تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
ﮡ
ﰀ
الم
مَكِّيَّة إِلَّا مِنْ آيَة ١ إِلَى آيَة ١١ فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ٦٩ نَزَلَتْ بَعْد الرُّوم مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر وَمَدَنِيَّة كُلّهَا فِي أَحَد قَوْلَيْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَفِي الْقَوْل الْآخَر لَهُمَا وَهُوَ قَوْل يَحْيَى بْن سَلَّام أَنَّهَا مَكِّيَّة إِلَّا عَشْر آيَات مِنْ أَوَّلهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نَزَلَتْ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة وَهِيَ تِسْع وَسِتُّونَ آيَة
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ).
مَكِّيَّة إِلَّا مِنْ آيَة ١ إِلَى آيَة ١١ فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ٦٩ نَزَلَتْ بَعْد الرُّوم مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر وَمَدَنِيَّة كُلّهَا فِي أَحَد قَوْلَيْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَفِي الْقَوْل الْآخَر لَهُمَا وَهُوَ قَوْل يَحْيَى بْن سَلَّام أَنَّهَا مَكِّيَّة إِلَّا عَشْر آيَات مِنْ أَوَّلهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نَزَلَتْ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة وَهِيَ تِسْع وَسِتُّونَ آيَة
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ).
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَيَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّةَ وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْضَل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ.
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ، قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا.
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّةَ وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْضَل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا | وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا |
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
نَادَوْهُمْ أَلَا الْجَمُوا أَلَا تَا | قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا |
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنْ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَاهُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أُنْزِلَتْ عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أُنْزِلَتْ عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَه النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
" أَحَسِبَ " اِسْتِفْهَام أُرِيدَ بِهِ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ وَمَعْنَاهُ الظَّنّ " أَنْ يُتْرَكُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " حَسِبَ " وَهِيَ وَصِلَتهَا مَقَام الْمَفْعُولَيْنِ عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ وَ " أَنْ " الثَّانِيَة مِنْ " أَنْ يَقُولُوا " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى إِحْدَى جِهَتَيْنِ بِمَعْنَى لِأَنْ يَقُولُوا أَوْ بِأَنْ يَقُولُوا أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنْ يَكُون عَلَى التَّكْرِير ; وَالتَّقْدِير " الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا " أَحَسِبُوا " أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : يُرِيد بِالنَّاسِ قَوْمًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ وَكَانَ الْكُفَّار مِنْ قُرَيْش يُؤْذُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; كَسَلَمَةَ بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَعَمَّار بْن يَاسِر وَيَاسِر أَبُوهُ وَسُمَيَّة أُمّه وَعِدَّة مِنْ بَنِي مَخْزُوم وَغَيْرهمْ فَكَانَتْ صُدُورهمْ تَضِيق لِذَلِكَ وَرُبَّمَا اِسْتَنْكَرَ أَنْ يُمَكِّن اللَّه الْكُفَّار مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مُسَلِّيَة وَمُعْلِمَة أَنْ هَذِهِ هِيَ سِيرَة اللَّه فِي عِبَاده اِخْتِبَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِتْنَة قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِهَذَا السَّبَب أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَقْوَال فَهِيَ بَاقِيَة فِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُود حُكْمهَا بَقِيَّة الدَّهْر وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتْنَة مِنْ اللَّه تَعَالَى بَاقِيَة فِي ثُغُور الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَنِكَايَة الْعَدُوّ وَغَيْر ذَلِكَ وَإِذَا اُعْتُبِرَ أَيْضًا كُلّ مَوْضِع فَفِيهِ ذَلِكَ بِالْأَمْرَاضِ وَأَنْوَاع الْمِحَن وَلَكِنَّ الَّتِي تُشْبِه نَازِلَة الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُرَيْش هِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَمْر الْعَدُوّ فِي كُلّ ثَغْر
" أَحَسِبَ " اِسْتِفْهَام أُرِيدَ بِهِ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ وَمَعْنَاهُ الظَّنّ " أَنْ يُتْرَكُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " حَسِبَ " وَهِيَ وَصِلَتهَا مَقَام الْمَفْعُولَيْنِ عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ وَ " أَنْ " الثَّانِيَة مِنْ " أَنْ يَقُولُوا " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى إِحْدَى جِهَتَيْنِ بِمَعْنَى لِأَنْ يَقُولُوا أَوْ بِأَنْ يَقُولُوا أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنْ يَكُون عَلَى التَّكْرِير ; وَالتَّقْدِير " الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا " أَحَسِبُوا " أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : يُرِيد بِالنَّاسِ قَوْمًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ وَكَانَ الْكُفَّار مِنْ قُرَيْش يُؤْذُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; كَسَلَمَةَ بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَعَمَّار بْن يَاسِر وَيَاسِر أَبُوهُ وَسُمَيَّة أُمّه وَعِدَّة مِنْ بَنِي مَخْزُوم وَغَيْرهمْ فَكَانَتْ صُدُورهمْ تَضِيق لِذَلِكَ وَرُبَّمَا اِسْتَنْكَرَ أَنْ يُمَكِّن اللَّه الْكُفَّار مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مُسَلِّيَة وَمُعْلِمَة أَنْ هَذِهِ هِيَ سِيرَة اللَّه فِي عِبَاده اِخْتِبَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِتْنَة قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِهَذَا السَّبَب أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَقْوَال فَهِيَ بَاقِيَة فِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُود حُكْمهَا بَقِيَّة الدَّهْر وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتْنَة مِنْ اللَّه تَعَالَى بَاقِيَة فِي ثُغُور الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَنِكَايَة الْعَدُوّ وَغَيْر ذَلِكَ وَإِذَا اُعْتُبِرَ أَيْضًا كُلّ مَوْضِع فَفِيهِ ذَلِكَ بِالْأَمْرَاضِ وَأَنْوَاع الْمِحَن وَلَكِنَّ الَّتِي تُشْبِه نَازِلَة الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُرَيْش هِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَمْر الْعَدُوّ فِي كُلّ ثَغْر
قُلْت : مَا أَحْسَن مَا قَالَهُ وَلَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي مِهْجَع مَوْلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ أَوَّل قَتِيل مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْم بَدْر ; رَمَاهُ عَامِر بْن الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ :( سَيِّد الشُّهَدَاء مِهْجَع وَهُوَ أَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلَى بَاب الْجَنَّة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ) فَجَزِعَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ وَامْرَأَته فَنَزَلَتْ :" الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا " وَقَالَ الشَّعْبِيّ : نَزَلَ مُفْتَتَح هَذِهِ السُّورَة فِي أُنَاس كَانُوا بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة أَنَّهُ لَا يُقْبَل مِنْكُمْ إِقْرَار الْإِسْلَام حَتَّى تُهَاجِرُوا فَخَرَجُوا فَأَتْبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَآذَوْهُمْ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة :" الم أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا " فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَة كَذَا فَقَالُوا : نَخْرُج وَإِنْ اِتَّبَعَنَا أَحَد قَاتَلْنَاهُ ; فَاتَّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا فَنَزَلَ فِيهِمْ :" ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا " [ النَّحْل : ١١٠ ] " وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " يُمْتَحَنُونَ ; أَيْ أَظَنَّ الَّذِينَ جَزِعُوا مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقْنَع مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّا مُؤْمِنُونَ وَلَا يُمْتَحَنُونَ فِي إِيمَانهمْ وَأَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَا يَتَبَيَّن بِهِ حَقِيقَة إِيمَانهمْ
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
أَيْ اِبْتَلَيْنَا الْمَاضِينَ كَالْخَلِيلِ أُلْقِيَ فِي النَّار وَكَقَوْمٍ نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ فِي دِين اللَّه فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ : قَالُوا شَكَوْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّد بُرْدَة لَهُ فِي ظِلّ الْكَعْبَة فَقُلْنَا لَهُ : أَلَا تَسْتَنْصِر لَنَا ؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا فَقَالَ :( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يُؤْخَذ الرَّجُل فَيُحْفَر لَهُ فِي الْأَرْض فَيُجْعَل فِيهَا فَيُجَاء بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأْسه فَيُجْعَل نِصْفَيْنِ وَيُمَشَّط بِأَمْشَاطِ الْحَدِيد لَحْمه وَعَظْمه فَمَا يَصْرِفهُ ذَلِكَ عَنْ دِينه وَاَللَّه لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْر حَتَّى يَسِير الرَّاكِب مِنْ صَنْعَاء إِلَى حَضْرَمَوْت لَا يَخَاف إِلَّا اللَّه وَالذِّئْب عَلَى غَنَمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَك فَوَضَعْت يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْت حَرّه بَيْن يَدَيَّ فَوْق اللِّحَاف فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَشَدّهَا عَلَيْك قَالَ :( إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّف لَنَا الْبَلَاء وَيُضَعَّف لَنَا الْأَجْر ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ) وَقُلْت : ثُمَّ مَنْ قَالَ ( ثُمَّ الصَّالِحُونَ إِنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِد إِلَّا الْعَبَاءَة يَحُوبها وَأَنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيَفْرَح بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَح أَحَدكُمْ بِالرَّخَاءِ ) وَرَوَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فَإِنْ كَانَ فِي دِينه صُلْبًا اِشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينه رِقَّة اُبْتُلِيَ عَلَى حَسَب دِينه فَمَا يَبْرَح الْبَلَاء بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْض وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَة ) وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ وَزِير فَرَكِبَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ السَّبُع فَأَكَلَهُ فَقَالَ عِيسَى : يَا رَبّ وَزِيرِي فِي دِينك وَعَوْنِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَخَلِيفَتِي فِيهِمْ سَلَّطْت عَلَيْهِ كَلْبًا فَأَكَلَهُ قَالَ :( نَعَمْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي مَنْزِلَة رَفِيعَة لَمْ أَجِد عَمَله يَبْلُغهَا فَابْتَلَيْته بِذَلِكَ لِأُبَلِّغهُ تِلْكَ الْمَنْزِلَة ) وَقَالَ وَهْب : قَرَأْت فِي كِتَاب رَجُل مِنْ الْحَوَارِيِّينَ : إِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الْبَلَاء فَقِرَّ عَيْنًا فَإِنَّهُ سُلِكَ بِك سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَإِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الرَّخَاء فَابْكِ عَلَى نَفْسك فَقَدْ خُولِفَ بِك عَنْ سَبِيلهمْ
أَيْ اِبْتَلَيْنَا الْمَاضِينَ كَالْخَلِيلِ أُلْقِيَ فِي النَّار وَكَقَوْمٍ نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ فِي دِين اللَّه فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ : قَالُوا شَكَوْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّد بُرْدَة لَهُ فِي ظِلّ الْكَعْبَة فَقُلْنَا لَهُ : أَلَا تَسْتَنْصِر لَنَا ؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا فَقَالَ :( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يُؤْخَذ الرَّجُل فَيُحْفَر لَهُ فِي الْأَرْض فَيُجْعَل فِيهَا فَيُجَاء بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأْسه فَيُجْعَل نِصْفَيْنِ وَيُمَشَّط بِأَمْشَاطِ الْحَدِيد لَحْمه وَعَظْمه فَمَا يَصْرِفهُ ذَلِكَ عَنْ دِينه وَاَللَّه لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْر حَتَّى يَسِير الرَّاكِب مِنْ صَنْعَاء إِلَى حَضْرَمَوْت لَا يَخَاف إِلَّا اللَّه وَالذِّئْب عَلَى غَنَمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَك فَوَضَعْت يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْت حَرّه بَيْن يَدَيَّ فَوْق اللِّحَاف فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَشَدّهَا عَلَيْك قَالَ :( إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّف لَنَا الْبَلَاء وَيُضَعَّف لَنَا الْأَجْر ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ) وَقُلْت : ثُمَّ مَنْ قَالَ ( ثُمَّ الصَّالِحُونَ إِنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِد إِلَّا الْعَبَاءَة يَحُوبها وَأَنْ كَانَ أَحَدهمْ لَيَفْرَح بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَح أَحَدكُمْ بِالرَّخَاءِ ) وَرَوَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس أَشَدّ بَلَاء ؟ قَالَ ( الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فَإِنْ كَانَ فِي دِينه صُلْبًا اِشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينه رِقَّة اُبْتُلِيَ عَلَى حَسَب دِينه فَمَا يَبْرَح الْبَلَاء بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْض وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَة ) وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ وَزِير فَرَكِبَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ السَّبُع فَأَكَلَهُ فَقَالَ عِيسَى : يَا رَبّ وَزِيرِي فِي دِينك وَعَوْنِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَخَلِيفَتِي فِيهِمْ سَلَّطْت عَلَيْهِ كَلْبًا فَأَكَلَهُ قَالَ :( نَعَمْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي مَنْزِلَة رَفِيعَة لَمْ أَجِد عَمَله يَبْلُغهَا فَابْتَلَيْته بِذَلِكَ لِأُبَلِّغهُ تِلْكَ الْمَنْزِلَة ) وَقَالَ وَهْب : قَرَأْت فِي كِتَاب رَجُل مِنْ الْحَوَارِيِّينَ : إِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الْبَلَاء فَقِرَّ عَيْنًا فَإِنَّهُ سُلِكَ بِك سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَإِذَا سُلِكَ بِك سَبِيل الرَّخَاء فَابْكِ عَلَى نَفْسك فَقَدْ خُولِفَ بِك عَنْ سَبِيلهمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
