هي مكية، نزلت بعد سورة قريش.
ومناسبتها لما قبلها : أن آخر السابقة كان في وصف يوم القيامة، وهذه السورة يأسرها في وصف ذلك اليوم، وما يكون فيه من الأهوال.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيضاح :﴿ القارعة ﴾ من أسماء القيامة كالحاقة والصاخة والطامة والغاشية ؛ وسميت بذلك لأنها تقرع القلوب بهولها، كما تسمى الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة، قال تعالى :﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ﴾ [ الرعد : ٣١ ] أي حادثة عظيمة تقرعهم وتصك أجسادهم فيألمون لها.ولما ذكر سبحانه أن إدراك حقيقتها مما لا سبيل إليه، أخذ يعرف بزمانها الذي تكون فيه، وما يحدث للناس حينئذ من الأهوال فقال :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾.
إن الفرزدق ما علمت وقومه | مثل الفراش غشين نار المصطلي |
أي إن الناس من هول ذلك اليوم يكونون منتشرين حيارى هائمين على وجوههم، لا يدرون ماذا يفعلون، ولا ماذا يراد بهم، كالفراش الذي يتجه إلى غير جهة واحدة ؛ بل تذهب كل فراشة إلى جهة غير ما تذهب إليها الأخرى.
وجاء تشبيههم في آية أخرى بالجراد المنتشر في كثرتهم وتتابعهم، فقال :﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾ [ القمر : ٧ ].
أي إن الجبال لتفتتها وتفرق أجزائها لم يبق لها إلا صورة الصوف المنفوش، فلا تلبث أن تذهب وتتطاير، فكيف يكون الإنسان حين حدوثها، وهو ذلك الجسم الضعيف السريع الانحلال.
وقد كثر في القرآن ذكر حال الجبال يوم القيامة، فقال :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾ [ النمل : ٨٨ ] وقال :﴿ وكانت الجبال كثيبا مهيلا ﴾ [ المزمل : ١٤ ] وقال :﴿ وسيرت الجبال فكانت سرابا ﴾ [ النبأ : ٢٠ ]، كل ذلك ليبين أن هذه الأجسام العظيمة التي من طبعها الاستقرار والثبات تؤثر فيها هذه القارعة، فما بالك أيها المخلوق الضعيف الذي لا قوة له ؟
وفي هذا تحذير للإنسان، وتخويف له، كما لا يخفى.
ويرى بعض المفسرين أن الذي يوزن هو الصحف التي تكتب فيها الحسنات والسيئات.
وعلى الجملة فعلينا أن نؤمن بما ذكره الله من الميزان في هذه الآية، وفي قوله :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ] ومن وزن الأعمال، وتمييز مقدار لكل عمل، وليس علينا أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن، ولا كيف يقدر ؟ فهو أعلم بغيبه، ونحن لا نعلم.
أما أن الميزان له لسان وكفتان فهذان لم يرد به نص عن المعصوم يلزمنا التصديق به، وكيف يوزن بهذا الميزان الذي تعلّمه الإنسان في مهد البداوة الأولى، ويترك ما هو أدق منه مما اخترع فيما بعد وهدي إليه الناس، على أن جميع ما عمله البشر، فهو ميزان للأثقال الجسمانية لا ميزان للمعاني المعقولة كالحسنات والسيئات، فلنفوض أمر ذلك إلى عالم الغيب.
والمراد من كون أمه هاوية : أن مرجعه الذي يأوي إليه مهواة سحيقة في جهنم يهوي فيها، كما يأوي الولد إلى أمه، قال أمية بن أبي الصلت :
فالأرض معقلنا وكانت أمنا | فيها مقابرنا وفيها نولد |
﴿ نار حامية ﴾ أي هي نار ملتهبة يهوي فيها ليلقى جزاء ما قدم من عمل، وما اجترح من سيئات.
وفي هذا إيماء إلى أن جميع النيران إذا قيست بها ووزنت حالها بحالها لم تكن حامية، وذلك دليل على قوة حرارتها، وشدة استعارها.
وقانا الله شر هذه النار الحامية، وآمننا من سعيرها بمنّه وكرمه.