وهي مكية في قول عطاء والحسن، ومدنية في أحد قولى ابن عباس، وعنه في رواية أخرى أنها مكية، فبعضها نزل بالمدينة وبعضها نزل بمكة، وعن الشعبي أنها مكية إلا عشر آيات من أولها مدنية.
وعن علي أنه قال : نزلت بين مكة والمدينة. وهذه رواية غريبة.
ﰡ
وَقَوله: ﴿أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا﴾ مَعْنَاهُ: أظنوا أَن يقنع مِنْهُم بِأَن يَقُولُوا آمنا، وَقَوله: ﴿وهم لَا يفتنون﴾ أَي: لَا يبتلون. قَالَ مُجَاهِد: لَا يبتلون فِي أَمْوَالهم وأنفسهم. وَيُقَال مَعْنَاهُ: لَا يؤمرون وَلَا ينهون، وابتلاء الله عباده بِالْأَمر وَالنَّهْي.
وَقَالَ بَعضهم: إِن الله تَعَالَى أَمر النَّاس أَولا بِمُجَرَّد الْإِيمَان، ثمَّ إِنَّه فرض عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَسَائِر الشَّرَائِع فشق عَلَيْهِم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَعَن الشّعبِيّ وَغَيره أَنه قَالَ: لما هَاجر أَصْحَاب رَسُول الله بَقِي قوم بِمَكَّة مِمَّن آمنُوا وَلم يهاجروا؛ فَكتب (إِلَيْهِم) من هَاجر أَن الله الله تَعَالَى لَا يقبل أَيْمَانكُم حَتَّى تهاجروا، فَهَاجرُوا، فَتَبِعهُمْ قوم من الْمُشْركين وآذوهم، (فَقتل من) قتل، وتخلص، من تخلص فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. وَعَن بَعضهم: أَن الْآيَة نزلت فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة، وَكَانَ قد هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، فجَاء أَخَوَاهُ لأمه أَبُو جهل والْحَارث ابْنا هِشَام، وَقَالا لَهُ: إِن أمنا قد عَاهَدت إِن لم ترجع لَا تَأْكُل وَلَا تشرب، وَلَا يَأْوِيهَا سقف بَيت؛ وَإِن مُحَمَّدًا يَأْمر بِالْبرِّ، فَارْجِع مَعنا فَرجع مَعَهُمَا، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق غدراه وأوثقاه وحملاه إِلَى
وَمن الْمَشْهُور الثَّابِت: " أَن النَّبِي كَانَ يَدْعُو فِي الْقُنُوت فَيَقُول: " اللَّهُمَّ، انج سَلمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة والوليد بن الْوَلِيد وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة، وَاشْدُدْ وطأتك على مُضر، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كسنين يُوسُف. فَدَعَا (هَكَذَا) شهرا ثمَّ ترك، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَلا تراهم قد قدمُوا ".
وَقَوله: ﴿ [فليعلمن] الله الَّذين صدقُوا﴾ يَعْنِي: نبتليهم ابتلاء من يستعلم حَالهم، وَيُقَال: وليعلمن الله الَّذين صدقُوا أَي: علم الشَّيْء وَاقعا، وَهُوَ الَّذِي يجازي عَلَيْهِ، وَقيل: فليعلمن الله الَّذين صدقُوا أَي: فليظهرن الله الصَّادِقين من الْكَاذِبين.
وَقَوله: ﴿ [وليعلمن] الْكَاذِبين﴾ قد ذكرنَا.
وَقَوله: ﴿أَن يسبقونا﴾ أَن يفوتونا، وَمن سبق شَيْئا فقد فَاتَهُ، وَقَوله: ﴿سَاءَ مَا يحكمون﴾ أَي: بئس الحكم حكمهم).
وَقَوله: ﴿فَإِن أجل الله لآت﴾ مَعْنَاهُ: إِن وعد الله لآت، وَالْأَجَل هُوَ الْوَعْد الْمَضْرُوب، وَمعنى الْآيَة: أَن من يخْشَى أَو يأمل فليستعد. وَقد روى مَكْحُول: " أَن النَّبِي قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة لعَلي وَفَاطِمَة: يَا عَليّ، وَيَا فَاطِمَة، قد أنزل الله تَعَالَى قَوْله: ﴿من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت﴾ فَاسْتَعدوا ". وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَإِنَّمَا يُجَاهد لنَفسِهِ﴾ أَي: مَنْفَعَة ذَلِك رَاجِعَة إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿إِن الله لَغَنِيّ عَن الْعَالمين﴾ أَي: لَا يعود إِلَيْهِ ضرّ وَلَا نفع فِي طَاعَة وَلَا مَعْصِيّة.
