تفسير سورة القارعة

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة القارعة
مكية، عددها إحدى عشرة آية كوفي.

قوله: ﴿ ٱلْقَارِعَةُ ﴾ [آية: ١] ثم بين لهم ﴿ مَا ٱلْقَارِعَةُ ﴾ [آية: ٢] فقال: يقرع الله عز وجل أعداءه، ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ ﴾ [آية: ٣] تعظيماً لها لشدتها، وكل شىء في القرآن وما أدراك، فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكل شىء في القرآن وما يدريك فمما لم يخبر به، وفى الأحزاب:﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾[الأحزاب: ٦٣].
وقال في هذه السورة: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ ﴾ ثم أخبر عنها، فقال: ﴿ يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ ﴾ [آية: ٤] يقول: إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم في بعض، فشبههم بالفراش المبثوث، وشبههم في الكثرة بالجراد المنتشر، فقال:﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾[القمر: ٧]، ثم قال: ﴿ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ ﴾ [آية: ٥] يقول: تكون الجبال يومئذ بعد القوة والشدة كالصوف المندوف عرقها في الأرض السفلى، ورأسها في السماء، يقول: هو جبل فإذا مسسته فهو لا شىء من شدة الهول: فما حالك يومئذ يا ابن آدم، قال: كالصوف المنفوش في الوهن، أوهن ما يكون الصوف إذا نفش ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ [آية: ٦] يقول: من رجحت موازينه بحسناته.﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [آية: ٧] ولا يثقل الميزان إلا قول: لا إله إلا الله بقلوب المخلصين في الأعمال، وهم الموحدون، يعني في عيش في الجنة برضاه ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ [آية: ٨] بسيئاته وهو الشرك لأنه لا يرى شيئاً مما كسب إلا صار كالرماد، فاشتدت به الريح في يوم شديد الريح، وكما أنه ليس في الأرض شىء أخبث من الشرك، فكهذا ليس شىء أخف من الشرك في الميزان، ولا إله إلا الله ثقيلة، وصاحبها ثقيل كريم رزين عند الله عز وجل، فيأتي صاحب التوحيد بأعماله الصالحة فيثقل ميزانه، ويأتي صاحب الشرك بأعماله الصالحة فلا تكون له حسنة توزن معه، فهو خفيف ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ وهى الجنة، يعني براضيه أنه لا يسخط بعد دخولها أبداً.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ وهوالشرك.﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ [آية: ٩] يقول: لا تحمله الأرض، ولا تظله السماء، ولا شىء إلا النار، فذلك قوله: ﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ يعني أصله هاوية، كقوله:﴿ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ ﴾[الأنعام: ٩٢] يعنى، أصل القرى يعني مكة. ثم قال: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [آية: ١١] يقول: نار حامية تحمى ستة أبواب من جهنم.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ يقول: خفت موازينه بسيئاته وحق لميزان لا يقع فيه الحق أن يخف لأن الحق ثقيل مرىء، والباطل خفيف وبىء ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾ تعظيماً لشدتها، ثم أخبر عنها، فقال: هي: ﴿ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ يقول: انتهى حرها.
Icon