تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿أَن يتركوا﴾ : سَدَّ مَسَدَّ مفعولَيْ حَسِب عند الجمهور، ومَسَدَّ أحدِهما عند الأخفشِ.قوله: «أنْ يقولوا» فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه بدلٌ مِنْ «أَنْ يُتْرَكوا»، أبدلَ مصدراً مؤولاً مِنْ مثلِه. الثاني: أنها على إسقاط الخافض وهو الباءُ، أو اللام، أي: بأَنْ يَقولوا، أو لأن يقولوا. قال ابن عطية وأبو البقاء: «وإذا قُدِّرَتِ الباءُ كان حالاً». قال ابن عطية: «والمعنى في الباء واللام مختلفٌ؛ وذلك أنَّه في الباء كما تقول:» تركْتُ زيداً بحالِه «/ وهي في اللام بمعنى مِنْ أجل أي: أَحَسِبوا أنَّ إيمانَهم عِلةٌ للترك» انتهى. وهذا تفسيرُ معنى، ولو فَسَّر الإِعرابَ لقال: أَحُسْبانُهم التركَ لأجل تلفُّظِهم بالإِيمان.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: فأين الكلامُ الدالُّ على المضمونِ الذي يَقْتضيه الحُسبانُ؟ قلت: هو في قولِه: {أَن يتركوا أَن يقولوا: آمَنَّا، وَهُمْ
5
لاَ يُفْتَنُونَ}. وذلك أنَّ تقديرَه: أَحَسِبُوا تَرْكَهم غيرَ مفتونين لقولِهم: آمنَّا، فالتركُ أولُ مفعولَيْ» حَسِب «و» لقولهم آمنَّا «هو الخبر. وأمَّا غيرَ مفتونين فتتمةُ التركِ؛ لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله:
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحُسْبان تَقْدِرُ أَنْ تقولَ: تَرَكَهم غيرَ مفتونين لقولِهم: آمنَّا على [تقدير] : حاصل ومستقر قبل اللام. فإنْ قلت:» أَنْ يَقُولوا «هو علةُ تَرْكِهم غيرَ مَفْتونين، فكيف يَصِحُّ أن يقعَ خبرَ مبتدأ؟ قلت: كما تقول: خروجُه لمخافةِ الشرِّ وضَرْبُه للتأديب، وقد كان التأديبُ والمخافةُ في قولِك: خَرَجْتُ مخافةَ الشرِّ وضَرَبْتُه تأديباً تعليلين. وتقول أيضاً: حَسِبْتُ خروجَه لمخافةِ الشَّرِّ، وظنَنْتُ ضربَه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتَهما مبتدأ وخبراً».
قال الشيخ بعد هذا كلِّه: «وهو كلامٌ فيه اضطرابٌ؛ ذكر أولاً أنَّ تقديرَه غيرَ مفتونين تتمةٌ، يعني أنه حالٌ لأنه سَبَكَ ذلك مِنْ قولِهِ ﴿وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ وهي جملةٌ حالية، ثم ذكر أَنَّ» يُتْركوا «هنا من الترك الذي هو تَصْييرٌ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ مفعولَ» صيَّر «الثاني لا يَسْتقيمُ أَنْ يكونَ» لقولِهم «؛ إذا يصيرُ التقديرُ: أن يُصَيَّروا
٣٦٣٣ - فَتَرَكْتُه جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَه | .................... |
قال الشيخ بعد هذا كلِّه: «وهو كلامٌ فيه اضطرابٌ؛ ذكر أولاً أنَّ تقديرَه غيرَ مفتونين تتمةٌ، يعني أنه حالٌ لأنه سَبَكَ ذلك مِنْ قولِهِ ﴿وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ وهي جملةٌ حالية، ثم ذكر أَنَّ» يُتْركوا «هنا من الترك الذي هو تَصْييرٌ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ مفعولَ» صيَّر «الثاني لا يَسْتقيمُ أَنْ يكونَ» لقولِهم «؛ إذا يصيرُ التقديرُ: أن يُصَيَّروا
6
لقولِهم وهم لا يُفْتنون، وهذا كلامٌ لا يَصِحُّ. وأمَّا ما مَثَّله به من البيت فإنه يَصِحُّ أن يكون» جَزَرَ السِّباع «مفعولاً ثانياً ل تَرَكَ بمعنى صَيَّر، بخلاف ما قَدَّر في الآية. وأمَّا تقديرهُ تَرَكهم غيرَ مفتونين لقولهم [آمَنَّا] على تقديرِ حاصل ومستقر قبل اللام فلا يَصِحُّ إذا كان تركُهم بمعنى تصييرهم، وكان غيرَ مفتونين حالاً؛ إذ لا يَنْعَقِد مِنْ تَرْكِهم بمعنى تصييرِهم وَتَقَوُّلِهم مبتدأٌ وخبرٌ، لاحتياجِ تَرْكِهم بمعنى تصييرِهم إلى مفعولٍ ثانٍ لأنَّ غيرَ مفتونين عنده حالٌ لا مفعولٌ ثانٍ.
وأمَّا قولُه: فإنْ قلت: أَنْ يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فَضْلِ فَهْمٍ: وذلك أنَّ قولَه: «أَنْ يقولوا» هو علةُ تَرْكِهم فليس كذلك؛ لأنه لو كان علةً له لكان به متعلقاً كما يتعلَّقُ بالفعلِ، ولكنه علةٌ للخبرِ المحذوفِ الذي هو مستقر أو كائن، والخبرُ غيرُ المبتدأ، ولو كان «لقولِهم» علةً للترك لكان مِنْ تمامِه فكان يحتاج إلى خبرٍ. وأمَّا قولُه كما تقول: خروجُه لمخافةِ الشرِّ ف «لمخافة» ليس علةً للخروجِ بل للخبر المحذوف الذي هو مستقرٌّ أو كائن «انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره الشيخُ كلُّه جوابُه: أنَّ الزمخشريَّ إنما نظر إلى جانب المعنى، وكلامُه عليه صحيحٌ. وأمَّا قولُه: ليس علةً للخروج ونحو ذلك يعني في اللفظ. وأمَّا في المعنى فهو علةٌ له قطعاً، ولولا خَوْفُ الخروج عن المقصود.
وأمَّا قولُه: فإنْ قلت: أَنْ يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فَضْلِ فَهْمٍ: وذلك أنَّ قولَه: «أَنْ يقولوا» هو علةُ تَرْكِهم فليس كذلك؛ لأنه لو كان علةً له لكان به متعلقاً كما يتعلَّقُ بالفعلِ، ولكنه علةٌ للخبرِ المحذوفِ الذي هو مستقر أو كائن، والخبرُ غيرُ المبتدأ، ولو كان «لقولِهم» علةً للترك لكان مِنْ تمامِه فكان يحتاج إلى خبرٍ. وأمَّا قولُه كما تقول: خروجُه لمخافةِ الشرِّ ف «لمخافة» ليس علةً للخروجِ بل للخبر المحذوف الذي هو مستقرٌّ أو كائن «انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره الشيخُ كلُّه جوابُه: أنَّ الزمخشريَّ إنما نظر إلى جانب المعنى، وكلامُه عليه صحيحٌ. وأمَّا قولُه: ليس علةً للخروج ونحو ذلك يعني في اللفظ. وأمَّا في المعنى فهو علةٌ له قطعاً، ولولا خَوْفُ الخروج عن المقصود.
7
قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ﴾ : العامَّةُ على فتح الياء مضارعَ «عَلِم» المتعديةِ لواحد. كذا قالوا. وفيه إشكالٌ تقدَّمَ غيرَ مرةٍ: وهو أنها إذا تَعَدَّتْ لمفعولٍ كانَتْ بمعنى عَرَفَ. وهذا المعنى لا يجوز إسنادُه إلى الباري تعالى؛ لأنه يَسْتَدعي سَبْقَ جهلٍ؛ ولأنه يتعلَّقُ بالذاتِ فقط دون ما هي عليه من الأحوالِ.
7
وقرأ عليٌّ وجعفرُ بن محمد بضمِّ الياءِ، مضارعَ أَعْلم. ويحتمل أَنْ يكونَ مِنْ عَلِم بمعنى عَرَفَ، فلمَّا جِيْءَ بهمزةِ النقلِ أَكْسَبَتْها مفعولاً آخرَ فَحُذِفَ. ثُم هذا المفعولُ يُحتمل أَنْ يكونَ هو الأولَ أي: لَيُعْلِمَنَّ اللَّهُ الناسَ الصادقين، وليُعْلِمنَّهم الكاذبين، أي: بشهرةٍ يُعْرَفُ بها هؤلاءِ مِنْ هؤلاء. وأن يكونَ الثاني أي: ليُعْلِمَنَّ هؤلاء منازِلَهم، وهؤلاءِ منازلَهم في الآخرةِ. ويُحتمل أَنْ يكونَ من العلامةِ وهي السِّيمِياء، فلا يتعدَّى إلاَّ لواحدٍ. أي: لنجعلَنَّ لهم علامةً يُعرفون بها. وقرأ الزهريُّ الأولى كالمشهورةِ، والثانيةَ كالشاذة.
8
قوله: ﴿أم حَسِبَ﴾ :«أم» هذه منقطعةٌ فتتقدَّرُ ب بل والهمزةِ عند الجمهورِ، والإِضرابُ انتقالٌ لا إبطال. وقال ابنُ عطية: «أم» معادِلَةٌ/ للألفِ في قولِه «أَحَسِبَ»، وكأنَّه عَزَّ وجَلَّ قَرَّر الفريقين: قرر المؤمنين على [ظَنِّهم أنَّهم] لا يُفْتَنُون، وقَرَّر الكافرين أنهم يَسْبِقُون عقابَ اللَّهِ «. قال الشيخ:» ليسَتْ معادِلةً؛ إذ لو كانت كذلك لكانَتْ متصلةً. ولا جائزٌ أَنْ تكونَ متصلةً لفَقْدِ شرطَيْن، أحدهما: أنَّ ما بعدَها ليس مفرداً، ولا ما في قوته. والثاني: أنَّه لم يكن هنا ما يُجابُ به مِنْ أحد شيئين أو أشياء.
وجَوَّز الزمخشريُّ في «حَسِبَ» هذه أَنْ تتعدَّى لاثنين، وجعل «أنَّ» وما
وجَوَّز الزمخشريُّ في «حَسِبَ» هذه أَنْ تتعدَّى لاثنين، وجعل «أنَّ» وما
8
في حَيِّزها سادةً مَسَدَّهما كقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة﴾ [البقرة: ٢١٤]، وأَنْ تتعدَّى لواحدٍ على أنها تَضَمَّنَتْ معنى «قَدَّر». إلاَّ أنَّ التضمينَ لا يَنْقاسُ.
قوله: ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ :«ساء» يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى بِئْس، فتكونُ «ما» : إمَّا موصولةً بمعنى الذي، و «يَحْكمون» صلتُها. وهي فاعلُ «ساء». والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: حُكْمُهم. ويجوز أَنْ تكونَ «ما» تمييزاً، و «يَحْكُمون» صفتُها، والفاعلُ مضمرٌ يُفَسِّره «ما»، والمخصوصُ أيضاً محذوفٌ. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً، وهو قولُ ابنِ كَيْسان. فعلى هذا يكونُ التمييزُ محذوفاً، والمصدرُ المؤولُ مخصوصٌ بالذمِّ أي: ساءَ حُكْماً حكمُهم. وقد تقدَّمَ حكمُ «ما» إذا اتصلَتْ ب «بِئْسَ» مُشْبعاً في البقرة. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ساء» بمعنى قَبُح، فيجوز في «ما» أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي، ونكرةً موصوفَةً. وجيْءَ ب «يَحْكمون» دونَ حُكْمِه: إمَّا للتنبيهِ على أن هذا دَيْدَنُهم، وإمَّا لوقوعِه مَوْقِعَ الماضي لأجلِ الفاصلة.
قوله: ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ :«ساء» يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى بِئْس، فتكونُ «ما» : إمَّا موصولةً بمعنى الذي، و «يَحْكمون» صلتُها. وهي فاعلُ «ساء». والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: حُكْمُهم. ويجوز أَنْ تكونَ «ما» تمييزاً، و «يَحْكُمون» صفتُها، والفاعلُ مضمرٌ يُفَسِّره «ما»، والمخصوصُ أيضاً محذوفٌ. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً، وهو قولُ ابنِ كَيْسان. فعلى هذا يكونُ التمييزُ محذوفاً، والمصدرُ المؤولُ مخصوصٌ بالذمِّ أي: ساءَ حُكْماً حكمُهم. وقد تقدَّمَ حكمُ «ما» إذا اتصلَتْ ب «بِئْسَ» مُشْبعاً في البقرة. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ساء» بمعنى قَبُح، فيجوز في «ما» أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي، ونكرةً موصوفَةً. وجيْءَ ب «يَحْكمون» دونَ حُكْمِه: إمَّا للتنبيهِ على أن هذا دَيْدَنُهم، وإمَّا لوقوعِه مَوْقِعَ الماضي لأجلِ الفاصلة.
