ﰡ
﴿ يُتركوا ﴾ يقع فيها لام الخفض، فإذا نزعتها منها كانت مَنْصوبةً. وقلّما يقولون : تركتك أن تذهب، إنما يقولونَ : تركتكَ تذهب. ولكنها جُعلت مكتفِية بوقوعِها على الناس وحدهم. وإن جعلتَ ﴿ حَسب ﴾ مَكرورة عليها كان صَوَاباً ؛ كأنّ المعْنى :﴿ أَحَسِبَ الناسُ أَن يُتْرَكُواْ ﴾، أحسِبُوا ﴿ أَن يَقُولُواْ آمَنا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾.
قال الشاعر :
فقلتُ ادعِى وأَدْعُ فإنَّ أندى | لصَوتٍ أن يُنادىَ داعيانِ |
يَعْنى أوزارهم ١٤٢ ا ﴿ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ يقول : أوزار مَنْ أضَلّوا.
( إنَّما ) في هذا الموضع حرفٌ واحدٌ، وليست على معنى ( الذي ) ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾ مردودة على ( إنّما ) كقولك : إنما تفعلونَ كذا، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعُوا على تخفيف ﴿ تَخْلُقُونَ ﴾ إلاّ أبا عبد الرحمن السُلَمِيّ فإنه قرأ ( وتَخَلّقُون إفْكا ) ينصِب التاء ويُشدّد اللام وَهما في المعْنى سَواء.
القراء مجتمعُونَ على جزم الشين وقَصْرها، إلا الحسن البصريّ فإنه مدّها في كل القرآن فقال ( النشَاءة ) ومثلها مما تقوله العرب الرأْفة، والرآفة، والكَأْبة والكآبة كلّ صواب.
يقول : القائل : وكيف وصفهم أَنهم لا يُعجزون في الأرض ولا في السماء، وليسُوا من أهْل السَّماء ؟ فالمعنى - والله أعلم - ما أنتم بمعجزينَ في الأرض ولا مَن في السَّماء بمعجزٍ. وهو من غامِضِ العربيّة للضمير الذي لم يظهر في الثاني.
ومثله قول حَسَّان :
أمَن يهجو رسولَ الله منكم | ويمدحُهُ وينصرهُ سَوَاء |
نصبها حَمزة وأضافَها ؛ ونصبها عاصم وأهل المدينة، ونوَّنوا فيها ﴿ أَوْثَانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ ﴾ ورُفعَ ناسٌ منهم الكسائي بإضافة. وقرأ الحسَن ( مَوَدّةٌ بَيْنَكُمْ ) يَرفع ولا يضيف. وهي في قراءة أُبَيّ ( إنَّما مَوَدَّةُ بَيْنهِمْ في الحياة الدُّنْيَا ) وفي قراءة عَبْدِ الله ( إنَّما مَوَدَّةُ بَيْنِكم ) وهما شاهدان لمنْ رَفع. فمَن رفعَ فإنما يرفع بالصفة بقوله ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ وينقطع الكلام عند قوله ﴿ إِنَّما اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانا ﴾ ثم قال : ليست مودّتكم تلك الأوثان ولا عبادتكم إيَّاها بشيء، إنَّما مودّة ما بينكم في الحياة الدنيا ثم تنقطع. ومَن نصب أوْقع عَليها الاتّخاذ : إنما اتّخذتموها مَوَدّةً بينكم في الحياة الدنيا. وقد تكون رفعاً على أَن تجعَلها خبراً لِما وتجعَل ( ما ) على جهة ( الذي ) كأنك قلت : إِن الذينَ اتخذتموهم أوثانا مودَّةُ بينكم فتكون المودَّة كالخبر، ويكون رفعها على ضمير ( هي ) كقوله ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعةً مِنْ نَهارٍ ﴾ ثم قال ﴿ بَلاَغٌ ﴾ أي هذا بلاغ، ذلك بلاغ. ومثله ﴿ إنَّ الذينَ يَفْتَرُونَ على اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ﴾ ثم قال ﴿ مَتَاعٌ في الدنيا ﴾ أي ذلك متاع في الحياة الدنيا وقوله ﴿ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ : يتبرّأ بعضكم من بعضٍ والعابد والمعبود في النار.
على هَطّالهم منهم بيوتٌ | كأنَّ العنكبوت هو ابتناها |
يقول : ولذكر الله إيّاكم بالثواب خير من ذكركم إيّاه إذا انتهيتم. ويكون : إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وأحَقّ أن يَنْهى.
﴿ وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ ﴾ يعنى الذين آمنوا من أهل مَكَّة.
يقول : لولاَ أن الله جَعَلَ عذاب هذه الأمّة مؤخّراً إلى يوم القيامة - وهو الأجل - لجاءهم العذاب. ثم قال ﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً ﴾ يعنى القيَامة فذكَّر لأنه يريدُ عذابَ القيَامة. وإن شئت ذكّرته على تذكير الأجَل. ولو كانت ﴿ وَلَتَأْتِيَنَّهُمْ ﴾ كان صَوَاباً يريد القيامة والسَّاعة.
قرأها العوام ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ﴾ وحدَّثني قيس عن أبى إسْحاق أن ابن مسعود قرأها ( لنُثْوِيَنَّهُمْ ) وقرأها كذلك يحيى بن وثَّاب وكلُّ حسن بَوَّأته منزلاً وأثويته منزلاً.