ﰡ
١ - دنا للمشركين وقت حسابهم يوم القيامة، وهم غافلون عن هوله، معرضون عن الإيمان به.
٢ - ما يأتيهم قرآن من ربهم مُجدَّد نزوله، مذكر لهم بما ينفعهم، إلا استمعوه وهم مشغولون عنه بما لا نفع فيه، يلعبون كما يلعب الأطفال.
٣ - لاهية قلوبهم عن التأمل فيه، وبالغوا فى إخفاء تآمرهم على النبى وعلى القرآن، قائلين فيما بينهم: ما محمد إلا بشر مثلكم، والرسول لا يكون إلا مَلَكا. أتصدقون محمداً فتحضرون مجلس السحر وأنتم تشاهدون أنه سحر؟ {
٤ - قال الرسول لهم - وقد أطلعه الله على حديثهم الذى أسروه -: ربى يعلم كل ما يقال فى السماء والأرض، وهو الذى يَسمع كل ما يُسمع، ويعلم كل ما يقع.
٥ - بل قالوا: إنه أخلاط أحلام رآها فى المنام، بل اختلقه ونسبه كذباً إلى الله. ثم أعرضوا عن ذلك، وقالوا: بل هو شاعر يستولى على نفوس سامعيه، فليأتنا بمعجزة مادية دالة على صدقه، كما أُرسل الأنبياء الأولون مؤيدون بالمعجزات.
٦ - لم تؤمن قبلهم أمة من الأمم التى أهلكناها بعد أن كذبت بالمعجزات المادية، فهل يؤمن هؤلاء إذا جاءهم ما يطلبون؟}.
٧ - وما أرسلنا إلى الناس قبلك - أيها النبى - إلا رجالا من البشر، نوحى إليهم الدين ليبلغوه الناس، فاسألوا - أيها المنكرون - أهلَ العلم بالكتب المنزلة إن كنتم لا تعلمون ذلك.
٨ - وما جعلنا الرسل أجساداً تخالف أجساد البشر يعيشون دون طعام، وما كانوا باقين مخلدين.
٩ - ثم صدقناهم، وحققنا لهم الوعد، فأنجيناهم وأنجينا معهم من أردنا نجاتهم من المؤمنين، وأهلكنا الكافرين المسرفين فى تكذيبهم وكفرهم برسالة أنبيائهم.
١٠ - لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه تذكير لكم إذا علمتموه وعملتم بما فيه، فكيف تعرضون وتكفرون به؟! أيبلغ بكم العناد والحمق إلى ما أنتم عليه فلا تعقلون ما ينفعكم فتسارعون إليه؟
١١ - وكثير من أهل القرى أهلكناهم بسبب كفرهم وتكذيبهم لأنبيائهم، وأنشأنا بعد كل قوم منهم قوماً غيرهم أحسن منهم حالا ومآلا.
١٢ - فلما أردنا إهلاكهم، وأحسوا بما يقع عليهم من شدة عذابنا وقدرتنا على إنزاله؛ سارعوا إلى الهرب والتماس النجاة بما يشبه عمل الدواب.
١٣ - لا تسرعوا - أيها المنكرون - فلن يعصمكم من عذاب الله شئ، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من نعيمكم ومساكنكم، لعل خدمكم وأشياعكم يسألونكم المعونة والرأى كما كان شأنكم، وأنَّى تستطيعون؟.
١٤ - قالوا - وقد سمعوا الاستهزاء بهم منادين هلاكهم موقنين به -: إنا كنا ظالمين حين أعرضنا عما ينفعنا، ولم نؤمن بآيات ربنا.
١٥ - فما زالت هذه الكلمات يرددونها ويصيحون بها، حتى جعلناهم - بالعذاب - كالزرع المحصود خامدين لا حياة فيهم.
١٦ - وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما - بهذا النظام المحكم والصنع البديع - نلعب بها، بل جعلناها لحِكمٍ عالية يدركها المتأملون.
١٧ - لو أردنا أن نتخذ ما نلْهُو به لما أمكن أن نتخذه إلا من مُلكنا الذى ليس فى الوجود مُلك غيره، إن كنا ممن يفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله لاستحالته فى حقنا.
١٨ - بل أَمْرُنا الذى يليق بنا هو أن نقذف الحق فى وجه الباطل فَيُذْهِبه، ولكم - أيها الكافرون - الهلاك بسبب افترائكم على الله ورسوله.
١٩ - ولله - وحده - كل من فى السموات والأرض خَلقاً ومُلكاً، فمن حقه - وحده - أن يُعبد، والمقرَّبون إليه من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته والخضوع له، ولا يشعرون بالإعياء والملل من طول عبادته بالليل والنهار.
٢٠ - يُنَزّهونه جل شأنه عما لا يليق به، لا يتخلل تنزيههم هذا فُتُور، بل هو تنزيه دائم لا يشغلهم عنه شاغل.
٢١ - لم يفعل المشركون ما يفعله المقربون من إخلاص العبادة لله، بل عبدوا غيره، واتخذوا من الأرض آلهة لا تستحق أن تعبد، وكيف يُعْبَد من دون الله من لا يستطيع إعادة الحياة؟!.
٢٢ - لو كان فى السماء والأرض آلهة غير الله تُدبِّر أمرهما لاختلَّ النظام الذى قام عليه خلقهما، ولما بلغ غاية الدقة والإحكام، فتنزيهاً لله صاحبِ الملك عما ينسبه إليه المشركون.
٢٣ - لا يُحاسب - سبحانه - ولا يُسأل عما يفعل، لأنه الواحد المتفرد بالعزة والسلطان، الحكيم العليم، فلا يخطئ فى فعل أى شئ، وهم يُحاسبون ويُسألون عما يفعلون؛ لأنهم يخطئون لضعفهم وجهلهم وغلبة الشهوة عليهم.
٢٤ - لم يعرفوا حق الله عليهم، بل اتخذوا من غيره آلهة يعبدونها دون دليل معقول أو برهان صادق. قل - أيها النبى - هاتوا برهانكم على أن لله شريكاً فى الملك يبرر إشراكه فى العبادة. هذا القرآن الذى جاء مذكراً لأمتى بما يجب عليها، وهذه كتب الأنبياء التى جاءت لتذكِّر الأمم قبلى تقوم كلها على توحيد الله. بل أكثرهم لا يعلمون ما جاء فى هذه الكتب، لأنهم لم يهتموا بالتأمل فيها، فهم معرضون عن الإيمان بالله.
٢٥ - وما أرسلنا إلى الناس قبلك - أيها النبى - رسولا ما، إلا أوحينا إليه أن يبلِّغ أمته أنه لا يستحق العبادة غيرى، فأَخْلِصُوا لى العبادة.
٢٦ - وقال بعض كفار العرب: اتخذ الرحمن ولدا بزعمهم أن الملائكة بناته. تنزَّه عن أن يكون له ولد. بل الملائكة عباد مُكْرمون عنده بالقرب منه، والعبادة له.
٢٧ - لا يسبقون الله بكلمة يقولونها، قبل أن يأذن لهم بها، وهم بأمره - دون غيره - يعملون، ولا يتعدون حدود ما يأمرهم به.
٢٨ - يعلم الله كل أحوالهم وأعمالهم - ما قدَّموه وما أخَّروه - ولا يشفعون عنده إلا لمن رضى الله عنه، وهم من شدة خوفهم من الله تعالى وتعظيمهم له فى حذرٍ دائم.
٢٩ - ومن يقل من الملائكة: إنى إله يعبد من دون الله فذلك نجزيه جهنم. مثل هذا الجزاء نجزى كل الذين يتجاوزون حدود الحق، ويظلمون أنفسهم بالشرك وادعاء الربوبية.
٣٠ - أَعَمِىَ الذين كفروا ولم يبصروا أن السموات والأرض كانتا فى بدء خلقهما ملتصقتين، فبقدرتنا فَصَلَنا كلا منهما عن الأخرى، وجعلنا من الماء الذى لا حياة فيه كل شئ حى؟! فهل بعد كل هذا يُعرضون، فلا يؤمنون بأنه لا إله غيرنا؟
٣١ - ومن دلائل قدرتنا أنا جعلنا فى الأرض جبالا ثوابت، لئلا تضطرب بهم، وجعلنا فيها طرقاً فسيحة، ومسالك واسعة، لكى يهتدوا بها فى سيرهم إلى أغراضهم.
