تفسير سورة العاديات

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكّيّة، وهي مائة وثلاثة وستون حرفاً، وأربعون كلمة، وإحدى عشرة آية.
أخبرنا الجنازي قال : حدّثنا ابن حبيش قال : أخبرنا أبو العباس الدقّاق قال : حدّثنا عبد اللّه بن روح قال : حدّثنا شبابة قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن يزيد، عن زر، عن أبي قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) :" من قرأ سورة العاديات أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعاً ).

سورة العاديات
مكّيّة، وهي مائة وثلاثة وستون حرفا، وأربعون كلمة، وإحدى عشرة آية
أخبرنا الجنازي قال: حدّثنا ابن حبيش قال: أخبرنا أبو العباس الدقّاق قال: حدّثنا عبد الله بن روح قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن يزيد عن زر عن أبي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة العاديات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا» [٢٣٥].

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥)
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وأبو العالية والربيع وعطية وقتادة ومقاتل وابن كيسان: هي الخيل التي تعدو في سبيل الله وتضبح وهو صوت أنفاسها إذا أجهدت في الجري فيكثر الربو في أجوافها من شدة العدو، قال ابن عباس:
ليس شيء من الدواب يضج غير الفرس والكلب والثعلب.
قال أهل اللغة: أصل الضبح والضباح للثعالب فاستعير في الخيل، وهو من قول العرب:
ضبحته النار إذا غيّرت لونه، وإنّما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيّرت حالها من تعب أو فزع أو طمع، ونصب قوله: ضَبْحاً على المصدر ومجازه: والعاديات تضبح ضبحا قال الشاعر:
لست بالتبّع اليماني إن لم تضبح الخيل في سواد العراق «١»
وقال آخر:
والعاديات أسابي الدماء بها كأن أعناقها أنصاب ترجيب «٢» «٣»
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٥٤.
(٢) البيت لسلامة بن جندل، والاسابي: الطرق من الدم، وأسابي الدماء: طرائقها، والترجيب: دعم الشجرة إذا كثر حملها.
(٣) لسان العرب: ١/ ٤١٣.
268
يعني الخيل.
قال مقاتل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرية إلى حي من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمر الأنصاري أحد النقباء فتأخر خبرهم، وقال المنافقون: قتلوا جميعا فأخبره الله سبحانه عنها فقال: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً يعني تلك الخيول غدت حتى ضبحت
، وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة، وقال الحكماء: هو تقلقل الجرذان في القنب. وقيل: هو صوت إرخاء مشافرها إذا عدت، قال أبو الضحى: وكان ابن عباس يقول: ضباحها أج أج. وقال قوم: هي الإبل.
أنبأني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدّثنا مروان بن معاوية قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله سبحانه: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قال: ما رأى فيه عكرمة؟ فقال عكرمة: قال ابن عباس: هي الخيل في القتال، فقلت أنا: (قال علي: هي الإبل في الحجّ)، وقلت: مولاي أعلم من مولاك.
وقال الشعبي تمارى علي ابن عباس في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فقال ابن عباس: هي الخيل، ألا تراه يقول: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فهل تثير إلّا بحوافرها، وهل تضبح الإبل؟ وإنما تضبح الخيل، فقال علي: ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلّا فرس أبلق للمقداد بن الأسود.
وفي رواية أخرى وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي.
وأخبرني عقيل بن أبي الفرج، أخبرهم عن أبي جرير قال: حدّثني يونس قال: أخبرنا بن وهب قال: حدّثنا أبو صخر عن أبي لهيعة البجلي عن سعيد بن حسين عن ابن عباس حدّثه قال:
بينما أنا في الحجر جالس أتاني رجل فسأل عن الْعادِياتِ ضَبْحاً، فقال له: الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم، فانفتل عني وذهب إلى علي بن أبي طالب وهو تحت سقاية زمزم وسأله عن العاديات ضبحا فقال: «سألت عنها أحدا قبلي».
قال: نعم، سألت عنها ابن عباس وقال: هي الخيل تغير في سبيل الله قال: «اذهب فادعه لي»، فلمّا وقف على رأسه قال: «تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلّا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات الخيل، بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى» [٢٣٦] «١».
قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي
، وإلى قول علي ذهب ابن مسعود ومحمد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي.
(١) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٢٣.
269
وقال بعضهم: من قال: هي الإبل قال ضبحا يعني ضبعا بمدّ أعناقها في السير وضبحت وضبعت بمعنى واحد، قالت صفية بنت عبد المطّلب:
فلا والعاديات غداة جمع بأيديها إذا سطع الغبار
فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قال عكرمة وعطاء والضّحاك: هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة والأرض المحصبة.
وقال مقاتل والكلبي: والعرب تسمي تلك النار نار أبي حباحب.
وكان أبي حباحب شيخا من مضر في الجاهلية وكان من أبخل الناس، وكان لا يوقد نارا لخبز ولا غيره حتى تنام كل ذي عين، فإذا نام أصحابه وقد نويرة تقد مرّة وتخمد مرّة، فإذا استيقظ بها أحد أطفأها كراهية أن ينتفع بها أحد، فشبّهت العرب هذه النار بناره، أي لا ينتفع به كما لا ينتفع بنار أبي حباحب.
ومجاز الآية: والقادحات قدحا فخالف بين الصدر والمصدر.
وقال قتادة: هي الخيل تهيج للحرب ونار العداوة بين أصحابها وفرسانها.
وروى سعيد بن حسن عن ابن عباس قال: هي الخيل تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم.
مجاهد وزيد بن أسلم: هي مكر الرجل والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر لصاحبه قال: أما والله لأقدحنّ لك ثم لأورينّ لك.
سعيد بن جبير: يعني رجال الحرب. عكرمة: هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلّم به.
ابن جريج عن بعضهم: فالمنجّحات عملا كنجاح الوتد إذا أوريّ. محمد بن كعب: هي النيران بجمع.
فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً يعني الخيل، تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح، هذا قول أكثر المفسّرين.
قال القرظي: هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى، والسنّة أن لا يدفع حتى يصبح، والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم: أشرق ثبير كما نغير.
فَأَثَرْنَ فيهيّجن. وقرأ أبو حيوة فأثرن بالتشديد من التأثير بِهِ أي بذلك المكان الذي انتهين إليه كناية عن غير مذكور لأن المعنى مفهوم مشهور.
نَقْعاً أي غبارا فَوَسَطْنَ بِهِ أي دخلن به وسطهم يقال: وسطت القوم، بالتخفيف،
270
ووسّطتهم بالتشديد، وتوسطتهم كلّها بمعنى واحد، وقرأ قتادة فوسّطن، بالتشديد جَمْعاً أي جمع العدو وهم الكتيبة، وقال القرظي: يعني جمع منى.
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ٦ الى ١١]
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع: لكفور جحود لنعم الله تعالى. قال الكلبي: هو بلسان كندة وحضرموت، وبلسان معد كلهم: العاصي، وبلسان مضر وربيعة وقضاعة: الكفور، وبلسان بني مالك البخيل.
وروى شعبة عن سماك أنه قال: إنما سميت كندة لأنها قطعت أباها.
وقال ابن سيرين: هو اللوّام لربه. وقال الحسن: هو الذي يعدّ المصائب وينسى النعم، أخذه الشاعر فقال:
يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى تشكو المصيبات وتنسى النّعم «١»
وأخبرنا أبو القمر بن حبيب في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعد الرازي قال: حدّثنا العباس بن حمزة قال: حدّثنا أحمد بن محمد قال:
حدّثنا صالح بن محمد قال: حدّثنا سلمة عن جعفر بن الزبير عن القميّ عن أبي أمامة عن رسول الله (عليه السلام) في هذه الآية: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال رسول الله (عليه السلام) :
«أتدرون ما الكنود؟»، فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «الكنود [قال: هو الكفور الذي] يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده» [٢٣٧] «٢».
وقال عطاء: الكنود الذي لا يعطي في النائبة مع قومه. وقال أبو عبيدة: هو قليل الخير، والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا «٣» ! قال أبو ذبيان:
إن نفسي ولم أطب عنك نفسا غير أنّي أمنى بدهر كنود «٤»
وقال الفضيل بن عياض: الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة.
