وآياتها تسع وستون
كلماتها : ١٩٨١- حروفها : ٤٥٩٥
ﰡ
﴿ الم١ ﴾
ربما تكون اسما للسورة، أو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وربما يراد بها التحدي، بمعنى أن الألف واللام والميم حروف تنطقون بها معاشر العرب الذين نزل القرآن والنبي الموحى إليه بين ظهرانيكم، ومن هذه الحروف وأخواتها يتكون كلامكم، ومع ذلك عجزتم- وأنتم أهل الفصاحة واللسن- أن تجيئوا بكلام يشبه القرآن أو يضاهيه، وسيبقى الخلق جميعا عاجزين عن الإتيان بمثله، فاستيقنوا إذا أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو قول رب القوي والقدر.
أيظن الناس لأنهم قالوا نحن قد آمنا أن يتركوا دون فتنة وابتلاء واختبار ؟ فيتركون غير مبتلين من أجل قولهم آمنا ؟ كلا ! هذا حسبان باطل، فما خلقنا المكلفين إلا لنختبرهم :)إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه.. ( ١ وتبارك ربنا ) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. ( ٢[ والفتنة الامتحان بشدائد التكليف : من مفارقة الأوطان وكل ما يحب ويستلذ، ومن ملاقاة الأعداء والصبر على أذاهم، وسائر ما تكرهه النفس، والتحقيق أن المقصود من خلق البشر هو العبادة الخالصة لله، فإذا قال باللسان آمنت فقد ادعى طاعة الله بالجنان، فلا بد له من شهود وهو الإتيان بالأركان.. ]٣.
٢ سورة الملك. من الآية٢..
٣ ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري..
ولقد امتحنا واختبرنا من سبقوا، فتلك سنتنا في الذين خلوا من قبل ).. ولا تجد لسنتنا تحويلا( ١، نختبر بالعسر واليسر، والسراء والضراء. ).. ونبلوكم بالشر والخير فتنة.. ( ٢فليظهرن الله من هو صادق في إيمانه ويقينه ودينه، ومن هو كاذب يناقض عمله قوله، يقول : هو من المسلمين، ويعمل عمل الفاسقين، فما آتى الله تعالى سليمان من ملك لم ينسه أنه فيه مختبر، وبه ممتحن، فقال :).. هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم( ٣، وروى البخاري-بسنده- عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- ولقد لقينا من المشركين شدة- فقلنا : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ ! فقال :" قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه " - فكأنه قيل : فوالله ليعلمن بما يشبه الامتحان والاختبار الذين صدقوا في الإيمان الذي أظهروه، والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب فليجازين كلا بحسب عمله فيه-٤.
مما يقول الطبري : ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم ممن أرسلنا إليهم رسلنا فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم وتمكيننا إياهم من أذاهم، كموسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتليناهم بفرعون وملئه، وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل فابتلينا من اتبعه بمن تولى عنه، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك فليعلمن الله الذين صدقوا منهم في قيلهم آمنا، وليعلمن الكافرين منهم في قيلهم ذلك، والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار وفي حال الاختبار وبعد الاختبار، ولكن معنى ذلك : وليظهرن الله صدق الصادق منهم في قيله آمنا بالله من كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوه، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه. اه.
٢ سورة الأنبياء. من الآية ٣٥..
٣ سورة النمل. من الآية ٤٠..
٤ مما أورد الألوسي..
أم ظن المشركون والمفسدون أن يفوتونا بأنفسهم ويعجزونا فلا نقدر على جمعهم فننتقم منهم ؟ ساء ما ظنوه، وبئس حكما يحكمونه هذا، أو بئس من يحكم حكمهم، هل توهموا أن من كلف بشيء ولم يمتثل عذب في الحال ؟ وأن يعذب في الاستقبال، نظير قوله :)ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون( ١- والحاصل أن الإهمال لا يوجب الإهمال، والتعجيل في جزاء الأعمال إنما يوجد ممن يخاف الفوت لولا الاستعجال، ومعنى الإضراب﴿ أم ﴾ : أن هذا الحسبان أشنع من الحسبان الأول، لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يجازي بمساوئه.. وفي الآية إبطال قول من ذهب إلى أن التكاليف إرشادات والإيعاد عليها ترغيب وترهيب، ولا يوجب من الله تعذيب-٢.
٢ ما بين العارضتين مقتبس من النيسابوري، بتصرف..
من خاف يوم الوعيد، وعمل صالحا يبتغي رحمة الحميد المجيد، فإنه مدرك رضوان الغفور الودود، وربنا وسع سمعه كل شيء وأحاط علمه بكل موجود، يقول القرطبي :﴿ يرجو ﴾ بمعنى يخاف، ونقل الألوسي نحوه، إلا أنه زاد : واختار بعضهم أن الرجاء بمعناه المشهور، وأن لقاء الله تعالى مشاهدته سبحانه على الوجه اللائق به عز وجل كما يقوله أهل السنة والجماعة، بينما ذهب ابن كثير والنيسابوري إلى أن﴿ يرجو ﴾ بمعنى يأمل، ومن قبلهما قال الطبري : من كان يرجو الله يوم لقائه، ويطمع في ثوابه، فإن أجل الله الذي أجله لبعث خلقه للجزاء والعقاب لآت قريب﴿ وهو السميع ﴾ يقول : والله الذي يرجو هذا الراجي بلقائه ثوابه﴿ السميع ﴾ لقوله :﴿ آمنا بالله ﴾﴿ العليم ﴾ بصدق قيله أنه قد آمن من كذبه فيه، أقول : والإيمان خوف ورجاء، يملآن نفس المستيقن، فيدعو رغبا ورهبا، ويتبتل وجلا وطمعا )أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب( ١.
ومن نافح عن الدين، وقاتل الكافرين، وصبر على التكاليف، وأدى أمانات رب العالمين، فإنما جزاء ذلك وثوابه له، ولا يرجع من ذلك نفع إلى الملك القوي المتين، فإنه – تبارك اسمه- ما به حاجة إلى الخلق، بل هو دون سواه الوهاب لكل خير وفضل ورزق.
والذين صدقوا بما عهد الله تعالى إلى المكلفين أن يستيقنوا به، وبروا في أعمالهم فأتمروا بأمر الله ورسوله، وانتهوا عما نهوا عنه، فقسم من ربنا العلي العظيم ليغطين سيآتهم بستره وليعفون عن آثامهم وليصفحن- تفضلا منه وكرما- وليثيبنهم أعظم المثوبة، فلا يجزي الحسنة بالحسنة، ولكن بعشرة أمثالها، أو بأضعاف كثيرة، مما أورد صاحب[ غرائب القرآن.. ] : الإيمان في الشرع عبارة عن التصديق بجميع ما قال الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفصيلا فيما علم، وإجمالا فيما لم يعلم، والعمل الصالح هو الذي ندب الله ورسوله إليه... ثم إنه تعالى ذكر في مقابلة الإيمان والعمل الصالح أمرين : تكفير السيآت، والجزاء بالأحسن، فتكفير السيآت في مقابلة الإيمان، والجزاء الأحسن في مقابلة العمل الصالح، ومنه يعلم أن الإيمان يقتضي عدم الخلود في النار لأن الذي كفرت سيآته يدخل الجنة لا محالة، فالجزاء الأحسن يكون غير الجنة، وهو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر... وههنا بحث، وهو أن قوله﴿ لنكفرن ﴾ يستدعي وجود السيئات حتى تكفر، فالمراد ب﴿ الذين آمنوا وعملوا.. ﴾إما قوم مسلمون مذنبون، وإما قوم مشركون آمنوا فحط الإيمان ما قبله...... أو يقال : ما من مكلف إلا وله سيئة، حتى الأنبياء فإن ترك الأولى بالنسبة إليهم سيئة، بل حسنات الأبرار سيئات المقربين. اه، وأما صاحب [ جامع البيان.. ] فيقول : يقول تعالى ذكره : والذين آمنوا بالله ورسوله فصح إيمانهم عند ابتلائه إياهم، وفتنته لهم، ولم يرتدوا.. بأذى المشركين إياهم، وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيآتهم التي سلفت منهم في شركهم... ولنثيبنهم على صالحات أعمالهم في إسلامهم أحسن ما كانوا يعملون.. اه.
روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال : أنزلت في آيات أربع فذكر قصة، فقالت أم سعد : أليس قد أمر الله بالبر ! والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا- فتحوا بقطعة أو عود –فاها، فنزلت هذه الآية :﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ﴾ الآية. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، يقول النحاة :﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ﴾ تقديره : ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا، فيقدر له فعل، أو انتصب﴿ حسنا ﴾ على أنه وصف لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا، وأوصيناه بإيلاء وإيتاء والديه حسنا، أمرنا الإنسان في حق والديه أمرا ذا حسن، وقلنا :﴿ إن جاهداك ﴾ أو جاهدك أحدهما وبذل الجهد معك لحملك﴿ على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ﴾ وفيه إشارة إلى أن نفي الشرك من العلوم الضرورية، وأن الفطرة السليمة مجبولة عليه.. -١﴿ فلا تطعهما ﴾٢فيما دعواك إليه من الشرك بالله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مما أورد صاحب [ غرائب القرآن.. ] :﴿ ما ليس لك به علم ﴾ أي : لا معلوم ليتعلق العلم به، وإذا كان التقليد في الإيمان قبيحا فكيف يكون حال التقليد في الكفر ؟ ! وعلى وجوب ترك طاعة الوالدين إذا أرادا ولدهما على الإشراك دليل عقلي، وذلك أن طاعتهما وجبت بأمر الله، فإذا نفيا طاعة الله في الإشراك به فقد أبطلا طاعة الله مطلقا، ويلزم منه عدم لزوم طاعة الوالدين بأمر الله، وكل ما يفضي وجوده إلى عدمه فهو باطل، وفي قوله :﴿ إلي مرجعكم ﴾ ترغيب في رعاية حقوق الوالدين وترهيب عن عقوقهما وإن كانا كافرين إلا في الدعاء إلى الشرك، وفيه أن المجازي للمؤمن والمشرك إذا كان هو الله وحده فلا ينبغي أن يعق الوالدين لأجل كفرهما، وفي قوله﴿ فأنبئكم ﴾ دليل على أنه سبحانه عالم بالخفيات لا يعزب عنه شيء.. اه- فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علم ابتغاء مرضاتهم، ولكن خالفهما في ذلك.. إلي معادكم ومصيركم يوم القيامة... فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيآتها، ثم أجازيكم عليها، المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله-٣.
والذين صدقوا في يقينهم وعملوا ما فيه مرضاة ربهم، لندخلنهم في مدخل وزمرة ومستقر من كمل صلاحهم، - وله مراتب غير متناهية، ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا طلبها الأنبياء عليهم السلام، كما قال سليمان عليه السلام :).. وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين( ٤.. في مدخل الصالحين وهي الجنة-٥.
٢ وروى أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وذلك أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما متوافقين حتى نزلا المدينة فخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام أخواه لأمه- أسماء بنت مخرمة- فنزلا بعياش وقالا له: إن من دين محمد صلة الأرحام وبر الوالدين، وقد تركت أمك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوي بيتا حتى تراك. وهي أشد حبا لك، فاخرج معنا، وفتلا منه في الذروة والغارب، فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال: هما يخدعانك. ولك علي أن أقسم مالي بيني وبينك، فمازالا به حتى أطاعهما وعصى عمر رضي الله تعالى عنه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: أما إذ عصيتني فخذ ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها، فإن رابك منهم ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد كلت فاحملني معك، قال: نعم، فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه فشداه وثاقا وجلده كل واحد مائة جلدة، وذهبا به إلى أمه، فقلت لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم- فنزلت. أورد ذلك صاحب[روح المعاني..].
.
٣ ما بين العارضتين مما جاء في [ جامع البيان.. للطبري]..
٤ سورة النمل. من الآية ١٩..
٥ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
بعض من الناس يؤمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، ويحسب أن لن تكون فتنة، ولن يختبر فتظهر للخلق حقيقته، لكن هيهات أن يترك دون امتحان، فقد مضت سنة الله ).. ولن تجد لسنة الله تبديلا( ١ أن يبتلي العباد حتى يظهر الصادق من المنافق، وبهذا أقسمت الآية الكريمة :)ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم( ٢ ولن يسوي الله بين الأتقياء والأدعياء :)ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.. ( ٣ فإذا أدرك أدعياء الإيمان ضررا أو أذى لإيمانهم بالله، ومن أجل استجابتهم لدعوة الحق، وعذبهم الكافرون المبطلون على اتباع سبيل الرشد، جزعوا وأطاعوا الناس خشية إيذائهم، ولم يثبتوا على الهدي حتى يسلموا من عذاب ربهم، ولو عقلوا لاحتملوا وكانوا من أهل اليقين البررة ).. الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( ٤، ولا يمنعهم جزعهم ووهنهم وهوانهم من معاودة دعوى الإيمان ابتغاء عرض الحياة الدنيا، فإذا نصركم الله أهل الصدق والجهاد والإيمان، قال المفتونون الخوارون الفرارون : لقد كنا معكم في ثباتكم، ومناوأة عدوكم، فدعونا ننل حظا مما غنمتم، أيخفى حالهم أوليس الله بمطلع على ما أضمرته قلوبهم ؟ بلى ! فإن المنافقين يحسبون أنهم ) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون( ٥، والله خادعهم، وسيمكر بهم، فيهتك نفاقهم، ويغلظ العذاب لهم :) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا( ٦ ويوم تبلى السرائر فما لأحد منهم من قوة ولا حيلة ولا ناصر، وليظهرن الله تعالى في العاجل والآجل صدق المتقين، وزيغ المنافقين )ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.. ( ٧.
وذكر المنافقين في هذه السورة المكية- عند أكثر علماء القرآن- يكون من الإخبار بالغيب، والتبصرة بما سيلاقي أهل الإيمان بعد من أدعياء الإيمان لا من أوليائه، وذهبت طائفة من العلماء إلى أن هذه الآيات العشر مدنية، وسائر السورة من المكي الذي نزل قبل الهجرة.
٢ سورة محمد. الآية ٣١..
٣ سورة آل عمران. من الآية ١٧٩..
٤ سورة البقرة. من الآية ١٧٧..
٥ سورة البقرة. الآية ٩..
٦ سورة النساء. الآية ١٤٥..
٧ سورة آل عمران. من الآية ١٧٩..
بعض من الناس يؤمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، ويحسب أن لن تكون فتنة، ولن يختبر فتظهر للخلق حقيقته، لكن هيهات أن يترك دون امتحان، فقد مضت سنة الله ).. ولن تجد لسنة الله تبديلا( ١ أن يبتلي العباد حتى يظهر الصادق من المنافق، وبهذا أقسمت الآية الكريمة :)ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم( ٢ ولن يسوي الله بين الأتقياء والأدعياء :)ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.. ( ٣ فإذا أدرك أدعياء الإيمان ضررا أو أذى لإيمانهم بالله، ومن أجل استجابتهم لدعوة الحق، وعذبهم الكافرون المبطلون على اتباع سبيل الرشد، جزعوا وأطاعوا الناس خشية إيذائهم، ولم يثبتوا على الهدي حتى يسلموا من عذاب ربهم، ولو عقلوا لاحتملوا وكانوا من أهل اليقين البررة ).. الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( ٤، ولا يمنعهم جزعهم ووهنهم وهوانهم من معاودة دعوى الإيمان ابتغاء عرض الحياة الدنيا، فإذا نصركم الله أهل الصدق والجهاد والإيمان، قال المفتونون الخوارون الفرارون : لقد كنا معكم في ثباتكم، ومناوأة عدوكم، فدعونا ننل حظا مما غنمتم، أيخفى حالهم أوليس الله بمطلع على ما أضمرته قلوبهم ؟ بلى ! فإن المنافقين يحسبون أنهم ) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون( ٥، والله خادعهم، وسيمكر بهم، فيهتك نفاقهم، ويغلظ العذاب لهم :) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا( ٦ ويوم تبلى السرائر فما لأحد منهم من قوة ولا حيلة ولا ناصر، وليظهرن الله تعالى في العاجل والآجل صدق المتقين، وزيغ المنافقين )ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب.. ( ٧.
وذكر المنافقين في هذه السورة المكية- عند أكثر علماء القرآن- يكون من الإخبار بالغيب، والتبصرة بما سيلاقي أهل الإيمان بعد من أدعياء الإيمان لا من أوليائه، وذهبت طائفة من العلماء إلى أن هذه الآيات العشر مدنية، وسائر السورة من المكي الذي نزل قبل الهجرة.
٢ سورة محمد. الآية ٣١..
٣ سورة آل عمران. من الآية ١٧٩..
٤ سورة البقرة. من الآية ١٧٧..
٥ سورة البقرة. الآية ٩..
٦ سورة النساء. الآية ١٤٥..
٧ سورة آل عمران. من الآية ١٧٩..
ومن الفتن الضالة المضلة- نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن- ما يقول الكفار للمؤمنين : إن تتبعونا في طريقنا الذي نسلك – طريق الجحود والنكران- نحمل عنكم أوزاركم، ونتحمل عقاب ذنوبكم إن كان هناك حساب وعقاب ! وكذبوا في مقالهم ككذبهم في كل أحوالهم- فلن تملك يوم القيامة نفس لنفس شيئا، ولا يجزي والد عن ولده، ).. ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.. ( ١، ولا خلة ولا شفاعة )يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ٢ وإنما يتخاصمون ويتلاعنون، ويتبرأ بعضهم من بعض ).. حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون( ٣ وهكذا سيحملون الأوزار والآثام التي ارتكبوها، والتي تواصوا بها وأشاعوها، وذلك ما قضى به عدل الله )ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم.. ( ٤، ﴿ وليسألن يوم القيامة ﴾ حين يرى المجرمون النار، وهم في موقف الحساب يعلمون أنهم مواقعوها ولن يجدوا عنها مصرفا، وتشتد عليهم أهوال الحشر، وخزي الكفر، فيهون عليهم أن ينصرفوا من موقفهم هذا ولو إلى السعير، لكن يأبى الله تعالى إلا أن يفضحهم على رءوس الخلائق قبل أن يأمر بهم إلى جهنم، وصدق الله العظيم :)احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم. وقفوهم إنهم مسؤولون( ٥- أما الجمع بين قوله :﴿ وما هم بحاملين ﴾ وبين قوله :﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ﴾
٢ سورة عبس. الآيات من: ٣٤ إلى ٣٧..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٣٨..
٤ سورة النحل. من الآية ٢٥..
٥ سورة الصافات. الآيتان ٢٢، ٢٣..
٢ ما بين العلامتين[ ] أورده القرطبي جـ ١٣ص ٣٣١، ٣٣٢..
بعث الله تعالى رسوله نوحا عليه السلام إلى قومه ليوحدوا ربنا الخلاق العليم ويعبدوه، ويدعوا أصنامهم ومعبوداتهم الباطلة ).. فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.. ( ١ )أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون. يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى.. ( ٢، ومكث يدلهم على الهدى، ويحذرهم عاقبة الشرك :).. إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( ٣، ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم( ٤، وصبر- عليه صلوات الله وسلامه- على تبليغ رسالة ربه، وتابع تبشير من يتقي ويوحد، وإنذار من يشرك ويجحد، ومرت قرون وهو دائب على الترغيب في عبادة الله وتقواه، والترهيب من عصيانه وتأليه ما سواه، فما زادهم التذكير بحق الله إلا بعدا، تسعمائة وخمسون سنة ونوح يبين الرشد لقومه، وما آمن معه إلا قليل، إنه لصبر أولي العزم من الرسل، فلما استحبوا العمى على الهدى، وأصروا على الغي، واستكبروا عن الحق، حانت ساعة الانتقام، وتأذن ربنا بإهلاك المجرمين، وإغراق الكافرين، والطوفان : كل ماء فاش طام، والقرآن الكريم يشير إلى عظمه وهوله في آيات كريمات :)ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر( ٥، كما يبين مقدار طغيان الطوفان وبأسه في قول الحق الواحد القهار :)وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين( ٦، ولما جاء أمر الله، ورأى نوح ما جعله ربنا علامة على نزول البأس بساحة المجرمين، وفار التنور إيذانا برحيل النبي والمؤمنين، أوحى مولانا –الكبير المتعال- إلى نوح نبيه ورسوله أن يركب السفينة التي صنعها منذ عهد إليه مولاه :)واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون( ٧ كما نودي أن يجعل معه في السفينة من كل من نبات الأرض وحيوانها زوجين اثنين- ذكر وأنثى- وأن يركب معه أهل التصديق برسالته، وليطمئنوا بعد ذلك إلى أن سفينتهم- مهما اشتدت الأنواء- ناجية، وليستبشروا وإن علا الموج كالجبال، فإن وليهم الله رب العالمين، وهو سبحانه بالمؤمنين بر رحيم، وإن ربنا لمع المتوكلين المتضرعين المتقين، وإلى هذا أرشد الوحي الحكيم :)فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين( ٨، وجرت سفينتهم باسم الله الخبير البصير، القوي القدير، وسيرها- سبحانه- برعايته حتى أهلك الفجار، )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين( ٩، وكان هلاك المجرمين، وإنجاء الله المؤمنين، علامة على صدق المرسلين، وعظة للمعتبرين، وإنفاذا لسنن المهيمن الذي لا تتبدل سنته ولا تتحول :)إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين( ١٠ )ولقد تركناها آية فهل من مدكر( ١١، وجعلها الحميد المجيد نعمة أن نجى الأسلاف والآباء، يقول تبارك اسمه :)وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ١٢، ويقول- جل علاه- :)إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية. لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية( ١٣- مما أورد صاحب [ روح المعاني.. ] : للإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء، وحثا لهم على الصبر، فإن الأنبياء عليهم السلام.. صبروا.. فلأن يصبر هؤلاء المؤمنون أولى وأحرى.. وهو من عطف القصة على القصة.. والنكتة في اختيار السنة أولا : أنها تطلق على الشدة والجدب بخلاف العام، فناسب اختيار السنة لزمان الدعوى الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسى. اه.
٢ سورة نوح. الآية ٣، ومن الآية ٤..
٣ سورة الأحقاف. من الآية ٢١..
٤ سورة هود. الآية ٣٩..
٥ سورة القمر. الآيتان ١١، ١٢..
٦ سورة هود. الآيتان ٤٢، ٤٣..
٧ سورة هود. الآية ٣٧..
٨ سورة المؤمنون. الآيتان ٢٨، ٢٩..
٩ سورة هود. الآية ٤٤..
١٠ سورة المؤمنون. الآية ٣٠..
١١ سورة القمر. الآية ١٥..
١٢ سورة يس. الآيتان ٤١، ٤٢..
١٣ سورة الحاقة. الآيتان: ١١، ١٢..
بعث الله تعالى رسوله نوحا عليه السلام إلى قومه ليوحدوا ربنا الخلاق العليم ويعبدوه، ويدعوا أصنامهم ومعبوداتهم الباطلة ).. فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.. ( ١ )أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون. يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى.. ( ٢، ومكث يدلهم على الهدى، ويحذرهم عاقبة الشرك :).. إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( ٣، ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم( ٤، وصبر- عليه صلوات الله وسلامه- على تبليغ رسالة ربه، وتابع تبشير من يتقي ويوحد، وإنذار من يشرك ويجحد، ومرت قرون وهو دائب على الترغيب في عبادة الله وتقواه، والترهيب من عصيانه وتأليه ما سواه، فما زادهم التذكير بحق الله إلا بعدا، تسعمائة وخمسون سنة ونوح يبين الرشد لقومه، وما آمن معه إلا قليل، إنه لصبر أولي العزم من الرسل، فلما استحبوا العمى على الهدى، وأصروا على الغي، واستكبروا عن الحق، حانت ساعة الانتقام، وتأذن ربنا بإهلاك المجرمين، وإغراق الكافرين، والطوفان : كل ماء فاش طام، والقرآن الكريم يشير إلى عظمه وهوله في آيات كريمات :)ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر( ٥، كما يبين مقدار طغيان الطوفان وبأسه في قول الحق الواحد القهار :)وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين( ٦، ولما جاء أمر الله، ورأى نوح ما جعله ربنا علامة على نزول البأس بساحة المجرمين، وفار التنور إيذانا برحيل النبي والمؤمنين، أوحى مولانا –الكبير المتعال- إلى نوح نبيه ورسوله أن يركب السفينة التي صنعها منذ عهد إليه مولاه :)واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون( ٧ كما نودي أن يجعل معه في السفينة من كل من نبات الأرض وحيوانها زوجين اثنين- ذكر وأنثى- وأن يركب معه أهل التصديق برسالته، وليطمئنوا بعد ذلك إلى أن سفينتهم- مهما اشتدت الأنواء- ناجية، وليستبشروا وإن علا الموج كالجبال، فإن وليهم الله رب العالمين، وهو سبحانه بالمؤمنين بر رحيم، وإن ربنا لمع المتوكلين المتضرعين المتقين، وإلى هذا أرشد الوحي الحكيم :)فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين( ٨، وجرت سفينتهم باسم الله الخبير البصير، القوي القدير، وسيرها- سبحانه- برعايته حتى أهلك الفجار، )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين( ٩، وكان هلاك المجرمين، وإنجاء الله المؤمنين، علامة على صدق المرسلين، وعظة للمعتبرين، وإنفاذا لسنن المهيمن الذي لا تتبدل سنته ولا تتحول :)إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين( ١٠ )ولقد تركناها آية فهل من مدكر( ١١، وجعلها الحميد المجيد نعمة أن نجى الأسلاف والآباء، يقول تبارك اسمه :)وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( ١٢، ويقول- جل علاه- :)إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية. لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية( ١٣- مما أورد صاحب [ روح المعاني.. ] : للإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء، وحثا لهم على الصبر، فإن الأنبياء عليهم السلام.. صبروا.. فلأن يصبر هؤلاء المؤمنون أولى وأحرى.. وهو من عطف القصة على القصة.. والنكتة في اختيار السنة أولا : أنها تطلق على الشدة والجدب بخلاف العام، فناسب اختيار السنة لزمان الدعوى الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسى. اه.
٢ سورة نوح. الآية ٣، ومن الآية ٤..
٣ سورة الأحقاف. من الآية ٢١..
٤ سورة هود. الآية ٣٩..
٥ سورة القمر. الآيتان ١١، ١٢..
٦ سورة هود. الآيتان ٤٢، ٤٣..
٧ سورة هود. الآية ٣٧..
٨ سورة المؤمنون. الآيتان ٢٨، ٢٩..
٩ سورة هود. الآية ٤٤..
١٠ سورة المؤمنون. الآية ٣٠..
١١ سورة القمر. الآية ١٥..
١٢ سورة يس. الآيتان ٤١، ٤٢..
١٣ سورة الحاقة. الآيتان: ١١، ١٢..
وأرسلنا إبراهيم، أو : واذكر إبراهيم حين أمر قومه بعبادة الله وتقواه، وصاهم أن خصوا الله بالعبادة، واجعلوها له سبحانه دون سواه، وخافوه ولا تخالفوه، فعبوديتكم للمعبود بحق- جل وتعالى- واتقاء عصيانه، خير لكم إن كنتم أهل علم، وتدركون ما هو بركة عليكم، مما هو مقت لكم، وأنتم تعون ما أمضى الله القدير في أسلافكم :)وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما. وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا. وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا( ١.
﴿ تخلقون إفكا ﴾ تنحتون صنما، أو تختلقون كذبا، فتجعلون المصنوع صانعا.
﴿ فابتغوا ﴾ فاطلبوا أو التمسوا.
﴿ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له وإليه ترجعون١٧ ﴾
لما رغبتهم الآية السابقة في الدين الحق، حذرتهم هذه من الزعم الباطل، فما الأصنام التي عبدوها إلا حجارة أو جمادا لا تسمع ولا تعي ولا تعقل، فكيف تجلب لنفسها خيرا أو تدفع عنها ضرا، فضلا عن أن تهب شيئا من ذلك لغيرها، فتأليهها افتراء وكذب وزور، إذ كيف يكون المربوب ربا، والمصنوع صانعا ؟ ! وليس لهذه الحجارة نصيب من الخلق أو الرزق، فالتمسوا واطلبوا الخير والرزق والعطاء من بارئ الأرض والسماء، وواهب النعم والآلاء، واستقيموا إليه وأطيعوه، واعبدوه واشكروه، وخافوه ولا تخالفوه، حتى يرحمكم في الدنيا ويوم تلقونه وبين يديه تسألون وتحاسبون.
لعل العطف هنا على محذوف دل عليه المذكور، والتقدير : فإن استجبتم تفلحوا في العاجل والآجل، وإن تكذبوا ما دعوتكم إليه من التوحيد والجلال لله الكبير المتعال، وارتبتم في البعث والحساب والجزاء فلن تضروا إلا أنفسكم، كالذين سبقوكم ممن كذبوا رسل الله إليهم- وهم شيث، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح عليهم السلام فلم يضرهم تكذيبهم شيئا، وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب، فكذا تكذيبكم إياي-١، وليس علي هداكم، إنما عهد الله إلي- كعهده سبحانه إلى كل رسول- أن أبلغكم بلاغا واضحا.
يقول صاحب[ روح المعاني.. ] : وهذه الآية، أعني :﴿ وإن تكذبوا ﴾ الخ على ما ذكرنا من جملة قصة إبراهيم عليه السلام، وكذا ما بعد- على ما قيل- إلى قوله تعالى :﴿ فما كان جواب قومه.. ﴾، وجوز أن يكون ذلك اعتراضا بذكر شأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش، وهدم مذهبهم، والوعيد على سوء صنيعهم، توسط بين طرفي القصة من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والتنفيس عنه بأن أباه خليل الرحمن كان مبتلى بنحو ما ابتلى به من شرك القوم وتكذيبهم، وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. اه.
أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ).. وهو أهون عليه.. ( ١- وقوله تعالى :﴿ ثم يعيده ﴾ عطف على﴿ أولم يروا ﴾ لا على﴿ يبدئ ﴾، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة، فلو عطف عليه لم يصح، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-٢[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.. ﴿ فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]٣- امضوا في الأرض وسيحوا فيها﴿ فانظروا كيف بدأ ﴾ الله تعالى﴿ الخلق ﴾ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة... فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة، والكيفية في هذه الآية، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها، وهذه باعتبار تغاير الأحوال، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع﴿ يبدأ ﴾ دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة.. -٤، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله، ويرحم من يشاء بفضله، وإلى الله مردنا، ومرجعنا ومصيرنا، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى، وما لهم من يتولاهم، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم.
٢ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ مما أورد الألوسي..
أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ).. وهو أهون عليه.. ( ١- وقوله تعالى :﴿ ثم يعيده ﴾ عطف على﴿ أولم يروا ﴾ لا على﴿ يبدئ ﴾، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة، فلو عطف عليه لم يصح، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-٢[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.. ﴿ فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]٣- امضوا في الأرض وسيحوا فيها﴿ فانظروا كيف بدأ ﴾ الله تعالى﴿ الخلق ﴾ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة... فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة، والكيفية في هذه الآية، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها، وهذه باعتبار تغاير الأحوال، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع﴿ يبدأ ﴾ دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة.. -٤، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله، ويرحم من يشاء بفضله، وإلى الله مردنا، ومرجعنا ومصيرنا، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى، وما لهم من يتولاهم، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم.
٢ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ مما أورد الألوسي..
أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ).. وهو أهون عليه.. ( ١- وقوله تعالى :﴿ ثم يعيده ﴾ عطف على﴿ أولم يروا ﴾ لا على﴿ يبدئ ﴾، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة، فلو عطف عليه لم يصح، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-٢[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.. ﴿ فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]٣- امضوا في الأرض وسيحوا فيها﴿ فانظروا كيف بدأ ﴾ الله تعالى﴿ الخلق ﴾ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة... فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة، والكيفية في هذه الآية، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها، وهذه باعتبار تغاير الأحوال، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع﴿ يبدأ ﴾ دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة.. -٤، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله، ويرحم من يشاء بفضله، وإلى الله مردنا، ومرجعنا ومصيرنا، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى، وما لهم من يتولاهم، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم.
٢ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ مما أورد الألوسي..
أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ).. وهو أهون عليه.. ( ١- وقوله تعالى :﴿ ثم يعيده ﴾ عطف على﴿ أولم يروا ﴾ لا على﴿ يبدئ ﴾، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة، فلو عطف عليه لم يصح، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-٢[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.. ﴿ فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]٣- امضوا في الأرض وسيحوا فيها﴿ فانظروا كيف بدأ ﴾ الله تعالى﴿ الخلق ﴾ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة... فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة، والكيفية في هذه الآية، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها، وهذه باعتبار تغاير الأحوال، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع﴿ يبدأ ﴾ دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة.. -٤، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله، ويرحم من يشاء بفضله، وإلى الله مردنا، ومرجعنا ومصيرنا، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى، وما لهم من يتولاهم، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم.
٢ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ مما أورد الألوسي..
أو عميت بصائرهم فلم يتدبروا وينظروا، فيقروا بأن الله هو المبدئ المعيد ؟ ! كما أنه سبحانه لم يعي بخلق الكون وما فيه، فلن يعجزه أن يعيد الناس بعد موتهم أحياء ).. وهو أهون عليه.. ( ١- وقوله تعالى :﴿ ثم يعيده ﴾ عطف على﴿ أولم يروا ﴾ لا على﴿ يبدئ ﴾، لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة، فلو عطف عليه لم يصح، وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته، فلو كان معلوما لهم كان تحصيلا للحاصل-٢[ وقيل : المعنى : أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا، وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان، أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء فهو القادر على الإعادة﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾ لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.. ﴿ فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ]٣- امضوا في الأرض وسيحوا فيها﴿ فانظروا كيف بدأ ﴾ الله تعالى﴿ الخلق ﴾ أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة... فإن ترتيب النظر على السير في الأرض يؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة، والكيفية في هذه الآية، لما أن الأولى- كما علمت- باعتبار المادة وعدمها، وهذه باعتبار تغاير الأحوال، ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع﴿ يبدأ ﴾ دون الماضي- كما هنا- لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة، على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعلها أطوارا مختلفة.. -٤، وربنا على كل شيء من البدء والإعادة وغيرهما تام القدرة، وبعد النشأة الآخرة وقبلها يعذب ربنا من شاء بعدله، ويرحم من يشاء بفضله، وإلى الله مردنا، ومرجعنا ومصيرنا، ولن يفلت أحد ولن يفوت ربه فالأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه، فأين المفر ؟ ! لا ملجأ من الله إلا إليه، وما لهم من أحد يمنعهم من بأس الله تعالى، وما لهم من يتولاهم، وما لهم من يدفع عنهم أو يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم، والذين جحدوا بدلائل جلال الله- التكوينية منها والتنزيلية- وأنكروا الحشر على الله ولقاءه وحسابه وجزاءه أولئك لا حظ لهم من رحمتي، وأولئك لهم عذاب موجع أبلغ ما يكون الوجع والألم.
٢ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ مما أورد الألوسي..
فلم يرد قوم إبراهيم على قوله لهم :﴿ اعبدوا الله واتقوه ﴾ وهدايتهم إلى ما فيه الخير ودلالتهم عليه- لم يكن ردهم إلا بأن تواثقوا فيما بينهم أن يقتلوا إبراهيم عليه السلام ويحرقوه، وهكذا بدلا من الإذعان للحق، والاستجابة إلى نداء الخير تواصوا بإحراقه :)قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم( ١، وبنوا موقدا، وجمعوا حطبا، وأججوا نارا، وقذفوا به فيها، فأمرها الله الذي لا يرد أمره أن تكون عليه بردا وسلاما، فأنجاه الله من حرها وشرها، إن في خيبة أمل الباغين، وحسن عاقبة المتقين، لعلامات على اقتدار القوي المتين، تزيد في يقين المصدقين.
وقال إبراهيم لقومه : إن ما عبدتم من دون الله ليست إلا أصناما جامدة، وحجارة هامدة، لا يستسيغ العاقل المتفكر أن يعظمها أو يخضع، كما حكى القرآن عنه في آيات أخر :) قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون( ١ )قال أتعبدون ما تنحتون( ٢ ؟ ! اتخذتم الأوثان وعبادتها مذهبا تتحابون وتجتمعون وتتآلفون عليه، أو تخشعتم إليها وتقربتم، فعل المواد المحب، كأنكم تطمعون في خير تنيلكم، وهيهات :)فإنهم عدو لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين( ٣، وأنتم وما عبدتم لن تكونوا يوم القيامة إلا أعداء، ويتعادى كذلك كل الذين تواصلوا على غير حب الله، فمن توادوا على تعظيم الأصنام وعبادتها يتبرأ بعضهم من بعض، ويدعوا كل منهم على الآخر باللعنة وسوء الدار، والطرد والبعد من رحمة العزيز الغفار :)إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم.. ( ٤ ويتلاومون ويتخاصمون، وهم جميعا مخذولون، فلن يمنعهم من الله مانع، وما ينصرهم حين يقذف بهم جميعا في السعير من نصير، وما هم بخارجين من النار، وصدق الله العظيم :)واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا. كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ٥.
٢ سورة الصافات. الآية ٩٥..
٣ سورة الشعراء. الآيات من: ٧٧ إلى ٨٢..
٤ سورة الأنبياء. من الآية ٩٨..
٥ سورة مريم. الآيتان ٨١، ٨٢..
فصدق لوط دعوة إبراهيم، وآمن بما جاء به عن ربه، هكذا صبر إبراهيم على تكذيب قومه، وما فتر عن تبليغ الرسالة، بل وفى عليه الصلاة والسلام وأقام على كل أصحاب الملل الزائغة من قومه الحجة، جادل المفتون المتأله –النمرود- إذ زعم الهالك أنه يحيى ويميت، فحاجه إبراهيم، وبهت الذي كفر، وجادل عباد الكواكب والقمر والشمس فأبطل زعمهم، وجادل عبدة الأصنام بدءا بأبيه ثم بسائر الوثنيين فأقام عليهم الحجة البالغة، فهموا بتحريقه خذلانا للحق وانتصارا للشرك والإفك، وما استجاب له بعد هذا الكيد كله إلا ابن أخيه أو ابن أخته- كما قال المفسرون- وآمنت به سارة وكانت بنت عمه، وهدى الله تعالى لوطا، وقال إبراهيم إني تارك أرض قومي- الكوفة- ومرتحل إلى حيث يحب ربي، إلى أرض الشام، ويشهد لذلك قول الحق تبارك وتعالى :)ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين( ١، وإن ربنا لهو القوي الذي لا يغلب، ولا يمانع مراده ووحيه، ولا يطفأ نوره، وهو الحكيم في فعله وقضائه، لا يفوته الصواب، بل يدبر ويصرف الأمر بتقدير وعلم تامين وحكمة.
وذكر البيهقي عن قتادة قال : أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله- بعد لوط- عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال قتادة : سمعت النضر بن أنس يقول : سمعت أبا حمزة – يعني أنس بن مالك- يقول : خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت : يا محمد ! رأيت ختنك٢ ومعه امرأته، قال :" على أي حال رأيتهما " ؟ قالت : رأيته وقد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة٣ وهو يسوقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط " قال البيهقي : هذا في الهجرة الأولى.. اه
ومن الله الشكور الودود، الولي الوهاب على إبراهيم فرزقه إسحق ولدا، ووهب إسحق يعقوب، وإنما وهب له إسحق من بعد إسماعيل عليهم صلاة الله وسلامه- وجعل سبحانه في ذرية إبراهيم النبوة فلم يبعث نبي من بعده إلا من ذريته، ﴿ والكتاب ﴾ فالتوراة والإنجيل والقرآن نزلت على أنبياء من نسل إبراهيم- عليه الصلوات والتسليم- ومنحه الله ذكرا باقيا إلى يوم القيامة وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين، فاتخذه خليلا، هذا من أجره في هذه الحياة، وأما في الأخرى فهو في عداد من كمل صلاحهم، وتم فوزهم وفلاحهم.
٢ زوج ابنتك..
٣ أي الضعاف التي تدب ولا تسرع..
﴿ تأتون الرجال ﴾ تجامعونهم.
﴿ السبيل ﴾ الطريق.
﴿ المنكر ﴾ ما ينكره الشرع وينفر منه الطبع.
﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين٢٨ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين٢٩ قال رب انصرني على القوم المفسدين٣٠ ﴾
واذكر قصة لوط عليه السلام في دعوته قومه إلى الإيمان والعفاف، وتحذيره إياهم من الفحش والإسفاف، وزجرهم عن اشتهاء الرجال، والإعراض عن النساء، وابتداع هذا المنكر الذي لم يتقدمهم فيه أحد، كما أنذرهم مقت الله تعالى وسخطه على كل متعد لحدوده، مبدل لسننه، وذلك شأنه سبحانه في كل من سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، ويظهر في حياة الناس ومسالكهم الخوف والخنا، ويهدد طرق العباد بما يخشون من النيل من الكرامة والعرض.
ولهذا جاء منذرا بذلك في آيات أخر :)أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون( ١.
وتمادوا في غيهم، ولم يبق للحياء أدنى أثر في نفوسهم، فصاروا يرتكبون تلك الفاحشة النكراء في ناديهم مستعلنين بها ينظر بعضهم إلى بعض، فانحطوا بذلك عن الحيوان الأعجم، وسلبوا شرف الإنسانية، كالذين جاء وصفهم في قول الحق تبارك وتعالى :).. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( ٢.
ولما خوفهم نبيهم من عذاب يستأصلهم قالوا- مستهزئين- جئنا بعذاب الله الذي تتوعدنا به إن كنت صادقا فيما تقول، وبينت آيات أخرى كريمة أنهم نقموا من لوط ومن اتبعه أن يتركزوا عن هذا الخبث ويعفّوا، وقالوا :).. أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون( ٣ وعملوا على صده عن الدعوة إلى الحق والرشد والطهر، فقالوا :)لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين( ٤ فتضرع لوط إلى ربه أن يعصمه ومن آمن به )رب نجني وأهلي مما يعملون( ٥﴿ رب انصرني ﴾ بخذلان هؤلاء السفهاء المبتدعين لأخبث فحشاء، فإنك يا مولانا لا تحب الفساد، وهؤلاء نكسوا، وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، وزين لهم سوء عملهم.
٢ سورة الفرقان. من الآية ٤٤..
٣ سورة النمل. من الآية ٥٦..
٤ سورة الشعراء. من الآية ١٦٧..
٥ سورة الشعراء. الآية ١٦٩..
وآياتها تسع وستون
كلماتها : ١٩٨١- حروفها : ٤٥٩٥
وآياتها تسع وستون
كلماتها : ١٩٨١- حروفها : ٤٥٩٥
شاء الله الحكيم أن يحقق البشرى لرسوليه الكريمين إبراهيم خليل الرحمن
ولوط عليهما الصلاة والسلام، فحين جاءت الملائكة إبراهيم على هيئة أضياف وسارع إلى إكرامهم بتقديم عجل سمين مشوي نزلا لهم :)فقربه إليهم قال ألا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم( ١ وصدق الله العظيم :)ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط( ٢ إنهم تجاوزوا الحد في فحشهم، ومع أن الخليل- صلى الله عليه وسلم- يعلم عظم جرم قوم لوط، حاور الملائكة الكرام في شأن استئصالهم- ولعله عليه السلام كان يطمع في توبتهم وإيمانهم، وإقلاعهم عن غيهم- صحيح أن هذه الآية الكريمة بينت أن قوله للملائكة لم يتجاوز الحديث عن وجود لوط في القرية التي أرسلوا لإهلاكها، لكن ربما يقصد بهذا أنهم قد لا يعجل باستئصالهم ونبي الله تعالى مازال بينهم، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في آيات أخرى كريمة :)فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. إن إبراهيم لحليم أواه منيب. يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود( ٣ وكذلك شأن المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، ينكرون المنكر، وينهون عن السوء، لكنهم يحزنون على ضلال الضالين، فصالح عليه سلام الله- وقد انبعث تسعة من أشقياء قومه، وتقاسموا بالله ليقتلنه وأهل الإيمان به خفية وتحت جنح الظلام، لولا أن الله القوي القدير الخبير البصير مكر بهم، فلما أخذتهم الرجفة وهلكوا جميعا، أسف على شقوتهم وسوء مصيرهم )فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين( ٤، وشعيب عليه الصلاة والسلام وقد نادى في مدين ).. اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين. ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا.. ( ٥ فلما أخذتهم الرجفة تولى عنهم ).. وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين( ٦، وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم اشتد حزنه على غواية قومه حتى كاد يموت غما، فجاءته من الله تعالى السلوى :)وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( ٧ ).. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )٨ )ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء.. ( ٩ )لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين( ١٠ ) فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا( ١١، فلما حاور إبراهيم الملائكة قالوا
٢ سورة هود. الآيتان ٦٩، ٧٠..
٣ سورة هود. الآيات: ٧٤، ٧٥، ٧٦..
٤ سورة الأعراف. الآية ٧٩..
٥ سورة الأعراف. من الآية ٨٥، والآيتان ٨٦، ٨٧، ومن الآية ٨٨..
٦ سورة الأعراف. من الآية ٩٣..
٧ سورة يوسف. الآية ١٠٣..
٨ سورة يونس. من الآية ٩٩.
٩ سورة البقرة. من الآية ٢٧٢..
١٠ سورة الشعراء. الآية ٣..
١١ سورة الكهف. الآية٦..
﴿ سيء ﴾ اعتراه مساءة وغم.
﴿ نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ﴾ علمنا العليم الخبير من هم المهلكون، ومن هم الناجون، فلوط رسول الله، وقد كتب ربنا أن ينجي رسله، وأهل الإيمان بدعوة لوط مؤمنون، فلن يهلكوا، مصداقا لوعد ربنا الحق :)ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين( ١﴿ إلا امرأته كانت من الغابرين ﴾ فامرأة لوط مستثناة من الناجين، وستهلك مع الهالكين، - والغابر من باب الأضداد، تأتي بمعنى : الماضي، وتأتي بمعنى : الباقي، وهي هنا بمعنى : من الباقين، أي باقية من الإنجاء، ثم هي بعد مهلكة، ولما قدمت الملائكة على لوط كانوا في صورة رجال صباح الوجوه، فاستاء لوط واغتم، وأحس أنه لن يطيق حماية أضيافه من مجرمي قومه الذين كانوا قد حذروه أن يستضيف أحدا فإنهم لن يتركوا قادما دون الإفحاش به وانتهاك عرضه، وليست للوط من عصبة تمنعه وتدفع الأذى عمن آوى إليه ودخل داره، وضاق بشأنهم وصونهم ذرعه أي طاقته، - ويقابله رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقا له قادرا عليه، وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع-٢ حتى لم يطق أن يكتم حيرته عن أضيافه فقال :).. لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد( ٣ فقالت الملائكة :﴿ لا تخف ولا تحزن ﴾
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
٣ سورة هود. من الآية ٨٠..
﴿ ولا تحزن ﴾ على قصدهم إيانا، وعدم اكتراثهم بك.
﴿ وضاق بهم ذرعا ﴾ ضاقت طاقته عن النهوض بحقهم من صون أعراضهم.
﴿ لا تخف ولا تحزن ﴾ لا تتوقع ما يخيف من قدرتهم علينا أو تمكنهم منا، ولا تحزن على ما كان منهم من قصدهم إيانا، وعدم رعايتهم لحقك وحرمة بيتك وضيفك، إذ الخوف ينصرف إلى المتوقع، والحزن للواقع-غالبا-﴿ إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ﴾ ولا تخش ما ينتظرك وينتظر أهل دعوتك، ولا تأس على ما يصيب فجار قومك وزوجتك، )قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون. وأتيناك بالحق وإنا لصادقون. فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون. وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين( ١
﴿ يفسقون ﴾ يخرجون على حدود الله.
﴿ آية بينة ﴾ علامة واضحة، وبرهانا ظاهرا، وعبرة لا تخفى على عاقل.
﴿ إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ﴾ إنا أرسلنا بعذاب آتيهم من السماء يذهلهم ويجعلهم نكالا ومثلا، فالمدن التي يسكنون ستغدو مع شروق الشمس منقلبات، وسنرسل على أهلها- من كان وقتئذ فيها ومن كان خارجها- بحجارة من طين )مسومة عند ربك للمسرفين( ١، وهل يحيق المكر السيء إلا بأهله ؟ وهل يحل العذاب البئيس المهين إلا بالقوم الفاسقين، الخارجين على حدود رب العالمين ؟ ! ولقد تركنا من هذه البطشة الكبرى، ومن القرى التي أمطرت مطر السوء علامة واضحة، وعبرة بالغة لمن يعمل عقله، ويتفكر ويستبصر.
نقل عن ابن عباس : هي آثار ديارها الخربة، وعن مجاهد : هي الماء الأسود على وجه الأرض، لعل مما يشهد لهذا قول الله جل علاه :)وإنها لبسبيل مقيم( ٢ وقوله تبارك اسمه :) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون( ٣
٢ سورة الحجر. الآية ٧٦..
٣ سورة الصافات. الآيتان: ١٣٧، ١٣٨..
﴿ يفسقون ﴾ يخرجون على حدود الله.
﴿ آية بينة ﴾ علامة واضحة، وبرهانا ظاهرا، وعبرة لا تخفى على عاقل.
﴿ إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ﴾ إنا أرسلنا بعذاب آتيهم من السماء يذهلهم ويجعلهم نكالا ومثلا، فالمدن التي يسكنون ستغدو مع شروق الشمس منقلبات، وسنرسل على أهلها- من كان وقتئذ فيها ومن كان خارجها- بحجارة من طين )مسومة عند ربك للمسرفين( ١، وهل يحيق المكر السيء إلا بأهله ؟ وهل يحل العذاب البئيس المهين إلا بالقوم الفاسقين، الخارجين على حدود رب العالمين ؟ ! ولقد تركنا من هذه البطشة الكبرى، ومن القرى التي أمطرت مطر السوء علامة واضحة، وعبرة بالغة لمن يعمل عقله، ويتفكر ويستبصر.
نقل عن ابن عباس : هي آثار ديارها الخربة، وعن مجاهد : هي الماء الأسود على وجه الأرض، لعل مما يشهد لهذا قول الله جل علاه :)وإنها لبسبيل مقيم( ٢ وقوله تبارك اسمه :) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون( ٣
٢ سورة الحجر. الآية ٧٦..
٣ سورة الصافات. الآيتان: ١٣٧، ١٣٨..
﴿ تعثوا ﴾ تغلظوا، وتمعنوا.
﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين٣٦ فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين٣٧ ﴾
وكما أرسلنا نوحا إلى قومه أرسلنا إبراهيم إلى قومه وأرسلنا إلى مدين أخاهم في النسب- إذ هو منهم- نبينا شعيبا، والصحيح أنهم أصحاب الأيكة، ﴿ فقال ﴾ لهم ﴿ يا قوم اعبدوا الله ﴾ آمنوا به وحده، واعبدوه لا تشركوا به شيئا، وأطيعوه، فأتمروا بأوامره، وانتهوا عن نواهيه، ﴿ وارجوا اليوم الآخر ﴾ استيقنوا به وترقبوه، واعملوا له وافعلوا ما ترجون ثوابه في ذلك اليوم، واخشوا واحذروا جزاء من ترك هذا اليوم الثقيل العسير، كأنما نسى أحواله وأهواله، ﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾ ولا تغلظوا في الفساد، وتكثروا في الأرض إساءة وظلما للعباد، وأي فساد أشد من شكرهم وإفكهم، وتظالمهم فيما بينهم، وبغيهم على غيرهم ؟ فناداهم نبيهم إلى إفراد الله تعالى بالعبادة :)وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره.. ( ١ وأمرهم بتوفية الكيل والميزان، ونهاهم عن الجور والبخس والطغيان، وبهذا جاءت آيات القرآن :)أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاس المستقيم. ولا تبخسوا الناس أشياءهم.. ( ٢ أي كملوا الكيل، ولا تزيدوا عليه ولا تنقصوا منه في أخذ أو عطاء، واعدلوا في الوزن ولا تطغوا فيه، وخذوا كما تعطون وأعطوا كما تأخذون، ولا تجحدوا حق الناس، ولا تغمطوهم قدرهم، ولا تسلبوهم أمنهم، إذ جاء نهي نبيهم لهم عن قطع الطريق صريحا في قول الحق جل علاه :)ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن.. ( ٣.
٢ سورة الشعراء. الآيتان: ١٨١، ١٨٢، ومن الآية ١٨٣..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٨٦..
﴿ جاثمين ﴾ لا بدين مكانهم، متلبدين بالأرض، لاصقين بها، وماتوا باركين.
﴿ فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾ فعتوا عن أمر ربهم، وطففوا في كيلهم ووزنهم، وصدوا الناس عن الدين الحق، وأنكروا على أصحاب الفضل فضلهم، وحرموا العباد أمنهم، فأمر الله تعالى جبريل فصاح بهم صيحة رجفت منها أبدانهم، ووجفت قلوبهم، وأزهقت أرواحهم، فأصبحوا هامدين خامدين، وماتوا باركين، متلبدين بالأرض لاصقين.
﴿ مستبصرين ﴾ متبينين.
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
﴿ حاصبا ﴾ ريحا تحمل الحصى وتعصف.
﴿ الصيحة ﴾ زجرة ملك، وصرخة عذاب، وصوت مهلك..
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
﴿ أولياء ﴾ أحباء، ومتكلا ومعتمدا، وأربابا مطاعين متبوعين.
﴿ العنكبوت ﴾ دويبة [ حشرة ] تنسج نسيجا وخيطا رقيقا في الهواء.
﴿ أوهن ﴾ أضعف.
إنما هيئة من تولى غير الله سبحانه، واتخذ الأولياء متكلا ومعتمدا، وأربابا مطاعين متبوعين- حال هؤلاء كصفة العنكبوت تأوي إلى أضعف بيت لا يستر ولا يظل، ولا يقي بردا ولا حرا ولا ضرا، إنما هو خيط رقيق متهاو، فمن آوى إلى غير الله الملك الحق المبين فقد ضل ضلالا بعيدا، لو كانوا يعرفون هوان المتبوعين، وما نسجته أوهام الحمقى ثم زعموا أنه الدين !- ربما لو صح علمهم بهذا الضياع والخسران لأقلعوا عن الشرك واتخاذ الأوثان-١[ ولكنهم يجهلون ذلك فيحسبون أنهم ينفعونهم ويقربونهم إلى الله زلفى ]٢، إن ربنا يعلم أن ما دعوه من دونه سبحانه ليس بشيء يعبأ به ).. إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس.. ( ٣ ومولانا المعبود بحق هو صاحب العزة البالغة، يقهر ولا يقهر، وبالغ الحكمة لا يفوته حق ولا صواب، وكان أهل الزيغ والنفاق يسخرون من ضرب القرآن لأمثال فيها الذباب والبعوض والعنكبوت، فرد العليم الخبير على ارتيابهم واستهزائهم، فنزلت :﴿ وتلك الأمثال نضربها للناس ﴾ وذلك لأن الأمثال والتشبيهات وسائل إلى معاني المحتجبة في الأستار.. قال الحكيم : العلم الحدسي يعرفه العاقل، وأما إذا كان فكريا دقيقا فإنه لا يعقله إلا العالم٤، لافتقاره إلى مقدمات سابقة، والمثل مما يفتقر في إدراك صحته وحسن موقعه إلى أمور سابقة ولاحقة يعرف بها تناسب مورده ومضربه وفائدة إيراده، فلا يعقل صحتها إلا العلماء- أوجد الله تعالى السماوات والأرض إيجادا محقا أراد بذلك سبحانه الحق والحكمة والعدل، وصدق الكتاب العزيز ) وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت.. ( ٥، [ أو ملتبسة بالحق الذي لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية.. فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على شئونه تعالى المتعلقة بذاته سبحانه وصفاته ]٦، إن في هذا الإحكام وتلك الحكم لدلالة وعلامة وبرهانا، يزيد المؤمنين إيمانا، { وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد في خلقهما للكل، لأنهم المنتفعون بذلك ]٧.
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
﴿ لآية ﴾ علامة وبرهانا.
وكما أهلكنا مدين وقوم لوط أهلكنا عادا وثمود، وإنكم لتطالعون مساكنهم، وتنظرون إليها في طريق تجارتكم وارتحالكم، ويظهر لكم من آثار الدمار في أطلال ديارهم وما بقي منها ما فيه مزدجر ومعتبر، وإنما نالهم ما نالهم بما زين وحسن الشيطان لهم من قبيح فعالهم، فمنعهم وردهم عن الداعي إلى الحق واتباعه، وجحدوا صدق الوحي وتأنفوا من الإذعان للهدي، مع تبينهم أنه الرشد، وأن العذاب على من كذب وتولى، ولكنهم لجوا في طغيانهم، وأهلكنا قارون، وفرعون وجنده وملأه، وهامان.
ولقد شهد الكتاب الكريم أن الغرق شمل كافة الجند والملأ الفرعونيين فقال أحكم الحاكمين :)واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون( ١ وقال تبارك اسمه :)فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين( ٢، فلعل تخصيص هامان وفرعون بالذكر لما أنهما أكابر المجرمين، وغيرهم تبع لهم، وأما قارون فلأنه ذاق وبالا ونكالا من جنس غير الإغراق أفردته الآيات هنا بالذكر، ﴿ ولقد جاءهم موسى بالبينات ﴾ وقسما تحققوا أن كليم الله ورسوله موسى صلى الله عليه وسلم قد أتى قومه بعلامات ومعجزات كونية وتنزيلية يتضح بها مزيد من نور اليقين بقدرة الله تعالى وحكمته، وصدق موسى في رسالته، لكن الكبر والغرور، والتجبر في الأرض، والبغي بغير الحق، حملهم على محادة الله تعالى ورسوليه موسى وهارون، ومع طول ما صبر الرسولان الكريمان ومن آمن بدعوتهما، وما كان عليه موسى من الحلم والمطاولة حتى لينزل البلاء والرجز بالفرعونيين فيتوسلون إلى النبي الكريم قائلين ما بينه الكتاب الحكيم :).. يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون( ٣ فيضرع الكليم إلى ربه سبحانه فيكشف عنهم العذاب فإذا هم ينكثون، ثم يتمادى الطاغية في عتوه وسفاهته على الرسول الأمين وإيذائه إياه بما يشير إليه قول الله جل علاه :)أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين( ٤، فهل ظن المتأله المتكبر أنه يفوت الله القدوس المهيمن ؟ وهل يحسب المفتونون البطرون بما أوتوا من جاه ومال أن سيتأتى لهم الإفلات من قبضته جل علاه ؟ حاشا ! إن الجن على بأسهم وقوتهم أقروا وأذعنوا بالسلطان المحيط لرب العرش المجيد :).. لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا( ٥، فلن يكون من مخلوق أن يعجز الله تعالى أو يسبقه أو يفوته﴿ وما كانوا سابقين ﴾ بل هم في ملكي، والأرض جميعا قبضتي والسماوات مطويات بيميني، ونواصي العباد كلهم بيدي، فأخذت كل جبار عنيد وأهلكته بذنبه الذي اجترحه، ﴿ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ﴾ فمن هؤلاء الطاغين من قتلته بالريح العاصف المدمر )ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم( ٦ فسرعتها عاتية وتحمل الحصباء فتقتلع الثوابت وتنفذ في الأوصال ) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر( ٧أولئك هم قوم عاد، عاقبهم الله تعالى من جنس عملهم، وجوزوا على الخيلاء والكبرياء بالمهانة والإذلال عاجلا وآجلا :)فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون( ٨، ﴿ ومنهم من أخذته الصيحة ﴾ وهم ثمود ومدين، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرض ﴾ وهو قارون، المختال الفخور، البطر المغرور، الذي مشى في الأرض مرحا مزهوا بما يملك، فجازاه الحكم العدل بأن ابتلعه وما ملك الأديم الذي كان يضربه برجله يحسب أن سيخرقه- علوا وتجبرا-، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ فرعون وهامان وجنودهما، ).. إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( ٩، وربنا سبحانه ما ظلمهم ).. ولا يظلم ربك أحدا( ١٠ ولكن هم الذين حرموا أنفسهم حظها من الفوز في الأولى والآخرة بما صدوا عن الهدى، وسارعوا في البغي والفساد، فحق عليهم الهلاك والردى.
﴿ الكتاب ﴾ القرآن الحكيم.
﴿ أقم ﴾ تعاهد وحافظ وأصلح، وداوم عليها، واستمسك بها.
﴿ الفحشاء ﴾ المعصية التي يفحش أثرها ويثقل وزرها، وأكثر ما يراد بها الزنى.
﴿ المنكر ﴾ ما ينفر منه الطبع ويأباه الشرع.
﴿ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون٤٥* ﴾
أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن آمن به أن يتابع قراءة القرآن، وحي الملك الديان، ويتدبر ويتفكر، ففي ذلك نور العقول، وشفاء الصدور، وهدى القلوب، واستقامة السلوك، ومن قبل ذلك ومع ذلك مرضاة لمنزله وموحيه، وأجر للقارئ والسامع، وتعاهد الصلاة واستمسك بها، وحافظ عليها وداوم على أدائها في أوقاتها، مستكملة لأركانها وشروطها وسننها، وآدابها وخشوعها، فذلك من تمام صلاحها، إن الصلاة تزجر من عرف لها حقها وترده عن ارتكاب الفواحش، وإتيان المنكرات- وكيف لا تنهى ونحن نرى أن من لبس ثوبا فاخرا فإنه يتجنب مباشرة القاذورات ؟ فمن لبس لباس التقوى كيف لا يتجنب الفواحش ؟ ! وأيضا الصلاة توجب القرب من الله تعالى كما قال :).. واسجد واقترب( ١ ومقرب الملك المجازي يجل منصبه أن يتعاطى الأشغال الخسيسة فكيف يكون مقرب الملك الحقيقي ! -٢. ﴿ ولذكر الله ﴾ إياكم برحمته وبين ملائكته﴿ أكبر ﴾ من ذكركم إياه بطاعته، والله عليم بالذي تصنعون، وبما تأتون وتذرون، فمجازيكم على ذلك، فإياه فاعبدوا، وعلى منهاجه فاسلكوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.
٢ ما بين العارضتين أورده صاحب غرائب القرآن..
بعد الأمر بتلاوة القرآن، وإتمام الصلاة، وذكر الله، وتعاهد ذلك والثبات عليه ليكون أعون على الاستقامة على الهدي، والتنائي عن الفحشاء والعصيان والردى- وذلك مما بينته الآية السابقة الخامسة والأربعون- جاءت هذه الآية الكريمة تنهانا عن شيء وتأمرنا بآخر، نهانا ربنا عن مناظرة ومغالبة اليهود والنصارى، مغالبة فيها مخاشنة، إلا من سفه منهم وتجاوز حده، فهذا نجادله بالحجة ونجادله بكل قوة وغلظة، ملحدا كان أو وثنيا، يهوديا أو نصرانيا، استجابة لأمر مولانا الحق :)قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون( ١، ﴿ وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ﴾ ألزمهم الحجة، وأقيموا عليهم سلطان الله وبرهانه، وأسقطوا الباطل الذي يخوضون فيه، واكشفوا بخصامكم لهم زورهم الذي فضحهم به القرآن..
).. ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافين عذابا مهينا( ٢( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين( ٣ فأقيموا حجة الله البالغة وأشهدوا الدنيا على أن هذا الدين يعهد إلى المؤمنين به أن يؤمنوا بما أنزل الله إليهم من وحي وكتاب، وبما أنزل على الرسل السابقين من كتب سماوية كالتوراة والإنجيل، ونؤمن بالله ربنا ورب اليهود والنصارى ورب العالمين أجمعين، ونحن لأمره مطيعون، وعلى منهاجه سالكون، فالإسلام يجمع ولا يفرق، وسبيله مستقيمة لا تقبل عوجا.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " ﴿ وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ﴾.
[ وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق وإما أن تصدقوا بباطل- وفي رواية- إما أن تكذبوا الحق وإما أن تصدقوا بالباطل " ]٤.
[ وروى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب، يقول ابن كثير : معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد، لأنه يحدث عن صحف يحسن الظن بها، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة، لأنهم لم يكن في أمتهم حفّاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة، ومع ذلك وقرب العهد وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة لا يعلمها إلا الله عز وجل، ومن منحه الله تعالى علما بذلك، كل بحسبه- ولله الحمد والمنة.
وجمهور علماء القرآن على أن الآية محكمة، باق حكمها لم ينسخ، فمن أراد منهم الاستبصار في الدين دعوناه بالحكمة، وجادلناه بالحسنى ليكون أنفع له، وأرفق به، وأعون على هدايته، وأبلغ في الإعذار، كما قال تعالى لموسى وهارون :) اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى( ٥[ وقوله على هذا﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ معناه ظلموكم، وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق... إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجادلهم بالسيف حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية ]٦، وذهب قتادة إلى أنها منسوخة بآية القتال، لكن رد عليهم بأن أحكام الله عز وجل لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة من معقول.
٢ سورة النساء. من الآية١٥٠، والآية ١٥١..
٣ سورة البقرة. الآيتان ١٣٥، ١٣٦..
٤ ما بين العلامتين[ ] أورده القرطبي ج١٣. ص٣٥٠-٣٥١..
٥ سورة طه. الآيتان ٤٣، ٤٤..
٦ ما بين العارضتين أورده القرطبي ص٣٥٠، ٣٥١..
﴿ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون٤٧ ﴾
ومثل إنزالنا الكتب على من سبقك من الرسل أنزلنا إليك القرآن، فالذين جاءتهم كتب قبلك، وأعطيناهم التوراة والإنجيل يصدقون بما أنزل إليك لأنهم علموا من الكتب السابقة صدق رسالتك- ف[ أل ] في ﴿ الكتاب ﴾ الذي جاء في أول الآية للعهد أي الكتاب المعهود وهو القرآن، و[ أل ] في ﴿ الكتاب ﴾ الذي ذكر ثانيا للجنس أي جنس الكتب المنزلة﴿ ومن هؤلاء ﴾ الذين من حولك من يصدق بالقرآن ويستيقن، وما ينكر آيات الله بعد تبينها ووضوحها مع علمه بها، ويجحد ويكذب بها ظاهرا وقلبه مستيقن بصدقها وصدق من جاء بها، لكنه يكابر أنفة وحسدا، لأن الكفر تمكن منه فصرفه عن تقديس الآيات والإذعان لعهدها.
ولم تكن يا محمد تقرأ أو تتابع من قبل نزول القرآن عليك أي كتاب، ولم تكن تخط وتكتب شيئا بيمناك، فلو كنت من القارئين الكاتبين قبل أن يوحى إليك الذكر الحكيم لشك الشاكون في صدقك وصدق الكتاب، لأن اليهود والنصارى علموا من التوراة والإنجيل صفتك وأنك أمي لا تكتب ولا تقرأ، ولكان للمشركين شبهة فيما افتروه واختلقوه كذبا بقولهم الذي حكاه القرآن :( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا( ١[ أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة، كما قال تعالى :) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.. ( ٢ الآية، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة، ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي٣ والرسائل إلى الأقاليم، ومن زعم من متأخري الفقهاء... أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية : هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله، فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري : ثم أخذ فكتب، وهذه محمولة على الرواية الأخرى : ثم أمر فكتب، ... وما أورد بعضهم من الحديث أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة فضعيف لا أصل له ] ٤.
٢ سورة الأعراف. من الآية ١٥٧..
٣ يقول القرطبي: وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتبا..
٤ ما بين العلامتين[ ] مما أورد ابن كثير في كتابه: تفسير القرآن العظيم..
لكنا حفظنا القرآن من الارتياب، فليس مما يتطرق إليه شك، بل هو ذو آيات واضحات، موضحات تامات صادقات﴿ في صدور الذين أوتوا العلم ﴾ ممن آمن بالله وصدق بكتابه ورسوله- ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه، وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به، يحفظونه ويقرءونه، ووصفهم بالعلم، لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله، وكلام البشر والشياطين-١.
﴿ وما يجحد بآياتنا ﴾ ما يعاند ويبخس آياتنا حقها، ويستنكف عنها ويرد عهدها﴿ إلا الظالمون ﴾ الباغون{ آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرا ونهيا وخبرا، يحفظه العلماء، يسره الله عليهم حفظا وتلاوة وتفسيرا، ..
وفي حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم يقول الله تعالى :" إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء.. " أي لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل... ولأنه محفوظ في الصدور، ميسر على الألسنة، مهيمن على القلوب، معجز لفظا ومعنى.. ]٢.
٢ مما أورد ابن كثير..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
بعد أن ساقت الآيات البرهان على صدق القرآن ومن أنزل عليه القرآن بين العزيز العليم جانبا من تعنت المشركين، بيته معهم أئمة الحقد من اليهود والنصارى الضالين، فاقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم- بل اشترطوا لقبولهم ما يدعو إليه، وتصديقهم لرسالته أن يجيئهم بآيات كونية، ومعجزات حسية، تكون برهانا على صدق نبوته، كما أوتي صالح الناقة، وأوتي موسى العصا، في جملة تسع آيات، وأوتي عيسى معجزة إحياء الموتى بإذن الله- ولقد بين القرآن الكريم ما اشترطوه في آي كريمات :)وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا( ١، فعلم الله تعالى نبيه الرد عليهم بقوله تبارك اسمه :)وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها.. ( ٢، وقل لهم : الدلائل الحسية يرسلها الله تعالى متى شاء ويمسكها حين يشاء، ولا أملك إلا أن أنذر من كذب، وأبين ما أوحي إلي من الحق والرشد، وهل يبتغي عاقل برهانا على صدق الرسالة أقطع من سلطان القرآن وبرهانه ؟ ! وإنه للمعجزة الخالدة، لا يخضع لسلطان حججه من عاصر نزوله وحسب، وإنما تبقى الحجة به قائمة، والتحدي بإعجازه ممتد إلى الأبد، أفلم يكفهم هذا وقد أردنا أن تكون أعظم المعجزات التي نجريها على يديك هي معجزة عقلية أبدية ؟ !
وفي هذا المعنى يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر ولكن الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "، ﴿ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ إن في ذلك الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم﴿ لرحمة ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ وذكرى ﴾ يتذكر بها أصحاب العقول في الدنيا سبيل ربحهم وفوزهم العاجل والآجل، فيتحقق به الفلاح ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ فإنهم الذين يصدقون، وعلى منهاجه يستقيمون، فإن صد عنك وعما جاءك المستكبرون، واتهمك المفترون، فكفى أن يشهد برسالتك من أحاط علمه بأرجاء السماء، وظلمات الأرض وآفاق الكون، يعلم أنك على الحق المبين، وأنه لن يتأتى لك أن تقول من عند نفسك فتكون من المهلكين :)ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين( ٣، ومن يصدق الشيطان ويعبد الأوثان، ويجحد جلال الملك الديان، فأولئك خسروا أعظم الخسران، ومهما تعجلوا نزول العذاب بساحتهم- يستبعدون ذلك، وينكرون ويسخرون- فلن يحل بهم إلا في الوقت الذي قضاه الله موعدا لإهلاكهم، وسنبطش بهم فجأة فلا يشعرون إلا ببأسنا قد باغتهم إذ لم يكونوا يتوقعون، كما قال الله سبحانه :)أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( ٤، فإن كانوا يستعجلون نقمة الآخرة، ونكال الجحيم، فإن جهنم موعدهم، وموئلهم ومرجعهم، فهي كالمحيطة بهم لدنوها منهم، وسيطوقهم سرادقها ويحيط بهم يوم يلفهم اللهب والسعير من كل جوانبهم ونواحيهم، )لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.. ( ٥ )في عمد ممدة( ٦ ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.. ( ٧، وتحسرهم الملائكة فيقول خازن النار، بأمر الواحد القهار
﴿ ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ تجرعوا جزاء ما عملتم، واصلوا ما كنتم قد كذبتم به واستعجلتم، ﴿ من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ قد يراد من سائر الجهات وليس من أعلى وأسفل فقط، كما جاء في قول الله الحق. )لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوهم النار ولا عن ظهورهم.. ( ٨.
٢ سورة الإسراء. من الآية ٥٩..
٣ سورة الحاقة. الآيات من ٤٤ إلى ٤٧..
٤ سورة الأعراف. الآيات: ٩٧، ٩٨، ٩٩..
٥ سورة الزمر. من الآية ١٦..
٦ سورة الهمزة. الآية ٩..
٧ سورة الأعراف. من الآية ٤١..
٨ سورة الأنبياء. من الآية ٣٩..
شرف الله تعالى المؤمنين فنسبهم إليه، وناداهم﴿ يا عبادي ﴾ وشهد لهم سبحانه أنهم أهل تصديق ويقين، ودعاهم إلى الثبات على عبادته ومداومتها، فمن لم يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من أعداء الله تعالى ومن والاهم، تلزمه النقلة الى حيث يتسنى له الوفاء بعهد ربه، وأداء ما تعبده به، [ المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص١ فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالا ٢، وأرفع حلا٣، وأقل عوارض نفسية، وأكمل دواعي روحانية... والفاء في﴿ فإياي ﴾ للدلالة على أنه جواب الشرط.... وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضى.. فصار حاصل المعنى : إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله :﴿ يا عبادي ﴾.. إما المداولة.. أو الإخلاص في العبادة ]٤، فإن تهيب مخاطر السفر، ومهالك الارتحال والنقل، فإنه لن يموت إلا عند حلول الأجل، وبعده يكون العرض على الله، والجزاء بالعدل، ولقد أشير إلى معنى الآيتين في قول المولى تبارك وتعالى :)ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.. ( ٥، وبشرى لكم أهل الإيمان والصلاح، والهجرة والجهاد، والثبات والنصرة، جنات عاليات مبنيات، وقصور ما بعدها من قصور، لكنها رفيعة مشيدة، تجري من تحت حدائقها أنهار الماء واللبن والخمر والعسل، تنعمون فيها أبدا، وأكرم بدار مقام، يعم فيها السلام، عند مليك مقتدر، يجزي على الإحسان بمزيد الإحسان، للذين صبروا في البأساء والضراء وحين يلتقي الجمعان، وهم يعتصمون على كل حال بحول الرحيم الرحمن، الملك الديان، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
في صحيح مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف٦ من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله ! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
٢ مما قال عطاء: الأرض التي فيها الظلم والمنكر تلزم الهجرة عنها....
٣ قال مجاهد:﴿إن أرضي واسعة﴾ فهاجروا وجاهدوا، وقال سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية فانتقل إلى غيرها، تملأ فيها جرابك خبزا بدرهم..
٤ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب[غرائب القرآن ورغائب الفرقان]..
٥ سورة النساء. من الآية ١٠٠..
٦ أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها" فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال:" هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام"..
شرف الله تعالى المؤمنين فنسبهم إليه، وناداهم﴿ يا عبادي ﴾ وشهد لهم سبحانه أنهم أهل تصديق ويقين، ودعاهم إلى الثبات على عبادته ومداومتها، فمن لم يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من أعداء الله تعالى ومن والاهم، تلزمه النقلة الى حيث يتسنى له الوفاء بعهد ربه، وأداء ما تعبده به، [ المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص١ فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالا ٢، وأرفع حلا٣، وأقل عوارض نفسية، وأكمل دواعي روحانية... والفاء في﴿ فإياي ﴾ للدلالة على أنه جواب الشرط.... وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضى.. فصار حاصل المعنى : إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله :﴿ يا عبادي ﴾.. إما المداولة.. أو الإخلاص في العبادة ]٤، فإن تهيب مخاطر السفر، ومهالك الارتحال والنقل، فإنه لن يموت إلا عند حلول الأجل، وبعده يكون العرض على الله، والجزاء بالعدل، ولقد أشير إلى معنى الآيتين في قول المولى تبارك وتعالى :)ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.. ( ٥، وبشرى لكم أهل الإيمان والصلاح، والهجرة والجهاد، والثبات والنصرة، جنات عاليات مبنيات، وقصور ما بعدها من قصور، لكنها رفيعة مشيدة، تجري من تحت حدائقها أنهار الماء واللبن والخمر والعسل، تنعمون فيها أبدا، وأكرم بدار مقام، يعم فيها السلام، عند مليك مقتدر، يجزي على الإحسان بمزيد الإحسان، للذين صبروا في البأساء والضراء وحين يلتقي الجمعان، وهم يعتصمون على كل حال بحول الرحيم الرحمن، الملك الديان، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
في صحيح مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف٦ من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله ! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
٢ مما قال عطاء: الأرض التي فيها الظلم والمنكر تلزم الهجرة عنها....
٣ قال مجاهد:﴿إن أرضي واسعة﴾ فهاجروا وجاهدوا، وقال سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية فانتقل إلى غيرها، تملأ فيها جرابك خبزا بدرهم..
٤ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب[غرائب القرآن ورغائب الفرقان]..
٥ سورة النساء. من الآية ١٠٠..
٦ أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها" فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال:" هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام"..
شرف الله تعالى المؤمنين فنسبهم إليه، وناداهم﴿ يا عبادي ﴾ وشهد لهم سبحانه أنهم أهل تصديق ويقين، ودعاهم إلى الثبات على عبادته ومداومتها، فمن لم يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من أعداء الله تعالى ومن والاهم، تلزمه النقلة الى حيث يتسنى له الوفاء بعهد ربه، وأداء ما تعبده به، [ المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص١ فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالا ٢، وأرفع حلا٣، وأقل عوارض نفسية، وأكمل دواعي روحانية... والفاء في﴿ فإياي ﴾ للدلالة على أنه جواب الشرط.... وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضى.. فصار حاصل المعنى : إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله :﴿ يا عبادي ﴾.. إما المداولة.. أو الإخلاص في العبادة ]٤، فإن تهيب مخاطر السفر، ومهالك الارتحال والنقل، فإنه لن يموت إلا عند حلول الأجل، وبعده يكون العرض على الله، والجزاء بالعدل، ولقد أشير إلى معنى الآيتين في قول المولى تبارك وتعالى :)ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.. ( ٥، وبشرى لكم أهل الإيمان والصلاح، والهجرة والجهاد، والثبات والنصرة، جنات عاليات مبنيات، وقصور ما بعدها من قصور، لكنها رفيعة مشيدة، تجري من تحت حدائقها أنهار الماء واللبن والخمر والعسل، تنعمون فيها أبدا، وأكرم بدار مقام، يعم فيها السلام، عند مليك مقتدر، يجزي على الإحسان بمزيد الإحسان، للذين صبروا في البأساء والضراء وحين يلتقي الجمعان، وهم يعتصمون على كل حال بحول الرحيم الرحمن، الملك الديان، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
في صحيح مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف٦ من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله ! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
٢ مما قال عطاء: الأرض التي فيها الظلم والمنكر تلزم الهجرة عنها....
٣ قال مجاهد:﴿إن أرضي واسعة﴾ فهاجروا وجاهدوا، وقال سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية فانتقل إلى غيرها، تملأ فيها جرابك خبزا بدرهم..
٤ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب[غرائب القرآن ورغائب الفرقان]..
٥ سورة النساء. من الآية ١٠٠..
٦ أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها" فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال:" هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام"..
شرف الله تعالى المؤمنين فنسبهم إليه، وناداهم﴿ يا عبادي ﴾ وشهد لهم سبحانه أنهم أهل تصديق ويقين، ودعاهم إلى الثبات على عبادته ومداومتها، فمن لم يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من أعداء الله تعالى ومن والاهم، تلزمه النقلة الى حيث يتسنى له الوفاء بعهد ربه، وأداء ما تعبده به، [ المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص١ فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالا ٢، وأرفع حلا٣، وأقل عوارض نفسية، وأكمل دواعي روحانية... والفاء في﴿ فإياي ﴾ للدلالة على أنه جواب الشرط.... وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضى.. فصار حاصل المعنى : إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله :﴿ يا عبادي ﴾.. إما المداولة.. أو الإخلاص في العبادة ]٤، فإن تهيب مخاطر السفر، ومهالك الارتحال والنقل، فإنه لن يموت إلا عند حلول الأجل، وبعده يكون العرض على الله، والجزاء بالعدل، ولقد أشير إلى معنى الآيتين في قول المولى تبارك وتعالى :)ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.. ( ٥، وبشرى لكم أهل الإيمان والصلاح، والهجرة والجهاد، والثبات والنصرة، جنات عاليات مبنيات، وقصور ما بعدها من قصور، لكنها رفيعة مشيدة، تجري من تحت حدائقها أنهار الماء واللبن والخمر والعسل، تنعمون فيها أبدا، وأكرم بدار مقام، يعم فيها السلام، عند مليك مقتدر، يجزي على الإحسان بمزيد الإحسان، للذين صبروا في البأساء والضراء وحين يلتقي الجمعان، وهم يعتصمون على كل حال بحول الرحيم الرحمن، الملك الديان، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
في صحيح مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف٦ من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله ! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
٢ مما قال عطاء: الأرض التي فيها الظلم والمنكر تلزم الهجرة عنها....
٣ قال مجاهد:﴿إن أرضي واسعة﴾ فهاجروا وجاهدوا، وقال سفيان الثوري: إذا كنت بأرض غالية فانتقل إلى غيرها، تملأ فيها جرابك خبزا بدرهم..
٤ ما بين العلامتين[ ] أورده صاحب[غرائب القرآن ورغائب الفرقان]..
٥ سورة النساء. من الآية ١٠٠..
٦ أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها" فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال:" هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام"..
وكم من عدد كثير، وكشيء كثير من العدد من دابة- طير وبهائم- تأكل لوقتها ولا تدخر لغد، ولا تقدر على حمل رزقها، أو على تحصيله إلا بإقدار الله، فالله يرزقها كما يرزقكم، فلا يجوع المتوكل، ولا يحرز – على الحقيقة- الحريص، والله هو الذي أحاط سمعه بكل مسموع وإن خفي أو دق- ومنه ما يقول القاعدون عن نصرة الحق وما به يعتذرون- وبالغ علمه كل ما يعلم- وإن كان حالا أو سرا أو حديث نفس- وهو مجاز بالحق على كل قول وفعل.
[ ﴿ الله يرزقها وإياكم ﴾ يسوي بين الحريص والمتوكل في رزقه، وبين الراغب والقانع، وبين الحيول والعاجز، حتى لا يغتر الجلد أنه مرزوق بجلده، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ]١
أقول : وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المطلوب :[ حق التوكل ] وليس التواكل، فلنأخذ بالأسباب مع يقيننا بأن الله هو الرزاق، وله تبارك وتعالى عاقبة الأمور، فقد يتم المسعى على ساعيه، ويظفره بما كان يبتغيه، وقد لا يتم عليه مقصده، لأمر هو سبحانه يقضيه، وكما أمرنا سبحانه أن ننتشر في الأرض، ونبتغي من فضله( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه.. ( ٢ ).. فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله.. ( ٣ علمنا في هذا الحديث الشريف أن الطير تغدو، وتخرج في طلب القوت فينجح الله مسعاها وترجع من سعيها شبعى.
٢ سورة الملك. من الآية ١٥..
٣ سورة الجمعة. من الآية ١٠..
﴿ يؤفكون ﴾ يصرفون، ويقلبون ويخدعون، وتضعف آراؤهم وعقولهم.
وما أعجب حال المشركين، فإن سألتهم عمن خلق السماوات والأرض وما فيهما ومن فيهما ؟ أجابوا : إنه الله، وإن سألتهم من سخر وذلل الشمس والقمر، وألزم كلا منهما سننه لنفع العباد ؟ ليجيبنك : إنه الله، وفي آية كريمة أخرى يقول ربنا جل علاه :) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله.. ( ١ ويقول تبارك اسمه :)ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم( ٢ فكيف يقلبون عن الحق ويصرفون ويمنعون ؟ وأين غابت عقولهم فتمادوا في غيهم يعمهون ؟ والبارئ المصور، المبدع الخلاق، هو المدبر الرزاق، يوسع رزق من يشاء من عبيده، ويقتر ويضيق الرزق لمن يشاء، إنه المعبود بحق، المحيط علمه بكل شيء، فيعلم ماذا يصلح شأن الناس، فمن قضت الحكمة الإلهية بأن التوسعة له خير وهبه، ومن قضت الحكمة أن يعطي بقدر أعطاه ما قضاه له :) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء.. ( ٣، وحين تسألهم عن مسير السحاب، ومنزل المطر، ومغيث العباد والبلاد يجيبون : الله يصيب بالمطر من يشاء ويصرفه عمن يشاء فيحيي به البلدة الهامدة الميتة، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ! )وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد( ٤ فاحمد الله أن هداك إليه، ودلك عليه، وحبب إليكم الإيمان وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، ولا تحزن على تكذيب هؤلاء المفتونين، فقد أفسد عقولهم الغرور وطاعة الشياطين.
﴿ يقدر ﴾ يضيق، ويقتر.