٣٢ - وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها من أن تقع أو يقع ما فيها عليهم. وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا، وحكمتنا، ورحمتنا.
٣٣ - والله هو الذى خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، كلٌ يجرى فى مجاله الذى قدَّره الله له، ويسبح فى فلكه لا يحيد عنه.
٣٤ - وما جعلنا لأحد من البشر قبلك - أيها النبى - الخلود فى هذه الحياة حتى يتربص بك الكفار الموت. فكيف ينتظرون موتك ليشمتوا بك وهم سيموتون كما تموت؟! أفإن مت يبقى هؤلاء أحياء دون غيرهم من سائر البشر؟.
٣٥ - كل نفس لا بد أن تذوق الموت، ونعاملكم فى هذه الحياة معاملة المختَبر بما يصيبكم من نفع وضر، ليتميز الشاكر للخير والصابر على البلاء من الجاحد للنعم والجازع عند المصيبة. وإلينا ترجعون فنحاسبكم على أعمالكم.
٣٦ - وإذا رآك - أيها النبى - الذين كفروا بالله وبما جئت به لا يضعونك إلا فى موضع السخرية والاستهزاء. يقول بعضهم لبعض: أهذا الذى يذكر آلهتكم بالعيب؟ وهم بذكر الله الذى يَعُمُّهم برحمته لا يصدقون.
٣٧ - وإذا كانوا يطلبون التعجيل بالعذاب فإن طبيعة الإنسان التعجل، سأريكم - أيها المستعجلون - نعمتى فى الدنيا، وعذابى فى الآخرة فلا تشغلوا أنفسكم باستعجال ما لابد منه.
٣٨ - ويقول الكافرون مستعجلين العذاب مستبعدين وقوعه: متى يقع هذا الذى تَتوعدُوننا به - أيها المؤمنون - إن كنتم صادقين فيما تقولون؟.
٣٩ - لو يعلم الذين كفروا بالله حالهم - حين لا يستطيعون أن يدفعوا عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، ولا يجدون من ينصرهم بدفعها؛ ما قالوا هذا الذى يقولونه.
٤٠ - لا تأتيهم القيامة على انتظارٍ وتوقع، بل تأتيهم فجأة فتحيّرهم فلا يستطيعون ردَّها، ولا هم يُمْهَلون ليتوبوا ويعتذروا عما قدَّموا.
٤١ - ولقد حدث للرسل قبلك أن استهزأ بهم الكفار من أممهم، فحَلَّ بالذين كفروا وسخروا من رسلهم العذاب الذى جعلوه مثال السخرية والاستهزاء.
٤٢ - قل - أيها النبى - لهم: مَنْ يحفظكم فى الليل والنهار من نقمته ويرحمكم وينعم عليكم؟ لا أحد يستطيع ذلك، بل هم منصرفون عن القرآن - الذى يذكّرهم بما ينفعهم ويدفع العذاب عنهم.
٤٣ - أَلَهُم آلهة تمنع العذاب من دوننا؟ كلا: إنهم لا يستطيعون أن يعينوا أنفسهم حتى يعينوا غيرهم. ولا أحد يستطيع أن يحفظ واحداً منهم فى جواره وصحبته إذا أردنا بهم العذاب والهلاك.
٤٤ - لم نُعجل عقاب هؤلاء بكفرهم، بل استدرجناهم ومتّعناهم فى الحياة الدنيا كما متعنا آباءهم قبلهم حتى طال عليهم العمر. أيتعامون عما حولهم فلا يرون أنا نقصد الأرض فننقصها من أطرافها بالفتح ونصر المؤمنين؟ {أفهم الغالبون، أم المؤمنون الذين وعدهم الله بالنصر والتأييد؟.
٤٥ - قل - أيها النبى -: لا أحذركم بكلام من عندى، وإنما أحذركم بالوحى الصادر عن الله لى - وهو حق وصدق - وهم لطول إعراضهم عن صوت الحق ختم الله على سمعهم حتى صاروا كالصم، ولا يسمع الصم الدعاءَ حين يخوِّفون بالعذاب.
