تفسير سورة الإنفطار

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ
- ٢ - وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ
- ٣ - وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ
- ٤ - وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ
- ٥ - عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ
- ٦ - يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
- ٧ - الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
- ٨ - فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ
- ٩ - كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ
- ١٠ - وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
- ١١ - كِرَاماً كَاتِبِينَ
- ١٢ - يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِذَا السمآء انفطرت﴾ أي انشقت، كما قال تعالى: ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ به﴾، ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ أَيْ تَسَاقَطَتْ، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: فَجَّرَ اللَّهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: فَجَّرَ اللَّهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ فذهب ماؤها، وقال قتادة: اختلط عذبها بمالحها، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُلِئَتْ. ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُحِثَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تُبَعْثَرُ - تُحَرَّكُ فَيَخْرُجُ مَنْ فِيهَا، ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ أَيْ إِذَا كَانَ هَذَا حَصَلَ هَذَا، وقوله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم﴾؟ هذا تهديد من الله للإنسان (الكلام تهديد كما قال ابن كثير، وليس كما زعم بعضهم أنه إرشاد إلى الجواب حتى قالوا:) والمعنى: مَا غَرَّكَ يَا ابْنَ آدَمَ ﴿بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ أَيِ الْعَظِيمِ، حَتَّى أَقْدَمْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَقَابَلْتَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ؟ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين"؟ وعن يحيى البكاء قال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ قال ابن عمر: غره والله جهله، وقال قتادة: ما غرّ ابن آدم غيرهذا العدو الشيطان، وقال الفضل
610
ابن عِيَاضٍ: لَوْ قَالَ لِي: مَا غَرَّكَ بِي؟ لَقُلْتُ: سُتُورُكَ الْمُرْخَاةُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لَوْ قَالَ لِي: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ لقلت: غرني كرم الكريم، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِشَارَةِ: إِنَّمَا قَالَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، كَأَنَّهُ لَقَّنَهُ الْإِجَابَةَ، وَهَذَا الَّذِي تَخَيَّلَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِطَائِلٍ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ، لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلَ الْكَرِيمُ بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور، وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ أَيْ جَعَلَكَ سَوِيًّا مستقيماً معتدل القامة، منتصباً في أحسن الهيئات والأشكال، روى الإمام أحمد عن بشر بْنِ جَحَّاشٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ أنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مثل هذا؟ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي: قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ وأنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ؟ " (أخرجه أحمد وابن ماجه).
وقوله تعالى: ﴿فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَيِّ شَبَهِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أو خال أوعم، وقال عكرمة في قوله تعالى: ﴿فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾ إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ قِرْدٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةٍ خِنْزِيرٍ، وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ: إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ حِمَارٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ خِنْزِيرٍ، وقال قتادة: قَادِرٌ وَاللَّهِ رَبُّنَا عَلَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى هَذَا القول عندهم أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ النُّطْفَةِ عَلَى شَكْلٍ قَبِيحٍ، مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُنْكَرَةِ الْخَلْقِ، وَلَكِنْ بِقُدْرَتِهِ وَلُطْفِهِ وَحِلْمِهِ، يَخْلُقُهُ عَلَى شَكْلٍ حَسَنٍ مُسْتَقِيمٍ، مُعْتَدِلٍ تَامٍّ حَسَنِ الْمَنْظَرِ والهيئة، وقوله تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين﴾ أي إِنَّمَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى مُوَاجَهَةِ الْكَرِيمِ وَمُقَابَلَتِهِ بِالْمَعَاصِي، تكذيب قُلُوبِكُمْ بِالْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِن عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ يَعْنِي وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَمَلَائِكَةً حَفَظَةً كِرَامًا، فَلَا تُقَابِلُوهُمْ بِالْقَبَائِحِ، فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ عَلَيْكُمْ جَمِيعَ أَعْمَالِكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنِ التَّعَرِّي، فَاسْتَحْيُوا مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ الَّذِينَ معكم الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لَا يُفَارِقُونَكُمْ إِلَّا عِنْدَ إِحْدَى ثَلَاثِ حَالَاتٍ: الْغَائِطِ وَالْجَنَابَةِ وَالْغُسْلِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره". وفي الحديث: "مَا مِنْ حَافِظَيْنِ يَرْفَعَانِ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ مَا حَفِظَا فِي يَوْمٍ فَيَرَى فِي أول الصحيفة، وفي آخرها استغفاراً إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ما بين طرفي الصحيفة" (أخرجه الحافظ البزار عن أنَس بن مالك مرفوعاً)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَعْرِفُونَ بَنِي آدَمَ - وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَيَعْرِفُونَ أَعْمَالَهُمْ - فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى عَبْدٍ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ذَكَرُوهُ بَيْنَهُمْ وَسَمَّوْهُ، وَقَالُوا: أَفْلَحَ اللَّيْلَةَ فُلَانٌ، نَجَا اللَّيْلَةَ فُلَانٌ، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى عَبْدٍ يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا: هلك الليلة فلان" (أخرجه البزار أيضاً وفي سنده سلام المدائني ليّن الحديث).
611
- ١٣ - إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
- ١٤ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
- ١٥ - يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ
- ١٦ - وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ
- ١٧ - وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ
- ١٨ - ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ
- ١٩ - يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
611
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا يَصِيرُ الْأَبْرَارُ إِلَيْهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ عزَّ وجلَّ ولم يقابلوه بالمعاصي، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْفُجَّارُ مِنَ الْجَحِيمِ وَالْعَذَابِ الْمُقِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾ أَيْ يَوْمَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْقِيَامَةِ، ﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ﴾ أَيْ لَا يَغِيبُونَ عَنِ الْعَذَابِ سَاعَةً وَاحِدَةً، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا، وَلَا يُجَابُونَ إِلَى مَا يَسْأَلُونَ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الرَّاحَةِ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ تَعْظِيمٌ لشِأن يوم القيامة، ثم أكده بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً﴾ أي لا يقدر أحد عَلَى نَفْعِ أَحَدٍ وَلَا خَلَاصِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ، إِلَّا أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ ويرضى، وفي الحديث قال عليه السلام: «يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ لا أملك لكم من الله شيئاً»، ولهذا قال: ﴿والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ كقوله تَعَالَى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ * لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لنفسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ وَالْأَمْرُ وَاللَّهِ الْيَوْمَ لله، لكنه لا ينازعه فيه يومئذٍ أحد.
612
- ٨٣ - سورة المطففين.
613
Icon