ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١، ٢ - ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ قال أكثر المفسرين: إن المؤمنين قالوا: وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا؛ فأنزل الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ﴾ الآية. وأنزل قوله: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ الآية. فكرهوا الموت وأحبوا الحياة، وتولوا يوم أحد، فأنزل الله ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ وهذا قول مقاتل ومجاهد، وعطاء، عن ابن عباس (١).وقال قتادة، والضحاك: كان الرجل يقول: قاتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وفعلت، ولم يفعل، فنزلت هذه الآية (٢).
قال الحسن: نزلت في المنافقين. كانوا يقولون مالا يعتقدون ويعدون المؤمنين النصر فيكذبون (٣). ثم ذم القول إذا لم يسعفه الفعل فقال:
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٩٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٤ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٣٧، و"الدر" ٦/ ٢١٣.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٤ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٠، وهو المروي عن ابن زيد ايضًا. "معالم التنزيل" ٤/ ٣٣٧.
٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ أي يصفون صفًا. والمعنى: يصفون أنفسهم عند القتال صفًا ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ قال الفراء: مرصوص بالرصاص (٣).
قال المبرد: يقال: رصفت البناء إذا لاءمت (٤) بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة (٥).
وقال الليث: رصصت البناء رصًا، إذا ضممت بعضه إلى بعض (٦)، من الرصيص انضمام الأسنان بعضها إلى بعض، والتراص: التلاصق (٧). ومنه الحديث: "تراصوا في الصف" (٨).
قال ابن عباس: يرفع الحجر على الحجر ثم يرص بحجارة صغار،
(٢) عند تفسيره الآية (٥) من سورة الكهف.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥٣.
(٤) في (ك): (لامت).
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٣١١، ٣١٢، و"روح المعاني" ٢٨/ ٨٤.
(٦) (بعضه إلى بعض) ساقطة من (ك).
(٧) انظر تهذيب اللغة ١٢/ ١١١ (رص)، اللسان ١/ ١١٧٣ (رصص).
(٨) هذه رواية بالمعنى، وفي معناه أحاديث صحيحة منها ما رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، والنسائي بإسناد صحيح والحاكم في "المستدرك" ١/ ٢١٧، ووافقه الذهبي عنه -صلى الله عليه وسلم-: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف".
وقال مقاتل: ملتزق بعضه ببعض (٢).
قال أبو إسحاق: أعلم الله أنه يحب من يثبت في الجهاد في سبيله ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص. قال: ويجوز على أن تستوي نياتهم في حرب عدو حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم بعضًا كالبنيان المرصوص (٣)، فالأول على التشبيه به في رأي العين، والثاني على التشبيه من حيث التظافر كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى﴾ أي: واذكر لقومك هذه القصة، قوله تعالى: ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ قال الكلبي، ومقاتل: كان إيذاؤهم له أنهم رموه بالأدرة (٤) وقد ذكرنا ذلك في آخر سورة الأحزاب (٥).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٣ ب، وفي "صحيح البخاري"، كتاب: التفسير سورة الصف. قال (وقال ابن عباس: ملصق بعضه إلى بعض) ونسبه ابن الجوزي للأكثرين. "زاد المسير" ١/ ٢٥١، وقال ابن حجر: وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج، عن ابن عباس...) "فتح الباري" ٨/ ٦٤١.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦٤.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٣ ب، و"جامع البيان" ٢٢/ ٣٦.
(٥) عند تفسيره الآية (٦٤) من سورة الأحزاب. والأدْرَة: نفخة في الخصية وقيل: هو الذي يصيبه فتق في إحدى الخصيتين. اللسان: (أدر). وقد رمى موسى -عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام- بالأدرة، وبقتل هارون فأرتهموه الملائكة ميتًا، وبقذفه بالبغي أنه فجر بها، وبأنه ساحر مجنون. واختار ابن جرير ٢٢/ ٣٧، العموم. وقال ابن كثير: يحتمل أن يكون الكل مرادًا، وأن يكون معه غيره والله أعلم)، تفسير القرآن العظيم ٣/ ٥٢١، وقال ابن حجر: بعد ذكره للروايات في رميه بالأدرة، لكن لا مانع أن يكون للشيء سببًا فأكثر. "فتح الباري" ٨/ ٥٣٥.
قوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ قال ابن عباس: مالوا إلى غير الحق (١).
وقال مقاتل: عدلوا عن الحق، ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أمالها عن الحق (٢). والمعنى أنهم لما تركوا الحق بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم وأظلهم وصرفهم عن الدين جزاء لما ارتكبوا، ويدل عليه قوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ قال أبو إسحاق: لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق (٣)، وفي هذا تنبيه على عظم إيذاء الرسول حتى أنه يؤدي إلى الكفر ويزيغ القلب عن الهدى.
