ﰡ
(مدنية وقيل مكية كلماتها مائتان وإحدى وعشرون وحروفها تسعمائة وستة وعشرون وآياتها أربع عشرة)
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤)وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)
القراآت:
زاغُوا بالإمالة مثل زاغَ الْبَصَرُ [النجم: ١٧] بعدي بفتح الياء:
أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وحماد وأبو بكر غير ابن غالب مُتِمُّ نُورِهِ بالإضافة:
ابن كثير وحمزة وعلي وخلف وحفص. الآخرون: بالتنوين ونصب نُورِهِ تنجيكم بالتشديد: ابن عامر أنصارا بالتنوين لله جارا ومجرورا: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. والباقون: بالإضافة أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ بالفتح كما مر في «آل عمران».
وَما فِي الْأَرْضِ ط الْحَكِيمُ هـ ج تَفْعَلُونَ هـ تَفْعَلُونَ هـ مَرْصُوصٌ ط إِلَيْكُمْ ط قُلُوبَهُمْ ط الْفاسِقِينَ هـ أَحْمَدُ ط مُبِينٌ هـ الْإِسْلامِ ط الظَّالِمِينَ هـ الْكافِرُونَ هـ الْمُشْرِكُونَ هـ أَلِيمٍ هـ ز وَأَنْفُسِكُمْ ط تَعْلَمُونَ هـ لا لأن قوله يَغْفِرْ لَكُمْ جواب تُؤْمِنُونَ على أنه خبر في معنى الأمر عَدْنٍ ط الْعَظِيمُ هـ ج للعطف تُحِبُّونَها ط لحق الحذف أي هي نصر قَرِيبٌ هـ لانقطاع النظم واختلاف المعنى الْمُؤْمِنِينَ هـ إِلَى اللَّهِ ط وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ هـ لاتفاق الجملتين مع تخصيص الثانية ببيان حال أحد الفريقين ظاهِرِينَ هـ.
التفسير:
يروى أن المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فدلهم الله على الجهاد فولوا يوم أحد فعيرهم.
وروي أن الله تعالى حين أخبر بثواب شهداء بدر قالوا: لئن لقينا قتالا إلى الله لنفرغن فيه وسعنا ففرّوا يوم أحد ولم يفوا.
وقيل كان الرجل يقول: قلت ولم يقل وطعنت ولم يطعن فأنزل الله تعالى لِمَ تَقُولُونَ واللام الجارة إذا دخلت على «ما» الاستفهامية أسقطت الألف لكثرة الاستعمال. وقد عرفت مرارا أن خصوص سبب النزول لا ينافي عموم الحكم، وهذا التفسير يتناول إخلاف كل وعد. وقال الحسن: نزلت في الذين آمنوا بلسانهم لا بقلوبهم. ثم عظم أمر الإخلاف في قلوب المنافقين فقال كَبُرَ الآية. وفيه أصناف مبالغة من جهة صيغة التعجب والتعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله، ومن جهة إسناد الفعل إلى أَنْ تَقُولُوا ونصب مَقْتاً على التمييز ومن قبل أن المقت أشدّ من البغض أو من وصفه بأنه عِنْدَ اللَّهِ لأن الممقوت عنده ممقوت عند كل ذي لب. ثم حث على الجهاد بنوع آخر وذلك أنه نسب أوّلا ترك الجهاد بعد تمنيه إلى المقت ثم نسب الجهاد إلى الحب. وانتصب صَفًّا على المصدر بمعنى الحال. وقوله كَأَنَّهُمْ مع الأول حالان متداخلان أي صافين أنفسهم أو مصفوفين كأنهم في تراميهم من غير فرجة ولا خلل بُنْيانٌ رص بعضه على بعض أي رص صف. وجوزوا أن يراد صف معنوي وهو اتفاق كلمتهم واستواء نياتهم في الثبات.
وعلى الأول استدل بعضهم به على تفضيل القتال راجلا بناء على أن الفرسان لا يصطفون من غير فرجة، ثم ذكرهم قصة موسى عليه السلام مع قومه كيلا يفعلوا بنبيهم مثل ما فعل به بنو إسرائيل. وتفسير الإيذاء مذكور في آخر «الأحزاب» وسائر أصناف إيذائهم إياه من عبادة العجل وطلب الرؤية والالتماسات المنكرة مشهورة وَقَدْ تَعْلَمُونَ في موضع الحال.
وفائدة «قد» تأكيد العلم لا تقليله وفيه إشارة إلى نهاية جهلهم إذا عكسوا القضية وصنعوا مكان تعظيم رسول الله ﷺ إيذاءه. والزيغ الميل عن الحق والإزاغة الإمالة فكأنهم تسببوا
وإنما قال هاهنا وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ لمكان الفصل بالعلة كأنه قال: يريدون الافتراء لغرض إطفاء نور الله والحال أن الله متم نوره، وأما هنالك فإنه عطف قوله وَيَأْبَى على قوله يُرِيدُونَ.
ثم دل أهل الإيمان على التجارة الرابحة وهي مجاز عن وجدان الثواب على العمل كما قال إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى إلى قوله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ [التوبة: ١١١] قال أهل المعاني:
فائدة إيقاع الخبر موقع الأمر هي التنبيه على وجوب الأمر وتأكيده كأنه أمتثل فهو يخبره به كأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان؟ وعن الفراء أن قوله يَغْفِرْ لَكُمْ جواب هَلْ أَدُلُّكُمْ بتأويل أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ذلِكُمْ يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من أموالكم وأنفسكم وهو اعتراض. وقوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اعتراض زائد على اعتراض ومعناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم لأن نتيجة الخير إنما تحصل بعد اعتقاد كونه خيرا. ثم قال وَلكم مع هذه النعم الآجلة نعمة أُخْرى عاجلة تُحِبُّونَها وهي فتح مكة كما قال وأثابكم فتحا قريبا [الفتح: ١٨] وعن الحسن: هو فتح فارس والروم.
قال في الكشاف: في قوله تُحِبُّونَها شيء من التوبيخ على محبة العاجلة. وعندي أنه سبحانه رتب أمرين على أمرين: المغفرة وإدخال الجنة على الإيمان، والنصر والفتح على