9
قوله: ﴿مَن كَانَ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً، وأَنْ تكونَ موصولةً، والفاءُ: لشَبَهِها بالشرطيةِ. والظاهرُ أنَّ هذا ليس بجوابٍ؛ لأنَّ أجلَ اللَّهِ آتٍ لا مَحالةَ من غيرِ تقييدٍ بشرطِ، بل الجوابُ محذوفٌ أي: فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحاً، ولا يُشْرِكْ بعبادةِ ربِّه أحداً، كما قد صَرَّح به.
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ مرفوعاً بالابتداءِ، والخبرُ جملةُ القسمِ المحذوفةُ وجوابُها، أي: واللَّهِ لنُكَفِّرَنَّ. ويجوز أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مضمرٍ على الاشتغال أي: ولَيُخَلِّصَنَّ الذين آمنُوا مِنْ سيئاتهم.
قوله: ﴿أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قيل: على حَذْفِ مضافٍ أي: ثوابَ أحسنِ. والمرادُ ب «أَحْسَن» هنا مجردُ الوصفِ. قيل: لئلا يَلْزَمَ أَنْ يكونَ جزاؤُهم بالحُسْن مسكوتاً عنه. وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنه من بابِ الأَوْلى إذا جازاهم بالأحسنِ جازاهم بما دَوْنَه فهو من التنبيهِ على الأَدْنى بالأعلى. قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ : يجوز فيه الرفعُ على الابتداء، والنصبُ على الاشتغالِ.
قوله: ﴿أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قيل: على حَذْفِ مضافٍ أي: ثوابَ أحسنِ. والمرادُ ب «أَحْسَن» هنا مجردُ الوصفِ. قيل: لئلا يَلْزَمَ أَنْ يكونَ جزاؤُهم بالحُسْن مسكوتاً عنه. وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنه من بابِ الأَوْلى إذا جازاهم بالأحسنِ جازاهم بما دَوْنَه فهو من التنبيهِ على الأَدْنى بالأعلى. قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ : يجوز فيه الرفعُ على الابتداء، والنصبُ على الاشتغالِ.
قوله: ﴿حُسْناً﴾ : فيه أوجهٌ، أحدُها، أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي إيصاءً حُسْناً: إمَّا على المبالغةِ، جُعِل نفسَ الحُسْن، وإمَّا على حَذْفِ مضاف أي: ذا حُسْن. الثاني: أنه مفعولٌ به. قال ابنُ عطية: «وفي ذلك تَجَوَّزٌ. والأصلُ: ووَصَّيْنا الإِنسانَ بالحُسْن في فِعْله مع والدَيْه. ونظيرُ هذا قولُ الشاعر:
٣٦٣ - ٤-
٣٦٣ - ٤-
10
عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذ تَشْكُوْنا | ومِنْ أبي دَهْماءَ إذ يُوصِيْنا |
٣٦٣ - ٥- وَصَّيْتُ مِنْ بَرَّةَ قلباً حُرَّاً | بالكَلْبِ خيراً والحَماةِ شَرَّاً |
الثالث: أنَّ» بوالديه «هو المفعولُ الثاني: فينتصبُ» حُسْناً «بإضمار فعلٍ أي: يَحْسُن حُسْناً، فيكونُ مصدراً مؤكداً. كذا قيل. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ عاملَ المؤكِّد لا يُحْذَفُ. الرابع: أنَّه مفعولٌ به على التضمينِ أي: أَلْزَمْناه حُسْناً. الخامس: أنَّه على إسقاطِ الخافض أي: بحُسْنٍ. وعبَّر صاحب» التحرير «عن ذلك بالقطع. السادس: أنَّ بعضَ الكوفيين قَدَّره: ووصَّيْنا الإِنسانَ أَنْ يَفْعَلَ بوالديه حُسْناً. وفيه حَذْفُ» أنْ «وصلتِها وإبقاءُ معمولِها. ولا يجوزُعند البصريين. السابع: أنَّ التقديرَ: ووصَّيْناه بإيتاءِ والدَيْه حُسناً. وفيه حَذْفُ المصدرِ، وإبقاءُ معمولِه. ولا يجوزُ. الثامن: أنَّه منصوبٌ انتصابَ» زيداً «في قولِك لمَنْ رأيتَه مُتَهيِّئاً للضَرْب: زيداً أي: اضرِبْ زيداً. والتقديرُ هنا: أَوْلِهما حُسْناً أو افعلْ بهما حُسْناً. قالهما الزمخشري.