قوله تعالى: ﴿يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ هاتان جملتان في موقع جر، لأنهما صفتان للنكرة التي هي قوله: ﴿بِرَسُولٍ﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ قراءتان: تحريك الياء بالفتح على الأصل، وهو الاختيار في كل موضع تذهب فيه الياء لالتقاء الساكنين (٤)، فإن كان موضع يظهر فيه التحريك والإسكان حسنًا كقوله: ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦] ﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾ (٥) فمن فتح فعلى الأصل، ومن أسكن فجائز، ومن أسكن
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٣ ب، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ٣١٢.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦٤.
(٤) وهو الاختيار عند الخليل، وسيبويه، وأبي عبيد، قال النحاس: والقول هذا عند أهل العربية أن هذه ياء النفس فمن العرب من يفتحها ومنهم من يسكنها. "إعراب القرآن" ٣/ ٤٢٢.
(٥) من الآية (٢٨) من سورة نوح.
قال المبرد: لا معنى لاختيار أبي عبيد الفتح، إذا كان بعد الياء ألف وصل مفتوحًا نحو ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء: ٨٣] و ﴿أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ﴾ [الملك: ٢٨]، وترك الفتح إذا كان ألف الوصل مكسورًا نحو ﴿بَعْدِي اسْمُهُ﴾ والأصل والاختيار ما ذكرنا، وهذا لا معنى له. قال أبو عبيد: إنك إذا ابتدأت بقولك: (الله)، (الضر). كان بالفتح وإذا ابتدأت بقولك اسمه كان بالكسر، فلهذا آثرنا الإرسال هاهنا. وهذا لا يوجب ما ذكر من الاختيار.
قوله تعالى: ﴿أَحْمَدُ﴾ يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يجعله مبالغة من الفاعل، فيكون معناه: إنه أكثر حمدًا لله من غيره.
وثانيهما: أنه يحمد بما فيه (٣) من الأخلاق والمحاسن أكثر مما يحمده غيره (٤). وعلى هذا دل كلام الكلبي فإنه قال: أحمد الذي لا يذم (٥)، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، وأحمد معروف في أسماء نبينا
(٢) في (ك): (تقسط). انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٨٨.
(٣) (غيره. وثانيهما أنه يحمد بما فيه) ساقطة من (ك).
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٥، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ٣١٣.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٦٢، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٥ ب.
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ قال ابن عباس: يظهر دينه (٢). والأصل التنوين، لأنه لما لم يقع، ومن أضاف نوى التنوين والانفصال أيضًا (٣) كما ذكرنا في قوله: ﴿عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ (٤) و ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ (٥)، و ﴿كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر: ٣٨] وهذه الآية والتي بعدها مفسرات في سورة براءة (٦)
١٢ - قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ قال أبو إسحاق: هذا جواب ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ﴾ لأن معناه معنى الأمر، المعنى: آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم يغفر (٧) لكم، والدليل على ذلك أن في قراءة ابن مسعود. ﴿آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ (٨).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٦٢.
(٣) قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص (متمُ) بغير تنوين (نورِه) بالخفض.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر، وأبو جعفر، ويعقوب (مُتِمٌ) بالتنوين (نورَه) بالنصب. انظر: "حجة القراءات" ص ٧٠٧، و"النشر" ٢/ ٣٨٧، و"الإتحاف" ص ٤١٥.
(٤) من الآية (٢٤) من سورة الأحقاف، وانظر: "الحجة" للقراء ٦/ ٢٨٩.
(٥) قوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ من الآية ٩٥ من سورة المائدة.
(٦) عند تفسيره لآية (٣٢ - ٣٣) من سورة براءة.
(٧) (في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) ساقطة من (ك).
(٨) انظر: "معاني القرآن" للزجاح ٥/ ١٦٦.
قال أبو إسحاق: وهذا غلط بين، ليس إذا دلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما ينفعهم غفر الله لهم، إنما يغفر الله لهم إذا آمنوا وجاهدوا، وهو جواب ﴿تُؤْمِنُونَ﴾ و ﴿وَتُجَاهِدُونَ﴾ (٢) على ما ذكرنا في سورة براءة.
وإدغام الراء في اللام في ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ وغيره غير جائز عند النحويين لقوة الراء (٣)، والأضعف يدغم في الأقوى لا الأقوى في الأضعف، والدليل على قراءة الراء أنه حرف متكرر، ولذلك غلب المطبق والمستعلي، وهو أنه لا يقال ما في أوله الصاد والضاد والطاء والظاء، نحو صالح، وضابط، وطالب، وظالم، ويُقال نحو ضارب وصارم وطارد مكان الراء. وجاز ذلك لأن الكسر كأنه تكرر في الكلمة، وكذلك لا يمال نحو خالد. ويُقال نحو خارج وحارب لما ذكرنا (٤).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦٦، وقد وجُه قول الفراء بأن يحمل على المعنى. قال المهروي: وهو أن يكون (تؤمنون) و (تجاهدون) عطف بيان على قوله (هل أدلكم) كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد، فهي هما في المعنى، فكأنه قال: هل تؤمنون وتجاهدون، قال: فإن لم تقدر هذا التقدير لم يصح. لأنه يصير إن دللتم يغفر لكم، والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة. انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٢٦٣، وبنحوه قال الزمخشري و"الكشاف" ٤/ ٩٤، قال الألوسي: والإنصاف أن تخريج الفراء لا يخلو عن بعد. "روح المعاني" ٢٨/ ٨٩.
(٣) قرأ أبو عمرو (يغفر لكم) بإدغام الراء في اللام. "النشر" ٢/ ١٣، ١٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦٧، ومما قال عن أبي عمرو، وهو إمام =
وعند الفراء معنى الآية وخصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة، ثم ذكرها فقال: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ﴾، وهو مفسر للأخرى (٣). وهذا هو القول (٤)، لأنه لا يحسن أن يكون نصر من الله تفسيرًا للتجارة إذ ليس نصر الله تجارة لنا كما يكون الإيمان والجهاد، بل هو ربح للتجارة (٥)، والله تعالى ذكر ثواب الآخرة جزاء لما دل عليه من التجارة وهو قوله: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ إلى آخر الآية.
ثم ذكر ما يعطينا أيضًا في العاجل مما نحبه جزاء أيضًا لتلك التجارة، وهو النصر والفتح.
(١) وهو قول الأخفش، انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٧٠٨.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦٦.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥٤.
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٢٤.
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٣١٨.
وقال الكلبي: يعني النصر على كفار قريش وفتح مكة (٢).
قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال مقاتل: وبشر يا محمد المؤمنين بالنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة (٣). وقد ذكرهما في قوله: ﴿وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي﴾ وقوله: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ﴾.
ثم خص المؤمنين على نصرة دينه، فقال:
١٤ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾ بهذا أمر إدامة النصرة والثبات عليه. أي: دوموا على ما أنتم عليه من النصرة، يدل على هذا أن في حرف عبد الله (يا أيها الذين آمنوا أنتم أنصار الله) (٤) بغير تنوين (٥) كقوله: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ ولم يقل أنصار لله، والمعني في ﴿أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ أنصار دين
(٢) وهو المنسوب لابن عباس. انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٦٤، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٣٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٥.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٤ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٣٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٥٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٩٠، و"الكشاف" ٤/ ٩٥.
(٥) في قوله (أنصار الله) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو (أنصارا لله) منونًا وحجتهم في ذلك إجماع الجميع على الإضافة في قوله (فمن أنصار الله) وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وحمزة، والكسائي، وعاصم (أنصار الله) غير منون مضافا إلى لفظ الجلالة. انظر: "حجة القراءات" ص ٧٠٨، و"النشر" ٢/ ٣٨٧، و"الإتحاف" ص ٤١٦، وقال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان صحيحتان المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. "جامع البيان" ٢٨/ ٥٩.
﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ﴾ أي: انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ قال مقاتل: يعني من يمنعنى مع الله (٢).
وقال عطاء: يريد من ينصرني وينصر دين الله (٣).
وقال مقاتل: أمر الله المؤمنين أن ينصروا محمدًا كما نصر الحواريون عيسى (٤).
وكان الله قد أوحى إلى عيسى: إذا أنت دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القصارون فسلهم النصر، فأتاهم عيسى فقال لهم ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ يقول: من ينصرني مع الله، فقالوا: نحن ننصرك. فاتبعوه وصدقوه ونصروه.
قال مقاتل: مرَ بهم ببيت المقدس وهم يقصرون الثيات فقال لهم هذا (٥).
ومضى الكلام في ﴿إِلَى﴾ بمعنى مع عند قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ (٦).
قوله تعالى: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ قال سعيد بن
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٤ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٣٨.
(٣) لم أجده.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٤ أ.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٤ أ.
(٦) عند تفسيره الآية (٢) من سورة النساء. وانظر: "معاني الحروف" للرماني ص ١١٥.
فرقة قالوا: كان الله فارتفع.
وفرقة قالوا: كان ابن الله فرفعه الله إليه.
وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه، وهو المسلمون.
واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس، واجتمعت الطائفتان الكافرتان على الطائفة المسلمة فقتلوهم وطردوهم وظهر أمرهم فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- فاقتتلوا، فظهرت المؤمنة على الكافرة، فذلك قوله تعالى: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (١).
قال مجاهد: ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ يعني من أَتبع عيسى (٢). ونحو هذا قال المقاتلان (٣).
وعلى هذا القول معنى الآية أن من آمن بعيسى ظهروا على من كفر به، وأصبحوا عالين على أهل الأديان.
وقال إبراهيم: أصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد -صلى الله عليه وسلم- عيسى كلمة الله وروحه (٤).
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٧٢، و"جامع البيان" ٢٨/ ٦٠ و"الدر" ٦/ ٢١٤.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٤ ب، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ١٣٩.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٦٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٥٦.