سورة العنكبوت مكية
وآياتها تسع وستون
كلماتها : ١٩٨١- حروفها : ٤٥٩٥
وآياتها تسع وستون
كلماتها : ١٩٨١- حروفها : ٤٥٩٥
ما ينبغي لمؤمن أن يخلد إلى تراب، ويأوي إلى بلدة أو دار، إذا صده ذاك المقام عن عبادة العزيز الغفار، وسحقا لغافل غره المتاع الزائل، وأبطره الزخرف الباطل فعاند الواحد القهار، أيحسبون أن ما أوتوا يغني عنهم ؟ أو أن الدنيا دار قرار ؟ ؟ كلا فإن الخبير البصير بيّن لنا حقيقة عاجلنا، وما إليه نصير، يقول المولى تبارك اسمه :)اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما١ وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور( ٢ ويقول عز شأنه :)إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون( ٣ وفي الآية الكريمة من هذه السورة يعلمنا العليم الحكيم أن هذه الحياة الدنية دان أجلها، قريب زوالها، وأكثر من يحيونها يقبلون على الباطل ويعرضون عن الحق، فإذا هم من اللاهين، وهذا ما فسر به العلماء [ اللعب ]-.
مما نقل النيسابوري : ويمكن أن يقال : المنشغل بها لا على وجه الاستغراق بل على وجه يفرغ لبعض أمور الآخرة : لاعب، والمشغول بها بحيث ينسى الآخرة بالكلية لاه. وقدم اللهو على اللعب في الأعراف والعنكبوت. اه.
وفي أمثال هؤلاء يقول الكتاب الحكيم :)ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( ٤، وإن الآخرة لهي الحياة الحقيقية لدوامها، وعظم نعيمها، ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ ذلك، وأن العاجلة فانية، والآجلة هي الباقية، لآثروا ما يبقى على ما يفنى.
٢ سورة الحديد. الآية ٢٠..
٣ سورة يونس. الآية ٢٤..
٤ سورة التوبة. الآية ٦٥..
﴿ مخلصين ﴾ مريدين بها اللجوء إلى الله لجوءا خالصا له سبحانه دون سواه.
﴿ يشركون ﴾ يتخذون مع الله تعالى شركاء.
الفاء للتعقيب، أي هم مصروفون عن الحق والرشد، مائلون ومنقلبون عن توحيد الله تعالى مع إقرارهم بأنه الخالق الرازق، لاهون عن الخير والمصير، لاعبون بأمانات القوي القدير، فإذا نزلت بهم الشدائد، وأحسوا بضيق وضر، توجهوا إلى رب العالمين، ولم يلجئوا إلى ما كانوا به مشركين، من أصنام أو كواكب أو شياطين، وحين ينجيهم ربهم يسارعون إلى الوثنية، ويعاودهم ضلالهم فيكفرون برب البرية، فليتمتعوا بطاعة أهوائهم، فسوف يعلمون عاقبة غيهم وجزاء كفرهم وغدرهم واستهزائهم، وفي آيات كريمة أخرى تبيين لجحودهم، ووعيد على قبح مكرهم، ونقضهم عهد ربهم :)هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون( ١
وآيات مباركات أخر يحذرهم الفعال لما يريد من نكال عاجل بهم قبل الذي ادخر لهم إلى يوم الوعيد :)قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون. قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض( ٢ )ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إن الله كان بكم رحيما. وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا. أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا.
أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا( ٣.
[ وقد ذكر محمد بن إسحق عن عكرمة بن أبي جهل أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارا منها، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة فقال أهلها : يا قوم ! أخلصوا لربكم الدعاء فإنه لا ينجي ها هنا إلا هو، فقال عكرمة : والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره، فإنه لا ينجي في البر أيضا غيره ! اللهم لك علي عهد لئن خرجت لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفا رحيما، فكان كذلك ]٤. أقول : ولعل مما يشير إلى أن البأس قد يرقق بعض القلوب فتنيب إلى علام الغيوب، ما يمكن أن يعني قوله تبارك وتعالى :)وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور( ٥.
وذهب فريق من أصحاب الإعراب إلى أن اللام في ﴿ ليكفروا ﴾و﴿ ليتمتعوا ﴾لام كي أو الأولى للتعليل، والثانية للأمر، وقيل : اللام فيهما لام الأمر، والأمر للتهديد، كالذي في قوله تعالى :)... قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار( ٦، ﴿ فسوف يعلمون ﴾ عاقبة ذلك حين يعاقبون عليه يوم القيامة، وفي ذلك من التهديد ما فيه.
﴿ يقدر ﴾ يضيق، ويقتر.
الفاء للتعقيب، أي هم مصروفون عن الحق والرشد، مائلون ومنقلبون عن توحيد الله تعالى مع إقرارهم بأنه الخالق الرازق، لاهون عن الخير والمصير، لاعبون بأمانات القوي القدير، فإذا نزلت بهم الشدائد، وأحسوا بضيق وضر، توجهوا إلى رب العالمين، ولم يلجئوا إلى ما كانوا به مشركين، من أصنام أو كواكب أو شياطين، وحين ينجيهم ربهم يسارعون إلى الوثنية، ويعاودهم ضلالهم فيكفرون برب البرية، فليتمتعوا بطاعة أهوائهم، فسوف يعلمون عاقبة غيهم وجزاء كفرهم وغدرهم واستهزائهم، وفي آيات كريمة أخرى تبيين لجحودهم، ووعيد على قبح مكرهم، ونقضهم عهد ربهم :)هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون( ١
وآيات مباركات أخر يحذرهم الفعال لما يريد من نكال عاجل بهم قبل الذي ادخر لهم إلى يوم الوعيد :)قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون. قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض( ٢ )ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إن الله كان بكم رحيما. وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا. أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا.
أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا( ٣.
[ وقد ذكر محمد بن إسحق عن عكرمة بن أبي جهل أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارا منها، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة فقال أهلها : يا قوم ! أخلصوا لربكم الدعاء فإنه لا ينجي ها هنا إلا هو، فقال عكرمة : والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره، فإنه لا ينجي في البر أيضا غيره ! اللهم لك علي عهد لئن خرجت لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفا رحيما، فكان كذلك ]٤. أقول : ولعل مما يشير إلى أن البأس قد يرقق بعض القلوب فتنيب إلى علام الغيوب، ما يمكن أن يعني قوله تبارك وتعالى :)وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور( ٥.
وذهب فريق من أصحاب الإعراب إلى أن اللام في ﴿ ليكفروا ﴾و﴿ ليتمتعوا ﴾لام كي أو الأولى للتعليل، والثانية للأمر، وقيل : اللام فيهما لام الأمر، والأمر للتهديد، كالذي في قوله تعالى :)... قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار( ٦، ﴿ فسوف يعلمون ﴾ عاقبة ذلك حين يعاقبون عليه يوم القيامة، وفي ذلك من التهديد ما فيه.
أعلموا فلم ينظروا ولم يبصروا أنا جعلنا بلدهم مكة حرما يأمن أهله عما يسوءهم، بل ويأمن في الحرم أحياؤه من نبات وحيوان فلا يقطع شجره، ولا يصاد صيده، ومن سواهم من البلاد والشعوب يفزعون ويسلبون ويقتلون ويؤسرون، أفيكون الشكر على نعمة الأمن والرزق أن يعظموا الوثن، ويشاقوا الحكيم البارئ المصور، واهب الفضل مسبغ النعم ؟ ! وأي الظلمة أشد ظلما من هؤلاء الذين زعموا لله شركاء، وادعوا لله تعالى بنات، وكذبوا بما جاءهم من الحق من ربهم ؟ فما أقبح افتراءهم، وما أغلظ عذابهم، وما أسوأ مستقرهم، والعذاب الذي أعد لهم.
[ ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا فقالوا إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء، ﴿ أو كذب بالحق لما جاءه ﴾ يقول : أو كذب بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من توحيده والبراءة من الآلهة والأنداد، ولما جاءه هذا الحق من عند الله﴿ أليس في جهنم مثوى للكافرين ﴾ يقول : أليس في النار مثوى ومسكن لمن كفر بالله وجحد توحيده وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ! وهذا تقرير وليس باستفهام، إنما هو كقول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا | وأندى العالمين بطون راح |
﴿ مثوى ﴾ مكان إقامة.
أعلموا فلم ينظروا ولم يبصروا أنا جعلنا بلدهم مكة حرما يأمن أهله عما يسوءهم، بل ويأمن في الحرم أحياؤه من نبات وحيوان فلا يقطع شجره، ولا يصاد صيده، ومن سواهم من البلاد والشعوب يفزعون ويسلبون ويقتلون ويؤسرون، أفيكون الشكر على نعمة الأمن والرزق أن يعظموا الوثن، ويشاقوا الحكيم البارئ المصور، واهب الفضل مسبغ النعم ؟ ! وأي الظلمة أشد ظلما من هؤلاء الذين زعموا لله شركاء، وادعوا لله تعالى بنات، وكذبوا بما جاءهم من الحق من ربهم ؟ فما أقبح افتراءهم، وما أغلظ عذابهم، وما أسوأ مستقرهم، والعذاب الذي أعد لهم.
[ ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا فقالوا إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء، ﴿ أو كذب بالحق لما جاءه ﴾ يقول : أو كذب بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من توحيده والبراءة من الآلهة والأنداد، ولما جاءه هذا الحق من عند الله﴿ أليس في جهنم مثوى للكافرين ﴾ يقول : أليس في النار مثوى ومسكن لمن كفر بالله وجحد توحيده وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ! وهذا تقرير وليس باستفهام، إنما هو كقول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا | وأندى العالمين بطون راح |
وبعد تتابع الآيات السابقات في خذلان المبطلين الضالين، جاءت هذه في هداية وولاية المجاهدين المتقين، فالذين نصروا الدين، وردوا على المبطلين، وزجروا الظالمين، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، قسما مؤكدا لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير، ومنازل المثوبة، وفي ذلك يقول المولى الحق سبحانه :) والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنة عرفها لهم( ١ ويقول تبارك اسمه :)ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.. ( ٢.
نقل عن بعض علماء القرآن : هي في الذين يعملون يما يعلمون٣، ﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ واستيقنوا يقينا لا ريب فيه ولا شك معه أن المعبود بحق لن يتخلى عمن أحسن- وما فقد شيئا من وجد الله.
وجاء التوكيد بأدواته المتتابعة﴿ وإن ﴾ واللام، يقول اللغويون : لام التوكيد دخلت في﴿ مع ﴾.. وإن تكن حرفا، فتدخل عليها، لأن فيها معنى الاستقرار، وأل في﴿ المحسنين ﴾ يحتمل أن تكون للعهد، فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر.. ويحتمل أن يكون للجنس، فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة، ويدخل أولئك دخولا أوليا برهانيا٤ أقول : ولماذا لا يبقى اللفظ على عمومه في كل من بلغ بعمل خير نافع مبلغ الإتقان والإجادة، وأتمه على أكمل وجه مستطاع، فإذا عبد الله العظيم عبده وكأنه يراه، وإذا عمل لنفسه أو غيره طيب ما أدى وحسّنه غاية التحسين ؟ ! يقول صاحب [ الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان ]٥ : وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة، والحفظ والهداية، ومع الجميع بالإحاطة والقدرة، فبين المعنيين بون. اه
وإنه لتنزيل العزيز الحكيم أن تختم السورة التي بدئت بالامتحان والابتلاء والفتنة، وعهدت إلى المؤمنين بالثبات والنصرة والهجرة، تختم بهذه البشرى وتلك المعية، فبشرى لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وجاهد بعلمه ليحق الحق، )إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم( ٦ )وإن ينصركم الله فلا غالب لكم... ( ٧ فاللهم نصرك الذي وعدت، اللهم آمين.
٢ سورة مريم. من الآية ٧٦..
٣ وأوردوا: قال صلى الله عليه وسلم:" من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم"، ، وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال الله تعالى:)واتقوا الله ويعلمكم الله..(، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور، فإن الله تعالى يقول:﴿لنهدينهم﴾، ونقل صاحب تفسير القرآن العظيم عن ابن أبي حاتم- بسنده- عن الشعبي قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، والله أعلم..
٤ مما أورد الألوسي..
٥ أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: جـ ١٣ ص ٣٦٥..
٦ سورة محمد. من الآية ٧..
٧ سورة آل عمران. من الآية ١٦٠..