٤٦ - وتأكد أنهم إن أصابتهم إصابة خفيفة من العذاب الذى يسخرون منه يصيحون من الهول قائلين: يا ويلنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا وغيرنا، إذ كفرنا بما أخبرنا به.
٤٧ - ونضع الموازين التى تقيم العدل يوم القيامة، فلا تُظَلَم نفس بنقص شئ من حسناتها أو زيادة شئ فى سيئاتها، ولو كان وزن حبة صغيرة أتينا بها وحاسبنا عليها، وكفى أن نكون الحاسبين فلا تظلم نفس شيئاً.
٤٨ - ولقد أعطينا موسى وهارون التوراة التى تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وهى إلى ذلك نور يهدى إلى طرق الخير والرشاد، وتذكير ينتفع به المتقون.
٤٩ - الذين يخافون خالقهم ومالك أمرهم - حال بُعْد الناس عنهم - لا يراءون أحداً، وهم من أهوال يوم القيامة فى خوف دائم.
٥٠ - وهذا القرآن تذكير كثير للخير، أنزلناه لكم كما أنزلنا الذكر على موسى، فكيف يكون منكم إنكاره وأنتم أولى الناس بالإيمان به؟}
٥١ - ولقد أعطينا إبراهيم الرشد والتفكير فى طلب الحق مخلصاً من قبل موسى وهارون، وكنا بأحواله وفضائله التى تؤهله لحمل الرسالة عالمين.
٥٢ - واذكر - أيها النبى - حين قال إبراهيم لأبيه وقومه مستخِفّاً بالأصنام التى كانوا يعظمونها ويعكفون على عبادتها: ما هذه التماثيل التى أنتم مقيمون على عبادتها؟
٥٣ - قالوا: وجدنا آباءنا يعظمونها ويخصونها بعبادتهم، فاتَّبعناهم.
٥٤ - قال: لقد كنتم فى هذه العبادة وكان آباؤكم من قبلكم فى بُعْدٍ واضحٍ عن الحق.
٥٥ - قالوا: أجئتنا فى هذا الذى تقوله بما تعتقد أنه الحق، أم أنت بهذا الكلام من الذين يلهون ويلعبون غير متحملين أى تبعة؟
٥٦ - قال: لا هزل فيما قلته، بل ربكم الذى يستحق - دون غيره - التعظيم والخشوع والعبادة هو الذى خلق السموات والأرض، وأوجدهن على غير مثال سابق. فحقه - وحده - أن يعبد، وأنا على ذلك الذى أقوله من المتحققين الذين يقولون ما يشاهدونه ويعلمونه.
٥٧ - وقال فى نفسه: أقسم بالله لأدبّرن تدبيراً أكسر به أصنامكم بعد أن تبتعدوا عنها، ليظهر لكم ضلال ما أنتم عليه.
٥٨ - ذهب إبراهيم بعد انصرافهم إلى الأصنام فحطمها وجعلها قطعاً، إلا صنماً كبيرا تركه ليرجعوا إليه ويسألوه عما وقع لآلهتهم فلا يجيبهم فيظهر لهم بطلان عبادتهم.
٥٩ - قالوا بعد أن رأوا ما حصل لأصنامهم: مَنْ فعل هذا بآلهتنا؟ إنه دون شك من الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعقاب.
٦٠ - قال بعضهم: سمعنا شاباً يذكرهم بالسب يُدعى إبراهيم.
٦١ - قال كبارهم: اذهبوا إليه فأحضروه ليُحاسب على مرأى من الناس، لعلهم يشهدون بما فعل ويشاهدون العقوبة التى سننزلها به.
٦٢ - قالوا بعد أن أحضروه: أأنت الذى فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟.
٦٣ - قال مُنَبِّهاً لهم على ضلالهم مُتَهكِّماً بهم: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوا الآلهة عمَّن فعل بها هذا إن كانوا يستطيعون أن يردوا جواب سؤالكم؟.
٦٤ - فعادوا إلى أنفسهم يفكرون فيما هم عليه من عبادة ما لا ينفع غيره، ولا يدفع عن نفسه الشر، فاستبان لهم خطؤهم، وقال بعضهم: ليس إبراهيم من الظالمين، بل أنتم - بعبادة ما لا يستحق العبادة - الظالمون.
٦٥ - ثم انقلبوا من الرشاد الطارئ إلى الضلال، وقالوا لإبراهيم: إنك قد علمت أن هؤلاء الذين نعبدهم لا ينطقون، فكيف تطلب منا أن نسألهم؟
٦٦ - قال: أيكون هذا حالهم من العجز، ويكون هذا حالكم معهم، فتعبدون من غير الله ما لا ينفعكم أقل نفع إن عبدتموه، ولا يضركم إن أهملتموه؟!.
٦٧ - قُبحاً لكم ولآلهتكم، أتعطلون تفكيركم وتُهملون الاعتبار بما تدركون؟ إن هذه الأصنام لا تستحق العبادة.
٦٨ - قال بعضهم لبعض: أحرقوه بالنار وانصروا آلهتكم عليه بهذا العقاب، إن كنتم تريدون أن تفعلوا ما تنصرون به آلهتكم.
٦٩ - فجعلنا النار باردة وسلاماً لا ضرر فيها على إبراهيم.
٧٠ - وأرادوا أن يبطشوا به فأنجيناه وجعلناهم أشد الناس خسراناً.
٧١ - ونجَّيناه ولوطاً من كيد الكائدين، فاتجها إلى الأرض التى أكثرنا فيها الخير للناس جميعاً، وأرسلنا فيها كثيراً من الأنبياء.
٧٢ - ووهبنا له إسحاق، ومن إسحاق يعقوب هبة زائدة على ما طلب، وكلا من إسحاق ويعقوب جعلناه أهل صلاح.
٧٣ - وجعلناهم أنبياء يدعون الناس ويهدونهم إلى الخير بأمرنا لهم أن يكونوا مرشدين، وألهمناهم فعل الخيرات وإدامة القيام بالصلاة على وجهها، وإعطاء الزكاة، وكانوا لنا - دون غيرنا - خاضعين مخلصين.
٧٤ - وآتينا لوطاً القول الفصل والسداد فى الحكم والعلم النافع، ونجِّيناه من القرية التى كان أهلها يعملون الأعمال الشاذة الخبيثة، إنهم كانوا قوماً يأتون الذكران - وهى فاحشة - ما سبقهم بها أحد من العالمين.
٧٥ - وسلكناه فى أهل رحمتنا، إنه من الصالحين الذين يشملهم الله برحمته ويمدهم بنصره.
٧٦ - ولنذكر هنا نوحاً من قبل إبراهيم ولوط، حين دعا ربه أن يُطهّر الأرض من الفاسقين. فاستجبنا دعاءه ونجيناه هو ومَنْ آمن مِن أهله من كرب الطوفان العظيم.
٧٧ - ومنعناه بنصرنا من كيد قومه الذين كذبوا بآياتنا الدالة على رسالته؛ إنهم كانوا أصحاب شر فأغرقناهم أجمعين.
٧٨ - واذكر - أيها النبى - داود وسليمان حين كانا يحكمان فى الزرع، إذ انتشرت فيه غنم القوم من غير أصحابه وأكلته ليلا، وكنا لحكمهما فى القضية المتعلقة به عالمين.
٧٩ - ففهمنا الفتوى سليمان، وكلا منهما أعطيناه حكمة وعلماً بالحياة وشئونها، وسخرنا مع داود الجبال ينزهن الله كما ينزِّهه داود عن كل ما لا يليق به، وسخرنا الطير كذلك يسبحن الله معه، وكنا فاعلين ذلك بقدرتنا التى لا تعجز.
٨٠ - وعلَّمنا داود صنعة نسج الدروع، لتكون لباساً يمنعكم من شدة بأس بعضكم لبعض، فاشكروا الله على هذه النعم التى أنعم بها عليكم.
٨١ - وسخَّرنا لسليمان الريح قوية شديدة الهبوب، تجرى بحسب رغبته وأمره إلى الأرض التى زدنا فيها الخير، وكنا بكل شئ عالمين، لا تغيب عنا كبيرة ولا صغيرة.
٨٢ - وسخرنا له من الشياطين من يغوصون فى الماء إلى أعماق البحار، ليستخرجوا اللؤلؤ والمرجان، ويعملوا عملا غير ذلك، كبناء الحصون والقصور، وكنا لهم مراقبين لأعمالهم، فلا ينالون أحداً بسوء، ولا يتمرَّدون على أمر سليمان.
٨٣ - واذكر - أيها النبى - أيوب حين دعا ربه - وقد أضْنَاه المرض - وقال: يا رب، إنى قد أصابنى الضُّر وآلمنى، وأنت أرحم الراحمين.
٨٤ - فأجبناه إلى ما كان يرجوه، فرفعنا عنه الضُّر، وأعطيناه أولاداً بقدر مَنْ مات من أولاده، وزدناه مثلهم رحمة به من فضلنا، وتذكيراً لغيره ممن يعبدوننا ليصبروا كما صبر، ويطمعوا فى رحمة الله كما طمع.
٨٥ - واذكر - أيها النبى - لقومك إسماعيل وإدريس وذا الكفل، كل منهم من الصابرين على احتمال التكاليف والشدائد.
٨٦ - وجعلناهم من أهل رحمتنا، إنهم من عبادنا الصالحين.
٨٧ - واذكر - أيها النبى - قصة يونس صاحب الحوت إذ ضاق بإعراض قومه عن دعوته، فهجرهم ورحل عنهم بعيداً غاضباً عليهم، ظاناً أن الله أباح له أن يهجرهم، فظن أن الله لن يقدر عليه، فابتلعه الحوت، وعاش وهو فى ظلمات البحر، ونادى ربه ضارعاً إليه معترفاً بما كان منه قائلا: يا رب، لا معبود بحق إلا أنت، أنزهك عن كل ما لا يليق بك، أعترف أنى كنت من الظالمين لنفسى بعملِ ما لا يرضيك.
٨٨ - فأجبناه إلى ما كان يرجوه، ونجيناه من الغم الذى كان فيه، ومثل هذا الإنجاء من البلاء ننجى المؤمنين الذين يعترفون بأخطائهم ويدعوننا مخلصين.
٨٩ - واذكر قصة زكريا، حين نادى ربه بعد أن رأى من قدرته سبحانه ما بعث فى نفسه الأمل فى رحمته، فقال: يا رب، لا تتركنى وحيداً دون وارث، وأنت خير الذين يرثون غيرهم، فإنك الباقى بعد فناء الخلق.
٩٠ - فحققنا رجاءه، وأجبنا دعاءه، ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى، وجعلنا زوجه العقيم صالحة للولد إن هؤلاء الأصفياء الأنبياء كانوا يسارعون فى عمل كل خير ندعوهم إليه، ويدعوننا طمعاً فى رحمتنا وخوفاً من عذابنا، وكانوا لا يعظِّمون ولا يهابون أحداً غيرنا.
٩١ - واذكر مع هؤلاء قصة مريم التى صانت فرجها، فألقينا فيها سِرَّا من أسرارنا، وجعلناها تحمل دون زوج، وجعلنا ابنها دون أب، فكانت هى وابنها دليلا ظاهراً على قدرتنا فى تغيير الأسباب والمسببات، وإننا قادرون على كل شئ.
٩٢ - إن هذه الملّة - التى هى الإسلام - هى ملّتكم الصحيحة التى يجب أن تحافظوا عليها، حال كونها ملة واحدة متجانسة لا تنافر بين أحكامها، فلا تتفرقوا فيها شيعاً وأحزاباً، وأنا خالقكم ومالك أمركم، فأخلصوا لى العبادة ولا تشركوا معى غيرى.
٩٣ - ومع هذا الإرشاد، تفرّق أكثر الناس بحسب شهواتهم، جاعلين أمر دينهم قِطَعاً، فصاروا به فِرقاً مختلفة، وكل فريق منهم راجع إلينا يحاسب على أعماله.
٩٤ - فمن يعمل عمله من الأعمال الصالحة وهو يؤمن بالله وبدينه الذى ارتضاه فلا نقص لشئ من سعيه، بل سيوفَّى جزاءه كاملا، وإنا لهذا السعى كاتبون، فلا يضيع شئ منه.
٩٥ - وممتنع على أهل كل قرية أهلكناهم بسبب ظلمهم أنهم لا يرجعون إلينا يوم القيامة، بل لابد من رجوعهم وحسابهم على سوء أعمالهم.
٩٦ - حتى إذا فتحت أبواب الشر والفساد، وأخذ أبناء يأجوج ومأجوج يسرعون خفافاً من كل مرتفع فى الجبال والطرق بعوامل الفوضى والقلق.
٩٧ - واقترب الموعود به الذى لابد من تحققه وهو يوم القيامة، فيفاجأ الذين كفروا بأبصارهم لا تغمض أبداً من شدة الهول، فيصيحون قائلين: يا خوفنا من هلاكنا، ويا حسرتنا على ما قدمنا، قد كنا فى غفلة من هذا اليوم، بل كنا ظالمين لأنفسنا بالكفر والعناد.
٩٨ - ويقال لهؤلاء الكفار: إنكم والآلهة التى عبدتموها من غير الله وقود نار جهنم، أنتم داخلون فيها معذَّبون بها.
٩٩ - لو كان هؤلاء - الذين عبدتموهم من دون الله - آلهة تستحق أن تُعْبد ما دخلوها معكم، وكل من العابدين والمعبودين باقون فى النار.
١٠٠ - لهم فيها نفَسٌ يخرج من الصدور بصوت مخنوق، لما يلاقونه من الضيق، وهم فيها لا يسمعون شيئاً يسرهم.
١٠١ - إن الذين وفَّقناهم لاتباع الحق وعمل الخير، ووعدناهم بالعاقبة الحسنة، أولئك من جهنم وعذابها مبعدون.
١٠٢ - لا يسمعون صوت فَوَران نارها، وهم فيما تشتهيه أنفسهم خالدون.
١٠٣ - لا يحزنهم الهول الأكبر الذى يفزع منه الكفار، وتستقبلهم الملائكة بالتهنئة، يقولون: هذا يومكم الذى وعدكم ربكم النعيم فيه.
١٠٤ - يوم نطوى السماء كما تُطْوى الورقة فى الكتاب، ونُعيد الخلق إلى الحساب والجزاء، لا تعجزنا إعادتهم، فقد بدأنا خلقهم، وكما بدأناهم نعيدهم، وَعَدْنا بذلك وعْداً حقاً، إنا كنا فاعلين دائماً ما نَعِدُ به.
١٠٥ - ولقد كتبنا فى الزبور - وهو كتاب داود - من بعد التوراة أن الأرض يرثها عبادى الصالحون لعمارتها، وتيسير أسباب الحياة الطيبة فيها.
١٠٦ - إن فى هذا الذى ذكرناه من أخبار الأنبياء مع أقوامهم، وأخبار الجنة والنار لكفاية فى التذكير والاعتبار، لقوم مهيئين لعبادة الله - وحده - لا تفتنهم زخارف الدنيا.
١٠٧ - وما أرسلناك - أيها النبى - إلا لتكون رحمة عامة للعالمين.
١٠٨ - قل - أيها النبى - للناس كافة: إن لُبَّ الذى أَوحَى الله به إلىَّ هو: أنه لا إله لكم إلا هو، وأن بقية ما يوحى به بعد ذلك تابع لهذا الأصل، وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تستسلموا وتخضعوا لله وحده.
١٠٩ - فإن أعرضوا عن دعوتك، فقل لهم: لقد أعلمتكم جميعاً بما أمرنى به ربى، وبذلك استوينا فى العلم، ولا أدرى ما توعدون به من البعث والحساب، أهو قريب أم بعيد؟
١١٠ - إن الله يعلم كل ما يقال مما تجهرون به، وما تكتمون فى أنفسكم.
١١١ - وما أدرى لعل إمهالكم وتأخير العذاب عنكم اختبار يمتحنكم الله به، ويمتِّعكم فيه بلذائذ الحياة إلى حينٍ قدَّره الله بحسب حكمته.
١١٢ - قل - أيها النبى -: يا رب احكم بينى وبين مَنْ بلَّغتُهم الوحى بالعدل حتى لا يستوى المؤمنون والكافرون، وربنا المنعم بجلائل النعم، المستحق للحمد والشكر، وهو المستعان به على إبطال ما تفترونه أيها الكافرون.