تفسير سورة الصف

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الصف من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
شرح الكلمات:
سبح لله ما في السموات وما: أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في الأرض من
في الأرض كائنات.
وهو العزيز الحكيم: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
لم تقولون ما لا تفعلون: أي لأي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والاستفهام هنا لتوبيخ والتأنيب.
كبر مقتاً عند الله: أي عظم مقتاً والمقت: أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض.
أن تقولوا مالا تفعلون: أي قولكم ما لا تفعلون يبغضه الله أشد البغض.
صفاً كأنهم بنيان مرصوص: أي صافين: ومرصوص ملزق بعضه ببعض لا فرجة فيه.
لم تؤذونني: أي إذ قالوا أنه آدر كذباً فوبخهم على كذبهم وأذيتهم له.
وقد تعلمون أني رسول الله إليكم: أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم.
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم: أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ الله قلوبهم أي أمالها عن الهدى.
والله لا يهدي القوم الفاسقين: أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلاً للهداية.
يا بني إسرائيل: أي أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل، ولم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لم يكن منهم لأنه ولد بلا أب، وأمه صديقة.
مصدقاً لما بين يدي: أي قبلي من التوراة.
335
يأتي من بعده اسمه أحمد: هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحمد أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحي، والعاقب والحاشر.
فلما جاءهم بالبينات: أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات.
قالوا: هذا سحر مبين: أي قالوا في المعجزات إنها سحر.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ١مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في السموات وما في الأرض بلسان القال والحال، وأنه العزيز لحكيم العزيز الغالب على أمره لا يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه. بعدما أثنى تعالى على نفسه بهذا الخطب المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ ٢تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ٣﴾ لفظ النداء عام والمراد به جماعة من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا فعاتبهم الله تعالى في هذه الآية ولتبقى تشريعا عاماً إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف الوعد وهكذا يربي الله عباده على الصدق والوفاء. وقوله تعالى ﴿كَبُرَ٤ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَْ﴾ أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض.
وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ٥ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ أي صافين متلاصقين لا فرجة بينهم كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض لا خلل فيه ولا فرجة كأنه ملحم بالرصاص.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ٦﴾ أي اذكر إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل يا قوم لم تؤذوني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم حقاً وصدقاً، وقد آذوه بشتى أنواع الأذى بألستهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدر ولذا هو لا يغتسل معنا، ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية.
١ في جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفراً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى:
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ١مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ الخ السورة. ورواه الحاكم وأحمد وغيره.
٢ اللام حرف جر والميم حرف استفهام وهو هنا إنكاري نوبيخي.
٣ النداء بوصف الإيمان فيه التعريض بأن الإيمان من شأن صاحبه أن لا يخلف إذا وعد وأن يفي إذا نذر لأنه روح وصاحبه حي قادر على الفعل والترك بخلاف الكفر وأهله.
(مقتاً) : منصوب على التمييز وهو تمييز نسبة والتقدير: كبر ممقوتاً قولكم ما لا تفعلون.
٥ هذا جواب لقولهم: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه فبين لهم أحب الأعمال إليه وهو أحب العاملين عنده فله الحمد وله المنة.
٦ لعل وجه المناسبة بين قصة موسى هنا وعتاب المؤمنين على فرار من فر يوم أحد هو: أن قوم موسى أيضاً جبنوا عن قتال عدوهم وقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
336
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروهم الباطل على الحق والشر على الخير والكفر على الإيمان عاقبهم الله فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى عليهم، وذلك لأنه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به، ثم دعى إليه فلم يستجب ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختاراً له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو الظلم أو الإجرام طبعاً له وخلقاً ثابتاً لا يتبدل ولا يتغير. وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى والله لا يهدي القوم الفاسقين، والله لا يهدي القوم الظالمين، والله لا يهدي القوم المجرمين، والله لا يهدي القوم الكافرين لأنه تعالى أضلهم حسب سنته في الإضلال فلا يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي عبداً أضله الله على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يضل﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ١ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ﴾ أي اذكر يا رسولنا للاتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود: يا بني إسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب بإسرائيل بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة الله وحده ما في التوراة كتاب الله عز وجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو الله عز وجل فكما آمنتم بموسى وهرون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة، ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه٢ احمد، فلهذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أنا دعوة٣ أبي إبراهيم وبشارة عيسى"، إذ إبراهيم لما كان يبني البيت مع إسماعيل كانا يتقاولان ما أخبر تعالى به في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ..﴾ الآية.
وقوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أي محمد٤ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات أي بالحجج الدالة على صدق رسالته ووجوب إتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به وقالوا في القرآن هذا سحر مبين كما قالها فرعون مع موسى. وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه السلام.
١ وجه مناسبة قصة عيسى لما قبلها أن بني إسرائيل كما فسقوا عن أمر الله وعصوا رسوله موسى فسقوا كذلك عن أمر الله وعصوا عيسى وكفروا فكان هذا تعزية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما لقيه ويلقاه من اليهود.
٢ هل الاسم هو عين المسمى؟ خلاف كبير والصحيح: أن الاسم هو اللفظ الدال على ذات به تتميز عن سائر الذوات.
٣ رواه ابن اسحق بسند جيد ورواه أحمد بألفاظ مختلفة.
٤ جائز أن يكون الضمير في جاءهم عائد إلى عيسى عليه السلام وعلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كلاهما قيل فيه سحر أو ساحر قرأ الجمهور (سحراً) في الآيات وقرأ بعضهم: ساحر أي: محمد أو عيسى عليهما السلام.
337
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وأنه سبح لله ما في السموات وما في الأرض وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحاً وأخلاقاً ويسعدوا به في الحياتين.
٢- حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعدٍ. ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشد البغض وكيف يفلح من مقته الله.
٣- فضيلة الجهاد والوحدة والاتفاق وحرمة الخلاف والقتال والصفوف ممزقة حسياً أو معنوياً.
٤- التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدي إلى الطبع وحرمان الهداية.
٥- بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلام وازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٦- بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)
شرح الكلمات:
ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب: أي لا أحد أعظم ظلماً ممن يكذب على الله فينسب إليه الولد والشريك، والقول والحكم وهو تعالى بريء من ذلك.
وهو يدعى إلى الإسلام: أي والحال أن هذا الذي يفتري الكذب على الله يدعى إلى الإسلام الذي هو الاستسلام والانقياد لحكم الله وشرعه.
والله لا يهدي القوم الظالمين: أي من ظلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعاً له فلا يصبح قابلاً للهداية فيحرمها حسب سنة الله تعالى في ذلك.
338
ليطفئوا نور الله بأفواههم: أي يريد المشركون بكذبهم على الله وتشويه الدعوة الإسلامية، ومحاربتهم لأهلها يريدون إطفاء نور الله القرآن وما يحويه من نور وهداية بأفواههم وهذا محال فإن إطفاء نور الشمس أو القمر أيسر من إطفاء نور لا يريد الله إطفاءه.
هو الذي أرسل رسوله بالهدى: أي أرسل رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى أي بالهداية البشرية.
ودين الحق: أي الإسلام إذ هو الدين الحق الثابت بالوحي الصادق.
ليظهره على الدين كله: أي لينصره على سائر الأديان حتى لا يبقى إلا الإسلام ديناً.
ولو كره المشركون: أي ولو كره نصره وظهوره على الأديان المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
يقول تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ١ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ والحال أنه يدعى للإسلام الدين لحق إنه لا أظلم من هذا الإنسان أبداً، إن ظلمه لا يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى (٧) ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾. أي اختلق الكذب على الله عز وجل وقال له كذا وكذا أو قال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع. كما هي حال مشركي قريش نسبوا إليه الولد والشريك وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء الله ما عبدناهم إلى غير ذلك من الكذب والاختلاق على الله عز وجل. وقوله وهو يدعى إلى الإسلام إذ لو كان أيام الجاهلية حيث لا رسول ولا قرآن لهان الأمر أما أن يكذب على الله والنور غامر والوحي ينزل والرسول يدعو ويبين فالأمر أعظم والظلم أظلم.
وقوله تعالى في الآية الثانية (٨) ﴿يُرِيدُونَ٢ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ٣﴾ أي يريد أولئك الكاذبون على الله القائلون في الرسول: ساحر وفي القرآن إنه سحر مبين إطفاء نور الله الذي هو القرآن وما حواه من عقائد الحق وشرائع الهدى وبأي شيء يريدون إطفاءه إنه بأفواههم وهل نور الله يطفأ بالأفواه كنور شمعة أو مصباح. إن نور الله متى أراد الله إتمامه إطفاء نور القمر أو الشمس أيسر من إطفائه فليعرفوا هذا وليكفوا عن محاولاتهم الفاشلة فإن الله يريد أن يتم٤ نوره ولو كره
١ الاستفهام وإن كان للنفي فهو متضمن الإنكار الشديد على كل من المشركين وأهل الكتابين إذ الجميع افتروا على الله الكذب، فالمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: عيسى ابن الله.
٢ استئناف بياني ناشيء عن الإخبار عنهم بأنهم افتروا على الله الكذب في الوقت الذي هم يدعون إلى الإسلام فلما فضحهم القرآن راموا اطفاء نور الله الذي هو كتابه ورسوله ودينه بأفواههم بالكذب والدعاوى الباطلة بل والحروب الشرسة القاسية.
