ﰡ
ولما كانت تفوق الوصف في عظم شأنها وجليل سلطانها، عبر عن ذلك وزاده عظماً بالإلهام والإظهار في موضع الإضمار مشيراً بالاستفهام إلى أنها مما يستحق السؤال عنه على وجه التعجيب والاستعظام فقال: ﴿ما القارعة﴾ وأكد تعظيمها إعلاماً -
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال الله سبحانه وتعالى: «أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور» كان ذلك مظنة لأن يسأل: متى ذلك؟ فقيل: يوم القيامة الهائل الأمر، الفظيع الحال، الشديد البأس، والقيامة هي القارعة، وكررت تعظيماً لأمرها كما ورد في قوله تعالى ﴿الحاقة ما الحاقة﴾ [الحاقة: ١ - ٢] وفي قوله سبحانه: ﴿فغشيهم من اليم ما غشيهم﴾ [طه: ٧٨] ثم زاد عظيم هوله إيضاحاً بقوله تعالى ﴿يوم يكون الناس كالفراش المبثوث﴾ والفراش ما تهافت في النار من البعوض، والمبثوث: المنتشر ﴿وتكون الجبال كالعهن المنفوش﴾ والعهن: الصوف المصبوغ، وخص لإعداده للغزل إذ لا يصبغ لغيره بخلاف الأبيض فإنه - لا يلزم فيه ذلك، ثم ذكر حال الخلق في وزن الأعمال وصيرورة كل فريق إلى ما كتب له وقدر - انتهى.
ولما ألقى السامع جميع فكره إلى تعرف أحوالها، قال ما تقديره: تكون ﴿يوم يكون﴾ أي كوناً كأنه جبلة ﴿الناس﴾ أي الذين حالهم
ولما كانت الجبال أشد ما تكون، عظم الرهبة بالإخبار بما يفعل بها فقال تعالى: ﴿وتكون الجبال﴾ على ما هي عليه من الشدة والصلابة وأنها صخور راسخة ﴿كالعهن﴾ أي الصوف المصبغ لأنها ملونة كما قال تعالى:
﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر﴾ [فاطر: ٢٧] أي وغير ذلك ﴿المنفوش *﴾ أي المندوف المفرق الأجزاء الذي ليس هو بمتلبد شيء منه على غيره،
ولما كان اليوم إنما يوصف لأجل ما يقع فيه، سبب عن ذلك قوله مفصلاً لهم: ﴿فأما من ثقلت﴾ أي بالرجحان. ولما كانت الموزونات كثيرة الأنواع جداً، جمع الميزان باعتبارها فقال: ﴿موازينه *﴾ أي مقادير أنواع حسناته باتباع الحق لأنه ثقيل في الدنيا واجتناب الباطل، والموزون الأعمال أنفسها تجسداً وصحائفها ﴿فهو﴾ بسبب رجحان حسناته ﴿في عيشة﴾ أي حياة تتقلب فيها، ولعله ألحقها الهاء الدالة على الوحدة - والمراد العيش - ليفهم أنها على حالة واحدة - في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا ﴿راضية *﴾ أي ذات رضى أو مرضية لأن أمه - جنة عالية ﴿وأما من خفت﴾ أي طاشت ﴿موازينه *﴾ أي بأن غلبت سيئاته أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا ﴿فأمه﴾ أي التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض: أم - لأنها تقصد لذلك، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأم، وكذا المسكن، وهو يفهم أنه مخلوق منها غلب عليه طبع الشيطان لكون العنصر الناري أكثر أجزائه، وعظمها بالتنكير والتعبير بالوصف المعلم بأنه لا قرار لها فقال: ﴿هاوية *﴾ أي نار نازلة سافلة جداً فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلاً وهو في عيشة ساخطة، فالآية من الاحتباك، ذكر العيشة أولاً دليلاً على حذفها ثانياً، وذكر
ولما كانت مما يفوت الوصف بعظيم أهوالها وشديد زلزالها، جمع الأمر فيها فقال منكراً أن يكون مخلوق يعرف وصفها: ﴿وما أدراك﴾ أي وأيّ شيء أعلمك وإن اشتد تكلفك ﴿ما هيه *﴾ أي الهاوية لأنه لم يعهد أحد مثلها ليقيسها عليه، وهاء السكت إشارة إلى إن ذكرها مما يكرب القلب حتى لا يقدر على الاسترسال في الكلام أو إلى - أنها مما ينبغي للسامع أن يقرع بهذا الاستفهام عنها سمعه فيسكت لسماع الجواب وفهمه غاية السكوت ويصغي غاية الإصغاء.
ولما هوّلها بما ذكر، أتبعها ما يمكن البشر معرفته من وصفها فقال ﴿نار حامية *﴾ أي قد انتهى حرها، هذا ما تتعارفونه بينكم، وأما التفاصيل فأمر لا يعلمه إلا الله تعالى، وهذا نهاية القارعة، فتلاؤم الأول للآخر واضح جداً وظاهر - والله أعلم.
مقصودها التصريح بما أشارت إليه العاديات من أن سبب الهلاك يوم الجمع. الذي صورته القارعة. الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال، واسمها واضح الدلالة على ذلك) بسم الله (ذي الجلال والإكرام) الرحمن (الذي عم بالإنعام، بالبيان - بعد الاتهام، والإيجاد بعد الإعدام) الرحيم (الذي خص أهل وده بدوةام نعمتهم بالإتمام.