تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
ﰡ
( أحسب الناس أن يتركوا... ) روي أنها نزلت في أناس من الصحابة قد جزعوا، أو جزع أهلهم من أذى المشركين لهم. أي أظن الناس أن يتركوا على ما هم عليه لقولهم : آمنا بالله ! ؟ غير ممتحنين بمشاق التكاليف ؛ كالمهاجرة والمجاهدة ووظائف الطاعات، وبفنون المصائب في الأنفس والأموال ؛ ليتميز المخلص من المنافق، وقوي الإيمان من ضعيفه، والصابر من الجزوع، فيعامل كل
بما يقتضيه حاله. يقال : حسبه يحسبه محسبة وحسبانا، ظنه. والاستفهام للتقريع والإنكار.
وجملة " أن يتركوا " سدت مسد مفعولي " حسب ". و " أن يقولوا " أي لأن يقولوا متعلق بقوله " يتركوا ". ﴿ وهم لا يفتنون ﴾ أي لا يمتحنون ويختبرون ؛ في موضع الحال من ضمير " يتركوا ".
بما يقتضيه حاله. يقال : حسبه يحسبه محسبة وحسبانا، ظنه. والاستفهام للتقريع والإنكار.
وجملة " أن يتركوا " سدت مسد مفعولي " حسب ". و " أن يقولوا " أي لأن يقولوا متعلق بقوله " يتركوا ". ﴿ وهم لا يفتنون ﴾ أي لا يمتحنون ويختبرون ؛ في موضع الحال من ضمير " يتركوا ".
﴿ ولقد فتنا الذين من قبلهم ﴾ من أتباع الأنبياء بضروب الفتن وفنون المحن فصبروا ؛ فما لهم لا يصبرون مثلهم ؛ والجملة حال من " الناس ". أي أحسبوا ذلك وقد علموا أن سنة الله تعالى على خلافه ! ﴿ فليعلمن الله الذين صدقوا ﴾ في الإيمان. ﴿ وليعلمن الكاذبين ﴾ فيه ؛ أي فليكافئن كلا بما عمل. ولترتب المكافأة على العلم أقيم السبب مقام المسبب.
أو فليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلوما ؛ لأنه تعالى عالم بهم قبل الاختبار.
أو فليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلوما ؛ لأنه تعالى عالم بهم قبل الاختبار.
﴿ أن يسبقونا ﴾ يعجزونا فلا تقدر على مجازاتهم على أعمالهم السيئة. وأصل السبق : الفوت، ثم أريد منه ما ذكر.
﴿ من كان يرجو لقاء الله ﴾ أي يخافه لما وراءه من الحساب والجزاء. أو يتوقع ملاقاة جزائه، أو حكمه يوم القيامة، أو يأمل ملاقاة ثوابه – فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا. ودليل هذا الجواب قوله تعالى :﴿ فإن أجل الله ﴾ أي فإن الوقت الذي عينه الله لذلك﴿ لآت ﴾ لا محالة.
﴿ لنكفرن عنهم سيئاتهم ﴾ لنغطينها عنهم بالمغفرة لهم ؛ من التكفير وهو ستر الشيء وتغطيته.
﴿ حسنا ﴾ أي إيصاء حسنا أي ذا حسن ؛ فهو وصف لمصدر محذوف. أو أن يفعل حسنا ؛ فهو مفعول لفعل محذوف. والمراد : البر بهما والعطف عليهما، والإحسان إليهما والطاعة لهما في المعروف.
﴿ جعل فتنة الناس ﴾ أي ما يصيبه من أذاهم﴿ كعذاب الله ﴾ في الآخرة ؛ فجزع منه ولم يصبر عليه، وأطاعهم فيما يريدون منه فكفر بالله ؛ كما يطيع الله من يخاف عذابه فيؤمن به. نزلت في المنافقين.
﴿ وليحملن أثقالهم ﴾ أوزارهم وذنوبهم التي ارتكبوها بأنفسهم﴿ وأثقالا مع أثقالهم ﴾ وأوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم من الأتباع ؛ وهو كقوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " ١.
١ آية ٢٥ النحل..
﴿ فأخذهم الطوفان ﴾ أي الماء الكثير الذي طاف بهم وعلاهم فغرقوا [ آية ١٣٣ الأعراف ص ٢٧٦ ].
﴿ أوثانا ﴾ تماثيل وأصناما مصنوعة بأيديكم من حجارة أو غيرها ؛ جمع وثن. وقد حرم بالإجماع صنع التماثيل لذي الروح واتخاذها ؛ سدا لذريعة الشرك والغواية. ﴿ وتخلقون إفكا ﴾ وتكذبون كذبا ؛ حيث تسمنها آلهة، وتجعلونها لله شركاء، وتزعمون أنها لكم عند الله شفعاء. أو تنحتونها وتصنعونها بأيديكم للإفك والكذب ؛ واللام المقدرة لام العاقبة. والإفك : الكذب، وكل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه.
﴿ أولم يروا ﴾ احتجاج على منكرى البعث، واستدلال على القدرة عليه بأدلة واضحة جلية. أي ألم ينظروا ويعلموا كيفية خلق الله تعالى الخلق ابتداء من مادة – كالنطفة والتراب – ومن غير مادة ؛ ليستدلوا بذلك على قدرته على الإعادة وهي أهون عليه ؟. والاستفهام للإنكار وتقرير الرؤية ؛ أي قد علموا ذلك. وقوله :﴿ ثم يعيده ﴾ أي ثم هو يعيده. وهو إخبار منه تعالى بالإعادة.
﴿ قل سيروا في الأرض... ﴾ أي قل لمنكري البعث : سيحوا في الأرض وتتبعوا أحوال الخلق ؛ فانظروا كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة، وطبائع متغايرة، وأخلاق شتى. والكيفية في هذه الآية باعتبار بدء الخلق على أطوار مختلفة. وفي الآية السابقة باعتبار بدء الخلق من مادة وغيرها.
﴿ ثم الله ﴾ الذي أنشأ النشأة الأولى وأوجد الخلق من العدم﴿ ينشئ النشأة الآخرة ﴾ بعد الموت ؛ فكما لم يتعذر عليه إنشاؤه مبدئا لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيدا بعد الموت.
﴿ ثم الله ﴾ الذي أنشأ النشأة الأولى وأوجد الخلق من العدم﴿ ينشئ النشأة الآخرة ﴾ بعد الموت ؛ فكما لم يتعذر عليه إنشاؤه مبدئا لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيدا بعد الموت.
﴿ وإليه تقلبون ﴾ ترجعون وتردون ؛ من القلب وهو صرف الشيء عن وجه إلى وجه آخر.
﴿ مودة بينكم ﴾ أي للتودد بينكم، والتواصل لاجتماعكم على عبادتها، واتفاقكم عليها، وللخشية من ذهاب المودة فيما بينكم إن تركتم عبادتها. منصوب على أنه مفعول له.
﴿ فآمن له لوط ﴾ وهو أول من آمن به.
﴿ وتقطعون السبيل ﴾ بالقتل ونهب الأموال. أو تعترضون السابلة بفعل الفاحشة.
﴿ أهل هذه القرية ﴾ قرية سذوم. وهي أكبر قرى قوم لوط، وأول بلد ظهرت فيه هذه الفاحشة ؛ على ما قيل.
﴿ الغابرين ﴾ الباقين في العذاب
﴿ سئ بهم ﴾ اعترته المساءة والغم بسبب مجئ الرسل ؛ مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء، كما هي عادتهم مع الغرباء وقد ظنهم من البشر. ﴿ وضاق بهم ذرعا ﴾ نفدت طاقته [ آية ٧٧ هود ص ٣٧٠ ].
﴿ رجزا من السماء ﴾ عذابا منها ؛ حجارة أو نارا، أو أمرا بالخسف وسمي بذلك لأنه يقلق المعذب ويزعجه ؛ من قولهم : ارتجز، أي ارتجز واضطرب.
﴿ آية بينة ﴾ هي آثار ديارها الخربة.
﴿ ولا تعتوا في الأرض مفسدين ﴾ لا تفسدوا فيها إفسادا ؛ من العثو وهو أشد الفساد.
﴿ فأخذتهم الرجفة ﴾ أي الزلزلة الشديدة التي رجفت منها قلوبهم ؛ بسبب صيحة جبريل عليه السلام﴿ فأصبحوا في دارهم جاثمين ﴾ باركين على الركب من شدة الهول ميتين. وأصله من جثم الطائر : إذا وقع على صدره، أو لصق بالأرض.
﴿ وما كانوا سابقين ﴾ فائتين من عذابنا.
﴿ أرسلنا عليه حاصبا ﴾ ريحا عاصفة تحصبهم بالحجارة. وهم قوم لوط.
الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
﴿ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء... ﴾ أي مثل هؤلاء في اتخاذهم الأصنام آلهة يعبدونها ويعتمدون عليها، ويرجون نفعها وشفاعتها ؛ كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتا واهيا من نسجها لا يغنى عنها في حر ولا قرّ، ولا في مطر ولا أذى. والعنكبوت : دويبة معروفة تنسج نسجا رفيعا مهلهلا في الهواء، وتطلق على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث ؛ والغالب في استعمالها التأنيث، والواو والتاء زائدتان ؛ كما في طاغوت. وجمعها عناكب وعناكيب.
﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ أي من شأنها إذا أديت كما أمر الله بالوقوف بين يديه بغاية الذلة والخضوع، ونهاية التعظيم والخشوع أن تكون مانعة لفاعلها من الفحشاء والمنكر.
﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ أي من كل شيء. أو لذكر الله تعالى أكبر من ذكركم إياه. أو لذكر العبد لله تعالى أكبر من سائر أعماله ؛ وهو أفضل الطاعات.
﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ أي من كل شيء. أو لذكر الله تعالى أكبر من ذكركم إياه. أو لذكر العبد لله تعالى أكبر من سائر أعماله ؛ وهو أفضل الطاعات.
﴿ ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن ﴾ شروع في إرشاد المؤمنين إلى أمثل الطرق في محاجة أهل الكتاب. أي لا تحاجوهم إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق وأنفعها ؛ وهي أن تكون بالرفق واللين، لا بالإغلاظ والمخاشنة ؛ فإنهما يحملان على المعاندة، ويصدان عن اتباع الحق. ﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ بالإفراط في الاعتداء والعناد، ولم ينفع الرفق – فاغلظوا لهم. والآية – على الصحيح – غير منسوخة.
﴿ يوم يغشاهم العذاب ﴾ يجللهم العذاب كالغشاء المحيط ؛ وهو عذاب الآخرة. و " يوم " ظرف لمحذوف تقديره : يكون من الأهوال ما لا يحيط به الوصف.
﴿ لنبوئنهم... ﴾ لننزلنهم على وجه الإقامة قصورا عالية بهية من الجنة. يقال : بوأت له منزلا، سويته وهيأته.
﴿ وكأين من دابة ﴾ كم من دابة [ آية ١٤٦ آل عمران ص ١٢٧ ].
﴿ فأنى يؤفكون ﴾ فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده تعالى في الألوهية، مع إقرارهم بتفرده سبحانه في الخلق والتسخير ؟ [ آية ٧٥ المائدة ص ٢٠٢ ].
﴿ ويقدر له ﴾ يضيق عليه ؛ من قدرت عليه الشيء : ضيقته ؛ كأنما جعلته بقدر.
﴿ إلا لهو ولعب ﴾ اللهو : اشتغال الإنسان بما لا يعنيه ولا يهمه. أو هو الاستمتاع بملذات الدنيا. واللعب : العبث، وهو فعل لا يقصد به مقصد صحيح. أي أن الحياة الدنيا في سرعة تقضيها ليست إلا كالشيء الذي يلهو ويلعب به الصبيان، يجتمعون عليه ويبتهجون به زمنا ثم ينصرفون عنه. ﴿ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾ لهي دار الحياة الدائمة، التي لا يعقبها موت ولا يعتريها انقضاء.
والحيوان : مصدر حي، سمى به ذو الحياة ؛ وأطلق هنا على نفس الحياة الحقة.
والحيوان : مصدر حي، سمى به ذو الحياة ؛ وأطلق هنا على نفس الحياة الحقة.
﴿ ويتخطف الناس من حولهم ﴾ يختلسون من حولهم قتلا وسبيا ؛ إذا كانت العرب حول الحرم في تغاور وتناهب، وأهل مكة آمنون ؛ من الخطف وهو الأخذ بسرعة.
﴿ مثوى الكافرين ﴾ مستقر ومكان إقامة لهم. يقال : ثوى بالمكان، أي أقام به طويلا. والاستفهام للتقرير.
﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾ أي من أجلنا ولوجهنا خالصا. ﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ بالنصر والمعونة والتوفيق لسبل الخير. والله أعلم.