11
وقرأ عيسى والجحدري/» حَسَناً «بفتحتين، وهما لغتان كالبُخْلِ والبَخَل، وقد تقدَّم ذلك أوائل البقرة.
12
قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ : العامَّةُ على ضَمِّ اللامِ ليُسْنِدَ الفعلَ لضمير جماعةٍ حَمْلاً على معنى «مَنْ» بعد أَنْ حُمِل على لفظِها. ونقل أبو معاذ النحوي أنه قُرِئ «لَيَقُولَنَّ» بالفتح جَرْياً على مراعاةِ لفظِها أيضاً. وقراءةُ العامَّةِ أحسنُ لقولِه «إنَّا كُنَّا».
قوله: ﴿وَلْنَحْمِلْ﴾ : أمرٌ في معنى الخبر. وقرأ الحسن وعيسى بكسرِ لامِ الأمرِ. وهو لغةُ الحجاز. وقال الزمخشري: «وهذا قولُ صناديدِ قريشٍ كانوا يقولون لمَنْ آمنَ منهم: لا نُبْعَثُ نحن ولا أنتم، فإنْ عَسَى كان ذلك فإنَّا نَتَحَمَّلُ». قال الشيخ: «هو تركيبٌ أعجميٌّ مِنْ جهةِ إدخالِ حرفِ الشرطِ على» عسى «، وهي جامدةٌ، واستعمالِها مِنْ غيرِ اسمٍ ولا خبرٍ وإيلائِها كان».
وقرأ العامَّةُ «خطاياكُمْ» جمعَ تكسيرٍ. وداود بن أبي هند «مِنْ
وقرأ العامَّةُ «خطاياكُمْ» جمعَ تكسيرٍ. وداود بن أبي هند «مِنْ
12
خَطِيْئاتهم» جمعَ سلامةٍ. وعنه أيضاً «خَطيئتِهم» بالتوحيد، والمرادُ الجنسُ. وهذا شبيهٌ بقراءتَيْ ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته﴾ [البقرة: ٨١] و «خطيئاته» وعنه أيضاً «خَطَئِهم». قيل: بفتحِ الطاءِ وكسرِ الياءِ. يعني بكسرِ الهمزةِ القريبةِ من الياء لأجلِ تسهيلِها بينَ بينَ.
و «مِنْ شيء» هو مفعولٌ ب «حامِلين»، و «مِنْ خطاياهم» حالٌ منه، لمَّا تقدَّم عليه انتصبَ حالاً.
و «مِنْ شيء» هو مفعولٌ ب «حامِلين»، و «مِنْ خطاياهم» حالٌ منه، لمَّا تقدَّم عليه انتصبَ حالاً.
13
قوله: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ﴾ : منصوبٌ على الظرفِ. ﴿إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ منصوبٌ على الاستثناءِ، وفي وقوع الاستثناءِ مِنْ أسماءِ العددِ خلافٌ. وللمانعين منه جوابٌ عن هذه الآيةِ. وقد رُوْعِيَتْ هنا نكتةٌ لطيفةٌ: وهو أَنْ غايرَ بين تمييزَيْ العددَيْن فقال في الأول: «سَنَة» وفي الثاني: «عاماً» لئلا يَثْقُلَ اللفظُ. ثم إنه خَصَّ لفظَ العامِ بالخمسين إيذاناً بأنَّ نبيَّ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا استراح منهم بقيَ في زمنٍ حسنٍ، والعربُ تُعَبِّرُ عن الخِصْبِ بالعام، وعن الجَدْبِ بالسَّنَة.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَآ﴾ : أي: العقوبَة أو الطَّوْفَةَ، ونحو ذَلك.
قوله: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ : العامَّةُ على نصبِه عَطفاً على «نوحاً»، أو بإضمار اذْكُرْ، أو عطفاً على هاء «أَنْجَيْناه». والنخعي وأبو جعفر وأبو حنيفةَ «وإبراهيمُ رفعاً على الابتداءِ، والخبرُ مقدَّرٌ أي: ومن المرسلينَ إبراهيمُ.
قوله:» إذ قالَ «بدلٌ مِنْ» إبراهيمَ «بدلُ اشتمالِ.
قوله:» إذ قالَ «بدلٌ مِنْ» إبراهيمَ «بدلُ اشتمالِ.
