ﰡ
فأنزلَ اللهُ تعالى هذه السُّورة ﴿ قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ أي قُل لَهم : يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ توحيدَ اللهِ، ليست في حالَتي هذه بعَابدٍ ما تَعبُدون من الأصنامِ، ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ ؛ أي ولا أنتم عابدون إلَهي بجهلِكم الإخلاصَ في عبادةِ الله، ﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ ﴾ ؛ فيما استقبلُ، ﴿ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ ؛ من الأصنامِ، ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾ ؛ فيما تستَقبلون، ﴿ مَآ أَعْبُدُ ﴾ ؛ إلَهي الذي أعبدهُ.
وفي هذه القصَّة أنزَلَ اللهُ تعالى﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾[الزمر : ٦٤]، فلمَّا نزَلت هذه السورةُ غَدَا رسولُ اللهِ ﷺ إلى المسجدِ الحرام وفيه ملأٌ من قريشٍ، فقامَ على رُؤوسِهم، ثم قرأها عليهم، فآيَسُوا منه عندَ ذلك وآذوهُ وآذوا أصحابَهُ.
وأما تكرارُ الكلامِ فمعناهُ : لا أعبدُ ما تَعبُدون في الحالِ، ولا أنتُم عابدُون ما أعبدُ في الحالِ، ولا أنتُم عابدُون ما أعبدُ في الحالِ، ولا أنَا عابدٌ ما عبَدتُم في الاستقبالِ، ولا أنتُم عابدُون ما أعبدُ في الاستقبالِ، وهذا خطابٌ لِمَن سبقَ في علمِ الله تعالى أنَّهم لا يُؤمنون.
وقال بعضُهم : نزلَ القرآنُ بلغة العرب، ومن مذهب العرب التكرارُ في الكلامِ على وجه التأكيدِ حَتماً للإطْمَاعِ، كما أنَّ من مذهب الاختصار إرادةُ التخفيفِ والإيجاز، ومثلُ هذا كثيرٌ في الكلامِ والأشعار، كما رُوي أنَّ النبيَّ ﷺ صعدَ المنبرَ فقال :" إنَّ بَنِي مَخْزُومٍ اسْتَأْذنُونِي فِي أنْ يُنْكِحُوا عَلِيّاً فَتَيَاتِهِمْ، فَلاَ آذنُ، فَلاَ آذنُ، إنَّ فَاطِمَةَ بضْعَةٌ مِنِّي، يَسُوءُنِي مَا يَسُوءُهَا، وَيَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهَا ".
وكذلك قالَ الشاعرُ : يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ خَيْرَ تَمِيمٍ كُلِّهَا وَأكْرَمُهْوقالَ : أخَيْرُكُمْ نِعْمَةً كَانَتْ لَكُمْ كَمْ وَكَمْ
وَقِيْلَ : إن هذه الآية منسوخةٌ بآيةِ السَّيف.