تفسير سورة القارعة

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية، وهي ثماني آيات، وست وثلاثون كلمة، ومائة واثنان وخمسون حرفا.

سورة القارعة
مكية وهي ثمان آيات وست وثلاثون كلمة ومائة واثنان وخمسون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة القارعة (١٠١): الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)
قوله عزّ وجلّ: الْقارِعَةُ أصل القرع الصّوت الشّديد، ومنه قوارع الدّهر أي شدائده، والقارعة من أسماء القيامة. سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع، والشدائد وقيل سميت قارعة بصوت إسرافيل لأنه إذا نفخ في الصور مات جميع الخلائق من شدة صوت نفخته، مَا الْقارِعَةُ تهويل وتعظيم، والمعنى أنها فاقت القوارع في الهول والشّدة وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ معناه لا علم لك بكنهها لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد وكيفما قدرت أمرها فهي أعظم من ذلك يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ الفراش هذه الطير التي تراها تتهافت في النار سميت بذلك لفرشها، وانتشارها، وإنما شبه الخلق عند البعث بالفراش، لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة. بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الأخرى، فدل بهذا التشبيه على أن الخلق في البعث يتفرقون، فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر، والمبثوث المتفرق، وشبههم أيضا بالجراد فقال: كأنهم جراد منتشر وإنما شبههم بالجراد لكثرتهم قال الفراء: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا فشبه الناس عند البعث بالجراد لكثرتهم بموج بعضهم في بعض، ويركب بعضهم بعضا من شدة الهول. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ أي كالصّوف المندوف، وذلك لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصّوف المتطاير عند الندف، وإنما ضم بين حال الناس وحال الجبال، كأنه تعالى نبه على تأثير تلك القارعة في الجبال العظيمة الصّلدة الصّلبة حتى تصير كالعهن المنفوش، فكيف حال الإنسان الضّعيف عند سماع صوت القارعة ثم لما ذكر حال القيامة قسم الخلق على قسمين فقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ يعني رجحت موازين حسناته قيل هو جمع موزون، وهو العمل الذي له قدر وخطر عند الله تعالى، وقيل هو جمع ميزان وهو الذي له لسان وكفتان توزن فيه الأعمال فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان، فإن رجحت فالجنة له ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فتخف ميزانه، فيدخل النار، وقيل إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار، فيقتص منه على قدرها ثم يخرج منها، فيدخل الجنة أو يعفو الله عنه بكرمه، فيدخل الجنة بفضل الله وكرمه، ورحمته، وأما الكافرون فقد قال: في
462
حقهم فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً روى عن أبي بكر الصّديق أنه قال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدّنيا، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدّنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية في الجنة، وقيل في عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أي رجحت سيئاته على حسناته فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ أي مسكنة النّار سمي المسكن أمّا لأن الأصل في السكون الأمهات، وقيل معناه فأم رأسه هاوية في النّار، والهاوية اسم من أسماء النار، وهي المهواة التي لا يدرك قعرها فيهوون فيها على رؤوسهم، وقيل كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال هوت أمه أي هلكت حزنا وثكلا وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ يعني الهاوية ثم فسرها فقال نارٌ حامِيَةٌ أي حارة قد انتهى حرها نعوذ بالله وعظمته منها والله سبحانه وتعالى أعلم.
463
﴿ ما القارعة ﴾ تهويل وتعظيم، والمعنى أنها فاقت القوارع في الهول والشّدة.
﴿ وما أدراك ما القارعة ﴾ معناه لا علم لك بكنهها ؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد، وكيفما قدرت أمرها فهي أعظم من ذلك.
﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾ الفراش هذه الطير التي تراها تتهافت في النار، سميت بذلك لفرشها، وانتشارها، وإنما شبه الخلق عند البعث بالفراش ؛ لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة ؛ بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الأخرى، فدل بهذا التشبيه على أن الخلق في البعث يتفرقون، فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر. والمبثوث : المتفرق. وشبههم أيضاً بالجراد فقال :﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾، وإنما شبههم بالجراد لكثرتهم. قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، فشبه الناس عند البعث بالجراد لكثرتهم بموج بعضهم في بعض، ويركب بعضهم بعضاً من شدة الهول.
﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ﴾ أي كالصّوف المندوف، وذلك لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصّوف المتطاير عند الندف، وإنما ضم بين حال الناس وحال الجبال، كأنه تعالى نبه على تأثير تلك القارعة في الجبال العظيمة الصّلدة الصّلبة حتى تصير كالعهن المنفوش، فكيف حال الإنسان الضّعيف عند سماع صوت القارعة.
ثم لما ذكر حال القيامة قسم الخلق على قسمين، فقال تعالى :﴿ فأما من ثقلت موازينه ﴾ يعني رجحت موازين حسناته. قيل : هو جمع موزون، وهو العمل الذي له قدر وخطر عند الله تعالى، وقيل : هو جمع ميزان، وهو الذي له لسان وكفتان توزن فيه الأعمال، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة، فتوضع في كفة الميزان، فإن رجحت فالجنة له، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فتخف ميزانه، فيدخل النار، وقيل : إنما توزن أعمال المؤمنين، فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار، فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها، فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه بكرمه، فيدخل الجنة بفضل الله وكرمه ورحمته، وأما الكافرون فقد قال في حقهم :﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ﴾[ الكهف : ١٠٥ ]، روي عن أبي بكر الصّديق أنه قال : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدّنيا، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدّنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً.
قوله تعالى :﴿ فهو في عيشة راضية ﴾ أي مرضية في الجنة، وقيل : في عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها.
﴿ وأما من خفت موازينه ﴾ أي رجحت سيئاته على حسناته.
﴿ فأمه هاوية ﴾ أي مسكنة النّار، سمي المسكن أمّاً ؛ لأن الأصل في السكون الأمهات، وقيل : معناه فأم رأسه هاوية في النّار، والهاوية اسم من أسماء النار، وهي المهواة التي لا يدرك قعرها، فيهوون فيها على رؤوسهم، وقيل : كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال : هوت أمه، أي هلكت حزناً وثكلاً.
﴿ وما أدراك ما هيه ﴾ يعني الهاوية.
ثم فسرها فقال ﴿ نار حامية ﴾ أي حارة قد انتهى حرها، نعوذ بالله وعظمته منها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon