وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن الزبير قال : أنزلت سورة الحديد بالمدينة.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء، وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء ».
وأخرج الديلمي عن جابر مرفوعاً : لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت عليّ يوم الثلاثاء.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه النسائي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال إن فيهن آية أفضل من ألف آية.
وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن أبي كثير قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات، وكان يقول : إن فيهن آية هي أفضل من ألف آية، قال يحيى : فنراها الآية التي في آخر الحشر.
ﰡ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والبهيقي عَن ابْن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة الْحَدِيد بِالْمَدِينَةِ وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نزلت سُورَة الْحَدِيد يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق الله الْحَدِيد يَوْم الثُّلَاثَاء وَقتل ابْن آدم أَخَاهُ يَوْم الثُّلَاثَاء وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحجامَة يَوْم الثُّلَاثَاء
وَأخرج الديلمي عَن جَابر مَرْفُوعا: لَا تحتجموا يَوْم الثُّلَاثَاء فَإِن سُورَة الْحَدِيد أنزلت عليّ يَوْم الثُّلَاثَاء
وَأخرج ابْن الضريس عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ المسبحات وَكَانَ يَقُول: إِن فِيهِنَّ آيَة هِيَ أفضل من ألف آيَة قَالَ يحيى: فنراها الْآيَة الَّتِي فِي آخر الْحَشْر
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمر قَالَ: كنت أَشد النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا أَنا فِي يَوْم حَار بالهاجرة فِي بعض طَرِيق مَكَّة إِذْ لَقِيَنِي رجل فَقَالَ: عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب إِنَّك تزْعم أَنَّك وَأَنَّك وَقد دخل عَلَيْك الْأَمر فِي بَيْتك قلت: وَمَا ذَاك قَالَ: هَذِه أختك قد أسلمت فَرَجَعت مغضباً حَتَّى قرعت الْبَاب فَقيل: من هَذَا قلت: عمر فتبادروا فاختفوا مني وَقد كَانُوا يقرأون صحيفَة بَين أَيْديهم تركوها أَو نسوها فَدخلت حَتَّى جَلَست على السرير فَنَظَرت إِلَى الصَّحِيفَة فَقلت: مَا هَذِه ناولينيها قَالَت: إِنَّك لست من أَهلهَا إِنَّك لَا تَغْتَسِل من الْجَنَابَة وَلَا تطهر وَهَذَا كتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَمَا زلت بهَا حَتَّى ناولتنيها ففتحتها فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَلَمَّا قَرَأت الرَّحْمَن الرَّحِيم ذعرت فألقيت الصَّحِيفَة من يَدي ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي فأخذتها فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ﴿سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ فَكلما مَرَرْت باسم من أَسمَاء الله ذعرت ثمَّ ترجع إليَّ نَفسِي حَتَّى بلغت ﴿آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وأنفقوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ﴾ فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَخرج الْقَوْم مستبشرين فكبروا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الْأسود قَالَ: قَالَ رَأس الجالوت: إِنَّمَا التَّوْرَاة الْحَلَال وَالْحرَام إِلَّا أَن فِي كتابكُمْ جَامعا ﴿سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ وَفِي التَّوْرَاة يسبح لله الطير وَالسِّبَاع
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الأول وَالْآخر﴾ أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو
ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ كم بَيْنكُم وَبَينهَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: بَيْنكُم وَبَينهَا خَمْسمِائَة سنة ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سماءين مَا بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة سنة حَتَّى عدد سبع سموات مَا بَين كل سماءين كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَوق ذَلِك الْعَرْش وَبَينه وَبَين السَّمَاء بعد مثل مَا بَين السماءين ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الَّذِي تحتكم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا الأَرْض ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا تَحت ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن تحتهَا الأَرْض الْأُخْرَى بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع أَرضين بَين كل أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة سنة ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو أَنكُمْ دليتم أحدكُم بِحَبل إِلَى الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى لهبط على الله ثمَّ قَرَأَ ﴿هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم﴾ قَالَ: التِّرْمِذِيّ فسر بعض أهل الْعلم هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا: إِنَّمَا هَبَط على علم الله وَقدرته وسلطانه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس بن عبد الْمطلب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو دليتم أحدكُم بِحَبل إِلَى الأَرْض السَّابِعَة لقدم على ربه ثمَّ تَلا ﴿هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم﴾ وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات: اللَّهُمَّ أَنْت الأول فَلَا شَيْء قبلك وَأَنت الآخر فَلَا شَيْء بعْدك أعوذ بك من شَرّ كل دَابَّة ناصيتها بِيَدِك وَأَعُوذ بك من الإِثم والكسل وَمن عَذَاب النَّار وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْغنى وَمن فتْنَة الْفقر وَأَعُوذ بك من المأثم والمغرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَت فَاطِمَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسْأَل خَادِمًا فَقَالَ لَهَا: قولي اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات السَّبع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو عِنْد النّوم: اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم رَبنَا وَرب كل شَيْء منزل التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْفرْقَان فالق الْحبّ والنوى لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أعوذ بك من شَرّ كل شَيْء أَنْت آخذ بناصيته أَنْت الأول فَلَيْسَ قبلك شَيْء وَأَنت الآخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اقْضِ عَنَّا الدّين وأغننا من الْفقر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يَقُول: يَا كَائِن قبل أَن يكون شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد مَا لَا يكون شَيْء أَسأَلك بلحظة من لحظاتك الحافظات الوافرات الراجيات المنجيات
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم عليا يَدْعُو بهَا عِنْدَمَا أهمه فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعلمهَا لوَلَده: يَا كَائِن قبل كال شَيْء وَيَا مكوّن كل شَيْء وَيَا كَائِن بعد كل شَيْء أفعل بِي كَذَا وَكَذَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله عزو جلّ: ﴿هُوَ الأوّل﴾ قبل كل شَيْء ﴿وَالْآخر﴾ بعد كل شَيْء ﴿وَالظَّاهِر﴾ فَوق كل شَيْء ﴿وَالْبَاطِن﴾ أقرب من كل شَيْء وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالْقربِ بِعِلْمِهِ وَقدرته وَهُوَ فَوق عَرْشه ﴿وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم﴾ ﴿هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام﴾ مِقْدَار كل يَوْم ألف عَام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يعلم مَا يلج فِي الأَرْض من الْقطر وَمَا يخرج مِنْهَا من النَّبَات وَمَا ينزل من السَّمَاء من الْقطر وَمَا يعرج فِيهَا يَعْنِي مَا يصعد إِلَى السَّمَاء من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم يَعْنِي قدرته وسلطانه وَعلمه مَعكُمْ إينما كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عمر وَأبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يزَال النَّاس يسْأَلُون عَن كل شَيْء حَتَّى يَقُولُوا هَذَا الله كَانَ قبل كل شَيْء فَمَاذَا كَانَ قبل