وَقَوله: ﴿ولنجزينهم أحسن الَّذِي كَانُوا يعلمُونَ﴾ هَذَا هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا﴾ وَمَعْنَاهُ: ويعطيهم أَكثر مِمَّا عمِلُوا وَأحسن.
وَقَوله: ﴿وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما﴾ أَي: فَلَا تطعهما فِي معصيتي، وَمن الْمَعْرُوف عَن النَّبِي أَنه قَالَ " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق ".
وَقَوله: ﴿مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم﴾ إِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَن الشّرك كُله عَن جهل، فَإِن الْعَالم لَا يُشْرك بِاللَّه.
وَقَوله: ﴿إِلَيّ مرجعكم فأنبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
أَكثر الْمُفَسّرين (أَن) الْآيَة نزلت فِي سعد بن أبي وَقاص، وَهُوَ سعد بن مَالك أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ، وَأمه حمْنَة من بني أُميَّة. فروى أَنه لما أسلم - وَقد كَانَ من السَّابِقين
وَقَوله: ﴿وَلَئِن جَاءَ نصر من رَبك ليَقُولن إِنَّا كُنَّا مَعكُمْ﴾ الْآيَة فِي الْقَوْم الَّذين تخلفوا بِمَكَّة مِمَّن أَسْلمُوا، فَلَمَّا آذاهم الْمُشْركُونَ لم يصبروا، وأعطوهم مَا طلبُوا.
وَقَوله: ﴿نصر من رَبك﴾ أَي: فتح من رَبك ودولة للْمُؤْمِنين.
وَقَوله: ﴿ليَقُولن إِنَّا كُنَّا مَعكُمْ﴾ يَعْنِي: كُنَّا مُسلمين، وَإِنَّمَا أكرهنا حَتَّى قُلْنَا مَا قُلْنَا.
وَقَوله: ﴿أَو لَيْسَ الله بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور الْعَالمين﴾ أَي: يعلم مَا فِي صُدُورهمْ، فيميز صدقهم من كذبهمْ.
وَقَوله: ﴿ولنحمل خطاياكم﴾ أَي: وَنحن نحمل خطاياكم إِن خِفْتُمْ من عُقُوبَته، فَنحْن كفلا بكم، ونتحمل عَنْكُم الْعقُوبَة.
وَقَوله: ﴿وَمَا هم بحاملين من خطاياهم من شئ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ﴾ يَعْنِي: فِي ضَمَان تحمل الْخَطَايَا.
وَقَوله: ﴿وأثقالا مَعَ أثقالهم﴾ أَي: أوزارا مَعَ أوزارهم.
فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا، وَالله تَعَالَى قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: ﴿وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى﴾ ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن معنى قَوْله: ﴿وأثقالا مَعَ أثقالهم﴾ أَي: إِثْم دُعَائِهِمْ إِلَى ترك الْإِيمَان، وَيُقَال: إِن الْأَشْرَاف فيهم [يحملون] ذنُوب الأتباع؛ لأَنهم سنوا لَهُم الضَّلَالَة ودعوهم إِلَيْهَا. وَقد روى عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتبع عَلَيْهَا، فَعَلَيهِ وزر من اتبعهُ من غير أَن ينقص من أوزارهم شئ ".
وروى أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " يُؤْتى بِعَبْد يَوْم الْقِيَامَة وَقد ظلم هَذَا، وَشتم هَذَا، وَأخذ مَال هَذَا، فتؤخذ حَسَنَاته ويعطون، فَيُقَال: يَا رب، قد بَقِي
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وليسألن يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا يفترون﴾ أَي: يكذبُون.
وَقَوله: ﴿فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما﴾ روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: بعث نوح وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، وَمكث بعد خُرُوجه من السَّفِينَة سِتِّينَ سنة، [وتوفاه] الله تَعَالَى وَهُوَ ابْن ألف وَخمسين سنة، وَفِي رِوَايَة: أَن عمر نوح كَانَ ألف وَأَرْبَعمِائَة [وَخمسين] [سنة]، بعث وَهُوَ ابْن مِائَتي وَخمسين سنة، وَقد قيل غير هَذَا، وَالله أعلم.
وروى أَن ملك الْمَوْت لما جَاءَ إِلَى نوح ليقْبض روحه قَالَ: يَا أطول الْأَنْبِيَاء عمرا، كَيفَ وجدت الدُّنْيَا؟ وَكَانَ لَهُ دَار لَهَا بَابَانِ، فَدخل من أَحدهمَا وَخرج من الآخر، وَقَالَ: هَكَذَا وجدت.
