تفسير سورة الكوثر

تفسير ابن عطية
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية .
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
وهي مكية١.
١ هذا قول ابن عباس والكلبي ومقاتل، وقال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة: إنها مدنية..

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الكوثر
وهي مكية قوله عز وجل:
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
قرأ الحسن: «إنا أنطيناك»، وهي لغة في أعطى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واليد المنطية خير من السفلى»، وقال الأعشى: [المتقارب]
جيادك خير جياد الملوك تصان الجلال وتنطى الشعير
قال أنس وابن عمر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين: الْكَوْثَرَ: نهر في الجنة، حافتاه قباب من در مجوف وطينه مسك وحصباؤه ياقوت، ونحو هذا من صفاته، وإن اختلفت ألفاظ الرواة، وقال ابن عباس أيضا: الْكَوْثَرَ: الخير الكثير.
قال القاضي أبو محمد: كوثر: بناء مبالغة من الكثرة، ولا مجال أن الذي أعطى الله محمدا عليه السلام من النبوة والحكمة والعلم بربه والفوز برضوانه والشرف على عباده هو أكثر الأشياء وأعظمها كأنه يقول في هذه الآية: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الحظ الأعظم، قال سعيد بن جبير: النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه، فنعم ما ذهب إليه ابن عباس، ونعم ما تمم ابن جبير رضي الله عنهم، وأمر النهر ثابت في الآثار في حديث الإسراء وغيره صلى الله على محمد ونفعنا بما منحنا من الهداية. قال الحسن:
الْكَوْثَرَ، القرآن، وقال أبو بكر بن عياش: هو كثرة الأصحاب والأتباع، وقال جعفر الصادق: نور في قلبه دله عليه وقطعه عما سواه، وقال أيضا: هو الشفاعة، وقال هلال بن يساف: هو التوحيد، وقوله تعالى:
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أمر بالصلاة على العموم، ففيه المكتوبات بشروطها والنوافل على ندبها، والنحر:
نحر البدن والنسك في الضحايا في قول جمهور الناس، فكأنه قال: ليكن شغلك هذين، ولم يكن في ذلك الوقت جهاد، وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي وينحر وقاله قتادة، والقرطبي وغيره في الآية طعن على كفار مكة، أي إنهم يصلون لغير الله مكاء وتصدية، وينحرون للأصنام ونحوه، فافعل أنت هذين لربك تكن على صراط مستقيم، وقال ابن جبير: نزلت هذه الآية يوم الحديبية وقت صلح قريش قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: صل وانحر الهدي،
529
وعلى هذا تكون الآية من المدني، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: معنى الآية: صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة، فالنحر على هذين ليس بمصدر نحر بل هو الصدر، وقال آخرون المعنى: ارفع يدك في استفتاح صلاتك عند نحرك، وقوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ رد على مقالة كان كثير من سفهاء قريش يقولها لما لم يكن لرسول الله ﷺ ولد فكانوا يقولون: هو أبتر يموت فنستريح منه ويموت أمره بموته، فقال الله تعالى وقوله الحق: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، أي المقطوع المبتور من رحمة الله تعالى ولو كان له بنون فهم غير نافعيه، «والشانئ» : المبغض، وقال قتادة الْأَبْتَرُ هنا يراد به الحقير الذليل، وقال عكرمة: مات ابن للنبي ﷺ فخرج أبو جهل يقول: بتر محمد، فنزلت السورة. وقال ابن عباس: نزلت في العاصي بن وائل سمى النبي ﷺ حين مات ابنه عبد الله أبتر.
530
Icon