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي زميل قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت: مَا شَيْء أَجِدهُ فِي صَدْرِي قَالَ: مَا هُوَ قلت: وَالله لَا أَتكَلّم بِهِ فَقَالَ لي: أَشَيْء من شكّ وَضحك قَالَ: مَا نجا من ذَلِك أحد حَتَّى أنزل الله تَعَالَى ﴿فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك﴾ الْآيَة وَقَالَ لي: إِذا وجدت فِي نَفسك شَيْئا فَقل: هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم﴾ قَالَ: عَالم بكم أَيْنَمَا كُنْتُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: ﴿وَهُوَ مَعكُمْ﴾ قَالَ: علمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أفضل إِيمَان الْمَرْء أَن يعلم أَن الله تَعَالَى مَعَه حَيْثُ كَانَ
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد بِسَنَد ضَعِيف عَن ابراء بن عَازِب قَالَ: قلت لعليّ رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَسأَلك بِاللَّه وَرَسُوله إِلَّا خصصتني بأعظم مَا خصك بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واختصه بِهِ جِبْرِيل وأرسله بِهِ الرَّحْمَن فَقَالَ: إِذا أردْت أَن تَدْعُو الله باسمه الْأَعْظَم فاقرأ من أول سُورَة الْحَدِيد إِلَى آخر سِتّ آيَات مِنْهَا ﴿عليم بِذَات الصُّدُور﴾ وَآخر سُورَة الْحَشْر يَعْنِي أَربع آيَات ثمَّ ارْفَعْ يَديك فَقل: يَا من هُوَ هَكَذَا أَسأَلك بِحَق هَذِه الْأَسْمَاء أَن تصلّي على مُحَمَّد وَأَن تفعل بِي كَذَا وَكَذَا مِمَّا تُرِيدُ فوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيره لتنقلبن بحاجتك إِن شَاءَ الله
الْآيَة ٧ - ١١
أخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :«هل تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه، ثم قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف. ثم قال : هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : بينكم وبينها خمسمائة سنة، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدد سبع سموات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : فإنها الأرض. ثم قال : هل تدرون ما تحت ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة عام، حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة. ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السفلى لهبط على الله، ثم قرأ ﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ﴾ « قال : الترمذي فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا : إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة لقدم على ربه، ثم تلا ﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن هو بكل شيء عليم ﴾ ».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات : اللهم أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإِثم والكسل، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغنى، ومن فتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنة والبيهقي عن أبي هريرة قال : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل خادماً فقال لها : قولي اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإِنجيل والفرقان، فالق الحب النوى أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم :«اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإِنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر ».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول :«يا كائن قبل أن يكون شيء، والمكوّن لكل شيء، والكائن بعدما لا يكون شيء، أسألك بلحظة من لحظاتك الحافظات الوافرات الراجيات المنجيات ».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عليّاً دعوة يدعوها عندما أهمه، فكان علي رضي الله عنه يعلمها لولده : يا كائن قبل كل شيء ويا مكوّن كل شيء ويا كائن بعد كل شيء افعل بي كذا وكذا.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيء فماذا كان قبل الله ؟ فإن قالوا لكم ذلك فقولوا : هو الأوّل قبل كل شيء وهو الآخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فوق كل شيء وهو الباطن دون كل شيء وهو بكل شيء عليم.
وأخرج أبو داود عن أبي زميل قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما فقلت : ما شيء أجده في صدري قال : ما هو ؟ قلت : والله لا أتكلم به فقال لي : أشيء من شك ؟ وضحك ؟ قال : ما نجا من ذلك أحد حتى أنزل الله تعالى ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلت إليك ﴾ الآية وقال لي : إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل : هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وهو معكم أين ما كنتم ﴾ قال : عالم بكم أينما كنتم.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان الثوري رضي الله عنه أنه سئل عن قوله :﴿ وهو معكم ﴾ قال : علمه.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان ».
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح﴾ يَقُول: من أسلم ﴿وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا﴾ يَعْنِي أَسْلمُوا يَقُول لَيْسَ من هَاجر كمن لم يُهَاجر ﴿وكلا وعد الله الْحسنى﴾ قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح﴾ الْآيَة قَالَ: كَانَ قتالان أَحدهمَا أفضل من الآخر وانت نفقتان أَحدهمَا أفضل من الْأُخْرَى قَالَ: كَانَت النَّفَقَة والقتال قبل الْفَتْح فتح مَكَّة أفضل من النَّفَقَة والقتال بعد ذَلِك ﴿وكلا وعد الله الْحسنى﴾ قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل﴾ قَالَ أَبُو الدحداح: وَالله لأنفقن الْيَوْم نَفَقَة أدْرك بهَا من قبلي وَلَا يسبقني بهَا أحد بعدِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ كل شَيْء يملكهُ أَبُو الدحداح فَإِن نصفه لله حَتَّى بلغ فَرد نَعله ثمَّ قَالَ: وَهَذَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يأتيكم قوم من هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيمن تحقرون أَعمالكُم عِنْد أَعْمَالهم قَالُوا: فَنحْن خير أم هم قَالَ: بل أَنْتُم فَلَو أَن أحدهم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك أحدكُم وَلَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة إِذا كَانَ بعسفان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوشك أَن يَأْتِي قوم تحقرون أَعمالكُم مَعَ أَعْمَالهم قُلْنَا: من هم يَا رَسُول الله أقريش قَالَ: لَا وَلَكنهُمْ أهل الْيمن هم أرق أَفْئِدَة وألين قلوباً فَقُلْنَا: أهم خير منا يَا رَسُول الله قَالَ: لَو كَانَ لأَحَدهم جبل من ذهب فأنفقه مَا أدْرك مد أحدكُم وَلَا نصيفه إِلَّا أَن هَذَا فصل مَا بَيْننَا وَبَين النَّاس ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل﴾ الْآيَة
وَأخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ: كَانَ بَين خَالِد بن الْوَلِيد وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَلَام فَقَالَ خَالِد لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بهَا فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دعوا لي أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنفقتم مثل أحد أَو مثل الْجبَال ذَهَبا مَا بَلغْتُمْ أَعْمَالهم
وَأخرج أَحْمد عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنَحْنُ خير أم من بَعدنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أنْفق أحدهم أحدا ذَهَبا مَا بلغ مد أحدكُم وَلَا نصيفه
وَأخرج ابْن بِي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مدّ أحدهم وَلَا نصيفه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تسبوا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمقام أحدهم سَاعَة خير من عمل أحدكُم عمره
الْآيَة ١٢ - ١٥
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ﴾ الآية. قال : كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، قال : كانت النفقة والقتال قبل الفتح فتح مكة أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك ﴿ وكلاً وعد الله الحسنى ﴾ قال : الجنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ﴾ قال أبو الدحداح : والله لأنفقن اليوم نفقة أدرك بها من قبلي ولا يسبقني بها أحد بعدي، فقال : اللهم كل شيء يملكه أبو الدحداح فإن نصفه لله حتى بلغ فرد نعله ثم قال : وهذا.
وأخرج سعيد بن منصور عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يأتيكم قوم من ههنا، وأشار بيده إلى اليمن، تحقرون أعمالكم عند أعمالهم، قالوا : فنحن خير أم هم ؟ قال : بل أنتم، فلو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك أحدكم ولا نصيفه فصلت هذه الآية بيننا وبين الناس ﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إذا كان بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا : من هم يا رسول الله أقريش ؟ قال : لا، ولكنهم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، فقلنا : أهم خير منا يا رسول الله ؟ قال : لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس ﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ﴾ الآية ».
وأخرج أحمد عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال :«دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهباً ما بلغتم أعمالهم ».
وأخرج أحمد عن يوسف بن عبدالله بن سلام قال :«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنحن خير أم من بعدنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنفق أحدهم أحداً ذهباً ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره.
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود ﴿يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم﴾ قَالَ: على الصِّرَاط
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن شَجَرَة قَالَ: إِنَّكُم مكتوبون عِنْد الله بأسمائكم وسيماكم وحلاكم ونجواكم ومجالسكم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل: يَا فلَان بن فلَان هَلُمَّ بنورك وَيَا فلَان بن فلَان لَا نور لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة من يضيء لَهُ نوره كَمَا بَين الْمَدِينَة إِلَى عدن أبين إِلَى صنعاء فدون ذَلِك حَتَّى أَن من الْمُؤمنِينَ من لَا يضيء لَهُ نوره إِلَّا مَوضِع قَدَمَيْهِ وَالنَّاس منَازِل بأعمالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بَان مَسْعُود فِي قَوْله: ﴿يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم﴾ قَالَ: يُؤْتونَ نورهم على قدر أَعْمَالهم يَمرونَ على الصِّرَاط مِنْهُم من نوره مثل الْجَبَل وَمِنْهُم من نوره مثل النَّخْلَة وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرّة ويقد أُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير أَنه سمع أَبَا ذَر وَأَبا الدَّرْدَاء قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أول من يُؤذن لَهُ فِي السُّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأول من يُؤذن لَهُ أَن يرفع رَأسه فأرفع رَأْسِي فَأنْظر بَين يَدي وَعَن خَلْفي وَعَن يَمِيني وَعَن شمَالي فأعرف أمتِي من بَين الْأُمَم فَقيل: يَا رَسُول الله وَكَيف تعرفهم من بَين الْأُمَم مَا بَين نوح إِلَى أمتك قَالَ: غر محجلون من أثر الْوضُوء وَلَا يكون لأحد غَيرهم وأعرفهم أَنهم يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفها بِسِيمَاهُمْ فِي
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم قد أَصْبَحْتُم وأمسيتم فِي منزل تقتسمون فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات وتوشكون أَن تظعنوا مِنْهُ إِلَى منزل آخر وَهُوَ الْقَبْر بَيت الْوحدَة وَبَيت الظلمَة وبيد الدُّود وَبَيت الضّيق إِلَّا مَا وسع الله ثمَّ تنتقلون مِنْهُ إِلَى مَوَاطِن يَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّكُم لفي بعض تِلْكَ المواطن حَتَّى يغشى النَّاس أَمر الله فتبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه ثمَّ تنتقلون مِنْهُ إِلَى مَوضِع آخر فتغشى النَّاس ظلمَة شَدِيدَة ثمَّ يقسم النُّور فَيعْطى الْمُؤمن نورا وَيتْرك الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَلَا يعطيان شَيْئا وَهُوَ الْمثل الَّذِي ضرب الله فِي كِتَابه إِلَى قَوْله وَلَا يستضيء الْكَافِر وَالْمُنَافِق بِنور الْمُؤمن كَمَا لَا يستضيء الْأَعْمَى ببصر الْبَصِير وَيَقُول الْمُنَافِق للَّذين آمنُوا: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا﴾ وَهِي خدعة الله الَّتِي خدع بهَا الْمُنَافِقين حَيْثُ قَالَ: (يخادعون الله وَهُوَ خادعهم) (سُورَة النِّسَاء آيَة ١٤٢) فيرجعون إِلَى الْمَكَان الَّذِي قسم فِيهِ النُّور فَلَا يَجدونَ شَيْئا فينصرفون إِلَيْهِم ﴿فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب﴾ ينادونهم ألم نَكُنْ مَعكُمْ نصلي صَلَاتكُمْ ونغزو مغازيكم قَالُوا: بلَى إِلَى قَوْله: ﴿وَبئسَ الْمصير﴾
وَأخرج ابْن بِي حَاتِم من وَجه آخر عَن أبي أُمَامَة قَالَ: تبْعَث ظلمَة يَوْم الْقِيَامَة فَمَا من مُؤمن وَلَا كَافِر يرى كَفه حَتَّى يبْعَث الله بِالنورِ إِلَى الْمُؤمنِينَ بِقدر أَعْمَالهم فيتبعهم المُنَافِقُونَ فَيَقُولُونَ: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم﴾
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا النَّاس فِي ظلمَة إِذا بعث الله نورا فَلَمَّا رأى الْمُؤْمِنُونَ النُّور توجهوا نَحوه وَكَانَ النُّور دَلِيلا لَهُم من الله إِلَى الْجنَّة فَلَمَّا رأى المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ انْطَلقُوا إِلَى النُّور تبعوهم فأظلم الله على الْمُنَافِقين فَقَالُوا حِينَئِذٍ: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم﴾ فَإنَّا كُنَّا مَعكُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا من حَيْثُ جئْتُمْ من الظلمَة فالتمسوا هُنَالك النُّور