وروى أَنه كَانَ لَهُ بَيت من شعر، وَكَانَ [يُقَال] لَهُ: لَو بنيت بَيْتا من طين، فَكَانَ يَقُول: أَمُوت غَدا، أَو أَمُوت بعد غَد. فَخرج من الدُّنْيَا على ذَلِك، وَلم يبن بَيْتا. فَإِن قيل: قَوْله: ﴿فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما﴾ أيش فَائِدَة الِاسْتِثْنَاء فِي هَذِه الْآيَة؟.
وهلا قَالَ: فَلبث فيهم تِسْعمائَة وَخمسين عَاما؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن فَائِدَة الِاسْتِثْنَاء هُوَ التَّأْكِيد؛ فَإِن الْعَرَب إِذا قَالَت: جَاءَنِي اخوتك، يجوز أَن تُرِيدُ بِهِ جَمِيع الاخوة، وَيجوز أَن تُرِيدُ بِهِ الْأَكْثَر، فَإِذا قَالَ: جَاءَنِي اخوتك إِلَّا زيدا فتعلم قطعا أَنه جَاءَ كل الاخوة إِلَّا زيدا، فقد أَفَادَ الِاسْتِثْنَاء التَّأْكِيد من هَذَا الْوَجْه، وَقد قَالَ بَعضهم: قد كَانَ الله تَعَالَى جعل عمر نوح ألف سنة، فاستوهب بعض بنيه مِنْهُ خمسين عَاما فَوَهَبَهَا لَهُ، ثمَّ لما لما بلغ الْأَجَل طلب تَمام الْألف فَلم يُعْط، فَذكر الله تَعَالَى بِلَفْظ الِاسْتِثْنَاء ليدل على أَن النَّقْص كَانَ من قبله، وَهَذَا قَول غَرِيب.
وَقَوله: ﴿فَأَخذهُم الطوفان﴾ الطوفان: كل شئ كثير يطِيف بِالْجَمَاعَة مثل: غرق، أَو موت، أَو غير ذَلِك. قَالَ الراجز:
(أفناهم طوفان موت جارف... )
وَقَوله: ﴿وهم ظَالِمُونَ﴾ أَي: مشركون.
وَقَوله: ﴿وجعلناها آيَة للْعَالمين﴾ أَي: جعلنَا عقوبتنا إِيَّاهَا بِالْغَرَقِ آيَة للْعَالمين، وَيُقَال: جعلنَا السَّفِينَة آيَة للْعَالمين، فَإِنَّهَا كَانَت ملقاه على الجودى مُدَّة (مديدة).
وَقَوله: ﴿ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ﴾ أَي: عبَادَة الله وتقواه خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ، وَقد قيل: إِن قَوْله: ﴿اعبدوا الله﴾ أَي: وحدوا الله، وكل عبَادَة فِي الْقُرْآن بِمَعْنى التَّوْحِيد.
وَقَوله: ﴿وتخلقون إفكا﴾ أَي: وتصنعون كذبا، وَقَالَ قَتَادَة: تخلقون إفكا؛ أَي: أصناما. وسمى الْأَصْنَام إفكا لأَنهم سَموهَا آلِهَة. فَإِن قيل: قد قَالَ: ﴿وتخلقون﴾ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿هَل من خَالق غير الله﴾ أَي: لَا خَالق غير الله، فَكيف وَجه التَّوْفِيق بَين الْآيَتَيْنِ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن الْخلق بِمَعْنى التَّقْدِير هَاهُنَا، قَالَ الشَّاعِر:
(ولأنت تفرى مَا خلقت | وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفرى.) |
(أكلت حنيفَة رَبهَا | زمن التفحم والمجاعة) |
(لم يحذروا من رَبهم | سوء العواقب والتباعة) |
وَقَوله: ﴿واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين﴾ مَعْنَاهُ: إِلَّا الإبلاغ الْوَاضِح.
وَقَوله: ﴿إِن ذَلِك على الله يسير﴾ أَي: هَين.
وَقَوله: ﴿ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة﴾ وَقُرِئَ: " النشاءة الْآخِرَة "، وهما بِمَعْنى وَاحِد كَقَوْلِهِم: رأفة ورآفة.
وَقَوله: ﴿إِن الله على كل شئ قدير﴾ أَي: على النشأة الأولى والنشأة الْآخِرَة.
وَيُقَال: يعذب من يَشَاء بِقبُول الْبِدْعَة، وَيرْحَم من يَشَاء بملازمة السّنة.