أَيْ فَلَيَرَيَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا قَالَ الزَّجَّاج : لِيَعْلَم صِدْق الصَّادِق بِوُقُوعِ صِدْقه مِنْهُ وَقَدْ عَلِمَ الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمَا وَلَكِنَّ الْقَصْد قَصْد وُقُوع الْعِلْم بِمَا يُجَازِي عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْلَم صِدْق الصَّادِق وَاقِعًا كَائِنًا وُقُوعه وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقَعُ وَقَالَ النَّحَّاس : فِيهِ قَوْلَانِ - أَحَدهمَا - أَنْ يَكُون " صَدَقُوا " مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَ " الْكَاذِبِينَ " مُشْتَقًّا مِنْ الْكَذِب الَّذِي هُوَ ضِدّ الصِّدْق وَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيُبَيِّنَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فَقَالُوا نَحْنُ مُؤْمِنُونَ وَاعْتَقَدُوا مِثْل ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا حِين اِعْتَقَدُوا غَيْر ذَلِكَ وَالْقَوْل الْآخَر أَنْ يَكُون صَدَقُوا مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَهِيَ الصُّلْب وَالْكَاذِبِينَ مُشْتَقًّا مِنْ كَذَبَ إِذَا اِنْهَزَمَ فَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ ثَبَتُوا فِي الْحَرْب وَاَلَّذِينَ اِنْهَزَمُوا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
فَجَعَلَ " لَيَعْلَمَنَّ " فِي مَوْضِع فَلَيُبَيِّنَنَّ مَجَازًا وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة :" فَلَيَعْلَمَنَّ " بِفَتْحِ الْيَاء وَاللَّام وَقَرَأَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر اللَّام وَهِيَ تُبَيِّن مَعْنَى مَا قَالَهُ النَّحَّاس وَيَحْتَمِل ثَلَاثَة مَعَانٍ : الْأَوَّل : أَنْ يَعْلَم فِي الْآخِرَة هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ ثَوَابه وَعِقَابه وَبِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ; بِمَعْنَى يُوقِفهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ الثَّانِي : أَنْ يَكُون الْمَفْعُول الْأَوَّل مَحْذُوفًا تَقْدِيره ; فَلَيَعْلَمَنَّ النَّاس وَالْعَالَم هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ أَيْ يَفْضَحهُمْ وَيُشْهِرهُمْ ; هَؤُلَاءِ فِي الْخَيْر وَهَؤُلَاءِ فِي الشَّرّ وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة : الثَّالِث أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَة ; أَيْ يَضَع لِكُلِّ طَائِفَة عَلَامَة يَشْتَهِر بِهَا فَالْآيَة عَلَى هَذَا تَنْظُر إِلَى قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَة أَلْبَسَهُ اللَّه رِدَاءَهَا )
أَيْ فَلَيَرَيَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ الْبَقَرَة ] وَغَيْرهَا قَالَ الزَّجَّاج : لِيَعْلَم صِدْق الصَّادِق بِوُقُوعِ صِدْقه مِنْهُ وَقَدْ عَلِمَ الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمَا وَلَكِنَّ الْقَصْد قَصْد وُقُوع الْعِلْم بِمَا يُجَازِي عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْلَم صِدْق الصَّادِق وَاقِعًا كَائِنًا وُقُوعه وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقَعُ وَقَالَ النَّحَّاس : فِيهِ قَوْلَانِ - أَحَدهمَا - أَنْ يَكُون " صَدَقُوا " مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَ " الْكَاذِبِينَ " مُشْتَقًّا مِنْ الْكَذِب الَّذِي هُوَ ضِدّ الصِّدْق وَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيُبَيِّنَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا فَقَالُوا نَحْنُ مُؤْمِنُونَ وَاعْتَقَدُوا مِثْل ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا حِين اِعْتَقَدُوا غَيْر ذَلِكَ وَالْقَوْل الْآخَر أَنْ يَكُون صَدَقُوا مُشْتَقًّا مِنْ الصِّدْق وَهِيَ الصُّلْب وَالْكَاذِبِينَ مُشْتَقًّا مِنْ كَذَبَ إِذَا اِنْهَزَمَ فَيَكُون الْمَعْنَى ; فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ ثَبَتُوا فِي الْحَرْب وَاَلَّذِينَ اِنْهَزَمُوا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
لَيْث بِعَثَّرَ يَصْطَاد الرِّجَال إِذَا | مَا اللَّيْث كَذَبَ عَنْ أَقْرَانه صَدَقَا |
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
أَيْ الشِّرْك قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَبَا جَهْل وَالْأَسْوَد وَالْعَاص بْن هِشَام وَشَيْبَة وَعُتْبَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَحَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان وَالْعَاص بْن وَائِل
أَيْ الشِّرْك قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَبَا جَهْل وَالْأَسْوَد وَالْعَاص بْن هِشَام وَشَيْبَة وَعُتْبَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَحَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان وَالْعَاص بْن وَائِل
أَنْ يَسْبِقُونَا
أَيْ يَفُوتُونَا وَيُعْجِزُونَا قَبْل أَنْ نُؤَاخِذهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ
أَيْ يَفُوتُونَا وَيُعْجِزُونَا قَبْل أَنْ نُؤَاخِذهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ
سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
أَيْ بِئْسَ الْحُكْم مَا حَكَمُوا فِي صِفَات رَبّهمْ أَنَّهُ مَسْبُوق وَاَللَّه الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء وَ " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى سَاءَ شَيْئًا أَوْ حُكْمًا يَحْكُمُونَ وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى سَاءَ الشَّيْء أَوْ الْحُكْم حُكْمهمْ وَهَذَا قَوْل الزَّجَّاج وَقَدَّرَهَا اِبْن كَيْسَان تَقْدِيرَيْنِ آخَرِينَ خِلَاف ذَيْنك : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَوْضِع " مَا يَحْكُمُونَ " بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد كَمَا تَقُول : أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْت ; أَيْ صَنِيعك ; فَ " مَا " وَالْفِعْل مَصْدَر فِي مَوْضِع رَفْع التَّقْدِير ; سَاءَ حُكْمهمْ وَالتَّقْدِير الْآخَر أَنْ تَكُون " مَا " لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب وَقَدْ قَامَتْ مَقَام الِاسْم لِسَاءَ وَكَذَلِكَ نِعْمَ وَبِئْسَ قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَأَنَا أَخْتَار أَنْ أَجْعَل لِ " مَا " مَوْضِعًا فِي كُلّ مَا أَقْدِر عَلَيْهِ ; نَحْو قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه " [ آل عِمْرَان : ١٥٩ ] وَكَذَا " فَبِمَا نَقْضِهِمْ " [ الْمَائِدَة : ١٣ ] وَكَذَا " أَيّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت " [ الْقَصَص : ٢٨ ] " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض فِي هَذَا كُلّه وَمَا بَعْده تَابِع لَهَا وَكَذَا ; " إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة " [ الْبَقَرَة : ٢٦ ] " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب وَ " بَعُوضَة " تَابِع لَهَا
أَيْ بِئْسَ الْحُكْم مَا حَكَمُوا فِي صِفَات رَبّهمْ أَنَّهُ مَسْبُوق وَاَللَّه الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء وَ " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى سَاءَ شَيْئًا أَوْ حُكْمًا يَحْكُمُونَ وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى سَاءَ الشَّيْء أَوْ الْحُكْم حُكْمهمْ وَهَذَا قَوْل الزَّجَّاج وَقَدَّرَهَا اِبْن كَيْسَان تَقْدِيرَيْنِ آخَرِينَ خِلَاف ذَيْنك : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَوْضِع " مَا يَحْكُمُونَ " بِمَنْزِلَةِ شَيْء وَاحِد كَمَا تَقُول : أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْت ; أَيْ صَنِيعك ; فَ " مَا " وَالْفِعْل مَصْدَر فِي مَوْضِع رَفْع التَّقْدِير ; سَاءَ حُكْمهمْ وَالتَّقْدِير الْآخَر أَنْ تَكُون " مَا " لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب وَقَدْ قَامَتْ مَقَام الِاسْم لِسَاءَ وَكَذَلِكَ نِعْمَ وَبِئْسَ قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَأَنَا أَخْتَار أَنْ أَجْعَل لِ " مَا " مَوْضِعًا فِي كُلّ مَا أَقْدِر عَلَيْهِ ; نَحْو قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه " [ آل عِمْرَان : ١٥٩ ] وَكَذَا " فَبِمَا نَقْضِهِمْ " [ الْمَائِدَة : ١٣ ] وَكَذَا " أَيّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت " [ الْقَصَص : ٢٨ ] " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض فِي هَذَا كُلّه وَمَا بَعْده تَابِع لَهَا وَكَذَا ; " إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة " [ الْبَقَرَة : ٢٦ ] " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب وَ " بَعُوضَة " تَابِع لَهَا
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ
" يَرْجُو " بِمَعْنَى يَخَاف مِنْ قَوْل الْهُذَلِيّ فِي وَصْف عَسَّال :
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا
وَأَجْمَع أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ يَخَاف الْمَوْت فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ لَا بُدّ أَنْ يَأْتِيه ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس قَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى " يَرْجُو لِقَاء اللَّه " ثَوَاب اللَّه وَ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ " كَانَ " فِي مَوْضِع الْخَبَر وَهِيَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَ " يَرْجُو " فِي مَوْضِع خَبَر كَانَ وَالْمُجَازَاة " فَإِنَّ أَجَل اللَّه لَآتٍ "
" يَرْجُو " بِمَعْنَى يَخَاف مِنْ قَوْل الْهُذَلِيّ فِي وَصْف عَسَّال :
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا
وَأَجْمَع أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى : مَنْ كَانَ يَخَاف الْمَوْت فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ لَا بُدّ أَنْ يَأْتِيه ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس قَالَ الزَّجَّاج : مَعْنَى " يَرْجُو لِقَاء اللَّه " ثَوَاب اللَّه وَ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ " كَانَ " فِي مَوْضِع الْخَبَر وَهِيَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَ " يَرْجُو " فِي مَوْضِع خَبَر كَانَ وَالْمُجَازَاة " فَإِنَّ أَجَل اللَّه لَآتٍ "
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
السَّمِيع لِأَقْوَالِكُمْ الْعَلِيم بِأَفْعَالِكُمْ
السَّمِيع لِأَقْوَالِكُمْ الْعَلِيم بِأَفْعَالِكُمْ
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ
أَيْ وَمَنْ جَاهَدَ فِي الدِّين وَصَبَرَ عَلَى قِتَال الْكُفَّار وَأَعْمَال الطَّاعَات فَإِنَّمَا يَسْعَى لِنَفْسِهِ ; أَيْ ثَوَاب ذَلِكَ كُلّه لَهُ ; وَلَا يَرْجِع إِلَى اللَّه نَفْع مِنْ ذَلِكَ
أَيْ وَمَنْ جَاهَدَ فِي الدِّين وَصَبَرَ عَلَى قِتَال الْكُفَّار وَأَعْمَال الطَّاعَات فَإِنَّمَا يَسْعَى لِنَفْسِهِ ; أَيْ ثَوَاب ذَلِكَ كُلّه لَهُ ; وَلَا يَرْجِع إِلَى اللَّه نَفْع مِنْ ذَلِكَ
إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
أَيْ عَنْ أَعْمَالهمْ وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; مَنْ جَاهَدَ عَدُوّهُ لِنَفْسِهِ لَا يُرِيد وَجْه اللَّه فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة بِجِهَادِهِ
أَيْ عَنْ أَعْمَالهمْ وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; مَنْ جَاهَدَ عَدُوّهُ لِنَفْسِهِ لَا يُرِيد وَجْه اللَّه فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة بِجِهَادِهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أَيْ صَدَّقُوا
أَيْ صَدَّقُوا
لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ
أَيْ لَنُغَطِّيَنَّهَا عَنْهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُمْ
أَيْ لَنُغَطِّيَنَّهَا عَنْهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُمْ
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
أَيْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالهمْ وَهُوَ الطَّاعَات ثُمَّ قِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ كُلّ مَعْصِيَة عَمِلُوهَا فِي الشِّرْك وَيُثَابُوا عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ حَسَنَة فِي الْإِسْلَام وَيَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام وَيُثَابُوا عَلَى حَسَنَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام
أَيْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالهمْ وَهُوَ الطَّاعَات ثُمَّ قِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ كُلّ مَعْصِيَة عَمِلُوهَا فِي الشِّرْك وَيُثَابُوا عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ حَسَنَة فِي الْإِسْلَام وَيَحْتَمِل أَنْ تُكَفَّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام وَيُثَابُوا عَلَى حَسَنَاتهمْ فِي الْكُفْر وَالْإِسْلَام
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا
نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيّ قَالَ : أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَع آيَات فَذَكَرَ قِصَّة ; فَقَالَتْ أُمّ سَعْد : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّه بِالْبِرِّ وَاَللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ تَكْفُر ; قَالَ : فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا " الْآيَة قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح وَرُوِيَ عَنْ سَعْد أَنَّهُ قَالَ : كُنْت بَارًّا بِأُمِّي فَأَسْلَمْت فَقَالَتْ : لَتَدَعَنَّ دِينك أَوْ لَا آكُل وَلَا أَشْرَب حَتَّى أَمُوت فَتُعَيَّر بِي وَيُقَال يَا قَاتِل أُمّه وَبَقِيَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا فَقُلْت : يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَك مِائَة نَفْس فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْت دِينِي هَذَا فَإِنْ شِئْت فَكُلِي وَإِنْ شِئْت فَلَا تَأْكُلِي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ وَنَزَلَتْ :
نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيّ قَالَ : أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَع آيَات فَذَكَرَ قِصَّة ; فَقَالَتْ أُمّ سَعْد : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّه بِالْبِرِّ وَاَللَّه لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ تَكْفُر ; قَالَ : فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا " الْآيَة قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح وَرُوِيَ عَنْ سَعْد أَنَّهُ قَالَ : كُنْت بَارًّا بِأُمِّي فَأَسْلَمْت فَقَالَتْ : لَتَدَعَنَّ دِينك أَوْ لَا آكُل وَلَا أَشْرَب حَتَّى أَمُوت فَتُعَيَّر بِي وَيُقَال يَا قَاتِل أُمّه وَبَقِيَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا فَقُلْت : يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَك مِائَة نَفْس فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْت دِينِي هَذَا فَإِنْ شِئْت فَكُلِي وَإِنْ شِئْت فَلَا تَأْكُلِي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ وَنَزَلَتْ :
وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
الْآيَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَخِي أَبِي جَهْل لِأُمِّهِ وَقَدْ فَعَلَتْ أُمّه مِثْل ذَلِكَ وَعَنْهُ أَيْضًا : نَزَلَتْ فِي جَمِيع الْأُمَّة إِذًا لَا يَصْبِر عَلَى بَلَاء اللَّه إِلَّا صِدِّيق " وَحُسْنًا " نُصِبَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى التَّكْرِير أَيْ وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْقَطْع تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ بِالْحُسْنِ كَمَا تَقُول وَصَّيْته خَيْرًا أَيْ بِالْخَيْرِ وَقَالَ أَهْل الْكُوفَة : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يَفْعَل حُسْنًا فَيُقَدَّر لَهُ فِعْل وَقَالَ الشَّاعِر :
خَيْرًا بِهَا كَأَنَّمَا خَافُونَا
أَيْ يُوصِينَا أَنْ نَفْعَل بِهَا خَيْرًا ; كَقَوْلِهِ :" فَطَفِقَ مَسْحًا " [ ص : ٣٣ ] أَيْ يَمْسَح مَسْحًا وَقِيلَ : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ أَمْرًا ذَا حُسْن فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَلْزَمْنَاهُ حُسْنًا وَقِرَاءَة الْعَامَّة :" حُسْنًا " بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان السِّين وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ :" إِحْسَانًا " عَلَى الْمَصْدَر ; وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَف أُبَيّ التَّقْدِير : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يُحْسِن إِحْسَانًا وَلَا يَنْتَصِب بِوَصَّيْنَا ; لِأَنَّهُ قَدْ اِسْتَوْفَى مَفْعُولَيْهِ
الْآيَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَخِي أَبِي جَهْل لِأُمِّهِ وَقَدْ فَعَلَتْ أُمّه مِثْل ذَلِكَ وَعَنْهُ أَيْضًا : نَزَلَتْ فِي جَمِيع الْأُمَّة إِذًا لَا يَصْبِر عَلَى بَلَاء اللَّه إِلَّا صِدِّيق " وَحُسْنًا " نُصِبَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى التَّكْرِير أَيْ وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْقَطْع تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ بِالْحُسْنِ كَمَا تَقُول وَصَّيْته خَيْرًا أَيْ بِالْخَيْرِ وَقَالَ أَهْل الْكُوفَة : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يَفْعَل حُسْنًا فَيُقَدَّر لَهُ فِعْل وَقَالَ الشَّاعِر :
عَجِبْت مِنْ دَهْمَاء إِذْ تَشْكُونَا | وَمَنْ أَبِي دَهْمَاء إِذْ يُوصِينَا |
أَيْ يُوصِينَا أَنْ نَفْعَل بِهَا خَيْرًا ; كَقَوْلِهِ :" فَطَفِقَ مَسْحًا " [ ص : ٣٣ ] أَيْ يَمْسَح مَسْحًا وَقِيلَ : تَقْدِيره وَوَصَّيْنَاهُ أَمْرًا ذَا حُسْن فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَلْزَمْنَاهُ حُسْنًا وَقِرَاءَة الْعَامَّة :" حُسْنًا " بِضَمِّ الْحَاء وَإِسْكَان السِّين وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء وَأَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ :" إِحْسَانًا " عَلَى الْمَصْدَر ; وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَف أُبَيّ التَّقْدِير : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يُحْسِن إِحْسَانًا وَلَا يَنْتَصِب بِوَصَّيْنَا ; لِأَنَّهُ قَدْ اِسْتَوْفَى مَفْعُولَيْهِ
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
وَعِيد فِي طَاعَة الْوَالِدَيْنِ فِي مَعْنَى الْكُفْر
وَعِيد فِي طَاعَة الْوَالِدَيْنِ فِي مَعْنَى الْكُفْر
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
كَرَّرَ تَعَالَى التَّمْثِيل بِحَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ لِتُحَرَّكَ النُّفُوس إِلَى نَيْل مَرَاتِبهمْ وَقَوْله :" لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ " مُبَالَغَة عَلَى مَعْنَى ; فَاَلَّذِينَ هُمْ فِي نِهَايَة الصَّلَاح وَأَبْعَد غَايَاته وَإِذَا تَحَصَّلَ لِلْمُؤْمِنِ هَذَا الْحُكْم تَحْصُل ثَمَرَته وَجَزَاؤُهُ وَهُوَ الْجَنَّة
كَرَّرَ تَعَالَى التَّمْثِيل بِحَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ لِتُحَرَّكَ النُّفُوس إِلَى نَيْل مَرَاتِبهمْ وَقَوْله :" لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ " مُبَالَغَة عَلَى مَعْنَى ; فَاَلَّذِينَ هُمْ فِي نِهَايَة الصَّلَاح وَأَبْعَد غَايَاته وَإِذَا تَحَصَّلَ لِلْمُؤْمِنِ هَذَا الْحُكْم تَحْصُل ثَمَرَته وَجَزَاؤُهُ وَهُوَ الْجَنَّة
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي نَاس كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاء مِنْ اللَّه أَوْ مُصِيبَة فِي أَنْفُسهمْ اُفْتُتِنُوا وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ فَإِذَا أُوذُوا رَجَعُوا إِلَى الشِّرْك وَقَالَ عِكْرِمَة : كَانَ قَوْم قَدْ أَسْلَمُوا فَأَكْرَهَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْخُرُوج مَعَهُمْ إِلَى بَدْر فَقُتِلَ بَعْضهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه :" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ " [ النِّسَاء : ٩٧ ] فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ فَخَرَجُوا فَلَحِقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَافْتُتِنَ بَعْضهمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَسْلَمَ وَهَاجَرَ ثُمَّ أُوذِيَ وَضُرِبَ فَارْتَدَّ وَإِنَّمَا عَذَّبَهُ أَبُو جَهْل وَالْحَارِث وَكَانَا أَخَوَيْهِ لِأُمِّهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ بِدَهْرٍ وَحَسُنَ إِسْلَامه
الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي نَاس كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاء مِنْ اللَّه أَوْ مُصِيبَة فِي أَنْفُسهمْ اُفْتُتِنُوا وَقَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ فَإِذَا أُوذُوا رَجَعُوا إِلَى الشِّرْك وَقَالَ عِكْرِمَة : كَانَ قَوْم قَدْ أَسْلَمُوا فَأَكْرَهَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْخُرُوج مَعَهُمْ إِلَى بَدْر فَقُتِلَ بَعْضهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه :" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ " [ النِّسَاء : ٩٧ ] فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ فَخَرَجُوا فَلَحِقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَافْتُتِنَ بَعْضهمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِمْ وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة أَسْلَمَ وَهَاجَرَ ثُمَّ أُوذِيَ وَضُرِبَ فَارْتَدَّ وَإِنَّمَا عَذَّبَهُ أَبُو جَهْل وَالْحَارِث وَكَانَا أَخَوَيْهِ لِأُمِّهِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ بِدَهْرٍ وَحَسُنَ إِسْلَامه
فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ
أَيْ أَذَاهُمْ
أَيْ أَذَاهُمْ
كَعَذَابِ اللَّهِ
فِي الْآخِرَة فَارْتَدَّ عَنْ إِيمَانه وَقِيلَ : جَزِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَجْزَع مِنْ عَذَاب اللَّه وَلَا يَصْبِر عَلَى الْأَذِيَّة فِي اللَّه
فِي الْآخِرَة فَارْتَدَّ عَنْ إِيمَانه وَقِيلَ : جَزِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَجْزَع مِنْ عَذَاب اللَّه وَلَا يَصْبِر عَلَى الْأَذِيَّة فِي اللَّه
وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ
أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ
أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ
لَيَقُولُنَّ
هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدُّونَ
هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدُّونَ
إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ
وَهُمْ كَاذِبُونَ فَقَالَ اللَّه لَهُمْ :" أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ "
وَهُمْ كَاذِبُونَ فَقَالَ اللَّه لَهُمْ :" أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ "
أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ
يَعْنِي اللَّه أَعْلَم بِمَا فِي صُدُورهمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ
يَعْنِي اللَّه أَعْلَم بِمَا فِي صُدُورهمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ
قَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ رَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّة
قَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ رَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّة
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ
" سَبِيلنَا " أَيْ دِيننَا " وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " جُزِمَ عَلَى الْأَمْر قَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج : هُوَ أَمْر فِي تَأْوِيل الشَّرْط وَالْجَزَاء ; أَيْ إِنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلنَا نَحْمِل خَطَايَاكُمْ كَمَا قَالَ :
أَيْ إِنْ دَعَوْت دَعَوْت قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَجَاءَ وُقُوع " إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " بَعْده عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ اِتَّبَعْتُمْ سَبِيلنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ فَلَمَّا كَانَ الْأَمْر يَرْجِع فِي الْمَعْنَى إِلَى الْخَبَر وَقَعَ عَلَيْهِ التَّكْذِيب كَمَا يُوقَع عَلَيْهِ الْخَبَر قَالَ مُجَاهِد : قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش نَحْنُ وَأَنْتُمْ لَا نُبْعَث فَإِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ وِزْر فَعَلَيْنَا ; أَيْ نَحْنُ نَحْمِل عَنْكُمْ مَا يَلْزَمكُمْ وَالْحَمْل هَاهُنَا بِمَعْنَى الْحِمَال لَا الْحَمْل عَلَى الظَّهْر وَرُوِيَ أَنَّ قَائِل ذَلِكَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة
" سَبِيلنَا " أَيْ دِيننَا " وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " جُزِمَ عَلَى الْأَمْر قَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج : هُوَ أَمْر فِي تَأْوِيل الشَّرْط وَالْجَزَاء ; أَيْ إِنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلنَا نَحْمِل خَطَايَاكُمْ كَمَا قَالَ :
فَقُلْت اُدْعِي وَأَدْعُ فَإِنَّ أَنْدَى | لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ |
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ
يَعْنِي مَا يُحْمَل عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَات مَنْ ظَلَمُوهُ بَعْد فَرَاغ حَسَنَاتهمْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ آل عِمْرَان ] قَالَ أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ :( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ كَثِير الْحَسَنَات فَلَا يَزَال يُقْتَصّ مِنْهُ حَتَّى تَفْنَى حَسَنَاته ثُمَّ يُطَالَب فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِقْتَصُّوا مِنْ عَبْدِي فَتَقُول الْمَلَائِكَة مَا بَقِيَتْ لَهُ حَسَنَات فَيَقُول خُذُوا مِنْ سَيِّئَات الْمَظْلُوم فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ " وَقَالَ قَتَادَة : مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يُنْقَص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء وَنَظِيره قَوْل تَعَالَى :" لِيَحْمِلُوا أَوْزَارهمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم " [ النَّحْل : ٢٥ ] وَنَظِير هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة فَعَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء ) رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره وَقَالَ الْحَسَن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ وَعُمِلَ بِهِ فَلَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا وَعُمِلَ بِهَا بَعْده فَعَلَيْهِ مِثْل أَوْزَار مَنْ عَمِلَ بِهَا مِمَّنْ اِتَّبَعَهُ لَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْئًا ) ثُمَّ قَرَأَ الْحَسَن :" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ "
قُلْت : هَذَا مُرْسَل وَهُوَ مَعْنَى حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة خَرَّجَهُ مُسْلِم وَنَصّ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( أَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أَوْزَار مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أَوِزْرهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا ) خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي جُحَيْفَة وَجَرِير وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد أَعْوَان الظَّلَمَة وَقِيلَ أَصْحَاب الْبِدَع إِذَا اُتُّبِعُوا عَلَيْهَا وَقِيلَ : مُحْدِثُو السُّنَن الْحَادِثَة إِذَا عُمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدهمْ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَالْحَدِيث يَجْمَع ذَلِكَ كُلّه
يَعْنِي مَا يُحْمَل عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَات مَنْ ظَلَمُوهُ بَعْد فَرَاغ حَسَنَاتهمْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ آل عِمْرَان ] قَالَ أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ :( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ كَثِير الْحَسَنَات فَلَا يَزَال يُقْتَصّ مِنْهُ حَتَّى تَفْنَى حَسَنَاته ثُمَّ يُطَالَب فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِقْتَصُّوا مِنْ عَبْدِي فَتَقُول الْمَلَائِكَة مَا بَقِيَتْ لَهُ حَسَنَات فَيَقُول خُذُوا مِنْ سَيِّئَات الْمَظْلُوم فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ ) ثُمَّ تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ " وَقَالَ قَتَادَة : مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يُنْقَص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء وَنَظِيره قَوْل تَعَالَى :" لِيَحْمِلُوا أَوْزَارهمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم " [ النَّحْل : ٢٥ ] وَنَظِير هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة فَعَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء ) رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره وَقَالَ الْحَسَن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ وَعُمِلَ بِهِ فَلَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا وَعُمِلَ بِهَا بَعْده فَعَلَيْهِ مِثْل أَوْزَار مَنْ عَمِلَ بِهَا مِمَّنْ اِتَّبَعَهُ لَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْئًا ) ثُمَّ قَرَأَ الْحَسَن :" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ "
قُلْت : هَذَا مُرْسَل وَهُوَ مَعْنَى حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة خَرَّجَهُ مُسْلِم وَنَصّ حَدِيث أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( أَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أَوْزَار مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أَوِزْرهمْ شَيْئًا وَأَيّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْل أُجُور مَنْ اِتَّبَعَهُ وَلَا يُنْقِص مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا ) خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي جُحَيْفَة وَجَرِير وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد أَعْوَان الظَّلَمَة وَقِيلَ أَصْحَاب الْبِدَع إِذَا اُتُّبِعُوا عَلَيْهَا وَقِيلَ : مُحْدِثُو السُّنَن الْحَادِثَة إِذَا عُمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدهمْ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب وَالْحَدِيث يَجْمَع ذَلِكَ كُلّه
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا
ذَكَرَ قِصَّة نُوح تَسْلِيَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ اُبْتُلِيَ النَّبِيُّونَ قَبْلك بِالْكُفَّارِ فَصَبَرُوا وَخَصَّ نُوحًا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ أَوَّل رَسُول أُرْسِلَ إِلَى الْأَرْض وَقَدْ اِمْتَلَأَتْ كُفْرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ هُود ] وَأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ نَبِيّ مِنْ قَوْمه مَا لَقِيَ نُوح عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ هُود ] عَنْ الْحَسَن وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أَوَّل نَبِيّ أُرْسِلَ نُوح ) قَالَ قَتَادَة : وَبُعِثَ مِنْ الْجَزِيرَة وَاخْتُلِفَ فِي مَبْلَغ عُمْره فَقِيلَ : مَبْلَغ عُمْره مَا ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه قَالَ قَتَادَة : لَبِثَ فِيهِمْ قَبْل أَنْ يَدْعُوهُمْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَدَعَاهُمْ لِثَلَاثِمِائَةِ سَنَة وَلَبِثَ بَعْد الطُّوفَان ثَلَاثمِائَةِ وَخَمْسِينَ سَنَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بُعِثَ نُوح لِأَرْبَعِينَ سَنَة وَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الْغَرَق سِتِّينَ سَنَة حَتَّى كَثُرَ النَّاس وَفَشُوا وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ بُعِثَ وَهُوَ اِبْن مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَة وَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان مِائَتِي سَنَة وَقَالَ وَهْب : عُمْر نُوح أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان سَبْعِينَ عَامًا فَكَانَ مَبْلَغ عُمْره أَلْف سَنَة وَعِشْرِينَ عَامًا وَقَالَ عَوْن بْن أَبِي شَدَّاد : بُعِثَ نُوح وَهُوَ اِبْن خَمْسِينَ وَثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَعَاشَ بَعْد الطُّوفَان ثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة فَكَانَ مَبْلَغ عُمْره أَلْف سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن قَالَ الْحَسَن : لَمَّا أَتَى مَلَك الْمَوْت نُوحًا لِيَقْبِض رُوحه قَالَ : يَا نُوح كَمْ عِشْت فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : ثَلَاثمِائَةِ قَبْل أَنْ أُبْعَث وَأَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فِي قَوْمِي وَثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَخَمْسِينَ سَنَة بَعْد الطُّوفَان قَالَ مَلَك الْمَوْت : فَكَيْفَ وَجَدْت الدُّنْيَا ؟ قَالَ نُوح : مِثْل دَار لَهَا بَابَانِ دَخَلْت مِنْ هَذَا وَخَرَجْت مِنْ هَذَا وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا بَعَثَ اللَّه نُوحًا إِلَى قَوْمه بَعَثَهُ وَهُوَ اِبْن خَمْسِينَ وَمِائَتِي سَنَة فَلَبِثَ فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَبَقِيَ بَعْد الطُّوفَان خَمْسِينَ وَمِائَتَيْ سَنَة فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَك الْمَوْت قَالَ يَا نُوح يَا أَكْبَر الْأَنْبِيَاء وَيَا طَوِيل الْعُمْر وَيَا مُجَاب الدَّعْوَة كَيْفَ رَأَيْت الدُّنْيَا قَالَ : مِثْل رَجُل بُنِيَ لَهُ بَيْت لَهُ بَابَانِ فَدَخَلَ مِنْ وَاحِد وَخَرَجَ مِنْ الْآخَر ) وَقَدْ قِيلَ : دَخَلَ مِنْ أَحَدهمَا وَجَلَسَ هُنَيْهَة ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَاب الْآخَر وَقَالَ اِبْن الْوَرْدِيّ : بَنَى نُوح بَيْتًا مِنْ قَصَب فَقِيلَ لَهُ : لَوْ بَنَيْت غَيْر هَذَا فَقَالَ : هَذَا كَثِير لِمَنْ يَمُوت وَقَالَ أَبُو الْمُهَاجِر : لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فِي بَيْت مِنْ شَعْر فَقِيلَ لَهُ : يَا نَبِيّ
اللَّه اِبْنِ بَيْتًا فَقَالَ : أَمُوت الْيَوْم أَوْ أَمُوت غَدًا وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : مَرَّتْ بِنُوحٍ خَمْسمِائَةِ سَنَة لَمْ يَقْرَب النِّسَاء وَجِلًا مِنْ الْمَوْت وَقَالَ مُقَاتِل وَجُوَيْبِر : إِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَبِرَ وَرَقَّ عَظْمه قَالَ يَا رَبّ إِلَى مَتَى أَكِدّ وَأَسْعَى ؟ قَالَ يَا آدَم حَتَّى يُولَد لَك وَلَد مَخْتُون فَوُلِدَ لَهُ نُوح بَعْد عَشَرَة أَبْطُن وَهُوَ يَوْمئِذٍ اِبْن أَلْف سَنَة إِلَّا سِتِّينَ عَامًا وَقَالَ بَعْضهمْ : إِلَّا أَرْبَعِينَ عَامًا وَاَللَّه أَعْلَم فَكَانَ نُوح بْن لَامَك بْن متوشلخ بْن إِدْرِيس وَهُوَ أَخْنُوخ بْن يرد بْن مهلاييل بْن قَيْنَان بْن أَنُوش بْن شيث بْن آدَم وَكَانَ اِسْم نُوح السَّكَن وَإِنَّمَا سُمِّيَ السَّكَن لِأَنَّ النَّاس بَعْد آدَم سَكَنُوا إِلَيْهِ فَهُوَ أَبُوهُمْ وَوُلِدَ لَهُ سَام وَحَام ويافث فَوَلَدَ سَام الْعَرَب وَفَارِس وَالرُّوم وَفِي كُلّ هَؤُلَاءِ خَيْر وَوَلَدَ حَام الْقِبْط وَالسُّودَان وَالْبَرْبَر وَوَلَدَ يافث التُّرْك وَالصَّقَالِبَة وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَؤُلَاءِ خَيْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي وَلَد سَام بَيَاض وَأُدْمَة وَفِي وَلَد حَام سَوَاد وَبَيَاض قَلِيل وَفِي وَلَد يافث - وَهُمْ التُّرْك وَالصَّقَالِبَة - الصُّفْرَة وَالْحُمْرَة وَكَانَ لَهُ وَلَد رَابِع وَهُوَ كَنْعَان الَّذِي غَرِقَ وَالْعَرَب تُسَمِّيه يام وَسُمِّيَ نُوح نُوحًا لِأَنَّهُ نَاحَ عَنْ قَوْمه أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَإِذَا كَفَرُوا بَكَى وَنَاحَ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو الْقَاسِم عَبْد الْكَرِيم فِي كِتَاب التَّخْبِير لَهُ : يُرْوَى أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ اِسْمه يَشْكُر وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَى خَطِيئَته أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ يَا نُوح كَمْ تَنُوح فَسُمِّيَ نُوحًا ; فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه فَأَيّ شَيْء كَانَتْ خَطِيئَته ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ مَرَّ بِكَلْبٍ فَقَالَ فِي نَفْسه مَا أَقْبَحه فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ اُخْلُقْ أَنْتَ أَحْسَن مِنْ هَذَا.
وَقَالَ يَزِيد الرَّقَاشِيّ : إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحًا لِطُولِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسه فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ قَالَ :" أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " وَلَمْ يَقُلْ تِسْعمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ تَكْثِير الْعَدَد فَكَانَ ذِكْره الْأَلْف أَكْثَر فِي اللَّفْظ وَأَكْثَر فِي الْعَدَد.
الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مِنْ الْعُمْر أَلْف سَنَة فَوَهَبَ مِنْ عُمْره خَمْسِينَ سَنَة لِبَعْضِ وَلَده فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة رَجَعَ فِي اِسْتِكْمَال الْأَلْف فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّقِيصَة كَانَتْ مِنْ جِهَته.
" أَلْف سَنَة " مَنْصُوب عَلَى الظَّرْف " إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " مَنْصُوب عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْمُوجِب وَهُوَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول ; لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ كَالْمَفْعُولِ فَأَمَّا الْمُبَرِّد أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد فَهُوَ عِنْده مَفْعُول مَحْض كَأَنَّك قُلْت اِسْتَثْنَيْت زَيْدًا
وَقَالَ يَزِيد الرَّقَاشِيّ : إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحًا لِطُولِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسه فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ قَالَ :" أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " وَلَمْ يَقُلْ تِسْعمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ تَكْثِير الْعَدَد فَكَانَ ذِكْره الْأَلْف أَكْثَر فِي اللَّفْظ وَأَكْثَر فِي الْعَدَد.
الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مِنْ الْعُمْر أَلْف سَنَة فَوَهَبَ مِنْ عُمْره خَمْسِينَ سَنَة لِبَعْضِ وَلَده فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة رَجَعَ فِي اِسْتِكْمَال الْأَلْف فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّقِيصَة كَانَتْ مِنْ جِهَته.
" أَلْف سَنَة " مَنْصُوب عَلَى الظَّرْف " إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " مَنْصُوب عَلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْمُوجِب وَهُوَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول ; لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ كَالْمَفْعُولِ فَأَمَّا الْمُبَرِّد أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد فَهُوَ عِنْده مَفْعُول مَحْض كَأَنَّك قُلْت اِسْتَثْنَيْت زَيْدًا
تَنْبِيه : رَوَى حَسَّان بْن غَالِب بْن نَجِيح أَبُو الْقَاسِم الْمِصْرِيّ حَدَّثَنَا مَالِك بْن أَنَس عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كَانَ جِبْرِيل يُذَاكِرنِي فَضْل عُمَر فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَا بَلَغَ فَضْل عُمَر قَالَ لِي يَا مُحَمَّد لَوْ لَبِثْت مَعَك مَا لَبِثَ نُوح فِي قَوْمه مَا بَلَّغْت لَك فَضْل عُمَر ) ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن ثَابِت الْبَغْدَادِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ حَسَّان بْن غَالِب عَنْ مَالِك وَلَيْسَ بِثَابِتٍ مِنْ حَدِيثه
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : الْمَطَر الضَّحَّاك : الْغَرَق وَقِيلَ : الْمَوْت رَوَتْهُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَفْنَاهُمْ طُوفَان مَوْت جَارِف
قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِكُلِّ كَثِير مُطِيف بِالْجَمِيعِ مِنْ مَطَر أَوْ قَتْل أَوْ مَوْت طُوفَان " وَهُمْ ظَالِمُونَ " جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة : الْمَطَر الضَّحَّاك : الْغَرَق وَقِيلَ : الْمَوْت رَوَتْهُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَفْنَاهُمْ طُوفَان مَوْت جَارِف
قَالَ النَّحَّاس : يُقَال لِكُلِّ كَثِير مُطِيف بِالْجَمِيعِ مِنْ مَطَر أَوْ قَتْل أَوْ مَوْت طُوفَان " وَهُمْ ظَالِمُونَ " جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ
مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " جَعَلْنَاهَا " لِلسَّفِينَةِ أَوْ لِلْعُقُوبَةِ أَوْ لِلنَّجَاةِ ; ثَلَاثَة أَقْوَال
مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " جَعَلْنَاهَا " لِلسَّفِينَةِ أَوْ لِلْعُقُوبَةِ أَوْ لِلنَّجَاةِ ; ثَلَاثَة أَقْوَال
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ
قَالَ الْكِسَائِيّ :" وَإِبْرَاهِيم " مَنْصُوب بِ ( أَنْجَيْنَا ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى نُوح وَالْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم وَقَوْل ثَالِث : أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيم
قَالَ الْكِسَائِيّ :" وَإِبْرَاهِيم " مَنْصُوب بِ ( أَنْجَيْنَا ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْهَاء وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى نُوح وَالْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم وَقَوْل ثَالِث : أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيم
اعْبُدُوا اللَّهَ
أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ
أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ
وَاتَّقُوهُ
أَيْ اِتَّقُوا عِقَابَة وَعَذَابه
أَيْ اِتَّقُوا عِقَابَة وَعَذَابه
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
أَيْ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان
أَيْ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا
أَيْ أَصْنَامًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الصَّنَم مَا يُتَّخَذ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة أَوْ نُحَاس وَالْوَثَن مَا يُتَّخَذ مِنْ جِصّ أَوْ حِجَارَة الْجَوْهَرِيّ : الْوَثَن الصَّنَم وَالْجَمْع وُثْن وَأَوْثَان مِثْل أُسْد وَآسَاد
أَيْ أَصْنَامًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الصَّنَم مَا يُتَّخَذ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة أَوْ نُحَاس وَالْوَثَن مَا يُتَّخَذ مِنْ جِصّ أَوْ حِجَارَة الْجَوْهَرِيّ : الْوَثَن الصَّنَم وَالْجَمْع وُثْن وَأَوْثَان مِثْل أُسْد وَآسَاد
وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا
قَالَ الْحَسَن : مَعْنَى " تَخْلُقُونَ " تَنْحِتُونَ فَالْمَعْنَى إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَوْثَانًا وَأَنْتُمْ تَصْنَعُونَهَا وَقَالَ مُجَاهِد : الْإِفْك الْكَذِب وَالْمَعْنَى تَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَتَخْلُقُونَ الْكَذِب وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن :" وَتَخْلُقُونَ " وَقُرِئَ :" تُخَلِّقُونَ " بِمَعْنَى التَّكْثِير مِنْ خَلَّقَ وَ " تَخْلُقُونَ " مِنْ تَخَلَّقَ بِمَعْنَى تَكَذَّبَ وَتَخَرَّصَ وَقُرِئَ :" أَفِكًا " وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَنْ يَكُون مَصْدَرًا نَحْو كَذِب وَلَعِب وَالْإِفْك مُخَفَّفًا مِنْهُ كَالْكَذِبِ وَاللَّعِب وَأَنْ يَكُون صِفَة عَلَى فِعْل أَيْ خَلْقًا أَفِكًا أَيْ ذَا إِفْك وَبَاطِل وَ " أَوْثَانًا " نُصِبَ بِ " تَعْبُدُونَ " وَ " مَا " كَافَّة وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن رَفْع أَوْثَان عَلَى أَنْ تُجْعَل " مَا " أَسْمَاء لِأَنَّ " تَعْبُدُونَ " صِلَته وَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم وَجَعْل أَوْثَان خَبَر إِنَّ فَأَمَّا " وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " فَهُوَ مَنْصُوب بِالْفِعْلِ لَا غَيْر
قَالَ الْحَسَن : مَعْنَى " تَخْلُقُونَ " تَنْحِتُونَ فَالْمَعْنَى إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَوْثَانًا وَأَنْتُمْ تَصْنَعُونَهَا وَقَالَ مُجَاهِد : الْإِفْك الْكَذِب وَالْمَعْنَى تَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَتَخْلُقُونَ الْكَذِب وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن :" وَتَخْلُقُونَ " وَقُرِئَ :" تُخَلِّقُونَ " بِمَعْنَى التَّكْثِير مِنْ خَلَّقَ وَ " تَخْلُقُونَ " مِنْ تَخَلَّقَ بِمَعْنَى تَكَذَّبَ وَتَخَرَّصَ وَقُرِئَ :" أَفِكًا " وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَنْ يَكُون مَصْدَرًا نَحْو كَذِب وَلَعِب وَالْإِفْك مُخَفَّفًا مِنْهُ كَالْكَذِبِ وَاللَّعِب وَأَنْ يَكُون صِفَة عَلَى فِعْل أَيْ خَلْقًا أَفِكًا أَيْ ذَا إِفْك وَبَاطِل وَ " أَوْثَانًا " نُصِبَ بِ " تَعْبُدُونَ " وَ " مَا " كَافَّة وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن رَفْع أَوْثَان عَلَى أَنْ تُجْعَل " مَا " أَسْمَاء لِأَنَّ " تَعْبُدُونَ " صِلَته وَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم وَجَعْل أَوْثَان خَبَر إِنَّ فَأَمَّا " وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " فَهُوَ مَنْصُوب بِالْفِعْلِ لَا غَيْر
إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
أَيْ اِصْرِفُوا رَغْبَتكُمْ فِي أَرْزَاقكُمْ إِلَى اللَّه فَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوهُ وَحْده دُون غَيْره
أَيْ اِصْرِفُوا رَغْبَتكُمْ فِي أَرْزَاقكُمْ إِلَى اللَّه فَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوهُ وَحْده دُون غَيْره
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
فَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم أَيْ التَّكْذِيب عَادَة الْكُفَّار وَلَيْسَ عَلَى الرُّسُل إِلَّا التَّبْلِيغ وَقَدْ قِيلَ :" وَإِنْ تُكَذِّبُوا " خِطَاب لِقُرَيْشٍ لَيْسَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم
فَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم أَيْ التَّكْذِيب عَادَة الْكُفَّار وَلَيْسَ عَلَى الرُّسُل إِلَّا التَّبْلِيغ وَقَدْ قِيلَ :" وَإِنْ تُكَذِّبُوا " خِطَاب لِقُرَيْشٍ لَيْسَ مِنْ قَوْل إِبْرَاهِيم
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر وَالتَّوْبِيخ لَهُمْ وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قَالَ أَبُو عُبَيْد : لِذِكْرِ الْأُمَم كَأَنَّهُ قَالَ أَوَلَمْ يَرَ الْأُمَم كَيْفَ وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْأَعْمَش وَابْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" تَرَوْا " بِالتَّاءِ خِطَابًا ; لِقَوْلِهِ :" وَإِنْ تُكَذِّبُوا ".
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر وَالتَّوْبِيخ لَهُمْ وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم قَالَ أَبُو عُبَيْد : لِذِكْرِ الْأُمَم كَأَنَّهُ قَالَ أَوَلَمْ يَرَ الْأُمَم كَيْفَ وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْأَعْمَش وَابْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" تَرَوْا " بِالتَّاءِ خِطَابًا ; لِقَوْلِهِ :" وَإِنْ تُكَذِّبُوا ".
ثُمَّ يُعِيدُهُ
يَعْنِي الْخَلْق وَالْبَعْث وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الثِّمَار فَتَحْيَا ثُمَّ تَفْنَى ثُمَّ يُعِيدهَا أَبَدًا وَكَذَلِكَ يَبْدَأ خَلْق الْإِنْسَان ثُمَّ يُهْلِكهُ بَعْد أَنْ خَلَقَ مِنْهُ وَلَدًا وَخَلَقَ مِنْ الْوَلَد وَلَدًا وَكَذَلِكَ سَائِر الْحَيَوَان أَيْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ قُدْرَته عَلَى الْإِبْدَاء وَالْإِيجَاد فَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْإِعَادَة
يَعْنِي الْخَلْق وَالْبَعْث وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الثِّمَار فَتَحْيَا ثُمَّ تَفْنَى ثُمَّ يُعِيدهَا أَبَدًا وَكَذَلِكَ يَبْدَأ خَلْق الْإِنْسَان ثُمَّ يُهْلِكهُ بَعْد أَنْ خَلَقَ مِنْهُ وَلَدًا وَخَلَقَ مِنْ الْوَلَد وَلَدًا وَكَذَلِكَ سَائِر الْحَيَوَان أَيْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ قُدْرَته عَلَى الْإِبْدَاء وَالْإِيجَاد فَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْإِعَادَة
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون
لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد سِيرُوا فِي الْأَرْض
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد سِيرُوا فِي الْأَرْض
فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ
عَلَى كَثْرَتهمْ وَتَفَاوُت هَيْئَاتهمْ وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتهمْ وَأَلْوَانهمْ وَطَبَائِعهمْ وَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِن الْقُرُون الْمَاضِيَة وَدِيَارهمْ وَأَثَارَهُمْ كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ ; لِتَعْلَمُوا بِذَلِكَ كَمَال قُدْرَة اللَّه
عَلَى كَثْرَتهمْ وَتَفَاوُت هَيْئَاتهمْ وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتهمْ وَأَلْوَانهمْ وَطَبَائِعهمْ وَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِن الْقُرُون الْمَاضِيَة وَدِيَارهمْ وَأَثَارَهُمْ كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ ; لِتَعْلَمُوا بِذَلِكَ كَمَال قُدْرَة اللَّه
ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير :" النَّشَاءَة " بِفَتْحِ الشِّين وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الرَّأْفَة وَالرَّآفَة وَشَبَهه الْجَوْهَرِيّ : أَنْشَأَهُ اللَّه خَلَقَهُ وَالِاسْم النَّشْأَة وَالنَّشَاءَة بِالْمَدِّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير :" النَّشَاءَة " بِفَتْحِ الشِّين وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الرَّأْفَة وَالرَّآفَة وَشَبَهه الْجَوْهَرِيّ : أَنْشَأَهُ اللَّه خَلَقَهُ وَالِاسْم النَّشْأَة وَالنَّشَاءَة بِالْمَدِّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر ; قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد ; يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدَرَة وَقَدَرَانًا ; أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقَدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر ; قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد ; يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدَرَة وَقَدَرَانًا ; أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقَدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
أَيْ بِعَدْلِهِ
أَيْ بِعَدْلِهِ
وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ
أَيْ بِفَضْلِهِ
أَيْ بِفَضْلِهِ
وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ
تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
قَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَاهُ وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء بِمُعْجِزِينَ اللَّه وَهُوَ غَامِض فِي الْعَرَبِيَّة ; لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَر فِي الثَّانِي وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّان :
أَرَادَ وَمَنْ يَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء ; فَأَضْمَرَ مَنْ ; وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد وَنَظِيره قَوْله سُبْحَانه :" وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَام مَعْلُوم " [ الصَّافَّات : ١٦٤ ] أَيْ مَنْ لَهُ وَالْمَعْنَى إِنَّ اللَّه لَا يُعْجِزهُ أَهْل الْأَرْض فِي الْأَرْض وَلَا أَهْل السَّمَاء إِنْ عَصَوْهُ وَقَالَ قُطْرُب : وَلَا فِي السَّمَاء لَوْ كُنْتُمْ فِيهَا كَمَا تَقُول : لَا يَفُوتنِي فُلَان بِالْبَصْرَةِ وَلَا هَاهُنَا بِمَعْنَى لَا يَفُوتنِي بِالْبَصْرَةِ لَوْ صَارَ إِلَيْهَا وَقِيلَ : لَا يَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَقَالَ الْمُبَرِّد : وَالْمَعْنَى وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ مَوْصُولَة وَلَكِنْ تَكُون نَكِرَة وَ " فِي السَّمَاء " صِفَة لَهَا فَأُقِيمَتْ الصِّفَة مَقَام الْمَوْصُوف وَرَدَّ ذَلِكَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان وَقَالَ : لَا يَجُوز وَقَالَ : إِنَّ مَنْ إِذَا كَانَتْ نَكِرَة فَلَا بُدّ مِنْ وَصْفهَا فَصِفَتهَا كَالصِّلَةِ وَلَا يَجُوز حَذْف الْمَوْصُول وَتَرْك الصِّلَة ; قَالَ : وَالْمَعْنَى إِنَّ النَّاس خُوطِبُوا بِمَا يَعْقِلُونَ ; وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاء مَا أَعْجَزْتُمْ اللَّه ; كَمَا قَالَ :" وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة " [ النِّسَاء : ٧٨ ]
قَالَ الْفَرَّاء : مَعْنَاهُ وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء بِمُعْجِزِينَ اللَّه وَهُوَ غَامِض فِي الْعَرَبِيَّة ; لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَر فِي الثَّانِي وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّان :
فَمَنْ يَهْجُو رَسُول اللَّه مِنْكُمْ | وَيَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء |
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
وَيَجُوز " نَصِير " بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع وَتَكُون " مِنْ " زَائِدَة
وَيَجُوز " نَصِير " بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع وَتَكُون " مِنْ " زَائِدَة
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ
أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمَا نَصَبَ مِنْ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام
أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمَا نَصَبَ مِنْ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام
أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي
أَيْ مِنْ الْجَنَّة وَنَسَبَ الْيَأْس إِلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى أُويِسُوا وَهَذِهِ الْآيَات اِعْتِرَاض مِنْ اللَّه تَعَالَى تَذْكِيرًا وَتَحْذِيرًا لِأَهْلِ مَكَّة
أَيْ مِنْ الْجَنَّة وَنَسَبَ الْيَأْس إِلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى أُويِسُوا وَهَذِهِ الْآيَات اِعْتِرَاض مِنْ اللَّه تَعَالَى تَذْكِيرًا وَتَحْذِيرًا لِأَهْلِ مَكَّة
وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
" أَلِيم " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع، مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع ; قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا :
وَأَلِمَ إِذَا أُوجِعَ.
وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع.
وَالْأَلَم : الْوَجَع، وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا.
وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع.
وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء، وَأَلْآم مِثْل أَشْرَاف.
" أَلِيم " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع، مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع ; قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا :
وَنَرْفَع مِنْ صُدُور شَمَرْدَلَات | يَصُكّ وُجُوههَا وَهَج أَلِيم |
وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع.
وَالْأَلَم : الْوَجَع، وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا.
وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع.
وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء، وَأَلْآم مِثْل أَشْرَاف.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
ثُمَّ عَادَ الْخِطَاب إِلَى قِصَّة إِبْرَاهِيم فَقَالَ :" فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه " حِين دَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقِرَاءَة الْعَامَّة :" جَوَاب " بِنَصْبِ الْبَاء عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ وَ " أَنْ قَالُوا " فِي مَحَلّ الرَّفْع اِسْم كَانَ وَقَرَأَ سَالِم الْأَفْطَس وَعَمْرو بْن دِينَار :" جَوَاب " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اِسْم " كَانَ " وَ " أَنْ " فِي مَوْضِع الْخَبَر نَصْبًا.
ثُمَّ عَادَ الْخِطَاب إِلَى قِصَّة إِبْرَاهِيم فَقَالَ :" فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه " حِين دَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقِرَاءَة الْعَامَّة :" جَوَاب " بِنَصْبِ الْبَاء عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ وَ " أَنْ قَالُوا " فِي مَحَلّ الرَّفْع اِسْم كَانَ وَقَرَأَ سَالِم الْأَفْطَس وَعَمْرو بْن دِينَار :" جَوَاب " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اِسْم " كَانَ " وَ " أَنْ " فِي مَوْضِع الْخَبَر نَصْبًا.
إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ
ثُمَّ اِتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيقه
ثُمَّ اِتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيقه
فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ
أَيْ مِنْ إِذَايَتِهَا
أَيْ مِنْ إِذَايَتِهَا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
أَيْ إِنْجَائِهِ مِنْ النَّار الْعَظِيمَة حَتَّى لَمْ تُحْرِقهُ بَعْد مَا أُلْقِيَ فِيهَا " لِآيَاتٍ "
أَيْ إِنْجَائِهِ مِنْ النَّار الْعَظِيمَة حَتَّى لَمْ تُحْرِقهُ بَعْد مَا أُلْقِيَ فِيهَا " لِآيَاتٍ "
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
" وَقَالَ " إِبْرَاهِيم " إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة :" مَوَدَّةَ بَيْنكُمْ " وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ :" مَوَدَّةٌ بَيْنِكُمْ " وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم وَابْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش :" مَوَدَّةٌ بَيْنَكُمْ " الْبَاقُونَ " مَوَدَّةُ بَيْنَكُمْ " فَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن كَثِير فَفِيهَا ثَلَاثَة أَوْجُه ; ذَكَرَ الزَّجَّاج مِنْهَا وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَوَدَّة اِرْتَفَعَتْ عَلَى خَبَر إِنَّ وَتَكُون " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَالتَّقْدِير إِنَّ الَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ أَيْ وَهِيَ مَوَدَّة أَوْ تِلْكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْمَعْنَى آلِهَتكُمْ أَوْ جَمَاعَتكُمْ مَوَدَّة بَيْنكُمْ قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ :" أَوْثَانًا " وَقْف حَسَن لِمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة بِإِضْمَارِ ذَلِكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهَا خَبَر إِنَّ لَمْ يَقِف وَالْوَجْه الثَّالِث الَّذِي لَمْ يَذْكُرهُ أَنْ يَكُون " مَوَدَّة " رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ " فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " خَبَره ; فَأَمَّا إِضَافَة " مَوَدَّة " إِلَى " بَيْنكُمْ " فَإِنَّهُ جَعَلَ " بَيْنكُمْ " اِسْمًا غَيْر ظَرْف وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ جَعَلَهُ مَفْعُولًا عَلَى السَّعَة وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : يَا سَارِق اللَّيْلَة أَهْل الدَّار وَلَا يَجُوز أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ ظَرْف ; لَعِلَّةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذِكْرهَا وَمَنْ رَفَعَ " مَوَدَّة " وَنُونهَا فَعَلَى مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَ " بَيْنكُمْ " بِالنَّصْبِ ظَرْفًا وَمَنْ نَصَبَ " مَوَدَّة " وَلَمْ يُنَوِّنهَا جَعَلَهَا مَفْعُولَة بِوُقُوعِ الِاتِّخَاذ عَلَيْهَا وَجَعَلَ " إِنَّمَا " حَرْفًا وَاحِدًا وَلَمْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي وَيَجُوز نَصْب الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول مِنْ أَجْله كَمَا تَقُول : جِئْتُك اِبْتِغَاء الْخَيْر وَقَصَدْت فُلَانًا مَوَدَّة لَهُ " بَيْنكُمْ " بِالْخَفْضِ وَمَنْ نَوَّنَ " مَوَدَّة " وَنَصَبَهَا فَعَلَى مَا ذُكِرَ " بَيْنكُمْ " بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْر إِضَافَة قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَمَنْ قَرَأَ :" مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ " وَ " مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ " لَمْ يَقِف عَلَى الْأَوْثَان وَوَقَفَ عَلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَعْنَى الْآيَة جَعَلْتُمْ الْأَوْثَان تَتَحَابُّونَ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَادَتهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
" وَقَالَ " إِبْرَاهِيم " إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة :" مَوَدَّةَ بَيْنكُمْ " وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ :" مَوَدَّةٌ بَيْنِكُمْ " وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم وَابْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش :" مَوَدَّةٌ بَيْنَكُمْ " الْبَاقُونَ " مَوَدَّةُ بَيْنَكُمْ " فَأَمَّا قِرَاءَة اِبْن كَثِير فَفِيهَا ثَلَاثَة أَوْجُه ; ذَكَرَ الزَّجَّاج مِنْهَا وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمَوَدَّة اِرْتَفَعَتْ عَلَى خَبَر إِنَّ وَتَكُون " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَالتَّقْدِير إِنَّ الَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ أَيْ وَهِيَ مَوَدَّة أَوْ تِلْكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَالْمَعْنَى آلِهَتكُمْ أَوْ جَمَاعَتكُمْ مَوَدَّة بَيْنكُمْ قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ :" أَوْثَانًا " وَقْف حَسَن لِمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة بِإِضْمَارِ ذَلِكَ مَوَدَّة بَيْنكُمْ وَمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهَا خَبَر إِنَّ لَمْ يَقِف وَالْوَجْه الثَّالِث الَّذِي لَمْ يَذْكُرهُ أَنْ يَكُون " مَوَدَّة " رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ " فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " خَبَره ; فَأَمَّا إِضَافَة " مَوَدَّة " إِلَى " بَيْنكُمْ " فَإِنَّهُ جَعَلَ " بَيْنكُمْ " اِسْمًا غَيْر ظَرْف وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ جَعَلَهُ مَفْعُولًا عَلَى السَّعَة وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : يَا سَارِق اللَّيْلَة أَهْل الدَّار وَلَا يَجُوز أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ ظَرْف ; لَعِلَّةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذِكْرهَا وَمَنْ رَفَعَ " مَوَدَّة " وَنُونهَا فَعَلَى مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَ " بَيْنكُمْ " بِالنَّصْبِ ظَرْفًا وَمَنْ نَصَبَ " مَوَدَّة " وَلَمْ يُنَوِّنهَا جَعَلَهَا مَفْعُولَة بِوُقُوعِ الِاتِّخَاذ عَلَيْهَا وَجَعَلَ " إِنَّمَا " حَرْفًا وَاحِدًا وَلَمْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي وَيَجُوز نَصْب الْمَوَدَّة عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول مِنْ أَجْله كَمَا تَقُول : جِئْتُك اِبْتِغَاء الْخَيْر وَقَصَدْت فُلَانًا مَوَدَّة لَهُ " بَيْنكُمْ " بِالْخَفْضِ وَمَنْ نَوَّنَ " مَوَدَّة " وَنَصَبَهَا فَعَلَى مَا ذُكِرَ " بَيْنكُمْ " بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْر إِضَافَة قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَمَنْ قَرَأَ :" مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ " وَ " مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ " لَمْ يَقِف عَلَى الْأَوْثَان وَوَقَفَ عَلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَعْنَى الْآيَة جَعَلْتُمْ الْأَوْثَان تَتَحَابُّونَ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَادَتهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
تَتَبَرَّأ الْأَوْثَان مِنْ عُبَّادهَا وَالرُّؤَسَاء مِنْ السَّفَلَة كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " [ الزُّخْرُف : ٦٧ ]
تَتَبَرَّأ الْأَوْثَان مِنْ عُبَّادهَا وَالرُّؤَسَاء مِنْ السَّفَلَة كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " [ الزُّخْرُف : ٦٧ ]
وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
هُوَ خِطَاب لِعَبَدَةِ الْأَوْثَان الرُّؤَسَاء مِنْهُمْ وَالْأَتْبَاع وَقِيلَ : تَدْخُل فِيهِ الْأَوْثَان كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٨ ]
هُوَ خِطَاب لِعَبَدَةِ الْأَوْثَان الرُّؤَسَاء مِنْهُمْ وَالْأَتْبَاع وَقِيلَ : تَدْخُل فِيهِ الْأَوْثَان كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٨ ]
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ
لُوط أَوَّل مَنْ صَدَّقَ إِبْرَاهِيم حِين رَأَى النَّار عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا قَالَ اِبْن إِسْحَاق آمَنَ لُوط بِإِبْرَاهِيمَ وَكَانَ اِبْن أُخْته وَآمَنَتْ بِهِ سَارَة وَكَانَتْ بِنْت عَمّه
لُوط أَوَّل مَنْ صَدَّقَ إِبْرَاهِيم حِين رَأَى النَّار عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا قَالَ اِبْن إِسْحَاق آمَنَ لُوط بِإِبْرَاهِيمَ وَكَانَ اِبْن أُخْته وَآمَنَتْ بِهِ سَارَة وَكَانَتْ بِنْت عَمّه
وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي
قَالَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة : الَّذِي قَالَ :" إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي " هُوَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَتَادَة هَاجَرَ مِنْ كوثا وَهِيَ قَرْيَة مِنْ سَوَاد الْكُوفَة إِلَى حَرَّان ثُمَّ إِلَى الشَّام وَمَعَهُ اِبْن أَخِيهِ لُوط بْن هَارَان بْن تارخ وَامْرَأَته سَارَة قَالَ الْكَلْبِيّ : هَاجَرَ مِنْ أَرْض حَرَّان إِلَى فِلَسْطِين وَهُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَرْض الْكُفْر قَالَ مُقَاتِل : هَاجَرَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ اِبْن خَمْس وَسَبْعِينَ سَنَة وَقِيلَ : الَّذِي قَالَ :" إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي " لُوط عَلَيْهِ السَّلَام ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ قَتَادَة قَالَ : أَوَّل مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَتَادَة : سَمِعْت النَّضْر بْن أَنَس يَقُول سَمِعْت أَبَا حَمْزَة يَعْنِي أَنَس بْن مَالِك يَقُول : خَرَجَ عُثْمَان بْن عَفَّان وَمَعَهُ رُقَيَّة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة فَأَبْطَأَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرهمْ فَقَدِمَتْ امْرَأَة مِنْ قُرَيْش فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّد رَأَيْت خَتْنك وَمَعَهُ اِمْرَأَته قَالَ :( عَلَى أَيّ حَال رَأَيْتهمَا ) قَالَتْ : رَأَيْته وَقَدْ حَمَلَ امْرَأَته عَلَى حِمَار مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَة وَهُوَ يَسُوقهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صَحِبَهُمَا اللَّه إِنَّ عُثْمَان لَأَوَّل مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْد لُوط ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا فِي الْهِجْرَة الْأُولَى وَأَمَّا الْهِجْرَة الثَّانِيَة إِلَى الْحَبَشَة فَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيّ سَنَة خَمْس مِنْ مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَى رَبِّي " أَيْ إِلَى رِضَا رَبِّي وَإِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي
قَالَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة : الَّذِي قَالَ :" إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي " هُوَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَتَادَة هَاجَرَ مِنْ كوثا وَهِيَ قَرْيَة مِنْ سَوَاد الْكُوفَة إِلَى حَرَّان ثُمَّ إِلَى الشَّام وَمَعَهُ اِبْن أَخِيهِ لُوط بْن هَارَان بْن تارخ وَامْرَأَته سَارَة قَالَ الْكَلْبِيّ : هَاجَرَ مِنْ أَرْض حَرَّان إِلَى فِلَسْطِين وَهُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَرْض الْكُفْر قَالَ مُقَاتِل : هَاجَرَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ اِبْن خَمْس وَسَبْعِينَ سَنَة وَقِيلَ : الَّذِي قَالَ :" إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي " لُوط عَلَيْهِ السَّلَام ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ قَتَادَة قَالَ : أَوَّل مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَتَادَة : سَمِعْت النَّضْر بْن أَنَس يَقُول سَمِعْت أَبَا حَمْزَة يَعْنِي أَنَس بْن مَالِك يَقُول : خَرَجَ عُثْمَان بْن عَفَّان وَمَعَهُ رُقَيَّة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة فَأَبْطَأَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرهمْ فَقَدِمَتْ امْرَأَة مِنْ قُرَيْش فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّد رَأَيْت خَتْنك وَمَعَهُ اِمْرَأَته قَالَ :( عَلَى أَيّ حَال رَأَيْتهمَا ) قَالَتْ : رَأَيْته وَقَدْ حَمَلَ امْرَأَته عَلَى حِمَار مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَة وَهُوَ يَسُوقهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صَحِبَهُمَا اللَّه إِنَّ عُثْمَان لَأَوَّل مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْد لُوط ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ : هَذَا فِي الْهِجْرَة الْأُولَى وَأَمَّا الْهِجْرَة الثَّانِيَة إِلَى الْحَبَشَة فَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيّ سَنَة خَمْس مِنْ مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَى رَبِّي " أَيْ إِلَى رِضَا رَبِّي وَإِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي
إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
" الْحَكِيم " مَعْنَاهُ الْحَاكِم، وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل، صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل، كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم، قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام، لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد.
قَالَ جَرِير :
أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد.
وَقَالَ زُهَيْر :
الْقِدّ : الْجِلْد.
وَالْأَبَق : الْقِنَّب.
وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ مَنْعه.
وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل، وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا، وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل.
وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد.
فَهُوَ مُحْكِم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير.
" الْحَكِيم " مَعْنَاهُ الْحَاكِم، وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل، صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل، كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم، قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام، لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد.
قَالَ جَرِير :
أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ | إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا |
وَقَالَ زُهَيْر :
الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا | قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا |
وَالْأَبَق : الْقِنَّب.
وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ مَنْعه.
وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل، وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا، وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا، لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل.
وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد.
فَهُوَ مُحْكِم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير.
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
أَيْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْأَوْلَادِ فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاق وَلَدًا وَيَعْقُوب وَلَد وَلَد وَإِنَّمَا وُهِبَ لَهُ إِسْحَاق مِنْ بَعْد إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب مِنْ إِسْحَاق
أَيْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْأَوْلَادِ فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاق وَلَدًا وَيَعْقُوب وَلَد وَلَد وَإِنَّمَا وُهِبَ لَهُ إِسْحَاق مِنْ بَعْد إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب مِنْ إِسْحَاق
وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ
فَلَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا بَعْد إِبْرَاهِيم إِلَّا مِنْ صُلْبه وَوَحَّدَ الْكِتَاب لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَر كَالنُّبُوَّةِ وَالْمُرَاد التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْفُرْقَان فَهُوَ عِبَارَة عَنْ الْجَمْع فَالتَّوْرَاة أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى مِنْ وَلَده ; وَالْفُرْقَان عَلَى مُحَمَّد مِنْ وَلَده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
فَلَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا بَعْد إِبْرَاهِيم إِلَّا مِنْ صُلْبه وَوَحَّدَ الْكِتَاب لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَر كَالنُّبُوَّةِ وَالْمُرَاد التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْفُرْقَان فَهُوَ عِبَارَة عَنْ الْجَمْع فَالتَّوْرَاة أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى مِنْ وَلَده ; وَالْفُرْقَان عَلَى مُحَمَّد مِنْ وَلَده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا
يَعْنِي اجْتِمَاع أَهْل الْمِلَل عَلَيْهِ ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس قَالَ : أَمَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر إِنْسَانًا أَنْ يَسْأَل عِكْرِمَة عَنْ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا " فَقَالَ عِكْرِمَة : أَهْل الْمِلَل كُلّهَا تَدَّعِيه وَتَقُول هُوَ مِنَّا ; فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : صَدَقَ وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ مِثْل قَوْله :" وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة " [ النَّحْل : ١٢٢ ] أَيْ عَاقِبَة وَعَمَلًا صَالِحًا وَثَنَاء حَسَنًا وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل كُلّ دِين يَتَوَلَّوْنَهُ وَقِيلَ :" آتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا " أَنَّ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء مِنْ وَلَده
يَعْنِي اجْتِمَاع أَهْل الْمِلَل عَلَيْهِ ; قَالَهُ عِكْرِمَة وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس قَالَ : أَمَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر إِنْسَانًا أَنْ يَسْأَل عِكْرِمَة عَنْ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا " فَقَالَ عِكْرِمَة : أَهْل الْمِلَل كُلّهَا تَدَّعِيه وَتَقُول هُوَ مِنَّا ; فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : صَدَقَ وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ مِثْل قَوْله :" وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة " [ النَّحْل : ١٢٢ ] أَيْ عَاقِبَة وَعَمَلًا صَالِحًا وَثَنَاء حَسَنًا وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل كُلّ دِين يَتَوَلَّوْنَهُ وَقِيلَ :" آتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا " أَنَّ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء مِنْ وَلَده
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
لَيْسَ " فِي الْآخِرَة " دَاخِلًا فِي الصِّلَة وَإِنَّمَا هُوَ تَبْيِين وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] بَيَانه وَكُلّ هَذَا حَثّ عَلَى الِاقْتِدَاء بِإِبْرَاهِيمَ فِي الصَّبْر عَلَى الدِّين الْحَقّ
لَيْسَ " فِي الْآخِرَة " دَاخِلًا فِي الصِّلَة وَإِنَّمَا هُوَ تَبْيِين وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] بَيَانه وَكُلّ هَذَا حَثّ عَلَى الِاقْتِدَاء بِإِبْرَاهِيمَ فِي الصَّبْر عَلَى الدِّين الْحَقّ
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ
قَالَ الْفَرَّاء : لُوط مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : هَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي، أَيْ أَلْصَق.
وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ الزَّجَّاج زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ - يَعْنِي الْفَرَّاء - أَنَّ لُوطًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ لُطْت إِذَا مَلَّسْته بِالطِّينِ.
قَالَ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة لَا تَشْتَقّ كَإِسْحَاقَ، فَلَا يُقَال : إِنَّهُ مِنْ السُّحْق وَهُوَ الْبُعْد.
وَإِنَّمَا صُرِفَ لُوط لِخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف وَهُوَ سَاكِن الْوَسَط.
قَالَ النَّقَّاش : لُوط مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة وَلَيْسَ مِنْ الْعَرَبِيَّة.
فَأَمَّا لُطْت الْحَوْض، وَهَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي مِنْ هَذَا، فَصَحِيح.
وَلَكِنَّ الِاسْم أَعْجَمِيّ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : نُوح وَلُوط أَسْمَاء أَعْجَمِيَّة، إِلَّا أَنَّهَا خَفِيفَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ.
بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى أُمَّة تُسَمَّى سَدُوم، وَكَانَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم.
قَالَ الْكِسَائِيّ : الْمَعْنَى وَأَنْجَيْنَا لُوطًا أَوْ أَرْسَلْنَا لُوطًا قَالَ : وَهَذَا الْوَجْه أَحَبّ إِلَيَّ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا أَوْ مُحَذِّرًا
قَالَ الْفَرَّاء : لُوط مُشْتَقّ مِنْ قَوْلهمْ : هَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي، أَيْ أَلْصَق.
وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ الزَّجَّاج زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ - يَعْنِي الْفَرَّاء - أَنَّ لُوطًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ لُطْت إِذَا مَلَّسْته بِالطِّينِ.
قَالَ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة لَا تَشْتَقّ كَإِسْحَاقَ، فَلَا يُقَال : إِنَّهُ مِنْ السُّحْق وَهُوَ الْبُعْد.
وَإِنَّمَا صُرِفَ لُوط لِخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف وَهُوَ سَاكِن الْوَسَط.
قَالَ النَّقَّاش : لُوط مِنْ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة وَلَيْسَ مِنْ الْعَرَبِيَّة.
فَأَمَّا لُطْت الْحَوْض، وَهَذَا أَلْيَط بِقَلْبِي مِنْ هَذَا، فَصَحِيح.
وَلَكِنَّ الِاسْم أَعْجَمِيّ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : نُوح وَلُوط أَسْمَاء أَعْجَمِيَّة، إِلَّا أَنَّهَا خَفِيفَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ.
بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى أُمَّة تُسَمَّى سَدُوم، وَكَانَ اِبْن أَخِي إِبْرَاهِيم.
قَالَ الْكِسَائِيّ : الْمَعْنَى وَأَنْجَيْنَا لُوطًا أَوْ أَرْسَلْنَا لُوطًا قَالَ : وَهَذَا الْوَجْه أَحَبّ إِلَيَّ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا أَوْ مُحَذِّرًا
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ
يَعْنِي إِتْيَان الذُّكُور.
ذَكَرَهَا اللَّه بِاسْمِ الْفَاحِشَة لِيُبَيِّن أَنَّهَا زِنًى ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة " [ الْإِسْرَاء : ٣٢ ].
يَعْنِي إِتْيَان الذُّكُور.
ذَكَرَهَا اللَّه بِاسْمِ الْفَاحِشَة لِيُبَيِّن أَنَّهَا زِنًى ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة " [ الْإِسْرَاء : ٣٢ ].
مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
" مِنْ " لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس، أَيْ لَمْ يَكُنْ اللِّوَاط فِي أُمَّة قَبْل قَوْم لُوط.
وَالْمُلْحِدُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلهمْ.
وَالصِّدْق مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن.
وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ إِبْلِيس كَانَ أَصْل عَمَلهمْ بِأَنْ دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسه لَعَنَهُ اللَّه، فَكَانَ يَنْكِح بَعْضهمْ بَعْضًا.
قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلهُ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ.
وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي عَمَل قَوْم لُوط ).
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط إِلَّا الْخِنْزِير وَالْحِمَار.
" مِنْ " لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس، أَيْ لَمْ يَكُنْ اللِّوَاط فِي أُمَّة قَبْل قَوْم لُوط.
وَالْمُلْحِدُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلهمْ.
وَالصِّدْق مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن.
وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ إِبْلِيس كَانَ أَصْل عَمَلهمْ بِأَنْ دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسه لَعَنَهُ اللَّه، فَكَانَ يَنْكِح بَعْضهمْ بَعْضًا.
قَالَ الْحَسَن : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالْغُرَبَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلهُ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ.
وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي عَمَل قَوْم لُوط ).
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : لَيْسَ شَيْء مِنْ الدَّوَابّ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط إِلَّا الْخِنْزِير وَالْحِمَار.
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجِب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى تَحْرِيمه ; فَقَالَ مَالِك : يُرْجَم ; أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن.
وَكَذَلِكَ يُرْجَم الْمَفْعُول بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : يُرْجَم إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُحْبَس وَيُؤَدَّب إِنْ كَانَ غَيْر مُحْصَن.
وَهُوَ مَذْهَب عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُعَزَّر الْمُحْصَن وَغَيْره ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُحَدّ حَدّ الزِّنَى قِيَاسًا عَلَيْهِ.
اِحْتَجَّ مَالِك بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل " [ الْحِجْر : ٧٤ ].
فَكَانَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُمْ وَجَزَاء عَلَى فِعْلهمْ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا حُجَّة فِيهَا لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا - أَنَّ قَوْم لُوط إِنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْر وَالتَّكْذِيب كَسَائِرِ الْأُمَم.
الثَّانِي : أَنَّ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ دَخَلَ فِيهَا ; فَدَلَّ عَلَى خُرُوجهَا مِنْ بَاب الْحُدُود.
قِيلَ : أَمَّا الْأَوَّل فَغَلَط ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصِي فَأَخَذَهُمْ بِهَا ; مِنْهَا هَذِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِل وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ، فَعُوقِبَ الْجَمِيع لِسُكُوتِ الْجَمَاهِير عَلَيْهِ.
وَهِيَ حِكْمَة اللَّه وَسُنَّته فِي عِبَاده.
وَبَقِيَ أَمْر الْعُقُوبَة عَلَى الْفَاعِلِينَ مُسْتَمِرًّا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ).
لَفْظ أَبِي دَاوُد وَابْن مَاجَهْ.
وَعِنْد التِّرْمِذِيّ ( أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْبِكْر يُوجَد عَلَى اللُّوطِيَّة قَالَ : يُرْجَم.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ حَرَّقَ رَجُلًا يُسَمَّى الْفُجَاءَة حِين عَمِلَ عَمَل قَوْم لُوط بِالنَّارِ.
وَهُوَ رَأْي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أَبِي بَكْر فِي ذَلِكَ جَمَعَ أَبُو بَكْر أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ ; فَقَالَ عَلِيّ : إِنَّ هَذَا الذَّنْب لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا أُمَّة وَاحِدَة صَنَعَ اللَّه بِهَا مَا عَلِمْتُمْ، أَرَى أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ.
فَاجْتَمَعَ رَأْي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ.
فَكَتَبَ أَبُو بَكْر إِلَى خَالِد بْن الْوَلِيد أَنْ يُحْرِقهُ بِالنَّارِ فَأَحْرَقَهُ.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ اِبْن الزُّبَيْر فِي زَمَانه.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ هِشَام بْن الْوَلِيد.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ خَالِد الْقَسْرِيّ بِالْعِرَاقِ.
وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَة أُخِذُوا فِي زَمَن اِبْن الزُّبَيْر فِي لِوَاط ; فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَة قَدْ أُحْصِنُوا فَأَمَرَ بِهِمْ فَخَرَجُوا بِهِمْ مِنْ الْحَرَم فَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا، وَحَدَّ الثَّلَاثَة ; وَعِنْده اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر فَلَمْ يُنْكِرَا عَلَيْهِ.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجِب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى تَحْرِيمه ; فَقَالَ مَالِك : يُرْجَم ; أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن.
وَكَذَلِكَ يُرْجَم الْمَفْعُول بِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَلِمًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : يُرْجَم إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُحْبَس وَيُؤَدَّب إِنْ كَانَ غَيْر مُحْصَن.
وَهُوَ مَذْهَب عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُعَزَّر الْمُحْصَن وَغَيْره ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُحَدّ حَدّ الزِّنَى قِيَاسًا عَلَيْهِ.
اِحْتَجَّ مَالِك بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل " [ الْحِجْر : ٧٤ ].
فَكَانَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُمْ وَجَزَاء عَلَى فِعْلهمْ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا حُجَّة فِيهَا لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا - أَنَّ قَوْم لُوط إِنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْر وَالتَّكْذِيب كَسَائِرِ الْأُمَم.
الثَّانِي : أَنَّ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ دَخَلَ فِيهَا ; فَدَلَّ عَلَى خُرُوجهَا مِنْ بَاب الْحُدُود.
قِيلَ : أَمَّا الْأَوَّل فَغَلَط ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصِي فَأَخَذَهُمْ بِهَا ; مِنْهَا هَذِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِل وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ، فَعُوقِبَ الْجَمِيع لِسُكُوتِ الْجَمَاهِير عَلَيْهِ.
وَهِيَ حِكْمَة اللَّه وَسُنَّته فِي عِبَاده.
وَبَقِيَ أَمْر الْعُقُوبَة عَلَى الْفَاعِلِينَ مُسْتَمِرًّا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَل قَوْم لُوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ).
لَفْظ أَبِي دَاوُد وَابْن مَاجَهْ.
وَعِنْد التِّرْمِذِيّ ( أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْبِكْر يُوجَد عَلَى اللُّوطِيَّة قَالَ : يُرْجَم.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ حَرَّقَ رَجُلًا يُسَمَّى الْفُجَاءَة حِين عَمِلَ عَمَل قَوْم لُوط بِالنَّارِ.
وَهُوَ رَأْي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أَبِي بَكْر فِي ذَلِكَ جَمَعَ أَبُو بَكْر أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ ; فَقَالَ عَلِيّ : إِنَّ هَذَا الذَّنْب لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّة مِنْ الْأُمَم إِلَّا أُمَّة وَاحِدَة صَنَعَ اللَّه بِهَا مَا عَلِمْتُمْ، أَرَى أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ.
فَاجْتَمَعَ رَأْي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرَّق بِالنَّارِ.
فَكَتَبَ أَبُو بَكْر إِلَى خَالِد بْن الْوَلِيد أَنْ يُحْرِقهُ بِالنَّارِ فَأَحْرَقَهُ.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ اِبْن الزُّبَيْر فِي زَمَانه.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ هِشَام بْن الْوَلِيد.
ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ خَالِد الْقَسْرِيّ بِالْعِرَاقِ.
وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَة أُخِذُوا فِي زَمَن اِبْن الزُّبَيْر فِي لِوَاط ; فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَة قَدْ أُحْصِنُوا فَأَمَرَ بِهِمْ فَخَرَجُوا بِهِمْ مِنْ الْحَرَم فَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا، وَحَدَّ الثَّلَاثَة ; وَعِنْده اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر فَلَمْ يُنْكِرَا عَلَيْهِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَالِك أَحَقّ، فَهُوَ أَصَحّ سَنَدًا وَأَقْوَى مُعْتَمَدًا.
وَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : عُقُوبَة الزِّنَا مَعْلُومَة ; فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَة غَيْرهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكهَا فِي حَدّهَا.
وَيَأْثُرُونَ فِي هَذَا حَدِيثًا :( مَنْ وَضَعَ حَدًّا فِي غَيْر حَدّ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ ).
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَطْء فِي فَرْج لَا يَتَعَلَّق بِهِ إِحْلَال وَلَا إِحْصَان، وَلَا وُجُوب مَهْر وَلَا ثُبُوت نَسَب ; فَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَدّ.
فَإِنْ أَتَى بَهِيمَة فَقَدْ قِيلَ : لَا يُقْتَل هُوَ وَلَا الْبَهِيمَة.
وَقِيلَ : يُقْتَلَانِ ; حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن.
وَفِي الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَة مَعَهُ ).
فَقُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس : مَا شَأْن الْبَهِيمَة ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَل لَحْمهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَل.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : إِنْ يَكُنْ الْحَدِيث ثَابِتًا فَالْقَوْل بِهِ يَجِب، وَإِنْ لَمْ يَثْبُت فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَإِنْ عَزَّرَهُ الْحَاكِم كَانَ حَسَنًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَتْل الْبَهِيمَة لِئَلَّا تُلْقِي خَلْقًا مُشَوَّهًا ; فَيَكُون قَتْلهَا مَصْلَحَة لِهَذَا الْمَعْنَى مَعَ مَا جَاءَ مِنْ السُّنَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَيْسَ عَلَى الَّذِي زَنَى بِالْبَهِيمَةِ حَدّ.
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَكَذَا قَالَ عَطَاء.
وَقَالَ الْحَكَم : أَرَى أَنْ يُجْلَد وَلَا يَبْلُغ بِهِ الْحَدّ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُجْلَد مِائَة أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن.
وَقَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَأَصْحَاب الرَّأْي يُعَزَّر.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ الشَّافِعِيّ، وَهَذَا أَشْبَه عَلَى مَذْهَبه فِي هَذَا الْبَاب.
وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد : يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ، إِلَّا أَنْ تَكُون الْبَهِيمَة لَهُ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَالِك أَحَقّ، فَهُوَ أَصَحّ سَنَدًا وَأَقْوَى مُعْتَمَدًا.
وَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : عُقُوبَة الزِّنَا مَعْلُومَة ; فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَة غَيْرهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكهَا فِي حَدّهَا.
وَيَأْثُرُونَ فِي هَذَا حَدِيثًا :( مَنْ وَضَعَ حَدًّا فِي غَيْر حَدّ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ ).
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَطْء فِي فَرْج لَا يَتَعَلَّق بِهِ إِحْلَال وَلَا إِحْصَان، وَلَا وُجُوب مَهْر وَلَا ثُبُوت نَسَب ; فَلَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَدّ.
فَإِنْ أَتَى بَهِيمَة فَقَدْ قِيلَ : لَا يُقْتَل هُوَ وَلَا الْبَهِيمَة.
وَقِيلَ : يُقْتَلَانِ ; حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن.
وَفِي الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَة مَعَهُ ).
فَقُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس : مَا شَأْن الْبَهِيمَة ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَل لَحْمهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَل.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : إِنْ يَكُنْ الْحَدِيث ثَابِتًا فَالْقَوْل بِهِ يَجِب، وَإِنْ لَمْ يَثْبُت فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَإِنْ عَزَّرَهُ الْحَاكِم كَانَ حَسَنًا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَتْل الْبَهِيمَة لِئَلَّا تُلْقِي خَلْقًا مُشَوَّهًا ; فَيَكُون قَتْلهَا مَصْلَحَة لِهَذَا الْمَعْنَى مَعَ مَا جَاءَ مِنْ السُّنَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَيْسَ عَلَى الَّذِي زَنَى بِالْبَهِيمَةِ حَدّ.
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَكَذَا قَالَ عَطَاء.
وَقَالَ الْحَكَم : أَرَى أَنْ يُجْلَد وَلَا يَبْلُغ بِهِ الْحَدّ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُجْلَد مِائَة أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَن.
وَقَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَأَصْحَاب الرَّأْي يُعَزَّر.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ الشَّافِعِيّ، وَهَذَا أَشْبَه عَلَى مَذْهَبه فِي هَذَا الْبَاب.
وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد : يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ، إِلَّا أَنْ تَكُون الْبَهِيمَة لَهُ.
وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ
قِيلَ : كَانُوا قُطَّاع الطَّرِيق ; قَالَهُ اِبْن زَيْد وَقِيلَ : كَانُوا يَأْخُذُونَ النَّاس مِنْ الطُّرُق لِقَضَاءِ الْفَاحِشَة ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة وَقِيلَ : إِنَّهُ قَطْع النَّسْل بِالْعُدُولِ عَنْ النِّسَاء إِلَى الرِّجَال قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه أَيْ اِسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنْ النِّسَاء
قُلْت : وَلَعَلَّ الْجَمِيع كَانَ فِيهِمْ فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيق لِأَخْذِ الْأَمْوَال وَالْفَاحِشَة وَيَسْتَغْنُونَ عَنْ النِّسَاء بِذَلِكَ
قِيلَ : كَانُوا قُطَّاع الطَّرِيق ; قَالَهُ اِبْن زَيْد وَقِيلَ : كَانُوا يَأْخُذُونَ النَّاس مِنْ الطُّرُق لِقَضَاءِ الْفَاحِشَة ; حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة وَقِيلَ : إِنَّهُ قَطْع النَّسْل بِالْعُدُولِ عَنْ النِّسَاء إِلَى الرِّجَال قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه أَيْ اِسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنْ النِّسَاء
قُلْت : وَلَعَلَّ الْجَمِيع كَانَ فِيهِمْ فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيق لِأَخْذِ الْأَمْوَال وَالْفَاحِشَة وَيَسْتَغْنُونَ عَنْ النِّسَاء بِذَلِكَ
وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ
النَّادِي الْمَجْلِس وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ ; فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانُوا يَخْذِفُونَ النِّسَاء بِالْحَصَى وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْغَرِيبِ وَالْخَاطِر عَلَيْهِمْ وَرَوَتْهُ أُمّ هَانِئ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أُمّ هَانِئ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر " قَالَ :( كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ يَمُرّ بِهِمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ فَذَلِكَ الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده وَذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَهْدَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ مُعَاوِيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ قَوْم لُوط كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَعِنْد كُلّ رَجُل قَصْعَة فِيهَا الْحَصَى لِلْخَذْفِ فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ عَابِر قَذَفُوهُ فَأَيّهمْ أَصَابَهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ ) يَعْنِي يَذْهَب بِهِ لِلْفَاحِشَةِ فَذَلِكَ قَوْله :" وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر " وَقَالَتْ عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَالْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد : إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَقَالَ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَال فِي مَجَالِسهمْ وَبَعْضهمْ يَرَى بَعْضًا وَعَنْ مُجَاهِد : كَانَ مِنْ أَمْرهمْ لَعِب الْحَمَام وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَنَبْذ الْحَيَاء فِي جَمِيع أُمُورهمْ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ تُوجَد هَذِهِ الْأُمُور فِي بَعْض عُصَاة أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَالتَّنَاهِي وَاجِب قَالَ مَكْحُول : فِي هَذِهِ الْأُمَّة عَشَرَة مِنْ أَخْلَاق قَوْم لُوط : مَضْغ الْعِلْك وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَحَلّ الْإِزَار وَتَنْقِيض الْأَصَابِع وَالْعِمَامَة الَّتِي تُلَفّ حَوْل الرَّأْس وَالتَّشَابُك وَرَمْي الْجُلَاهِق وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَاللُّوطِيَّة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّ قَوْم لُوط كَانَتْ فِيهِمْ ذُنُوب غَيْر الْفَاحِشَة مِنْهَا أَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنهمْ وَيَشْتُم بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَيَخْذِفُونَ وَيَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج وَيَلْبَسُونَ الْمُصَبَّغَات وَيَتَنَاقَرُونَ بِالدِّيَكَةِ وَيَتَنَاطَحُونَ بِالْكِبَاشِ وَيُطَرِّفُونَ أَصَابِعهمْ بِالْحِنَّاءِ وَتَتَشَبَّه الرِّجَال بِلِبَاسِ النِّسَاء وَالنِّسَاء بِلِبَاسِ الرِّجَال وَيَضْرِبُونَ الْمُكُوس عَلَى كُلّ عَابِر وَمَعَ هَذَا كُلّه كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ وَهُمْ أَوَّل مَنْ ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهمْ اللُّوطِيَّة وَالسِّحَاق فَلَمَّا وَقَّفَهُمْ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِح رَجَعُوا إِلَى التَّكْذِيب وَاللِّجَاج
النَّادِي الْمَجْلِس وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ ; فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانُوا يَخْذِفُونَ النِّسَاء بِالْحَصَى وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْغَرِيبِ وَالْخَاطِر عَلَيْهِمْ وَرَوَتْهُ أُمّ هَانِئ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أُمّ هَانِئ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر " قَالَ :( كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ يَمُرّ بِهِمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ فَذَلِكَ الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده وَذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالْمَهْدَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ مُعَاوِيَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ قَوْم لُوط كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَعِنْد كُلّ رَجُل قَصْعَة فِيهَا الْحَصَى لِلْخَذْفِ فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ عَابِر قَذَفُوهُ فَأَيّهمْ أَصَابَهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ ) يَعْنِي يَذْهَب بِهِ لِلْفَاحِشَةِ فَذَلِكَ قَوْله :" وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر " وَقَالَتْ عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَالْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد : إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَقَالَ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَال فِي مَجَالِسهمْ وَبَعْضهمْ يَرَى بَعْضًا وَعَنْ مُجَاهِد : كَانَ مِنْ أَمْرهمْ لَعِب الْحَمَام وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَنَبْذ الْحَيَاء فِي جَمِيع أُمُورهمْ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ تُوجَد هَذِهِ الْأُمُور فِي بَعْض عُصَاة أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَالتَّنَاهِي وَاجِب قَالَ مَكْحُول : فِي هَذِهِ الْأُمَّة عَشَرَة مِنْ أَخْلَاق قَوْم لُوط : مَضْغ الْعِلْك وَتَطْرِيف الْأَصَابِع بِالْحِنَّاءِ وَحَلّ الْإِزَار وَتَنْقِيض الْأَصَابِع وَالْعِمَامَة الَّتِي تُلَفّ حَوْل الرَّأْس وَالتَّشَابُك وَرَمْي الْجُلَاهِق وَالصَّفِير وَالْخَذْف وَاللُّوطِيَّة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّ قَوْم لُوط كَانَتْ فِيهِمْ ذُنُوب غَيْر الْفَاحِشَة مِنْهَا أَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنهمْ وَيَشْتُم بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ وَيَخْذِفُونَ وَيَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْج وَيَلْبَسُونَ الْمُصَبَّغَات وَيَتَنَاقَرُونَ بِالدِّيَكَةِ وَيَتَنَاطَحُونَ بِالْكِبَاشِ وَيُطَرِّفُونَ أَصَابِعهمْ بِالْحِنَّاءِ وَتَتَشَبَّه الرِّجَال بِلِبَاسِ النِّسَاء وَالنِّسَاء بِلِبَاسِ الرِّجَال وَيَضْرِبُونَ الْمُكُوس عَلَى كُلّ عَابِر وَمَعَ هَذَا كُلّه كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ وَهُمْ أَوَّل مَنْ ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهمْ اللُّوطِيَّة وَالسِّحَاق فَلَمَّا وَقَّفَهُمْ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِح رَجَعُوا إِلَى التَّكْذِيب وَاللِّجَاج
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا إِلَّا وَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى اِعْتِقَاد كَذِبه وَلَيْسَ يَصِحّ فِي الْفِطْرَة أَنْ يَكُون مُعَانِد يَقُول هَذَا ثُمَّ اِسْتَنْصَرَ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَة لِعَذَابِهِمْ فَجَاءُوا إِبْرَاهِيم أَوَّلًا مُبَشِّرِينَ بِنُصْرَةِ لُوط عَلَى قَوْمه حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ هُود ] وَغَيْرهَا وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَعْقُوب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :
أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا إِلَّا وَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى اِعْتِقَاد كَذِبه وَلَيْسَ يَصِحّ فِي الْفِطْرَة أَنْ يَكُون مُعَانِد يَقُول هَذَا ثُمَّ اِسْتَنْصَرَ لُوط عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَة لِعَذَابِهِمْ فَجَاءُوا إِبْرَاهِيم أَوَّلًا مُبَشِّرِينَ بِنُصْرَةِ لُوط عَلَى قَوْمه حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ هُود ] وَغَيْرهَا وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَعْقُوب وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ
أَيْ اِنْتَقِمْ مِمَّنْ لَمْ يُطِعْنِي وَلَمْ يَسْمَع رِسَالَتِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْمُفْسِدِينَ
أَيْ اِنْتَقِمْ مِمَّنْ لَمْ يُطِعْنِي وَلَمْ يَسْمَع رِسَالَتِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْمُفْسِدِينَ
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ
" بِالْبُشْرَى " قِيلَ : بِالْوَلَدِ.
وَقِيلَ : بِإِهْلَاكِ قَوْم لُوط.
وَقِيلَ : بَشَّرُوهُ بِأَنَّهُمْ رُسُل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ لَا خَوْف عَلَيْهِ.
" بِالْبُشْرَى " قِيلَ : بِالْوَلَدِ.
وَقِيلَ : بِإِهْلَاكِ قَوْم لُوط.
وَقِيلَ : بَشَّرُوهُ بِأَنَّهُمْ رُسُل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ لَا خَوْف عَلَيْهِ.
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ
بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" إِنَّا مُنْجُوك وَأَهْلك " بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ : أَنْجَى وَنَجَّى بِمَعْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ اِبْن عَامِر :" إِنَّا مُنَزِّلُونَ " بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَوْل :" وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " قَالَ قَتَادَة : هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أُبْقِيَتْ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقِيلَ : إِنَّهُ يُرْجَم بِهَا قَوْم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ آثَار مَنَازِلهمْ الْخَرِبَة وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْمَاء الْأَسْوَد عَلَى وَجْه الْأَرْض وَكُلّ ذَلِكَ بَاقٍ فَلَا تَعَارُض
بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" إِنَّا مُنْجُوك وَأَهْلك " بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ : أَنْجَى وَنَجَّى بِمَعْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ اِبْن عَامِر :" إِنَّا مُنَزِّلُونَ " بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَوْل :" وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " قَالَ قَتَادَة : هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أُبْقِيَتْ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقِيلَ : إِنَّهُ يُرْجَم بِهَا قَوْم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ آثَار مَنَازِلهمْ الْخَرِبَة وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ الْمَاء الْأَسْوَد عَلَى وَجْه الْأَرْض وَكُلّ ذَلِكَ بَاقٍ فَلَا تَعَارُض
إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى، وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ.
وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد.
وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة.
وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَة.
حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" مِنْ الْغَابِرِينَ " أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمِّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ.
وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز :
أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى، وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ.
وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد.
وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة.
وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَة.
حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" مِنْ الْغَابِرِينَ " أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمْرهَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمِّرِينَ ; أَيْ أَنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ.
وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز :