ﰡ
﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ اسم موصول مبتدأ، و ﴿ آمَنُواْ ﴾ صلته، وقوله: ﴿ لَنُدْخِلَنَّهُمْ ﴾ الخ، خبره. قوله: (بأن نحشرهم معهم) أي يوم القيامة، بل ويجتمعون بهم في البرزخ، فإذا مات المؤمن الصالح، اجتمعت روحه بمن أحب من الأنبياء والأولياء حتى تقوم القيامة، فحينئذ يكون موافقاً لهم في الدرجات العالية، قال تعالى:﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً ﴾[النساء: ٣١].
قوله: ﴿ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾ أي لأن بالشكر تزداد النعم، قال تعالى:﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[ابراهيم: ٧].
قوله: ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تردون فيثيب الطائع ويعذب العاصي. قوله: ﴿ وَإِن تُكَذِّبُواْ ﴾ شرط حذف جوابه تقديره: فلا يضرني تكذيبكم، وإنما تضرون أنفسكم، وقوله: ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾ دليل الجواب، ومن هنا قوله:﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾[العنكبوت: ٢٤] جمل معترضة كلام إبراهيم، وجواب قومه له، إشارة إلى أن المقصود بالخطاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (من قبلي) ﴿ مِن ﴾ اسم موصول مفعول كذب، والمعنى فلم يضر الرسل تكذيب قومهم لهم. قوله: (في هاتين القصتين) أي قصة نوح وإبراهيم. قوله: (وقد قال تعالى) أي رداً على منكري البعث. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: ﴿ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً ﴾ إن حرف توكيد ونصب، وما مصدرية، و ﴿ ٱتَّخَذْتُمْ ﴾ صلتها مسبوكة بمصدر اسم إن، و ﴿ أَوْثَاناً ﴾ مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف قدره المفسر بقوله: (تعبدونها) و ﴿ مَّوَدَّةَ ﴾ خبر إن، و ﴿ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ حال من ﴿ أَوْثَاناً ﴾ وهذا على قراءة الرفع، وقوله: (وعلى قراءة النصب) مفعول (وما كافة) أي سواء قرى بتنوين ﴿ مَّوَدَّةَ ﴾ ونصب ﴿ بَيْنِكُمْ ﴾ أو بعدم التنوين، وخفض بينكم واتخذ إما متعد لواحد أو لاثنين، والثاني هو قوله: ﴿ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ ويصح أن تكون ما اسماً موصولاً، و ﴿ ٱتَّخَذْتُمْ ﴾ صلته والعائد محذوف، والتقدير إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثاناً تعبدونها لأجل المودة بينكم، ونقل عن عاصم أنه رفع مودة غير منونة ونصب بينكم، وخرجت على إضافة مودة للظرف، وبنى لاضافته لغير متمكن كقراءة:﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾[الأنعام: ٩٤] بالفتح إذا جعل بينكم فاعلاً، فتحصل أن القراءات أربع: الرفع مع جر بين وفتحها، والنصب مع جر بين وفتحها، وكلها سبعي. قوله: (المعنى) أي الحاصل من تلك القراءات. قوله: (يتبرأ القادة) أي ينكرونهم ويقولون لهم لا نعرفكم. قوله: (صدق إبراهيم) أي نبوته وإن كان مؤمناً قبل ذلك، ويجب الوقف على لوط لأن قوله: ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ ﴾ من كلام إبراهيم، فلو وصل لتوهم أنه من كلام لوط. قوله: (أي إلى حيث أمرني ربي) دفع بذلك ما يتوهم من ظاهر اللفظ إثبات الجهة له سبحانه وتعالى. قوله: (وهاجر من سواد العراق) أي فنزل بحران هو وزوجته سارة ولوط ابن أخيه، ثم انتقل منها فنزل بفلسطين ونزل لوط بسذوم، وكان عمر إبراهيم إذ ذاك خمساً وسبعين سنة.
﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ﴾.
قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (الباقين في العذاب) أي لم يخلصوا منه، لأن الدال على الشر كفاعله، وهي قد دلت القوم على أضياف لوط، فصارت واحدة منهم بسبب ذلك.
إن قلت: مقتضى الظاهر أن يقال: فلم يمتثلوا أوامره، لأن التكذيب إنما يكون في الإخبار. أجيب: بأن ما ذكره من الأمر والنهي متضمن للخبر، كأنه قيل: الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فاجتنبوه، فالتكذيب راجع إلى الإخبار. قوله: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾ أي الزلزلة التي نشأت من صيحة جبريل عليهم، وتقدم في هود:﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ ﴾[الحجر: ٧٣] ولا منافاة بين الموضعين، فإن سبب الرجفة الصيحة، والرجفة سبب في هلاكهم، فتارة يضاف الأخذ للسبب، وتارة لسبب السبب.
قوله: (بخلاف ما ذكر من الآيات) أي فانقضت بموت الرسل. قوله: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ خصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون بذلك. قوله: (ومنه حالي وحالكم) أي من جملة ما في السماوات والأرض. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ ﴾ أي خضعوا له وعبدوه. قوله: (حيث اشتروا الكفر بالإيمان) أي أخذوا الكفر وتركوا الإيمان.
قوله: (أي نأمر بالقول) إنما أوله جمعاً بين ما هنا، وبين قوله في الأخرى﴿ لاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[البقرة: ١٧٤].
قوله: (أي جزاءه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ خطاب لفقراء الصحابة الذين كانوا يخافون من إظهار الإسلام في مكة كما قال المفسر، والإضافة لتشريف المضاف. قوله: ﴿ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ ﴾ إياي منصوب بفعل محذوف دل عليه المذكور. قوله: (كانوا في ضيق) الخ، أي فوسع الله لهم الأمر، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن تعسرت عليه العبادة في بلده، فعليه أن يهاجر منها للبلد تتيسر له فيها لقوله تعالى:﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾[الذاريات: ٥٦] فالمهم العبادة أي مكان تيسر، ولا يعول على مكان في الدنيا، لأنها دار ممر لا مقر. في طريق لا يعول على مسكن ولا قرار في طريقه. قوله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ أي لاتقيموا بدار الشرك خوفاً من الموت فإن ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ فالحكمة في تخويفهم من الموت، كون مفارقة الأوطان تهون عليهم، فإن من أيقن بالموت هان عليه كل شيء في الدنيا.
قوله: ﴿ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ فيه إقامة الظاهر مقام المضمر، لإظهار شرفهم بوصف الإحسان، والمعنى وإن الله لمعهم بالعون والنصر والمحبة، فهي معية خاصة، واليها الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:" فإذا أجبته كنت سمعه الذي يسمع به "الحديث.