وَقَوله: ﴿وَإِلَيْهِ تقلبون﴾ أَي: تردون.
(وَمن يهجو رَسُول الله مِنْكُم | ويمدحه وينصره سَوَاء) |
وَقَوله: ﴿وَمَا لكم من دون الله من ولي وَلَا نصير﴾ أَي: من وَال وَلَا مَانع.
وَقَوله: ﴿إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَو حرقوه فأنجاه الله من لنار﴾ قَالَ مُجَاهِد: حرقت النَّار وثَاقه وَلم تحرقه.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ﴾ أَي: يصدقون.
وَقَوله: ﴿ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعضهم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا﴾ وَمعنى الْجمع: هُوَ وُقُوع التبرؤ بَين القادة والأتباع.
وَقَوله: ﴿ومأواكم النَّار وَمَا لكم من ناصرين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي﴾ أَي: مُتَوَجّه إِلَى رَبِّي أطلب رِضَاهُ. وَقد بَينا أَن هجرته كَانَت من كوثى إِلَى الشَّام، وكوثى قَرْيَة من سَواد الْكُوفَة. وَفِي الْقِصَّة: أَنه هَاجر بعد أَن مَضَت [خمس] وَسَبْعُونَ سنة من عمره؛ وَهَاجَر مَعَه لوط وَسَارة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ أَي: الْغَالِب فِي أمره ﴿الْحَكِيم﴾ فِي تَدْبيره.
وَقَوله: ﴿وآتينا أجره فِي الدُّنْيَا﴾ أَي: الثَّنَاء الْحسن.
وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ قبُول كل أهل الْأَدْيَان لَهُ ورضاهم بِهِ. وَقَالَ السدى: هُوَ الْوَلَد الصَّالح. وَقيل: هُوَ أَنه أرِي مَكَانَهُ فِي الْجنَّة، وَقيل: إِنَّه جعل الْأَنْبِيَاء من أَوْلَاده.
وَقَوله: ﴿وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين﴾ أَي: فِي زمرة الصَّالِحين.
وَالْقَوْل الثَّانِي: وتقطعون السَّبِيل أَي: الطَّرِيق، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ الغرباء والمسافرين ويرتكبون مِنْهُم الْفَاحِشَة.
وَقَوله: ﴿وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر﴾ النادي هُوَ الْمجْلس، وَأما الْمُنكر الَّذِي أَتَوا بِهِ فَفِيهِ أَقْوَال: أَحدهمَا: هُوَ ارْتِكَاب الْفَاحِشَة من الرِّجَال فِي مجَالِسهمْ، قَالَه مُجَاهِد.
وَعَن عَائِشَة قَالَت: كَانُوا يتضارطون فِيمَا بَينهم. وَعَن عبد الله بن سَلام: كَانَ بَعضهم يبزق على بعض. وَفِي بعض الْأَخْبَار مُسْندًا إِلَى النَّبِي: " أَنهم كَانُوا
وَعَن بَعضهم هُوَ لصفير وَالرَّمْي بالجلاهق، واللعب بالحمام، وبالشرك فِي الطَّرِيق، وَحل الْإِزَار.
وَقَوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا ائتنا بِعَذَاب الله إِن كنت من لصادقين﴾ أَي: فِيمَا تَقوله
وَقَوله: ﴿إِنَّا مهلكوا أهل هَذِه الْقرى﴾ أَي: سدوم، وَفِي الْقِصَّة: أَنهم كَانُوا يَجْلِسُونَ وَبَين يَدي كل وَاحِد مِنْهُم قَعْب فِيهِ حَصى فَإِذا مر بهم إِنْسَان خذفه كل وَاحِد مِنْهُم بحصاة، فَمن أَصَابَهُ كَانَ أولى بِهِ، فَكَانَ يَأْخُذ مَا مَعَه وينكحه ويغرمه ثَلَاث دَرَاهِم، وَلَهُم قَاض يقْضِي بذلك.
وَقَوله: ﴿إِن أَهلهَا كَانُوا ظالمين﴾ قد بَينا ظلمهم.
وَقَوله: ﴿لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين﴾ أَي: البَاقِينَ فِي الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿وضاق بهم ذرعا﴾ أَي: ضَاقَ ذرعا بمجيئهم. يُقَال: ضَاقَ فلَان ذرعا بِكَذَا إِذا كرهه.
وَقَوله: ﴿قَالُوا لَا تخف وَلَا تحزن﴾ لَا تخف من قَوْمك علينا، وَلَا تحزن بإهلاكنا إيَّاهُم.