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَدْعُو النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بأمهاتهم سترا مِنْهُ على عباده وَأما عِنْد الصِّرَاط فَإِن الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين دَعَا الْيَهُود فَقيل لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله فَيُقَال لَهُم: كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: نعم فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه فَيَقُولُونَ: عُزيراً فيوجهون وَجها ثمَّ يَدْعُو النَّصَارَى فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله فَيَقُول لَهُم: هَل كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: نعم فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه فَيَقُولُونَ: الْمَسِيح فيوجهون وَجها ثمَّ يدعى الْمُسلمُونَ وهم على رابة من الأَرْض فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وَحده فَيُقَال لَهُم: هَل كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: مَا عَبدنَا غَيره فَيعْطى كل إِنْسَان مِنْهُم نورا ثمَّ يوجهون إِلَى الصِّرَاط ثمَّ قَرَأَ ﴿يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا انظرونا نقتبس من نوركم﴾ الْآيَة وَقَرَأَ (يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم) (سُورَة التَّحْرِيم الْآيَة ٨) إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات﴾ الْآيَة قَالَ: بَيْنَمَا النَّاس فِي ظلمَة إِذْ بعث الله نورا فَلَمَّا رأى الْمُؤْمِنُونَ النُّور توجهوا نَحوه وَكَانَ النُّور لَهُم دَلِيلا إِلَى الْجنَّة من الله فَلَمَّا رأى المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ قد انْطَلقُوا تبعوهم فأظلم الله على الْمُنَافِقين فَقَالُوا حِينَئِذٍ: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم﴾ فَإنَّا كُنَّا مَعكُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجعُوا من حَيْثُ جئْتُمْ من الظلمَة فالتمسوا هُنَالك النُّور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي فَاخِتَة قَالَ: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيُرْسل الله على النَّاس ظلمَة فَيَسْتَغِيثُونَ رَبهم فيؤتي الله كل مُؤمن يَوْمئِذٍ نورا ويؤتي الْمُنَافِقين نورا فَيَنْطَلِقُونَ جَمِيعًا متوجهين إِلَى الْجنَّة مَعَهم نورهم فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ طفأ الله نور الْمُنَافِقين فيترددوهن فِي الظلمَة ويسبقهم الْمُؤْمِنُونَ بنورهم بَين أَيْديهم فينادونهم ﴿انظرونا نقتبس من نوركم﴾ ﴿فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه﴾ حَيْثُ ذهب الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ الرَّحْمَة وَمن قبله الْجنَّة ويناديهم المُنَافِقُونَ ألم نَكُنْ مَعكُمْ قَالُوا: بلَى وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم وتربصتم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ ﴿انظرونا﴾ مَوْصُولَة بِرَفْع الْألف وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ ﴿انظرونا﴾ مَقْطُوعَة بِنصب الْألف وَكسر الظَّاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أَيْن أَنْت من يَوْم جِيءَ بجهنم قد سدت مَا بَين الْخَافِقين وَقيل: لن تدخل الْجنَّة حَتَّى تخوض النَّار فَإِن كَانَ مَعَك نور استقام بك الصِّرَاط فقد وَالله نجوت وهديت وَإِن لم يكن مَعَك نور تشبث بك بعض خطاطيف جَهَنَّم أَو كلاليبها فقد وَالله رديت وهويت
وَأخرج البهيقي فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل فِي قَوْله: ﴿يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا﴾ وهم على الصِّرَاط ﴿انظرونا﴾ يَقُول: ارقبونا ﴿نقتبس من نوركم﴾ يَعْنِي نصيب من نوركم فنمضي مَعكُمْ قيل: يَعْنِي قَالَت الْمَلَائِكَة لَهُم: ﴿ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا﴾ من حَيْثُ جئْتُمْ هَذَا من الِاسْتِهْزَاء بهم استهزؤوا بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا حِين قَالُوا: آمنا وَلَيْسوا بمؤمنين فَذَلِك قَوْله: ﴿الله يستهزئ بهم﴾ حِين يُقَال لَهُم: ﴿ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا﴾ ﴿فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب﴾ يَعْنِي بالسور حَائِط بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار ﴿بَاب بَاطِنه﴾ يَعْنِي بَاطِن السُّور ﴿فِيهِ الرَّحْمَة﴾ مِمَّا يَلِي الْجنَّة ﴿وَظَاهره من قبله الْعَذَاب﴾ يَعْنِي جَهَنَّم وَهُوَ الْحجاب الَّذِي ضرب بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه كَانَ على سور بَيت الْمُقَدّس الشَّرْقِي فَبكى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ: هَهُنَا أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى جَهَنَّم يحدث عَن أَبِيه أَنه قَالَ: ﴿فَضرب بَينهم بسور﴾ قَالَ: هَذَا مَوضِع السورعند وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَن أبي سِنَان قَالَ: كنت مَعَ عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عِنْد وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة ﴿فَضرب بَينهم بسور﴾ قَالَ: حَائِط بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله: ﴿بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة﴾ قَالَ: الْجنَّة ﴿وَظَاهره من قبله الْعَذَاب﴾ قَالَ: النَّار
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات﴾ الْآيَة قَالَ: إِن الْمُنَافِقين كَانُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ أَحيَاء فِي الدُّنْيَا يناكحونهم ويعاشرونهم وَكَانُوا مَعَهم أَمْوَاتًا ويعطون النُّور جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة فيطفأ نور الْمُنَافِقين إِذا بلغُوا السُّور يماز بَينهم يَوْمئِذٍ والسور كالحجاب فِي الْأَعْرَاف فَيَقُولُونَ: ﴿انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا﴾
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم﴾ قَالَ: بالشهوات وَاللَّذَّات وتربصتم بِالتَّوْبَةِ ﴿وارتبتم﴾ أَي شَكَكْتُمْ فِي الله ﴿وغرتكم الْأَمَانِي حَتَّى جَاءَ أَمر الله﴾ قَالَ: الْمَوْت ﴿وغركم بِاللَّه الْغرُور﴾ قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سُفْيَان ﴿وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم﴾ قَالَ: بِالْمَعَاصِي وتربصتم بِالتَّوْبَةِ ﴿وارتبتم﴾ شَكَكْتُمْ ﴿وغرتكم الْأَمَانِي﴾ قُلْتُمْ: سيغفر لنا حَتَّى جَاءَ أَمر الله قَالَ: الْمَوْت ﴿وغركم بِاللَّه الْغرُور﴾ قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَحْبُوب اللَّيْثِيّ ﴿وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم﴾ أَي بالشهوات ﴿وتربصتم﴾ بِالتَّوْبَةِ ﴿وارتبتم﴾ أَي شَكَكْتُمْ فِي الله ﴿وغرتكم الْأَمَانِي﴾ قَالَ: طول الأمل ﴿حَتَّى جَاءَ أَمر الله﴾ قَالَ: الْمَوْت ﴿وغركم بِاللَّه الْغرُور﴾ قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة ﴿وتربصتم﴾ قَالَ: تَرَبَّصُوا بِالْحَقِّ وَأَهله ﴿وارتبتم﴾ قَالَ: كَانُوا فِي شكّ من أَمر الله ﴿وغرتكم الْأَمَانِي﴾ قَالَ: كَانُوا على خدعة من الشَّيْطَان وَالله مازالوا عَلَيْهَا حَتَّى قذفهم الله فِي النَّار ﴿وغركم بِاللَّه الْغرُور﴾
الْآيَة ١٦ - ١٨
