ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)).قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يُتْرَكُوا) : أَنْ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ تَسُدُّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ.
وَ (أَنْ يَقُولُوا) : أَيْ بِأَنْ يَقُولُوا، أَوْ لِأَنْ يَقُولُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «أَنْ يُتْرَكُوا» وَإِذَا قُدِّرَتِ الْيَاءُ كَانَ حَالًا؛ وَيَجُوزُ أَنْ تُقَدَّرَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَاءَ) : يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ بِئْسَ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) [الْبَقَرَةِ: ٩٠].
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَبُحَ، فَتَكُونُ «مَا» مَصْدَرِيَّةً. أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَهِيَ فَاعِلُ سَاءَ.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ يَرْجُو) :«مَنْ» شَرْطٌ، وَالْجَوَابُ: «فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ» وَالتَّقْدِيرُ: لَآتِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حُسْنًا) : مَنْصُوبٌ بِوَصَّيْنَا. وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: أَلْزَمْنَاهُ حُسْنًا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ أَيْضًا: ذَا حُسْنٍ؛ كَقَوْلِهِ: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [الْبَقَرَةِ: ٨٣].
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَ «لَنُدْخِلَنَّهُمْ» : الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الَّذِينَ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: لَنُدْخِلَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) : هَذِهِ لَامُ الْأَمْرِ، وَكَأَنَّهُمْ أَمَرُوا أَنْفُسَهُمْ؛ وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى ذَلِكَ عَنِ الْخَبَرِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الِالْتِزَامِ، كَمَا فِي صِيغَةِ التَّعَجُّبِ.
(مِنْ شَيْءٍ) :«مِنْ» زَائِدَةٌ، وَهُوَ مَفْعُولُ اسْمِ الْفَاعِلِ.
وَ (مِنْ خَطَايَاهُمْ) : حَالٌ مِنْ شَيْءٍ؛ وَالتَّقْدِيرُ: بِحَامِلِينَ شَيْئًا مِنْ خَطَايَاهُمْ.
وَ (أَلْفَ سَنَةٍ) : ظَرْفٌ، وَالضَّمِيرُ فِي «جَعَلْنَاهَا» لِلْعُقُوبَةِ، أَوِ الطَّوْفَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
(وَإِبْرَاهِيمَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي «أَنْجَيْنَاهُ» أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ: وَاذْكُرْ، أَوْ عَلَى أَرْسَلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ: لُغَتَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا فِي السَّمَاءِ) : التَّقْدِيرُ: وَلَا مَنْ فِي السَّمَاءِ فِيهَا، فَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْتُمْ، وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ حَذْفٌ؛ لِأَنَّ «أَنْتُمْ» خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ، فَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ فَصَّلَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ) : فِي «مَا» ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيِ اتَّخَذْتُمُوهُ. وَ «أَوْثَانًا» مَفْعُولٌ ثَانٍ، أَوْ حَالٌ. وَ «مَوَدَّةَ» : الْخَبَرُ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ؛ وَالتَّقْدِيرُ: ذَوُو مَوَدَّةٍ. وَالثَّانِي: هِيَ كَافَّةٌ؛ وَأَوْثَانًا مَفْعُولٌ ومودة بِالنّصب مفعول لَهُ وبالرفع على إِضْمَار مُبْتَدأ وَتَكون الْجُمْلَة نعتا لأوثان. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلَى الصِّفَةِ؛ أَيْضًا؛ أَيْ ذَوِي مَوَدَّةٍ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ «مَا» مَصْدَرِيَّةً، وَ «مَوَدَّةَ» بِالرَّفْعِ: الْخَبَرُ؛ وَلَا حَذْفَ فِي هَذَا الْوَجْهِ فِي الْخَبَرِ؛ بَلْ فِي اسْمِ «إِنَّ» وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ سَبَبَ اتِّخَاذِكُمْ مَوَدَّةٌ.
وَيُقْرَأُ «مَوَدَّةَ» بِالْإِضَافَةِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.
وَ (بَيْنِكُمْ) بِالْجَرِّ، وَبِتَنْوِينِ مَوَدَّةٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَنَصْبِ بَيْنَ.
وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: «فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» سَبْعَةُ أَوْجُهٍ:
وَأَجَازَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنْ تَتَعَلَّقَ «فِي» بِمَوَدَّةَ؛ وَإِنْ كَانَ «بَيْنِكُمْ» صِفَةً؛ لِأَنَّ الظُّرُوفَ يُتَّسَعُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَفْعُولِ بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلُوطًا) : مَعْطُوفٌ عَلَى نُوحٍ. وَقَدْ ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٣٧) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (٣٩) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ فَعَلَى
وَالضَّمِيرُ فِي «مِنْهَا» لِلْعُقُوبَةِ.
وَ (شُعَيْبًا) : مَعْطُوفٌ عَلَى نُوحٍ؛ وَالْفَاءُ فِي «فَقَالَ» : عَاطِفَةٌ عَلَى أَرْسَلْنَا الْمُقَدَّرَةِ.
وَ (عَادًا وَثَمُودَ) : أَيْ وَاذْكُرْ، أَوْ وَأَهْلَكْنَا.
(وَقَارُونَ) وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ فِي «صَدِّهِمْ».
وَ (كُلًّا) : مَنْصُوبٌ بِـ «أَخَذْنَا». وَ «مَنْ» فِي «مَنْ أَرْسَلْنَا» وَمَا بَعْدَهَا: نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ؛ وَبَعْضُ الرَّوَاجِعِ مَحْذُوفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)).
وَالنُّونُ فِي عَنْكَبُوتٍ أَصْلٌ، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ، لِقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهِ: عَنَاكِبُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يَدْعُونَ) : هِيَ اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «يَدْعُونَ» لَا بِـ «يَعْلَمُ» وَ «مِنْ شَيْءٍ» : تَبْيِينٌ. وَقِيلَ: «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً؛ وَ «شَيْءٍ» : مَصْدَرٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، وَ «مِنْ» : زَائِدَةٌ. وَشَيْئًا: مَفْعُولُ «يَدْعُونَ».
وَ (نَضْرِبُهَا) : حَالٌ مِنَ الْأَمْثَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا. وَ «الْأَمْثَالُ» نَعْتٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ، وَفِي الْمَعْنَى وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فَلَا تُجَادِلُوهُمْ بِالْحُسْنَى؛ بَلْ بِالْغِلْظَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُغْلِظُونَ لَكُمْ؛ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنَ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، لَا مِنَ الْجِدَالِ. وَالثَّانِي: لَا تُجَادِلُوهُمْ أَلْبَتَّةَ؛ بَلْ حَكِّمُوا فِيهِمُ السَّيْفَ لِفَرْطِ عِنَادِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّا أَنْزَلْنَا) : هُوَ فَاعِلُ يَكْفِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ «لَنُبَوِّئَنَّهُمْ» الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ.
وَ (غُرَفًا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَقَدْ ذُكِرَ نَظِيرُهُ فِي يُونُسَ وَالْحَجِّ.
وَ (الَّذِينَ صَبَرُوا) : خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ «مِنْ دَابَّةٍ» : تَبْيِينٌ.
وَ (لَا تَحْمِلُ) : نَعْتٌ لِدَابَّةٍ.
وَ (اللَّهُ يَرْزُقُهَا) : جُمْلَةُ خَبَرِ كَأَيِّنْ، وَأُنِّثَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَعْنَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ يَرْزُقُهَا، وَيُقَدَّرُ بَعْدَ كَأَيِّنْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) : أَيْ إِنَّ حَيَاةَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهَا بِالْحَيَوَانِ، وَهِيَ الْحَيَاةُ، وَلَامُ الْحَيَوَانِ يَاءٌ، وَالْأَصْلُ حَيَيَانٌ، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالتَّثْنِيَةِ، وَلَمْ تُقْلَبْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا لِئَلَّا تُحْذَفَ إِحْدَى الْأَلِفَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِيَتَمَتَّعُوا) : مَنْ كَسَرَ اللَّامَ جَعَلَهَا بِمَعْنَى كَيْ، وَمَنْ سَكَّنَهَا جَازَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.