وَقَوله: ﴿إِنَّا منجوك وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك كَانَت من الغابرين﴾ أَي: البَاقِينَ فِي الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿رجزا من السَّمَاء﴾ أَي: عذَابا من السَّمَاء.
وَقَوله: ﴿بِمَا كَانَ يفسقون﴾ أَي: يعصون.
قَالَ قَتَادَة: الْآيَة الْبَيِّنَة (هِيَ [الْأَحْجَار] الَّتِي أهلكوا بهَا، وَقد كَانَ قد بَقِي بَعْضهَا حَتَّى أَدْرَكته أَوَائِل هَذِه الْأمة. وَقَالَ مُجَاهِد: الْآيَة الْبَيِّنَة) : ظُهُور المَاء الْأسود من قراهم.
وَقَوله: ﴿لقوم يعْقلُونَ﴾ أَي: يتدبرون الْآيَات تدبر ذَوي الْعُقُول.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله وارجوا الْيَوْم الآخر﴾ أَي: وخشوا الْيَوْم الآخر، وَيُقَال: الرَّجَاء على حَقِيقَته، وَهُوَ الأمل.
وَقَوله: ﴿وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين﴾ أَي: لَا تفسدوا فِي الأَرْض. [والعيث] أَشد الْفساد.
وَقَوله: ﴿فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جاثمين﴾ أَي: ميتين، وَقيل: خامدين.
وَقَوله: ﴿وَقد تبين لكم من مساكنهم﴾ أَي: الْمنَازل الَّتِي سكنوها.
وَقَوله: ﴿وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل﴾ أَي: صدهم عَن سَبِيل الْحق.
وَقَوله: ﴿وَكَانُوا مستبصرين﴾ أَي: ارتكبوا مَا ارتكبوا وَقد علمُوا أَن عَاقِبَة أَمرهم بوار.
وَقَوله: ﴿وَلَقَد جَاءَهُم مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أَي: بالدلالات.
قَوْله: ﴿فاستكبروا فِي الأَرْض وَمَا كَانُوا سابقين﴾ أَي: فائتين عَن عذابنا، كالسابق على الشَّيْء فَيكون قد فَاتَهُ.
وَقَوله: ﴿فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصبا﴾ الحاصب هِيَ الرّيح الَّتِي تحمل الْحَصْبَاء، والحصباء: الْحَصَى (الصغار)، وَالَّذين أهلكوا بالحصباء قوم لوط.
وَقَوله: ﴿وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة﴾ يَعْنِي: قوم صَالح، وهم ثَمُود.
وَقَوله: ﴿وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض﴾ أَي: قَارون.
وَقَوله: ﴿وَمِنْهُم من أغرقنا﴾ أَي: قوم نوح وَقوم فِرْعَوْن.
وَقَوله: ﴿ [وَمَا] كَانَ الله ليظلمهم﴾ أَي: مَا ظلمهم الله ﴿وَلَكِن هم اللَّذين ظلمُوا أنفسهم﴾.
وَقَوله: ﴿أَوْلِيَاء﴾ أَي: الْأَصْنَام.
وَقَوله: ﴿كَمثل العنكبوت﴾ العنكبوت: دَابَّة [أَعْطَاهَا] الله تَعَالَى آلَة تنسج
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن النَّبِي أَنه قَالَ: " العنكبوت شَيْطَان مسخ فَاقْتُلُوهُ " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه أَمر أَلا يتْرك نَسِيج العنكبوت فِي الْبَيْت، وَقَالَ: تَركه يُورث الْفقر. وَقد بَينا أَن الله تَعَالَى جعل العنكبوت جند النَّبِي فِي الْغَار.
وَقَوله: ﴿وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ أَي: لَو كَانُوا يعلمُونَ أَن عبَادَة الْأَصْنَام لَا تغني شَيْئا، كَمَا علمُوا أَن بَيت العنكبوت لَا يدْفع شَيْئا.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ أَي: الْعَزِيز بالانتقام من أعدائه، الْحَكِيم فِي تَدْبِير خلقه.
وَقَوله: ﴿وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ﴾ (أَي: الْعَالمُونَ بمعاني كَلَامي، وَعَن بعض السّلف قَالَ: يسْتَحبّ أَن يقف عِنْد كل مثل فِي الْقُرْآن، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: ﴿وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ﴾.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك (لآيَة﴾ للْمُؤْمِنين) أَي: لعبرة للْمُؤْمِنين.
وَقَوله: ﴿وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر﴾ الْفَحْشَاء كل قَبِيح من الْأَفْعَال، وَالْمُنكر كل مَا يُنكره الشَّرْع، (فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر﴾ وَقد رَأينَا من يُصَلِّي وَلَا يَنْتَهِي عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر؟ قُلْنَا: رُوِيَ عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه قَالَ: تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر مَا دَامَ فِي الصَّلَاة، وَعَن غَيره: تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر) فِيهَا وَبعدهَا. وَمعنى النَّهْي على هَذَا القَوْل أَنه يقْرَأ الْقُرْآن وَالْقِرَاءَة، تنهاه عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر.
وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لَا صَلَاة لمن لم يطع الصَّلَاة. وَفِي هَذَا اللَّفْظ إِشَارَة إِلَى مَا بَينا.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا ".
وَعَن الْحسن وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَالَا: من صلى وَلم ينْتَه عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر، فَصلَاته وبال عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: وَلذكر الله أفضل من كل الطَّاعَات، وَرُوِيَ عَن ثَابت الْبنانِيّ أَن رجلا أعتق أَربع رِقَاب، وَجعل آخر يذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل، ثمَّ سُئِلَ عَن ذَلِك جمَاعَة من أهل الْعلم، فَقَالُوا: ذكر الله تَعَالَى أفضل؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ: وَلذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ إِن رجلا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: إِن فلَانا (يَقُول) فِي قَوْله: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾ : إِن مَعْنَاهُ: إِذا ذكره وانْتهى عَن مَعَاصيه، فَقَالَ: هَذَا كَلَام حسن. وَلَيْسَ بِمَعْنى الْآيَة؛ وَإِنَّمَا معنى الْآيَة مَا ذكرنَا عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: وَلذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه. وَمِنْهُم من قَالَ: وَلذكر الله فِي الثَّوَاب أكبر من ذكركُمْ فِي الطَّاعَة.
وَقَوله: ﴿وَالله يعلم مَا تَصْنَعُونَ﴾ أَي: تَفْعَلُونَ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: ﴿وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ مِنْهُم، وَمعنى النَّهْي عَن المجادلة مَعَهم بعد إِيمَانهم، هُوَ أَنهم كَانُوا يخبرون عَن أَشْيَاء فِي كتبهمْ لم يعلمهَا الْمُؤْمِنُونَ، [فَنهى] عَن مجادلتهم فِيهَا، فلعلها صَحِيحَة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم﴾ هم الَّذين لم يُؤمنُوا. وَعَن قَتَادَة قَالَ: الْآيَة
وَقَوله: ﴿وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم﴾ (رُوِيَ عَن النَّبِي هم أَنه قَالَ: " إِذا أخْبركُم أهل الْكتاب بِشَيْء لم تعرفوه فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم، وَلَكِن قُولُوا: ﴿آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم﴾ وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ ") ".
وَقَوله: ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُم الْكتاب يُؤمنُونَ بِهِ﴾ أَي: يصدقون بِهِ، وَقَوله: ﴿وَمن هَؤُلَاءِ من يُؤمن بِهِ﴾ أَي: وَمن الْمُشْركين من يصدق بِهِ، فَقَوله: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ إِشَارَة إِلَى الْمُشْركين الَّذين كَانُوا بِمَكَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَلَا تخطه بيمينك﴾ أَي: لم تكن تقْرَأ وَلَا تكْتب.
وَقَوله: ﴿إِذا لارتاب المبطلون﴾ أَي: إِذا لشك الْكَافِرُونَ لَو قَرَأت وكتبت، أما أهل الشّرك وَكَانُوا يَزْعمُونَ أَنه قَرَأَ من كتب الْأَوَّلين وانتسخ مِنْهَا، وَأما أهل الْكتاب فقد
وَعَن الشّعبِيّ قَالَ: لم يخرج النَّبِي من الدُّنْيَا حَتَّى كتب وَقَرَأَ. وَهُوَ قَول ضَعِيف لَا يعْتَمد عَلَيْهِ، [وأظن] أَنه لَا يَصح عَن الشّعبِيّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَالما كَبِيرا.
وَقَوله: ﴿وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ أَي: الْكَافِرُونَ.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين﴾ قد بَينا. وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى قد أعْطى رَسُوله مُحَمَّدًا المعجزات الْكَثِيرَة، وَلكنه لم يُعْطه على مَا اقترحوا، وَقد كَانُوا يطْلبُونَ أَن تكون الْآيَات على وفْق إقتراحاتهم.
وَقَوله: ﴿إِنَّا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب﴾ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿يُتْلَى عَلَيْهِم﴾ أَي: يقْرَأ عَلَيْهِم.
وَقَوله: ﴿إِن فِي ذَلِك لرحمة﴾ أَي: لنعمة لمن آمن بِهِ.
وَقَوله: ﴿وذكرى﴾ أَي: موعظة وتذكيرا، وَقد بَينا وَجه الإعجاز فِي الْقُرْآن من حَيْثُ النّظم وَالْمعْنَى والإخبار عَن الغيوب وَغَيره.
وَقَوله: ﴿يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين آمنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ أَي: بِغَيْر الله. وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " أصدق كلمة قَالَت الْعَرَب قَول لبيد:
(أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل | وكل نعيم لَا محَالة زائل) |
وَاعْلَم أَن الْإِيمَان إِذا أطلق يُرَاد بِهِ الْإِيمَان بِاللَّه، وَإِذا قيد يجوز أَن يُقَال: آمن بإبليس، وآمن بالطاغوت، وَمَا أشبه ذَلِك، وَهَذَا كَمَا إِذا قيل: فلَان قَائِم، وَأطلق يُرَاد
وَقَوله: ﴿وَكَفرُوا بِاللَّه﴾ أَي: جَحَدُوا بِاللَّه.
وَقَوله: ﴿وَأُولَئِكَ هم الخاسرون﴾ الخاسرون: من خسر رَأس المَال، فالكفار لما فعلوا فعلا عرضوا أنفسهم للهلاك سماهم الله خاسرين.
وَقَوله: ﴿وَلَوْلَا أجل مُسَمّى﴾ أَي: وعد الْقِيَامَة، وَقيل: النفخة فِي الصُّور وَيُقَال: الْوَقْت الَّذِي عين لعذابهم.
وَقَوله: ﴿لجاءهم الْعَذَاب وليأتينهم بَغْتَة﴾ أَي: فَجْأَة ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ بمجيئها. وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " إِن الرجل ليرْفَع لقمته فَلَا يَضَعهَا فِي فِيهِ حَتَّى تقوم السَّاعَة ".
وَقَوله: ﴿وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين﴾ أَي: جَامِعَة لعذابهم، وَيُقَال مَعْنَاهُ: لَا بُد أَن يدخلوها.
وَقَوله: ﴿وَيَقُول ذوقوا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ قد بَينا معنى الذَّوْق من قبل.
وَقَوله: ﴿مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ أَي: جَزَاء بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ.
وَذكر أهل الْعلم أَنه إِذا لم يُمكنهُ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر خرج أَيْضا، وَالْآيَة نزلت فِي قوم تخلفوا عَن الْهِجْرَة بِمَكَّة، وَقَالُوا: نخشى إِن هاجرنا من الْجُوع وضيق الْمَعيشَة؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَلم يعذرهم فِي ترك الْخُرُوج، وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن أرضي وَاسِعَة﴾ أَي: رِزْقِي وَاسع، ذكره مطرف ابْن عبد الله ابْن الشخير.
وَقَوله: ﴿فإياي فاعبدون﴾ أَي: وحدوني وأطيعوني.
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون﴾ أَي: تردون.
وَقُرِئَ: " لنثوينهم " والثوى هُوَ الْإِقَامَة، والتبوؤ هُوَ النُّزُول فِي الْموضع الَّذِي يسكن فِيهِ، وَفِي أَخْبَار الْجَاهِلِيَّة: أَن المهلهل لما قتل ابْن الْحَارِث بن عباد فِي حَرْب بكر وتغلب قَالَ: تبوء بشسع نعل كُلَيْب.
وَمن الْمَعْرُوف عَن الْحُسَيْن أَنه قَالَ لِلْحسنِ فِي قتل أبي ملجم: لَا تَجْعَلهُ ثوى بأبينا أَي: لَا ننزله منزلَة أَبينَا.
وَقَوله: ﴿تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا نعم أجر العاملين﴾ أَي: العاملين بِالطَّاعَةِ.
وَقَوله: ﴿لَا تحمل رزقها﴾ أَي: لَا تحمل رزقها مَعهَا، وَقيل: لَا تدخر رزقها للغد.
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالْمَعْرُوف أَنه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ: " لَيْسَ من الْحَيَوَان مَا يدّخر شَيْئا للغد سوى ابْن آدم والفأرة والنملة والعقعق. وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن المُرَاد من قَوْله: ﴿وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها﴾ أَي: مُحَمَّد: وَكَانَ لَا يدّخر شَيْئا للغد، وَقد ثَبت بِرِوَايَة أنس: " أَن النَّبِي كَانَ لَا يدّخر شَيْئا لغد ".
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو مَنْصُور بكر بن مُحَمَّد بن حميد النَّيْسَابُورِي بِبَغْدَاد من لَفظه، أخبرنَا أَبُو الْحسن الْخفاف، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس السراج، عَن قُتَيْبَة، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي، عَن ثَابت، عَن أنس... الْخَبَر.
وَفِي بعض الْأَخْبَار بِرِوَايَة ابْن عمر أَنه قَالَ: " دخلت مَعَ رَسُول الله يلتقط التَّمْر ويأكله، فكدت لَا آكله، فَقَالَ لي: أَلا تَأْكُله يَا ابْن عمر؟ فَقلت: لَا أشتهيه. فَقَالَ: لكني أشتهيه، وَهَذَا صبح رَابِع أربعو أَيَّام وَلم أذق طَعَاما، وَلَو طلبت من الله لأعطاني مثل ملك كسْرَى وَقَيْصَر، ثمَّ قَالَ: كَيفَ بك يَا ابْن عمر إِذا بقيت فِي قوم يدخرون الرزق لسنتهم، ويضعف الْيَقِين؟ ! قَالَ: فَلم نَبْرَح من ذَلِك الْموضع حَتَّى أنزل الله تَعَالَى: ﴿وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها﴾. " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقَوله: ﴿الله يرزقها وَإِيَّاكُم﴾ يَعْنِي: يرْزق تِلْكَ الدَّابَّة وَإِيَّاكُم.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَمن الْمَشْهُور عَن النَّبِي قَالَ: " لَو توكلتم على الله حق توكله، لرزقتم كَمَا ترزق الطير، تَغْدُو خماصا، وَتَروح بطانا ".
وَمن الْمَعْرُوف أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي، أَن لن تَمُوت نفس حَتَّى تستكمل رزقها، فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب ".
وَقَوله: ﴿ليَقُولن الله فَأنى يؤفكون﴾ أَي: يصرفون عَن الْحق.
وَقَوله: ﴿إِن الله بِكُل شَيْء عليم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿بل أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ أَن الْفَاعِل لهَذِهِ الْأَشْيَاء هُوَ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿وَلعب﴾ أَي: وعبث، وَيُقَال: إِنَّمَا سمي ذَلِك لهوا وَلَعِبًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَعْمل بهَا من لَا يتفكر فِي العواقب.
وَقَوله: ﴿وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان﴾ أَي: لهي الْحَيَاة الدائمة. وَقَالَ أهل اللُّغَة: الْحَيَوَان والحياة بِمَعْنى وَاحِد، يحْكى هَذَا عَن أبي عُبَيْدَة وَأبي. وَمعنى الْآيَة: أَن فِي الْآخِرَة الْحَيَاة الدائمة.
وَقَوله: ﴿لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ أَي: لَو كَانُوا يعلمُونَ أَن الدُّنْيَا تفنى، وَالْآخِرَة تبقى.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر إِذا هم يشركُونَ﴾ أَي: عَادوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿أفبالباطل يُؤمنُونَ﴾ يَعْنِي: أفغير الله يُؤمنُونَ؟ وَهُوَ لفظ اسْتِفْهَام بِمَعْنى الْإِنْكَار.
وَقَوله: ﴿وبنعمة الله يكفرون﴾ أَي: يجحدون.
وَقَوله: ﴿أَو كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن، وَقيل: مُحَمَّدًا.
وَقَوله: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للْكَافِرِينَ﴾ أَي: مقَام ومستقر للْكَافِرِينَ.
وَيُقَال: المجاهدة: هُوَ الصَّبْر على الطَّاعَات وَاجْتنَاب الْمعاصِي، وَيُقَال: قتال الْكفَّار، وَيُقَال: تَحْقِيق الْإِخْلَاص فِي الْأَعْمَال، وَهُوَ حَقِيقَة قَوْله تَعَالَى: ﴿فِينَا﴾.
وَقَوله: ﴿لنهدينهم سبلنا﴾ لنزيدنهم هدى، وَيُقَال: لنرشدهم إِلَى (الطّرق) المستقيمة، والطرق المستقيمة هِيَ الَّتِي توصل إِلَى رضى الله تَعَالَى. وَعَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ: قَالَ لي سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِذا اخْتلف النَّاس فَعَلَيْك بِمَا قَالَه لأهل الْجِهَاد والثغور، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا﴾.
وَقَوله: ﴿وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ﴾ أَي: بالنصرة والمعونة.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿الم (١) غلبت الرّوم (٢) فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (٣) فِي﴾تَفْسِير سُورَة الرّوم
وَهِي مَكِّيَّة