ﰡ
١٨٢ - قال اللَّه تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الدارمي والترمذي عن عبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قعدنا نَفَرٌ من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أيَّ الأعمال أحبّ إلى الله تعالى لعملناه فأنزل اللَّه تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا)، حتى ختمها، قال عبد اللَّه: فقرأها علينا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ختمها.
قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سلام. قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى، وقرأها علينا الأوزاعي، وقرأها علينا محمد.
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر القرطبي وابن كثير وابن عاشور هذا الحديث في سبب نزولها.
قال ابن كثير: (إن الجمهور حملوا الآية يعني قوله: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
وقال تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)، وهكذا هذه الآية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن
وقال ابن عاشور: (وتعقيب الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) يؤذن بأن اللوم على وعد يتعلق بالجهاد في سبيل اللَّه. وبذلك يلتئم معنى الآية مع حديث الترمذي في سبب النزول وتندحض روايات أخرى رويت في سبب نزولها ذكرها في الكشاف). اهـ.
أما الطبري والبغوي وابن عطية فلم يذكروا حديث ابن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكن ذكروا أحاديث مشابهةً في لفظها ومعناها واحد.
قال الطبري: (واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنزلت هذه الآية فقال بعضهم: أُنزلت توبيخًا من اللَّه لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال فعرفهم اللَّه إياه، فلما عرفوا قصروا فعوتبوا بهذه الآية). اهـ.
وبهذا يتبين اتفاق المفسرين على المعنى الذي دلَّ عليه حديث عبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن كان الحديث قد خلا من تمني الجهاد، وإنما تمني أحب الأعمال إلى اللَّه فبين أنه الجهاد.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين على معناه واللَّه أعلم.
* * * * *
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما أراد اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن يرفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء، خرج على أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً، ورأسه يقطر ماءً، فقال: أيُّكم يُلقى شبهي عليه، فيقتل مكاني، فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنًا، فقال: أنا. فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم. فقام الشاب فقال: أنا. فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم الثالثة، فقال الشاب: أنا، فقال عيسى - عليه السلام -: نعم أنت، فأُلقي عليه شبه عيسى - عليه السلام - ثم رُفع عيسى من روزنةٍ كانت في البيت إلى السماء، وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا الشاب للشبه. فقتلوه ثم صلبوه، فتفرقوا ثلاث فرق. فقالت فرقة: كان فينا الله - عَزَّ وَجَلَّ - ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن اللَّه ما شاء اللَّه ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطوريَّة. وقالت طائفة: كان فينا عبد اللَّه ورسوله ما شاء اللَّه ثم رفعه فهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية وقد ذكر الطبري وابن كثير الحديث بكماله إلا أن الطبري لم يشر في حديثه إلى الآية، وإنما ساقها قصصًا كسائر الحديث.
أما ابن كثير فلم يذكر النزول أيضًا، لكن الآية في سياقه بين قوسين فلعل هذا ناشئ عن الطباعة الحديثة.
أما البغوي فساقه مختصرًا وجاء في سياقه فذلك قوله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
وإذا كان الأمر كما تقدم من إعراض أكثر المفسرين عن ذكر هذا الحديث، وحتى من ذكره لا يذكر فيه النزول فهذا برهان مبين على أن الحديث
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لإعراض المفسرين عن ذكره، كما أن التصريح بالنزول غير محفوظ ولا يلائم سياق القرآن واللَّه أعلم.
* * * * *