ثم قال تعالى: ﴿فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ﴾ يعني: بعيسى.
قال ابن عباس: لما أراد الله جل ذكره أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى
وقيل: آمنت طائفة بعيسى ﷺ وكفرت أخرى به.
قال قتادة: فتفرقوا أربع فرق بعد عيسى، قالت طائفة هو الله وهم اليعقوبية. وقالت طائفة منهم هو ابنه (تعالى عن ذلك وجل) وهم الإسرائيلية.
وقالت طائفة منهم: أمه الإله وهو الله وهم النسطورية، وقالت طائفة منهم: وهو عبد الله ورسوله، وهم المسلمون.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ﴾ أي: قويناهم بالحجة الظاهرة أن عيسى روح الله وكلمته.
قال قتادة: الفرقة المسلمة للفرق: ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام، وأن عيسى كان يأكل وأن الله لا يأكل.
وقيل: المعنى: فقوينا الذين آمنوا من بني إسرائيل على عدوهم الذين كفروا
﴿فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ﴾ أي: فأصبحت الطائفة المؤمنة مستعلية بالحجة والبرهان على الكفار.
قال النخعي: أصبحت حجة من آمن بعيسى ﷺ ظاهرة بتصديق محمد ﷺ لهم بأن عيسى روح الله وكلمته.
وقيل: فأصبح من آمن مع عيسى عالياً على من كفر به.
يقال: ظهرت على الحائط بمعنى: علوت عليه.
لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة ٤٣٧ هـ
المجلد الثاني عشر
الجمعة - الناس
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م