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي أمامة قال : تبعث ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون :﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : بينما الناس في ظلمة إذا بعث الله نوراً فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلاً لهم من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين انطلقوا إلى النور تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ :﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون :﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ وقال المؤمنون :﴿ ربنا أتمم لنا نورنا ﴾ فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إذا جمع الله الأولين والآخرين دعا اليهود فقيل لهم : من كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله، فيقال لهم : كنتم تعبدون معه غيره فيقولون : نعم، فيقال لهم : من كنتم تعبدون معه ؟ فيقولون : عُزيراً فيوجهون وجهاً، ثم يدعو النصارى، فيقال لهم : من كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله، فيقول لهم : هل كنتم تعبدون معه غيره ؟ فيقولون : نعم، فيقال لهم : من كنتم تعبدون معه ؟ فيقولون : المسيح، فيوجهون وجهاً ثم يدعى المسلمون وهم على رابة من الأرض فيقال لهم : من كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله وحده، فيقال لهم : هل كنتم تعبدون معه غيره ؟ فيغضبون فيقولون : ما عبدنا غيره فيعطى كل إنسان منهم نوراً، ثم يوجهون إلى الصراط ثم قرأ ﴿ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ الآية. وقرأ ﴿ يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم ﴾ [ التحريم : ٨ ] إلى آخر الآية ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ يوم يقول المنافقون والمنافقات ﴾ الآية. قال : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور لهم دليلاً إلى الجنة من الله فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ :﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون : ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي فاختة قال : يجمع الله الخلائق يوم القيامة، ويرسل الله على الناس ظلمة فيستغيثون ربهم فيؤتي الله كل مؤمن يومئذ نوراً ويؤتي المنافقين نوراً فينطلقون جميعاً متوجهين إلى الجنة معهم نورهم، فبينما هم كذلك إذ طفأ الله نور المنافقين، فيترددوهن في الظلمة، ويسبقهم المؤمنون بنورهم بين أيديهم فينادونهم ﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ ﴿ فضرب بينهم بسور له باب باطنه ﴾ حيث ذهب المؤمنون فيه الرحمة ومن قبله الجنة، ويناديهم المنافقون ألم نكن معكم ؟ قالوا : بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم، فيقول المنافقون بعضهم لبعض : وهم يتسكعون في الظلمة تعالوا نلتمس إلى المؤمنين سبيلاً فيسقطون على هوة، فيقول بعضهم لبعض : إن هذا ينفق بكم إلى المؤمنين فيتهافتون فيها فلا يزالون يهوون فيها حتى ينتهوا إلى قعر جهنم، فهنالك خدع المنافقون كما قال الله :﴿ وهو خادعهم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ انظرونا ﴾ موصولة برفع الألف.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ ﴿ انظرونا ﴾ مقطوعة بنصب الألف وكسر الظاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : أين أنت من يوم جيء بجهنم قد سدت ما بين الخافقين وقيل : لن تدخل الجنة حتى تخوض النار، فإن كان معك نور استقام بك الصراط فقد والله نجوت وهديت، وإن لم يكن معك نور تشبث بك بعض خطاطيف جهنم أو كلاليبها، فقد والله رديت وهويت.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن مقاتل في قوله :﴿ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا وهم على الصراط انظرونا ﴾ يقول : ارقبونا ﴿ نقتبس من نوركم ﴾ يعني نصيب من نوركم فنمضي معكم قيل : يعني قالت الملائكة لهم :﴿ ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً من حيث جئتم ﴾ هذا من الاستهزاء بهم استهزؤوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا : آمنا وليسوا بمؤمنين فذلك قوله :﴿ الله يستهزئ بهم ﴾ حين يقال لهم :﴿ ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ﴾ ﴿ فضرب بينهم بسور له باب ﴾ يعني بالسور حائط بين أهل الجنة والنار ﴿ باب باطنه ﴾ يعني باطن السور ﴿ فيه الرحمة ﴾ مما يلي الجنة ﴿ وظاهره من قبله العذاب ﴾ يعني جهنم وهو الحجاب الذي ضرب بين أهل الجنة وأهل النار.
وأخرج عبد بن حميد عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل له ما يبكيك ؟ فقال : ههنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم يحدث عن أبيه أنه قال :﴿ فضرب بينهم بسور ﴾ قال : هذا موضع السور عند وادي جهنم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال : كنت مع علي بن عبدالله بن عباس عند وادي جهنم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : إن السور الذي ذكره الله في القرآن ﴿ فضرب بينهم بسور ﴾ هو السور الذي ببيت المقدس الشرقي ﴿ باطنه فيه الرحمة ﴾ المسجد ﴿ وظاهره من قبله العذاب ﴾ يعني وادي جهنم وما يليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فضرب بينهم بسور ﴾ قال : حائط بين الجنة والنار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في قوله :﴿ باطنه فيه الرحمة ﴾ قال : الجنة ﴿ وظاهره من قبله العذاب ﴾ قال : النار.
وأخرج آدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله :﴿ يوم يقول المنافقون والمنافقات ﴾ الآية، قال : إن المنافقين كانوا مع المؤمنين أحياء في الدنيا يناكحونهم ويعاشرونهم وكانوا معهم أمواتاً ويعطون النور جميعاً يوم القيامة فيطفأ نور المنافقين إذا بلغوا السور يماز بينهم يومئذ والسور كالحجاب في الأعراف فيقولون :﴿ انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سفيان ﴿ ولكنكم فتنتم أنفسكم ﴾ قال : بالمعاصي وتربصتم بالتوبة ﴿ وارتبتم ﴾ شككتم ﴿ وغرتكم الأماني ﴾ قلتم : سيغفر لنا حتى جاء أمر الله قال : الموت ﴿ وغركم بالله الغرور ﴾ قال : الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد عن محبوب الليثي ﴿ ولكنكم فتنتم أنفسكم ﴾ أي بالشهوات ﴿ وتربصتم ﴾ بالتوبة ﴿ وارتبتم ﴾ أي شككتم في الله ﴿ وغرتكم الأماني ﴾ قال : طول الأمل ﴿ حتى جاء أمر الله ﴾ قال : الموت ﴿ وغركم بالله الغرور ﴾ قال : الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ﴿ وتربصتم ﴾ قال : تربصوا بالحق وأهله ﴿ وارتبتم ﴾ قال : كانوا في شك من أمر الله ﴿ وغرتكم الأماني ﴾ قال : كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار ﴿ وغركم بالله الغرور ﴾ قال : الشيطان. ﴿ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ﴾ يعني من المنافقين ولا من الذين كفروا.
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس لَا أعلمهُ إِلَّا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: استبطأ الله قُلُوب الْمُهَاجِرين بعد سبع عشرَة من نزُول الْقُرْآن فَأنْزل الله ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نفر من أَصْحَابه فِي الْمَسْجِد وهم يَضْحَكُونَ فسحب رِدَاءَهُ محمراً وَجهه فَقَالَ: أتضحكون وَلم يأتكم أَمَان من ربكُم بِأَنَّهُ قد غفر لكم وَلَقَد أنزل عليّ فِي ضحككم آيَة ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ قَالُوا يَا رَسُول الله: فَمَا كَفَّارَة ذَلِك قَالَ: تَبْكُونَ قدر مَا ضحكتم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ قَالَ: ذكر لنا أَن شَدَّاد بن أَوْس كَانَ يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: أول مَا يرفع من النَّاس الْخُشُوع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم﴾ يَقُول: ألم يحن للَّذين آمنُوا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ﴿اعلموا أَن الله يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا﴾ قَالَ: تليين الْقُلُوب بعد قسوتها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن الزبير أَن ابْن مَسْعُود أخبرهُ أَنه لم يكن بَين إسْلَامهمْ وَبَين أَن نزلت هَذِه الْآيَة يعاتبهم الله بهَا إِلَّا أَربع سِنِين وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِين أُوتُوا الْكتاب من قبل فطال عَلَيْهِم الأمد فقست قُلُوبهم وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ الْآيَة أقبل بَعْضنَا على بعض أَي شَيْء أحدثنا أَي شَيْء صنعنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله استبطأ قُلُوب الْمُهَاجِرين فعاتبهم على رَأس ثَلَاثًا عشرَة سنة من نزُول الْقُرْآن فَقَالَ: ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر مِنْهُم المزاح والضحك فَنزلت ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخذُوا فِي شَيْء من المزاح فَأنْزل الله ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: لم قدم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَأَصَابُوا من لين الْعَيْش مَا أَصَابُوا بَعْدَمَا كَانَ بهم من الْجهد فكأنهم فتروا عَن بعض مَا كَانُوا عَلَيْهِ فعوتبوا فَنزلت ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن الْقَاسِم قَالَ: مل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِلَّة فَقَالُوا: حَدثنَا يَا رَسُول الله فَأنْزل الله (نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص) (سُورَة يُوسُف الْآيَة ٣) ثمَّ ملوا مِلَّة فَقَالُوا حَدثنَا يَا رَسُول الله فَأنْزل الله ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يطولن عَلَيْكُم
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لما طَال عَلَيْهِم الأمد قست قُلُوبهم اخترعوا كتابا من عِنْد أنفسهم استهوته قُلُوبهم واستحلته ألسنتهم وَكَانَ الْحق يحول بَينهم وَبَين كثير من شهواتهم حَتَّى نبذوا كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ فَقَالُوا: أَعرضُوا هَذَا الْكتاب على بني إِسْرَائِيل فَإِن تابعوكم فاتركوهم وَإِن خالفوكم فاقتلوهم قَالُوا: لَا بل أرْسلُوا إِلَى فلَان رجل من عُلَمَائهمْ فاعرضوا عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب فَإِن تابعكم فَلَنْ يخالفكم أحد بعده وَإِن خالفكم فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ يخْتَلف عَلَيْكُم أحد بعده فأرسلوا إِلَيْهِ فَأخذ ورقة وَكتب فِيهَا كتاب الله ثمَّ علقها فِي عُنُقه ثمَّ لبس عَلَيْهِ الثِّيَاب فعرضوا عَلَيْهِ الْكتاب فَقَالُوا: أتؤمن بِهَذَا فَأَوْمأ إِلَى صَدره فَقَالَ: آمَنت وَمَا لي لَا أومن بِهَذَا يَعْنِي الْكتاب الَّذِي فِيهِ الْقُرْآن فَخلوا سَبيله وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب يغشونه فَلَمَّا مَاتَ وجدوا الْكتاب الَّذِي فِيهِ الْقُرْآن مُعَلّق عَلَيْهِ فَقَالُوا: أَلا ترَوْنَ إِلَى قَوْله: آمَنت بِهَذَا وَمَالِي لَا أومن بِهَذَا إِنَّمَا عَنى هَذَا الْكتاب فَاخْتلف بنوا إِسْرَائِيل على بضع وَسبعين مِلَّة وَخير مللهم أَصْحَاب ذِي الْقُرْآن
قَالَ عبد الله: وَإِن من بَقِي مِنْكُم سيرى مُنْكرا وبحسب امْرِئ يرى مُنْكرا لَا يَسْتَطِيع أَن يُغَيِّرهُ أَن يعلم الله من قلبه أَنه كَارِه لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا تَلا هَذِه الْآيَة ﴿ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله﴾ ثمَّ قَالَ: بلَى يَا رب بلَى يَا رب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة شَدَّاد بن أَوْس: أول مَا يرفع من النَّاس الْخُشُوع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ﴿الأمد﴾ قَالَ: الدَّهْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود عَن أَبِيه قَالَ: جمع أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْقُرَّاء فَقَالَ: لَا يدخلن عَلَيْكُم إِلَّا من جمع الْقُرْآن فَدَخَلْنَا ثَلَاثمِائَة رجل فوعظنا وَقَالَ: أَنْتُم قراء هَذِه الْبَلَد وَالله ليطولن عَلَيْكُم الأمد فتقسو قُلُوبكُمْ كَمَا قست قُلُوب أهل الْكتاب
الْآيَة ١٩ - ٢١
وَأخرج ابْن جرير عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مؤمنو أمتِي شُهَدَاء ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم﴾
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل ليَمُوت على فرَاشه وَهُوَ شَهِيد ثمَّ تَلا ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم﴾
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَوْمًا وهم عِنْده: كلكُمْ صديق وشهيد قيل لَهُ: مَا تَقول يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أقرأوا ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم﴾
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مُؤمن صديق وشهيد ثمَّ تَلا ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم﴾
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: كل مُؤمن صديق ثمَّ قَرَأَ ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون﴾ قَالَ: هَذِه مفصولة ﴿وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم ونورهم﴾
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: ﴿وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون﴾ قَالَ: هَذِه مفصولة سماهم صديقين ثمَّ قَالَ: ﴿وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم ونورهم﴾
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق قَالَ: هِيَ للشهداء خَاصَّة
وَأخرج ابْن حبَان عَن عَمْرو بن مَيْمُون الْجُهَنِيّ قَالَ: جَاءَ رجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن شهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَصليت الصَّلَوَات الْخمس وَأديت الزَّكَاة وَصمت رَمَضَان وقمته فَمِمَّنْ أَنا قَالَ: من الصديقين وَالشُّهَدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قتاة فِي قَوْله: ﴿وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد ومغفرة من الله ورضوان﴾ قَالَ: صَار النَّاس إِلَى هذَيْن الحرفين فِي الْآخِرَة
الْآيَة ٢٢ - ٢٤
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة﴾ الْآيَة قَالَ: هُوَ شَيْء قد فرغ مِنْهُ من قبل أَن تَبرأ الْأَنْفس
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي حسان أَن رجلَيْنِ دخلا على عَائِشَة فَقَالَا: إِن أَبَا هُرَيْرَة يحدث أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الدَّابَّة وَالْمَرْأَة وَالدَّار فَقَالَت: وَالَّذِي أنزل الْقُرْآن على أبي الْقَاسِم مَا هَكَذَا كَانَ يَقُول: وَلَكِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّابَّة وَالدَّار ثمَّ قَرَأت ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير﴾
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَنهُ هَذِه الْآيَة فَقَالَ: سُبْحَانَ الله من يشك فِي هَذَا كل مُصِيبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض فَفِي كتاب من قبل أَن تَبرأ النَّسمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم﴾ الْآيَة قَالَ: لَيْسَ أحد إِلَّا وَهُوَ يحزن ويفرح وَلَكِن إِن أَصَابَته مُصِيبَة جعلهَا صبرا وَإِن أَصَابَهُ خير جعله شكرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها﴾ يُرِيد مصائب المعاش وَلَا يُرِيد مصائب الدّين أَنه قَالَ: ﴿لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم﴾ وَلَيْسَ عَن مصائب الدّين أَمرهم أَن يأسوا على السَّيئَة ويفرحوا بِالْحَسَنَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّه ليقضي بِالسَّيِّئَةِ فِي السَّمَاء وَهُوَ كل يَوْم فِي شَأْن ثمَّ يضْرب لَهَا أجل فيحسبها إِلَى أجلهَا فَإِذا جَاءَ أجلهَا أرسلها فَلَيْسَ لَهَا مَرْدُود أَنه كَائِن فِي يَوْم كَذَا من شهر كَذَا من سنة كَذَا فِي بلد كَذَا من الْمُصِيبَة من
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أبي صَالح قَالَ: دخلت على سعيد بن جُبَير فِي نفر فَبكى رجل من الْقَوْم فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: أبْكِي لما أرى بك وَلما يذهب بك إِلَيْهِ قَالَ: فَلَا تبك فَإِنَّهُ كَانَ فَعلم الله أَن يكون أَلا تسمع إِلَى قَوْله: ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها﴾
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب﴾ قَالَ: الأوجاع والأمراض ﴿من قبل أَن نبرأها﴾ قَالَ: من قبل أَن نخلقها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أنزل الله الْمُصِيبَة ثمَّ حَبسهَا عِنْده ثمَّ يخلق صَاحبهَا فَإِذا عمل خطيئتها أرسلها عَلَيْهِ
وَأخرج الديليمي عَن سليم بن جَابر النجيمي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيفتح على أمتِي بَاب من الْقدر فِي آخر الزَّمَان لَا يسده شَيْء يكفيكم مِنْهُ أَن تقوهم بِهَذِهِ الْآيَة ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب﴾ الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن قزعة قَالَ: رَأَيْت على ابْن عمر ثيابًا خشنة فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنِّي قد أَتَيْتُك بِثَوْب لين مِمَّا يصنع بخراسان وتقر عَيْني أَن أرَاهُ عَلَيْك فَإِن عَلَيْك ثيابًا خشنة قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن ألبسهُ فَأَكُون مختالاً فخوراً ﴿وَالله لَا يحب كل مختال فخور﴾
الْآيَة ٢٥ - ٢٧
وأخرج عبد بن حميد وعبد بن أحمد في زوائد الزهد عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثياباً خشنة، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيني أن أراه عليك، فإن عليك ثياباً خشنة، قال : إني أخاف أن ألبسه فأكون مختالاً فخوراً ﴿ والله لا يحب كل مختال فخور ﴾.
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد وَمَنَافع للنَّاس﴾ قَالَ: جنَّة وَسلَاح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: ﴿وأنزلنا الْحَدِيد﴾ الْآيَة قَالَ: إِن أول مَا أنزل الله من الْحَدِيد الكلبتين وَالَّذِي يضْرب عَلَيْهِ الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْأَيَّام فَقَالَ: السبت عدد والأحد عدد والاثنين يَوْم تعرض فِيهِ الْأَعْمَال وَالثُّلَاثَاء يَوْم الدَّم وَالْأَرْبِعَاء يَوْم الْحَدِيد ﴿وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد﴾ وَالْخَمِيس يَوْم تعرض الْأَعْمَال وَالْجُمُعَة يَوْم بَدَأَ الله الْخلق وَفِيه تقوم السَّاعَة
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ﴾ الْآيَة
أخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الله: قلت: لبيْك يَا رَسُول الله ثَلَاث مَرَّات قَالَ: هَل تَدْرِي أَي عرا الإِيمان أوثق قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أوثق عرا الإِيمان الْولَايَة فِي الله بالحب فِيهِ والبغض فِيهِ قَالَ: هَل تَدْرِي أَي النَّاس أفضل قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أفضل النَّاس أفضلهم عملا إِذا تفقهوا فِي الدّين يَا عبد الله هَل تَدْرِي أَي النَّاس أعلم قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن أعلم النَّاس أبصرهم بِالْحَقِّ إِذا اخْتلف النَّاس وَإِن كَانَ مقصراً بِالْعَمَلِ وَإِن كَانَ يزحف على استه وَاخْتلف من كَانَ قبلنَا على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فِرْقةً نجا مِنْهَا ثَلَاث وَهلك سائرها فرقة (من الْفِرَاق) وزت الْمُلُوك وقاتلتهم على دين الله وَعِيسَى ابْن مَرْيَم حَتَّى قتلوا وَفرْقَة لم يكن لَهُم طَاقَة بموازاة الْمُلُوك وَلَا
وَأخرج النَّسَائِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت مُلُوك بعد عِيسَى بدلت التَّوْرَاة والإِنجيل فَكَانَ مِنْهُم مُؤمنُونَ يقرأون التَّوْرَاة والإِنجيل فَقيل لملوكهم: مَا نجد شَيْئا أَشد من شتم يشتمنا هَؤُلَاءِ انهم يقرؤون (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة ٤٤) (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة ٤٥) (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة ٤٧) مَعَ مَا يعيبوننا بِهِ من أَعمالنَا فِي قراءتهم فادعهم فليقرؤوا كَمَا نَقْرَأ وليؤمنوا كَمَا آمنا فَدَعَاهُمْ فَجَمعهُمْ وَعرض عَلَيْهِم الْقَتْل أَو يتْركُوا قرءة التَّوْرَاة والإِنجيل إِلَّا مَا بدلُوا مِنْهَا فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِك دَعونَا فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم: ابْنُوا لنا اسطوانة ثمَّ ارفعونا إِلَيْهَا ثمَّ أعطونا شَيْئا ترفع بِهِ طعامنا وشرابنا وَلَا ترد عَلَيْكُم وَقَالَت طَائِفَة: دَعونَا نسيح فِي الأَرْض ونهيم وَنَأْكُل مِمَّا تَأْكُل مِنْهُ الوحوش وَنَشْرَب مِمَّا تشرب فَإِن قدرتم علينا فِي أَرْضكُم فاقتلونا وَقَالَت طَائِفَة: ابْنُوا لنا ديوراً فِي الفيافي ونحتفر الْآبَار ونحرث الْبُقُول فَلَا نَرِد عَلَيْكُم وَلَا نمر بكم وَلَيْسَ أحد من الْقَبَائِل إِلَّا لَهُ حميم فيهم فَفَعَلُوا ذَلِك فَأنْزل الله ﴿ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله فَمَا رعوها حق رعايتها﴾ قَالَ: وَالْآخرُونَ مِمَّن تعبد من أهل الشّرك وفني من قد فني مِنْهُم قَالُوا: نتعبد كَمَا تعبد فلَان ونسيح كَمَا ساح فلَان ونتخذ ديوراً كَمَا اتخذ فلَان وهم على شركهم لَا علم لَهُم بإِيمان الَّذين اقتدوا بهم فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل انحط صَاحب الصومعة من صومعته وَجَاء السائح من سياحته وَصَاحب الدَّيْر من ديره فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ أَجْرَيْنِ بإيمَانهمْ بِعِيسَى وَنصب أنفسهم والتوراة والإِنجيل وبإيمانهم بِمُحَمد وتصديقهم ﴿وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ﴾ الْقُرْآن واتباعهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سهل بن أبي أُمَامَة بن سهل بن جُبَير عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم فِي الصوامع والديارات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن نصر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله كتب عَلَيْكُم صِيَام شهر رَمَضَان وَلم يكْتب عَلَيْكُم قِيَامه وَإِنَّمَا الْقيام شَيْء ابتدعتموه فدوموا عَلَيْهِ وَلَا تتركوه فَإِن نَاسا من بني إِسْرَائِيل ابتدعوا بِدعَة فعابهم الله بِتَرْكِهَا وتلا هَذِه الْآيَة ﴿ورهبانية ابتدعوها﴾
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن لكل أمة رَهْبَانِيَّة ورهبانية هَذِه الْأمة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿ورهبانية ابتدعوها﴾ قَالَ: ذكر لنا أَنهم رفضوا النِّسَاء وَاتَّخذُوا الصوامع
الْآيَة ٢٨ - ٢٩
أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر من طرق عن ابن مسعود قال :«قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله : قلت : لبيك يا رسول الله ثلاث مرات، قال : هل تدري أي عرا الإِيمان أوثق ؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : أوثق عرا الإِيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه، قال : هل تدري أي الناس أفضل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : أفضل الناس عملاً إذا تفقهوا في الدين، يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصراً بالعمل، وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فِرْقةً نجا منها ثلاث وهلك سائرها فُرْقَةً، وزت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم حتى قتلوا، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال، وترهبوا فيها وهم الذين قال الله :﴿ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ﴾ الذين آمنوا بي وصدقوني ﴿ وكثير منهم فاسقون ﴾ الذين كفروا بي وجحدوني ».
وأخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإِنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإِنجيل فقيل لملوكهم : ما نجد شيئاً أشد من شتم يشتمنا هؤلاء إنهم يقرؤون ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ﴾ [ المائدة : ٤٧ ] مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإِنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا، فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً ترفع به طعامنا وشرابنا، ولا ترد عليكم، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا وقالت طائفة : ابنوا لنا ديوراً في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول، فلا نَرِد عليكم ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك فأنزل الله ﴿ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ﴾ قال : والآخرون ممن تعبد من أهل الشرك وفني من قد فني منهم قالوا : نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان ونتخذ ديوراً كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإِيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته، وجاء السائح من سياحته وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ﴾ أجرين بإيمانهم بعيسى ونصب أنفسهم والتوراة والإِنجيل، وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم ﴿ ويجعل لكم نوراً تمشون به ﴾ القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ﴿ رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ﴾ ».
وأخرج البيهقي في الشعب عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات ».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه وابن نصر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : إن الله كتب عليكم صيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه، فإن ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها وتلا هذه الآية ﴿ ورهبانية ابتدعوها ﴾.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله ».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ ورهبانية ابتدعوها ﴾ قال : ذكر لنا أنهم رفضوا النساء واتخذوا الصوامع.
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: لما نزلت ﴿أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ فَخر مؤمنو أهل الْكتاب على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: لنا أَجْرَانِ وَلكم أجر فَاشْتَدَّ ذَلِك على الصَّحَابَة فَأنْزل الله ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ فَجعل لَهُم أَجْرَيْنِ مثل أجور مؤمني أهل الْكتاب وَسوى بَينهم فِي الْأجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس ﴿يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ قَالَ: أَجْرَيْنِ ﴿وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ﴾ قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد ﴿يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ قَالَ: ضعفين ﴿وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ﴾ قَالَ: هدى
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: ﴿كِفْلَيْنِ﴾ قَالَ: أَجْرَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة ﴿كِفْلَيْنِ﴾ قَالَ: حظين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿كِفْلَيْنِ﴾ قَالَ: ضعفين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى فِي قَوْله: ﴿كِفْلَيْنِ﴾ قَالَ: ضعفين وَهِي بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله: ﴿يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ قَالَ: الكفل ثَلَاثمِائَة جُزْء وَخَمْسُونَ جزأ من رَحْمَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة فِي قَوْله: ﴿يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ قَالَ: الكفل ثَلَاثمِائَة جُزْء من الرَّحْمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن يزِيد بن حَازِم قَالَ: سَمِعت عِكْرِمَة وَعبد الله بن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَرَأَ أَحدهمَا ﴿لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب﴾ وَقَرَأَ الآخر ليعلم أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قسم الْعَمَل وَقسم الْأجر وَفِي لفظ وَقسم الْأَجَل فَقيل للْيَهُود: اعْمَلُوا فعملوا إِلَى نصف النَّهَار فَقيل: لكم قِيرَاط وَقيل لِلنَّصَارَى: اعْمَلُوا فعملوا من نصف النَّهَار فَقيل: لكم قِيرَاط وَقيل للْمُسلمين: اعْمَلُوا فعملوا من الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَقيل: لكم قيراطان فتكلمت الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي ذَلِك فَقَالَت الْيَهُود: أنعمل إِلَى نصف النَّهَار فَيكون لنا قِيرَاط وَقَالَت النَّصَارَى: أنعمل من نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر فَيكون لنا قِيرَاط وَيعْمل هَؤُلَاءِ من الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَيكون لَهُم قيراطان فَأنْزل الله ﴿لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب إِلَّا يقدرُونَ على شَيْء من فضل اللهْ﴾ إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ قَالَ: إِن مثلكُمْ فِيمَا قبلكُمْ من الْأُمَم كَمَا بَين الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله﴾ الْآيَة حسدهم أهل الْكتاب عَلَيْهَا فَأنْزل الله ﴿لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب﴾ الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: يُوشك أَن يخرج منا نَبِي فَيقطع الْأَيْدِي والأرجل فَلَمَّا خرج من الْعَرَب كفرُوا فَأنْزل الله ﴿لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب﴾ الْآيَة يَعْنِي بِالْفَضْلِ النُّبُوَّة
وَأخرج عبد بن حميد ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ كي لَا يعلم أهل الْكتاب وَالله أعلم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المجادلة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله وَالله أعلم
الْآيَة ١ - ٤
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن الله قسم العمل وقسم الأجر، وفي لفظ : وقسم الأجل، فقيل لليهود : اعملوا فعملوا إلى نصف النهار، فقيل : لكم قيراط، وقيل للنصارى : اعملوا فعملوا من نصف النهار إلى العصر، فقيل : لكم قيراط، وقيل للمسلمين : اعملوا فعملوا من العصر إلى غروب الشمس فقيل : لكم قيراطان، فتكلمت اليهود والنصارى في ذلك، فقالت اليهود : أنعمل إلى نصف النهار فيكون لنا قيراط ؟ وقالت النصارى : أنعمل من نصف النهار إلى العصر فيكون لنا قيراط ؟ ويعمل هؤلاء من العصر إلى غروب الشمس فيكون لهم قيراطان ؟ فأنزل الله ﴿ لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله ﴾ إلى آخر الآية ثم قال : إن مثلكم فيما قبلكم من الأمم كما بين العصر إلى غروب الشمس ».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : لما نزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ﴾ الآية حسدهم أهل الكتاب عليها فأنزل الله ﴿ لئلا يعلم أهل الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : قالت اليهود : يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا فأنزل الله ﴿ لئلا يعلم أهل الكتاب ﴾ الآية، يعني بالفضل النبوة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قرأ «كي لا يعلم أهل الكتاب » والله أعلم.