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٦٠ مورد الآية.
(٢) تفسير الدر المنثور: ٦/ ٣٨٤، وكنز العمال: ٢/ ٤٨ ح ٣٠٦٤. [.....]
(٣) راجع تفسير الطبري: ٣٠/ ٣٥٣.
(٤) فتح القدير: ٥/ ٤٨٣ بتفاوت.
271
وقال أبو بكر الورّاق: الكنود الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه. محمد بن علي الترمذي: هو الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم، وقال أبو بكر الواسطي: هو الذي ينفق نعم الله سبحانه في معاصي الله، وقال بسّام بن عبد الله: هو الذي يجادل ربّه على عقد العوض. ذو النّون: تفسير الهلوع والكنود قوله: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً «١».
وقيل: هو الذي يكفر باليسير ولا يشكر الكثير، وقيل: الحقود، وقيل: الحسود. وقيل:
جهول القدر. وفي الحكمة من جهل قدره هتك ستره. وقال بعضهم والحسن: رأسه على وسادة النعمة وقلبه في ميدان الغفلة. وقيل: يرى ما منه ولا يرى ما إليه، وجمع الكنود كند. قال الأعشى:
أحدث لها [تحدث] لوصلك أنّها كند لوصل الزائر المعتاد «٢»
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال أكثر المفسّرين: وإن الله على كنود هذا الإنسان وصنيعه لشاهد، وقال ابن كيسان: ال (هاء) راجعة إلى الإنسان، يعني أنّه شاهد على نفسه بما يصنع، وإِنَّهُ يعني الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ أي المال.
وقال ابن زيد: سمّى الله المال خيرا وعسى أن يكون خبيثا وحراما ولكن الناس يعدّونه خيرا فسمّاه الله خيرا لأن الناس يسمّونه خيرا وسمي الجهاد سوءا فقال: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ «٣» أي قتال. وليس هو عند الله بسوء ولكن سمّاه الله سوءا لأنّ الناس يسمّونه سوءا.
ومعنى الآية وإنه من أجل حبّ المال لَشَدِيدٌ بخيل، ويقال للبخيل: شديد ومتشدّد، قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدّد «٤»
والفاحش: البخيل أيضا قال الله سبحانه: وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ «٥» أي البخل، وقيل:
معناه: وإنّه لحب الخير لقويّ، وقال الفرّاء: كان موضع الحب أن يكون بعد شديد وأن يضاف شديد إليه فيقال: وإنّه لشديد الحبّ للخير، فلمّا يقدم الحبّ قبل شديد وحذف من آخره لمّا جرى ذكره في أوله، ولرؤوس الآيات كقوله سبحانه: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «٦» والعصوف لا يكون
(١) سورة المعارج: ٢٠- ٢١.
(٢) تفسير الطبري: ٣٠/ ٣٥٣.
(٣) سورة آل عمران: ١٧٤.
(٤) لسان العرب: ٣/ ٢٣٤.
(٥) سورة البقرة: ٢٦٨.
(٦) سورة إبراهيم: ١٨.
272
للأيّام إنّما يكون للريح، فلمّا جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره كأنه قيل: في يوم عاصف الريح.
أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ يحث وأثير، قال الفرّاء: وسمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ: بحثر بالحاء وقال: هما لغتان.
ما فِي الْقُبُورِ فأخرجوا منها وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي ميّز وأبرز ما فيها من خير أو شرّ، وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير حَصَلَ بفتح الحاء وتخفيف الصاد أي ظهر.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ جمع الكناية لأنّ الإنسان اسم الجنس.
يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ عالم، والقراءة بكسر الألف لأجل اللام، ولولاها لكانت مفتوحة بوقوع العلم عليها. وبلغني أن الحجاج بن يوسف قرأ على المنبر هذه السورة يحضّ الناس على الغزو فجرى على لسانه: أنّ ربهم بفتح الألف ثم استدركها من جهة العربية فقال: خبير، وأسقط اللام.
273
Icon