ﰡ
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)
اللغة:
(الْقُدُّوسِ) بضم القاف وتشديد الدال من أسماء الله تعالى ويفتح أي الطاهر أو المبارك وكل فعول مفتوح غير قدوس وسبوح وذرّوح وفرّوج فبالضم ويفتحن.
الإعراب:
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) يسبّح فعل مضارع مرفوع ولله متعلقان به أو اللام زائدة في المفعول وما فاعل وغلب الأكثر على الأقل وفي السموات متعلقان بمحذوف هو الصلة للموصول وما في الأرض عطف على ما في السموات وما بعده صفات أو بدل من الله (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) هو مبتدأ والذي خبره وجملة بعث صلة الذي وفي الأميّين متعلقان ببعث وقد تقدم القول مسهبا في معنى الأميين في آل عمران ورسولا مفعول بعث ومنهم نعت رسولا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) جملة يتلو نعت ثان أو حال وعليهم متعلقان بيتلو وآياته مفعول به ويزكيهم عطف على يتلو وهو فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ويعلمهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أول والكتاب مفعول به ثان والحكمة عطف على الكتاب (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الواو حالية وإن مخففة من الثقيلة مهملة وكانوا فعل ماض ناقص والواو اسمها ومن قبل حال واللام الفارقة المختصّة بإن المخفّفة وفي ضلال خبر كانوا ومبين نعت لضلال (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الواو عاطفة وآخرين مجرور عطفا على الأميّين أي وبعثه في آخرين من الأميّين أو منصوب عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم أي ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم ومنهم حال من آخرين أي حال كون الآخرين من مطلق الأميين ولما حرف نفي وجزم ويلحقوا فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل
ولقد أمر على اللئيم يسبني | فمضيت ثمت قلت لا يعنيني |
البلاغة:
في قوله «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا» تشبيه تمثيلي فقد شبّه اليهود حيث لم ينتفعوا بما في التوراة من الدلالة على الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلم والإلماع إلى بعثته بالحمار الذي يحمل الكتب ولا يدري ما فيها ووجه الشبه عدم الانتفاع بما هو حاصل وكائن فالحمار يمشي في طريقه وهو لا يحسّ بشيء مما يحمله على ظهره إلا بالكد والتعب وكذلك اليهود قرءوا التوراة وحفظوها ثم أشاحوا عمّا انطوت عليه من دلائل وإرهاصات على نبوّة محمد بن عبد الله.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٦ الى ١١]
قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يا أيها الذين تقدم إعرابها كثيرا وجملة هادوا صلة وهو فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل أي اتخذوا اليهودية دينا وإن شرطية وزعمتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وأن وفي حيّزها سدّت مسدّ مفعولي زعمتم وأن واسمها وأولياء الله خبرها ولله متعلقان بمحذوف نعت لأولياء أو بنفس أولياء ومن دون الناس نعت ثان أو حال والفاء رابطة للجواب لأنه جملة طلبية وتمنّوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والموت مفعول به وإن شرطية وكان واسمها وخبرها والجواب محذوف أي فتمنّوه (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الواو حرف عطف ولا نافية ويتمنّونه فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والهاء مفعول به وأبدا ظرف متعلق بيتمنّونه وبما متعلقان بما في معنى النفي لأنها سبب لنفي التمنّي وجملة قدّمت صلة وأيديهم فاعل والله مبتدأ وعليم خبر وبالظالمين متعلقان بعليم (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) قل فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت وإن واسمها والذي نعت للموت وجملة تفرّون صلة ومنه متعلقان بتفرّون والفاء رابطة لما تضمنه الموصول من معنى الشرط، وإن واسمها وملاقيكم خبرها وجملة فإنه ملاقيكم خبر إن
تقديره إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه» وتركوك فعل ماض وفاعل ومفعول به وقائما مفعول به ثان ويجوز إعرابه حالا وجملة تركوك قائما حالية من فاعل انفضّوا وقد مقدّرة ولك أن تجعلها معطوفة منسوقة على سوابقها (قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ما اسم موصول في محل رفع مبتدأ وعند الله ظرف متعلق بمحذوف هو الصلة وخير خبر ومن اللهو متعلقان بخير ومن التجارة عطف على من اللهو والله مبتدأ وخير الرازقين خبر.
الفوائد:
قرأ العامة الجمعة بضمتين وقرأ ابن الزبير وزيد بن علي وأبو حيان وأبو عمرو في رواية بسكون الميم فقيل هي لغة في الأولى وسكنت تخفيفا وهي لغة تميم وقيل هو مصدر بمعنى الاجتماع وقل لما كان بمعنى الفعل صار كرجل هزأة أي يهزأ به فلما كان في الجمعة معنى التجمع سكن لأنه مفعول به في المعنى أو يشبهه وكانت العرب تسمّيه العروبة وقيل سمّاه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه وإليه وفي الكشاف: «وقيل إن الأنصار قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله فيه
هذا ومن يرد الإطالة والإفاضة فليراجع كتب السنّة والفقه ومطولات التفاسير.