٣ اللام في (ليطفئوا) زائدة لتأكيد الكلام وتقويته إذ الأصل يريدون إطفاء نور الله.
(والله متم نوره) قرأ نافع بتنوين الميم من متمم ونصب نوره على المفعولية، وقرأ حفص بدون تنوين على أن متم مضاف إلى نور ونور مضاف إلى الضمير.
339
المشركون إنه تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق دين الله الحق الذي هو الإسلام ليظهره على الدين كله وذلك حين نزول عيسى إذ يبطل يومها كل دين ولم يبق إلا الإسلام ولو كره ذلك المشركون فإن الله مظهره لا محالة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- عظم جرم الكذب على الله وأنه من أفظع أنواع الظلم.
٢- حرمان الظلمة المتوغلين في الظلم من الهداية.
٣- إيئاس المحاولين إبطال الإسلام وإنهاء وجوده بأنهم لا يقدرون إذ الله تعالى أراد إظهاره فهو ظاهر منصور لا محالة.
٤- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤)
شرح الكلمات:
هل أدلكم على تجارة: أي أرشدكم إلى تجارة رابحة.
تنجيكم من عذاب أليم: أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم يتوقع لكم.
تؤمنون بالله ورسوله: أي تصدقون بالله رباً وإلهاً وبمحمد نبيناً ورسولاً لله تعالى.
340
وتجاهدون في سبيل الله: أي وتبذلون أموالكم وأرواحكم جهاداً في سبيل الله تعالى.
ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون: أي الدخول في هذه الصفقة التجارية الرابحة خير لكم من تركها حرصاً على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه لا بقاء لشيء في هذه الدار.
يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم: أي هذا هو الربح الصافي مقابل ذلك الثمن الذاهب الزائل الذي هو المال
جنات تجري من تحتها الأنهار والنفس مع أن الكل لله تعالى واهبكم أنفسكم وأموالكم.
ومساكن طيبة في جنات عدن
ذلك الفوز العظيم: أي لنجاة من عذاب النار الأليم ثم دخول الجنة والظفر بما فيها من النعيم المقيم هو حقاً الفوز العظيم.
وأخرى تحبونها نصر من الله: أي وعلاوة أخرى تحبونها قطعاً إنها نصر من الله لكم ولدينكم وفتح قريب
وفتح قريب للأمصار والمدن، وما يتبع ذلك من رفعة وسعادة وهناء.
وبشر المؤمنين: أي وبشر يا رسولنا المؤمنين الصادقين بذاك الفوز وهذه العلاوة.
كونوا أنصار الله: أي لتنصروا دينه ونبيه وأولياءه.
كما قال عيسى بن مريم: أي فكونوا أنتم أيها المؤمنون مثل الحواريين، والحواريون أصحاب عيسى وهم
للحواريين من أنصاري إلى الله أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً.
قال الحواريون نحن أنصار الله
فآمنت طائفة من بني إسرائيل: أي بعيسى عليه السلام، وقالوا إنه عبد الله رفع إلى السماء.
وكفرت طائفة: أي من بني إسرائيل فقالوا إنه ابن الله رفعه إليه.
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم: فاقتتلت الطائفتان: فنصرنا وقوينا الذين آمنوا.
فأصبحوا ظاهرين: أي غالبين عالين.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ١ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي يا من صدقتم الله ورسوله هل لنا أن ندلكم على تجارة عظيمة الربح ثمرتها النجاة من عذاب أليم في
١ هذا جواب ما سألوه عنه وطلبوا معرفته وهو: أحب الأعمال إلى الله تعالى، والاستفهام مستعمل في العرض كما يقال: هل لك في كذا؟ أو هل لك إلى كذا؟ على سبيل العرض والترغيب والتشويق إلى ما يذكر به.
341
الدنيا والآخرة. وقوله ﴿تُؤْمِنُونَ١ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ هذا هو رأس المال الذي تقدمونه. إيمان بالله ورسوله حق الإيمان، جهاد في سبيل الله بالنفس والمال وأنبه إلى أن هذه الصفقة التجارية خير لكم من عدمها إن كنتم تعلمون ربحها وفائدتها. ٢ ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ إنها النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي أولاً، ثم مغفرة ذنوبكم وإدخالكم جنات تجري من تحتها الأنهار، أي من تحت قصورها وأشجارها، ومساكن طيبة في جنات عدن أي إقامة دائمة. ثانياً ثم زاد الحق في ترغيبهم فقال ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ إنه النجاة من النار، ودخول الجنة، فلا فوز أعظم منه قط هذا ولكم علاوة على ذلك الربح العظيم وهي ما أخبر تعالى عنها بقوله: ٣ ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ أي وفائدة أخرى تحبونها: نصر من الله أي لكم على أعدائكم ولدينكم على سائر الأديان وفتح قريب لمكة ولباقي المدن والقرى في الجزيرة وما وراءها. وقوله تعالى ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وبشر٤ يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا وبوعدنا ووعيدنا بحصول ما ذكرناه كاملا، وقد تم لهم كاملاً ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذا نداء ثانٍ في هذا السياق الكريم ناداهم بعنوان الإيمان أيضاً إذ الإيمان هو الطاقة المحركة الدافعة فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ٥ اللهِ﴾ أي التزموا بنصرة ربكم وإلهكم الحق في دينه ونبيه وأوليائه المؤمنين. قولوا كما قال الحواريون٦ لما دعاهم عيسى نبيهم لنصرته قائلاً من أنصاري إلى الله أي من ينصرني في حال كوني متوجهاً إلى الله انصر دينه وأولياءه، فأجابوه قائلين نحن أنصار الله. فكونوا أنتم أيها المسلمون مثلهم، وقد كانوا رضي الله عنهم كما طلب منهم.
١ جملة: (تؤمنون) بيانية لأهل العرض السابق يثير سالاً وهو: ما الذي ريد أن يدلنا عليه؟ فالجواب: الإيمان والجهاد. (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله... } الخ.
(يغفر لكم بالجزم لأن الفعل واقع موقع جواب الطلب إذ: تؤمنون وتجاهدون لفظهما لفظ الخبر وعناهما الإنشاء أي: آمنوا وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم، وجزم (ويدخلكم) أيضاً على العطف على يغفر.
(وأخرى) الجملة معطوفة على (يغفر لكم) وما بعدها وجيء بالجملة اسمية للدلالة على الثبوت والتحقق، فأخرى: مبتدأ خبره محذوف أي: وأخرى لكم أي ثابتة لكم وتحبون: صفة لأخرى.
٤ لقد شوق الله أصحاب رسوله إلى تحقيق الإيمان بالجهاد فأيقنوا وعزموا على الجهاد فأصبح أسمى أمانيهم فأنجز الله لهم ما وعدهم فأمر رسوله أن يبشرهم بما وعدهم تعجيلاً للمسرة.
٥ الأنصار: جمع نصير وهو الناصر: القوي النصرة، وقرأ نافع (كونوا أنصاراً لله) بتنوين (أنصاراً) وقرأ حفص بدون تنوين مضاف إلى اسم الجلالة.
٦ الحواريون: جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي معربة عن الحبشية (حوارياً) وهو الصاحب الصفي وأطلق هذا الاسم على أصحاب عيسى الإثني عشر رجلا، وقد سمى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال: "لكل نبي حواري وحواري الزبير).
342
وقوله تعالى ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي فاقتتلوا فأيدنا أي قوينا ونصرنا الذين آمنوا وهم الذين قالوا عيسى عبد الله ورسوله رفعه ربه تعالى إلى السماء، على عدوهم وهم الطائفة الكافرة التي قالت عيسى ابن الله رفعه إليه تعالى الله أن يكون له ولد.
وقوله تعالى ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ أي غالبين عالين إلى أن احتال اليهود على إفساد الدين الذي جاء به عيسى وهو الإسلام أي عبادة الله وحده بما شرع أن يعبد به فحينئذ لم يبق من المؤيدين إلا أنصار قليلون هنا وهناك وعلا الكفر والتثليث واستمر الوضع كذلك إلى أن بعث الله رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانضم إلى الإسلام من انضم من النصارى فأصبحوا بالإسلام ظاهرين على عدوهم من المشركين المؤلهين لعيسى والحيارى في تقويمه مرة يقولون هو الله، ومرة يقولون: هو ابن الله، ومرة يقولون: ثالث ثلاثة هو الله. وضللهم وتركهم في هذه المتاهات الانتفاعيون من الرؤساء والجاهلون المقلدون من المرءوسين كما فعل نظراؤهم في الإسلام فحولوه إلى طوائف وشيع إلا أن الإسلام تعهد الله بحفظه إلى يوم القيامة فمن أراده وجده صافياً كما نزل في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن لم يرده وأراد الضلالة وجدها في كل عصر ومصر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضل الجهاد بالمال والنفس وأنه أعظم تجارة رابحة.
٢- تحقيق بشرى المؤمنين التي أمر الله رسوله أن يبشرهم بها فكان هذا برهاناً على صحة الإسلام وسلامة دعوته.
٣- بيان استجابة المؤمنين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما طلب منهم نصرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه والمؤمنين معه. وهي نصرة الله تعالى المطلوبة.
343
Icon