قوله: ﴿وَتَخْلُقُونَ﴾ : العامَّةُ بفتحِ التاءِ وسكونِ الخاءِ وسكونِ اللامِ، مضارعَ خَلَقَ، «إفكاً» بكسرِ الهمزةِ وسكون الفاء أي: وَتَخْتَلِقُوْن كذباً أو تَنْحِتُون أصناماً. وعلي بن أبي طالب وزيدُ بن علي والسُّلمي وقتادةُ بفتح الخاءِ واللامِ مشددةً، وهو مضارعُ «تَخَلَّقَ» والأصلُ: تَتَخَلَّقُوْن بتاءَيْن، فَحُذِفَت إحداهما ك تَنزَّلُ ونحوِه. ورُوي عن زيد بن علي أيضاً «تُخَلِّقُوْن» بضم التاء وتشديد اللام مضارعَ خَلَّق مضعَّفاً.
وقرأ ابن الزُّبير وفضيل بن زُرْقان «أَفِكاً» بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو مصدرٌ كالكَذِب معنىً ووزناً. وجَوَّز الزمخشري في الإِفْك بالكسرِ والسكون وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ مخففاً من الأَفِك بالفتح والكسر كالكِذْب واللِّعْب، وأصلُهما الكَذِب واللَّعِب، وأن يكونَ صفةً على فِعْل أي خَلْقاً إفكاً أي:
وقرأ ابن الزُّبير وفضيل بن زُرْقان «أَفِكاً» بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو مصدرٌ كالكَذِب معنىً ووزناً. وجَوَّز الزمخشري في الإِفْك بالكسرِ والسكون وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ مخففاً من الأَفِك بالفتح والكسر كالكِذْب واللِّعْب، وأصلُهما الكَذِب واللَّعِب، وأن يكونَ صفةً على فِعْل أي خَلْقاً إفكاً أي:
14
ذا إفك. قلتُ: وتقديرُه مضافاً قبلَ إفْك مع جَعْلِه له صفةً غيرُ محتاجٍ إليه، وإنما كان يُحْتاجُ إليه لو جَعَلَه مصدراً.
قوله: «رِزْقاً» يجوزُ أن يكونَ منصوباً على المصدرِ، وناصبُه «لا يَمْلِكون» لأنَّه في معناه. وعلى أصولِ الكوفيين يجوزُ أَنْ يكونَ الأصلُ: لا يملِكُون أن يَرْزُقوكم رِزْقاً، ف «أَنْ يَرْزُقوكم» هو مفعولُ «يَمْلكون». ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى المَرْزوق، فينتصبَ مفعولاً به.
قوله: «رِزْقاً» يجوزُ أن يكونَ منصوباً على المصدرِ، وناصبُه «لا يَمْلِكون» لأنَّه في معناه. وعلى أصولِ الكوفيين يجوزُ أَنْ يكونَ الأصلُ: لا يملِكُون أن يَرْزُقوكم رِزْقاً، ف «أَنْ يَرْزُقوكم» هو مفعولُ «يَمْلكون». ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى المَرْزوق، فينتصبَ مفعولاً به.
15
قوله: ﴿يَرَوْاْ كَيْفَ﴾ : قرأ الأخَوان وأبو بكر بالخطاب، على خطابِ إبراهيمِ لقومِه بذلك. والباقون بالغَيْبة ردَّاً على الأممِ المكذِّبةِ.
قوله: «كيف يُبْدِئُ» العامَّةُ على ضَمِّ الياءِ مِنْ أَبْدَأَ. والزبيري وعيسى وأبو عمرو بخلافٍ عنه «يَبْدَأُ» مضارعَ بدأ. وقد صَرَّح بماضيه هنا حيث قال: ﴿كَيْفَ بَدَأَ الخلق﴾ [العنكبوت: ٢٠] وقرأ الزهري: «كيف بَدا» بألفٍ صريحةٍ، وهو تخفيفٌ على غيرِ قياسٍ. وقياسُه بين بينَ، وهو في الشذوذ كقولِه:
قوله: «كيف يُبْدِئُ» العامَّةُ على ضَمِّ الياءِ مِنْ أَبْدَأَ. والزبيري وعيسى وأبو عمرو بخلافٍ عنه «يَبْدَأُ» مضارعَ بدأ. وقد صَرَّح بماضيه هنا حيث قال: ﴿كَيْفَ بَدَأَ الخلق﴾ [العنكبوت: ٢٠] وقرأ الزهري: «كيف بَدا» بألفٍ صريحةٍ، وهو تخفيفٌ على غيرِ قياسٍ. وقياسُه بين بينَ، وهو في الشذوذ كقولِه: